#47 1-5 المعاصي المتعلقة باللسان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأمي الأمين وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين. أما بعد نبدأ الآن إن شاء الله ببيان معاصى اللسان. وهى أكثر المعاصى التى يفعلها ابن ءادم كما ثبت فى الحديث: “أكثر خطايا ابن ءادم من لسانه”. والحديث صحيح رواه الطبرانى عن عبد الله بن مسعود عن سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن محرمات اللسان الغيبة. والغيبة كما عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم هى أن تقول عن مسلم فى خلفه كلاما لا يحب أن يقال عنه مما فيه ذم أى مما فيه نسبة نقص إليه مما هو فيه. ومثال ذلك أن يقول الشخص عن ءاخر: فلان قصير، أو فلان سىء الخلق، أو فلان ولده قليل الأدب، أو فلان لا يرى لأحد فضلا، أو فلان تحكمه زوجته، أو فلان كثير النوم أو كثير الأكل، أو وسخ الثياب، أو بيته غير مرتب، وما شابه ذلك. فلو تعلقت مثل هذه الألفاظ بنفس المسلم الآخر أو بأحد من عائلته أو ببيته أو بثوبه أو بنحو ذلك فهى غيبة محرمة. لكن قسما من مثل هذه الألفاظ قد تستعمل أحيانا للمدح فلا تكون غيبة كأن يقال أثاث بيت فلان عتيق ويراد بذلك وصفه بالزهد وعدم التعلق بالدنيا. فهنا لا يكون هذا ذما بل يكون مدحا فلا يكون حراما.
والغيبة قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة. فإذا كان المغتاب -أى الشخص الذى يغتاب أى يتكلم عنه بالغيبة- تقيا فغيبته كبيرة. أما إذا كان المغتاب فاسقا فلا تعتبر غيبته كبيرة، إلا إذا وصل الأمر إلى حد التفاحش بغيبته بحيث يغتابه كثيرا فهنا تصير كبيرة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن من أربى الربا استطالة الرجل فى عرض أخيه المسلم”. ومعنى الاستطالة أن يكثر من ذمه، فيكون هذا ذنبا كبيرا والعياذ بالله تعالى. والحديث رواه أبو داود. كل هذا إذا كان الكلام الذى يقال فى ذم ذلك المسلم فيه. فإن كان كذبا فالمعصية أشد، وتسمى البهتان. وكما يحرم أن يتكلم الشخص بالغيبة يحرم عليه أن يسكت عن إنكارها مع القدرة. وأما التحذير من أهل الفساد والغش فلا يدخل تحت الغيبة المحرمة، وإنما يدخل فى باب الغيبة الواجبة. وذلك مثل أن يعرف أن عاملا يعمل عند شخص ويخونه، فهنا لا بد أن يبـين لصاحب العمل. كذلك لو عرف أن إنسانا يتصدر للتدريس وهو ليس أهلا ففى هذه الحال لا بد أن يحذر منه.
ومن معاصي اللسان النميمة، ومعناها أن ينقل كلاما بين اثنين من واحد لآخر ومن الآخر للأول وهكذا حتى يفسد ما بينهما. فهذا حرام من الكبائر. وقد صح فى الحديث “لا يدخل الجنة قـتات” والقتات النمام. يعنى لا يدخلها مع الأولين، إنما يدخلها بعد عذاب مع الآخرين، والحديث فى البخارى وغيره. والنميمة من أكثر أسباب عذاب القبر. ومثل النميمة فى تسبيب عذاب القبر بعض الذنوب الأخرى كالغيبة وعدم التنـزه من البول.
ومن معاصي اللسان التحريش بين اثنين بقول أو بغير نقل قول بينهما. أى إن حرك كلا منهما حتى يعادى الآخر ويخاصمه ويؤذيه. وكذلك التحريش بين البهائم حرام، مثل أن يحرش بين ديكين أو جديين ليتقاتلا، فإن هذا حرام لا يجوز فى شرع الله، ولو لم يصاحبه رهان على مال.
ومن معاصي اللسان الكذب، والكذب معناه أن يخبر الإنسان عمدا بما يعلم أنه خلاف الواقع أى وهو يعرف أن الواقع غير ذلك. هذا هو الكذب المحرم. أما إن لم يكن يعلم أن الأمر على خلاف ما هو أخبر بل اعتقد أنه الواقع فهذا ليس الكذب المحرم. والكذب معصية سواء كان فى جد أو فى مزح. وهو مراتب منه ما يبلغ درجة الكفر، ومنه ذنب كبير دون الكفر، ومنه ما هو من صغائر الذنوب. والله تبارك تعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.