الأحد ديسمبر 22, 2024

#45  6-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام

أقام موسى عليه السلام عندَ صِهرِه شعيبٍ عليه السلام يرعى له غنمَه عشرَ سنين في أرضِ مدين، ثم إنه اشتاقَ لأهلِه فأرادَ زيارتَهم في بلادِ مصر فَسَار بأهله في ليلةٍ مظلمةٍ باردةٍ ومعه ولديه وغَنمٍ قد استفادَها في مُدةِ مقامِه في مدين، وبينما هو في الطريقِ في تلك الليلةِ المظلمةِ الباردةِ التي أرادَ الله تعالى لموسى عليه السلام كرامتَهُ وابتداءَه فيها بنبوتِه وكلامِه، تاهَ موسى عليه السلام مع أهلِه في الطريقِ حتى لم يكن يدري أينَ يتوجه ولم يهتَدِ إلى سلوكِ الدربِ المألوف، وكانت زوجتُه حامِلًا، فأخذَها الطلقُ في تلك الليلةِ المظلمةِ الباردَةِ التي عمَّها المطرُ والرعدُ والبرقُ، وأرادَ موسى عليه السلام أن يُشعِلَ نارًا فلم يستَطع إلى ذلكَ سبيلًا، وبينما هو كذلكَ ءانَسَ وأبصَر من جانبِ الطورِ نورًا فحَسِبَهُ نارًا، فتقدمَ موسى عليه السلام فلما وصلَ قريبًا من جبلِ الطورِ في وادٍ اسمُه “طُوًى” رأى نورًا عظيمًا ممتدًا من عَنانِ السماءِ إلى شجرةٍ عظيمةٍ خضراءَ هناك قيل هي العَوْسَج، فتحيّر هناك موسى عليه السلام ثم أمرَه الله تعالى أن يَخلَعَ نَعليهِ لينالَ بقدمَيهِ الأرضَ المباركة، وأمرَه الله تعالى أن يلقِيَ العصا التي كانت بيمينه، فألقاها عليه السلام فانقلبت حيةً عظيمةً سريعةَ المشيِ لها ضَخامَةٌ هائلةٌ وأنيابٌ عظيمة، فلما رءاها موسى عليه السلام على هذهِ الحالِ ولّى مُدبرًا ولم يلتفت وناداهُ ربُّهُ سبحانَه وتعالى يُطمئنُه: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} فلما رجعَ موسى عليه السلام أمرَه الله تعالى أن يُمسِكَها، فلمّا وضعَ عليه السلام يدَه عليها عادَتِ الحيةُ في يدِه كما كانت عصًا بقدرة الله تبارك وتعالى. ثم أمره الله تبارك وتعالى أن يُدخِلَ يدَه في جيبه ثم أمرَه بإخراجها فإذا هي بيضاءُ تتلألأ كالقمرِ بياضًا من غيرِ سوءٍ ومرَضٍ أي من غيرِ برَصٍ، وهاتان المعجزتانِ العصا واليد حُجَّتان منَ الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام على صِدقِه إذا ذهَب إلى فرعونَ وأتباعِه الذينَ عبدوا غيرَ اللهِ سبحانه وتعالى ليدعُوَهم إلى الله وعَدمِ الإشراكِ به، ومع سبعِ ءاياتٍ أُخَر فذلكَ تِسعُ ءاياتٍ يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءايَاتٍ بَيِّنَاتٍ}. واعلم رحمك الله أن الله تعالى أسمع نبيَّه موسى عليه السلامُ كلامَه الذاتيَّ الأزليَّ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً بغيرِ واسطَةٍ من ملَكٍ وغيرِه، فقد رفعَ الله تبارك وتعالى الحِجابَ عن عبدِه ونبيِّه موسى عليه السلام فسمِع كلامَ الله الذاتي الذي لا يُشبه كلامَنا وهذا تفسير قولِه تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. نقفُ هنا ونتابعُ في الحلقةِ المقبلة بإذنِ الله ما قد بدأناه، فتابعونا وإلى اللقاء.