(49) مَا هُوَ دَلِيلُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِى الرَّدِّ عَلَى الْوَهَّابِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ.
اعْلَمْ أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ مُشَبِّهَةٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ فِى جِهَةٍ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ ذَكَرَ هَذَا الِاعْتِقَادَ الْفَاسِدَ ابْنُ الْعُثَيْمِين فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى فَتَاوَى الْعَقِيدَةِ وَابْنُ بَازٍ فِى مَجَلَّةِ الْحَجِّ فَكَذَّبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْعَلَقِ ﴿كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِى أَنَّ السَّاجِدَ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ وَلا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَىْ بِإِثْبَاتِ الْمَسَافَةِ لِلَّهِ بِالْحُلُولِ عَلَى الْعَرْشِ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكَانَ الْوَاقِفُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنَ السَّاجِدِ. وَالْقُرْبُ الْمَذْكُورُ فِى هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْقُرْبُ الْمَعْنَوِىُّ أَىِ السَّاجِدُ أَقْرَبُ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَأَقْرَبُ إِلَى اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ أَمَّا عَلَى اعْتِقَادِ الْوَهَّابِيَّةِ يَكُونُ الْقَائِمُ أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ مِنَ السَّاجِدِ وَهَذَا خِلافُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ فِى نَقْضِ عَقِيدَتِهِمْ لِأَنَّ الْفَضْلَ عِنْدَ الْوَهَّابِيَّةِ لِلْجِهَةِ فَعَلَى مُوجَبِ قَوْلِهِمْ مَا كَانَ أَقْرَبُ إِلَى الْعَرْشِ أَفْضَلُ مِمَّا سِوَاهُ فَيَكُونُ الْمُسَافِرُونَ بِالطَّائِرَةِ مِنَ الْكُفَّارِ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّاجِدِينَ لِلَّهِ فِى بُيُوتِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ. وَاللَّهُ تَعَالَى يُوصَفُ بِالْقَرِيبِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكَانَ بَعِيدًا وَلَمْ يَكُنْ قَرِيبًا. ثُمَّ الْمَكَانُ هُوَ مَا يَشْغَلُهُ الْحَجْمُ مِنَ الْفَرَاغِ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ فِى مَكَانٍ لَكَانَ حَجْمًا وَلَوْ كَانَ حَجْمًا لَاحْتَاجَ إِلَى مَنْ جَعَلَهُ عَلَى هَذَا الْحَجْمِ وَالْمُحْتَاجُ لا يَكُونُ إِلَهًا وَلَوْ جَازَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ حَجْمٌ لَجَازَ أَنْ تُعْتَقَدَ الأُلُوهِيَّةُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِىِّ النَّابُلُسِىُّ فِى الْفَتْحِ الرَّبَّانِىِّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ (جِسْمٌ) مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَوْ أَنَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِىُّ الْمُجَسِّمُ كَافِرٌ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْخِصَالِ الْحَنْبَلِىُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَالَ اللَّهُ جِسْمٌ لا كَالأَجْسَامِ كَفَرَ. فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَهَّابِىَّ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِيمَ الْحُجَّةَ عَلَى عَابِدِ الشَّمْسِ الَّذِى لا يُؤْمِنُ بِالْقُرْءَانِ بِأَنَّ الشَّمْسَ لا تَسْتَحِقُّ الأُلُوهِيَّةَ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ فَوْقَ الْعَرْشِ وَعَابِدُ الشَّمْسِ كَذَلِكَ يَعْبُدُ جِسْمًا مُتَحَيِّزًا فِى الْفَضَاءِ.