#48 2-5 المعاصي المتعلقة باللسان
الحمدُ لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه. أمّا بعد فإنّ من معاصى اللسان اليمينَ الكاذبةَ وهى من كبائر الذنوب. ويقال لها اليمينُ الغَمُوسُ، لأنها تغمِسُ صاحبَهَا غَمْسًا فى الذنب. وأمّا إذا حلف الشخص باللهِ أو بصفاتِهِ وهو صادق فلا إثم فى ذلك. أمّا إن حلف صادقًا بغيرِ الله تعالى كأن حلف بالنبىّ أو بالكعبة فقد اختلف علماء الأمّة فى ذلك. منهم من قال-كالشافعى-مكروه كراهة شديدة ولا يصل إلى درجة الحرمة. ومنهم من قال-كالإمام أحمد-هو حرام. واليمينُ الكاذبة عُدت من كبائر الذنوب لأنّ تَجَرَّؤَ الإنسانِ على أن يَحْلِف بالله مع كونه كاذبًا أى تَجَرُّؤَهُ على أن يوردَ اسمَ الله أو صفةً من صفات الله فى الحلف الكاذب فيه تهاونٌ فى تعظيم الله عزّ وجلّ، ولذلك هى من كبائر الذنوب.
وليعلم أنّ من معاصى اللسان قذفَ المسلمِ بالزنى، سواء كان ذلك صريحًا أو كناية بنية. مثال ذلك أن يقولَ شخصٌ لآخر يا زاني ، أو أن يقول له يا ابن الزانى أو يا ابن الزانية، أو أن يقول له يا لائِطُ، وكلّ هذا صريح. كذلك لو قال له يا فاجرُ ونيتُه بكلمةِ فاجر نسبَتُهُ إلى الزنا فهذا أيضًا قذف، أو قال له يا فاسق ومرادُه نسبته إلى الزنا فهذا أيضًا يُعَدُّ قذفًا. والقذفُ من كبائرِ الذنوب وفيه الحدُ أى فيه عقوبةٌ مبينةٌ ومحددةٌ فى شرع الله تعالى. أما لو عَرَّضَ تعريضًا به فهذا وإن كان حرامًا فلا حَدَّ فيه. وذلك كأن يقولَ بقصدِ أن يطعن به: يا ابن الحلال ونيتُه عكسُ ذلك، أو كأن يقول: أما أنا فلستُ بزانٍ ونيتُه أنك أنت زاني. هذا يقال له تعريض وهو حرام، لكن لا حَدَّ فيه فكلّ ما مَرّ من القذف هو ذنب كبير لكن فى الحالة الأخيرة لا حدَّ فيه إنما فيه التعزير، أى عقوبةٌ يراها الحاكمُ مناسبةً لزجره.
وَيُحَدُّ القاذفُ الحُرُّ ثمانينَ جلدةً بالسوط، هذا إذا كان القاذف حرًا فحدُّه ثمانونَ بالإجماع. وأما العبدُ فحدُّه على النصفِ من ذلك أى أربعونَ جلدة.
ومن معاصي اللسان سبُّ الصحابة. فإنْ سَبَّهُمْ شخصٌ كُلَّهُمْ أى إن شَمَلَهُم كلَّهم بالسب والاستهزاء فهو كافر، لأنّه بهذا يهدِمُ دين الله، لأنّ أحكام الدين ما وصلتنا إلا من طريقهم. فالذى ينسب إليهم كلّـهِم عدمَ العدالة يكون مُؤَدَّى كلامه رفعَ الثقة بالشرع الذى نقلوه وتكذيبَ ءاياتِ القرءان وهذا كله كفر. وقد قال الله تعالى عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان: رضى الله عنهم ورضُوا عنه . فمَن زعم أنّ كلَّ الصحابةِ مذمومون فقد كذَّب هذه الآية. أمّا الذى يشتُمُ واحدًا من أتقياءِ الصحابة فهو ءاثمٌ بلا شك. وليس من الانتقاصِ للصحابةِ أن يقال إنّ من قاتل عليًا كان باغيًا. وذلك لأنّ بعضَ الصحابة وقفوا فى صفِّ مَن قاتل عليًا، والإمامُ علىّ كان خليفةً راشدًا واجبَ الطاعة. فمن خرج عن طاعته وقاتله فهو ءاثم، وذلك مثلُ معاويةَ بنِ أبى سفيان فإنّه بَغَى بقتاله للإمامِ علىّ. وقد نبَّهَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمرِ قبلَ حصولِهِ بقوله: “ويحَ عمارٍ تقتُلُهُ الفئةُ الباغيةُ، يدعوهُم إلى الجنةِ ويدعُونَه إلى النّار”، وهذا حديثٌ صحيحٌ بل القسم الأول منه – أي إلى قوله عليه الصلاة والسلام، الباغية – متواترٌ رواهُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نحو عشرينَ منَ الصحابةِ ومنهُم معاويةُ نفسُهُ. ثم قُتِلَ عمّار فى صِفّـِين قتَلَهُ جنودُ معاوية. فإذا قال إلانسانُ بأنّ من حاربوا سيدَنا عليًا كانوا بغاةً فهو إنما يقولُ ما قاله سيدنا رسول الله ، ولا حرجٍ فى ذلك. والله تعالى أعلم وأحكم نسأل الله تعالى أن يفقهنا في أمر ديننا والحمد لله رب العالمين