(48) مَا هُوَ دَلِيلُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِى الرَّدِّ عَلَى الْمُشَبِّهَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ نَفْىَ الْمَكَانِ عَنِ اللَّهِ نَفْىٌ لِوُجُودِ اللَّهِ.
يَكْفِى فِى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الْمَكَانِ وَالْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الشُّورَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَكَانٌ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ وَأَبْعَادٌ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُحْدَثًا أَىْ مَخْلُوقًا. وَرَوَى الْبُخَارِىُّ وَابْنُ الْجَارُودِ وَالْبَيْهَقِىُّ بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ، أَىْ كَانَ اللَّهُ مَوْجُودًا فِى الأَزَلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ لا أَرْضٌ وَلا سَمَاءٌ وَلا كُرْسِىٌّ وَلا عَرْشٌ وَلا مَكَانٌ وَلا جِهَاتٌ فَهُوَ تَعَالَى مَوْجُودٌ قَبْلَ الْمَكَانِ بِلا مَكَانٍ وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ الْمَكَانَ فَلا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَلَيْسَ مِحْوَرُ الِاعْتِقَادِ عَلَى الْوَهْمِ أَىْ أَنَّ الِاعْتِقَادَ الصَّحِيحَ لا يُبْنَى عَلَى الْوَهْمِ بَلْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ الصَّحِيحُ السَّلِيمُ الَّذِى هُوَ شَاهِدٌ لِلشَّرْعِ أَىْ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَحْدُودَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ حَدَّهُ بِذَلِكَ الْحَدِّ أَىْ أَنَّ كُلَّ مَا لَهُ حَجْمٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ جَعَلَهُ عَلَى هَذَا الْحَجْمِ فَلا يَكُونُ إِلَهًا فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ وَلا كَمِيَّةٌ وَلا يَتَحَيَّزُ فِى مَكَانٍ أَوْ جِهَةٍ فَكَمَا صَحَّ وُجُودُ اللَّهِ تَعَالَى بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ قَبْلَ خَلْقِ الأَمَاكِنِ وَالْجِهَاتِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ وُجُودُهُ تَعَالَى بَعْدَ خَلْقِ الأَمَاكِنِ وَالْجِهَاتِ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ وَاعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ لا يَكُونُ نَفْيًا لِوُجُودِ اللَّهِ كَمَا زَعَمَتِ الْمُشَبِّهَةُ وَمِنْهُمُ الْوَهَّابِيَّةُ فَالتَّحَيُّزُ فِى الْمَكَانِ هُوَ أَخْذُ مِقْدَارٍ مِنَ الْفَرَاغِ فَاللَّهُ تَعَالَى بِمَا أَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا كَثِيفًا وَلا لَطِيفًا لا يَجُوزُ فِى حَقِّهِ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرًا مِنَ الْفَرَاغِ وَالتَّحَيُّزُ فِى الْمَكَانِ نَقْصٌ فِى حَقِّ اللَّهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ التَّحَيُّزِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَدٌّ أَىْ حَجْمٌ وَمِقْدَارٌ وَلَوْ كَانَ ذَا حَدٍّ وَمِقْدَارٍ لَاحْتَاجَ إِلَى مَنْ جَعَلَهُ بِذَلِكَ الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ وَالْمُحْتَاجُ لا يَكُونُ إِلَهًا.