الأحد ديسمبر 22, 2024

(47) اذْكُرِ الدَّلِيلَ الْعَقْلِىَّ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ.

      يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَوْجُودٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ وَالْحَدُّ مَعْنَاهُ الْكَمِيَّةُ أَىْ مِقْدَارُ الْحَجْمِ فَإِذَا قَالَ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِمَحْدُودٍ فَمَعْنَاهُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا لَهُ كَمِيَّةٌ لِأَنَّ كُلَّ شَىْءٍ لَهُ كَمِيَّةٌ مِنَ الذَّرَّةِ إِلَى الْعَرْشِ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ أَوْجَدَهُ عَلَى هَذِهِ الْكَمِيَّةِ، الشَّمْسُ لَهَا كَمِيَّةٌ لَهَا حَدٌّ وَمِقْدَارٌ تَحْتَاحُ إِلَى مَنْ جَعَلَهَا عَلَى هَذَا الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ وَلا يَصِحُّ فِى الْعَقْلِ أَنْ تَكُونَ هِىَ أَوْجَدَتْ نَفْسَهَا عَلَى هَذَا الْحَدِّ الَّذِى هِىَ عَلَيْهِ، الْعَقْلُ لا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ الشَّىْءَ لا يَخْلُقُ نَفْسَهُ وَلَمَّا كَانَتِ الشَّمْسُ مَعَ عُظْمِ نَفْعِهَا لا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ إِلَهًا لِلْعَالَمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَالِقُهَا لا كَمِيَّةَ لَهُ لَيْسَ شَيْئًا لَهُ كَمِيَّةٌ، الْعَرْشُ الْكَرِيمُ لَهُ كَمِيَّةٌ أَعْظَمُ كَمِيَّةٍ فِى الْمَخْلُوقَاتِ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ أَوْجَدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِّ الَّذِى هُوَ عَلَيْهِ وَلا يَصِحُّ فِى الْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ هُوَ خَلَقَ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ مَا بَيْنَ الذَّرَّةِ وَالْعَرْشِ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ أَوْجَدَهُ عَلَى الْكَمِيَّةِ الَّتِى هُوَ عَلَيْهَا فَمُوجِدُ هَذِهِ الْعَوَالِمِ يَجِبُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ لَيْسَ شَيْئًا لَهُ كَمِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ كَمِيَّةٌ لَاحْتَاجَ إِلَى مَنْ جَعَلَهُ عَلَى هَذِهِ الْكَمِيَّةِ وَهَذَا لا يَرْتَابُ أَىْ لا يَشُكُّ فِيهِ ذُو عَقْلٍ صَحِيحٍ أَمَّا هَؤُلاءِ الْمُجَسِّمَةُ الْوَهَّابِيَّةُ وَأَشْبَاهُهُمُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ جِرْمٌ أَىْ جِسْمٌ لَهُ كَمِيَّةٌ بِقَدْرِ الْعَرْشِ لا أَصْغَرَ وَلا أَكْبَرَ هَؤُلاءِ مَا عَرَفُوا اللَّهَ، اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَوْ كَانَ لَهُ كَمِيَّةٌ لَاحْتَاجَ إِلَى مَنْ جَعَلَهُ وَأَوْجَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْكَمِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْعَرْشَ مُحْتَاجٌ لِمَنْ جَعَلَهُ عَلَى الْكَمِيَّةِ وَالْحَدِّ الَّذِى هُوَ عَلَيْهِ وَهَذَا شَىْءٌ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ حَدٌّ وَكَمِيَّةٌ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ لا تُحْصَى لَكَانَ الإِنْسَانُ مِثْلًا لَهُ وَالشَّمْسُ لَكَانَتْ مِثْلًا لَهُ وَالْعَرْشُ لَكَانَ مِثْلًا لَهُ فَلِذَلِكَ عَمَلًا بِهَذِهِ الآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَوُقُوفًا عِنْدَ الدَّلِيلِ الْعَقْلِىِّ وَجَبَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنِ الْحَدِّ وَالْكَمِيَّةِ وَهَذَا شَىْءٌ ثَبَتَ فِى عِبَارَاتِ السَّلَفِ الصَّالِحِ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ الأُولَى قَرْنِ الصَّحَابَةِ وَقَرْنِ التَّابِعِينَ وَقَرْنِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ قَالَ سَيِّدُنَا عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ إِلَهَنَا مَحْدُودٌ فَقَدْ جَهِلَ الْخَالِقَ الْمَعْبُودَ، رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِى الْحِلْيَةِ. هَذَا هُوَ كَلامُ السَّلَفِ أَمَّا الْوَهَّابِيَّةُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ زُورًا وَكَذِبًا أَنَّهُمْ سَلَفِيَّةٌ فَلَيْسُوا عَلَى عَقِيدَةِ السَّلَفِ فَقَدْ قَالَ إِمَامُهُمْ ابْنُ بَازٍ فِى تَعْلِيقِهِ عَلَى الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ إِنَّ اللَّهَ لَهُ حَدٌّ لا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ وَكَلامُهُ هَذَا فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ. وَقَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ سَلَفُهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ بِأَنَّ اللَّهَ مَحْدُودٌ وَلا يَعْلَمُ حَدَّهُ إِلَّا هُوَ وَقَدْ صَرَّحَ فِى بَعْضِ كُتُبِهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِقَدْرِ الْعَرْشِ لا أَكْبَرَ مِنْهُ وَلا أَصْغَرَ. عَجَبًا كَيْفَ يَعْتَقِدُ ابْنُ تَيْمِيَةَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ مُسْتَقِرٌّ فَوْقَ الْعَرْشِ بِقَدْرِ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ بِذَاتِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الأُولَى وَقَدْ ثَبَتَ فِى الْحَدِيثِ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِى أَرْضٍ فَلاةٍ أَىْ كَحَبَّةٍ صَغِيرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَحْرَاءَ كَبِيرَةٍ فَعَلَى مُقْتَضَى كَلامِهِ أَنَّ اللَّهَ يَتَصَاغَرُ حَتَّى تَسَعَهُ السَّمَاءُ الأُولَى وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.