(44) اذْكُرْ أَهَمِيَّةَ مَعْرِفَةِ الأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِلرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الضَّلالِ.
اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ الأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ مِنَ الأُمُورِ الْمُهِمَّةِ فِى دِينِ اللَّهِ فَالدَّلِيلُ الْعَقْلِىُّ يُرْشِدُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ كَمَا بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ لِأَنَّ الَّذِى يَتَفَكَّرُ فِى مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ يَصِلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا فَالْعَقْلُ الصَّحِيحُ لا يَقْبَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتُ دَخَلَتْ فِى الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ أَبْرَزَهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ. وَاللَّهُ تَعَالَى مَدَحَ فِى الْقُرْءَانِ الدَّلِيلَ الْعَقْلِىَّ فَقَالَ عَنْ حُجَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ الَّتِى رَدَّ فِيهَا عَلَى النُّمْرُودِ ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾. لَمَّا قَالَ النُّمْرُودُ لِسَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَمَا اللَّهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ﴿رَبِّىَ الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ﴾ فَقَالَ النُّمْرُودُ أَنَا أُحْيِى وَأُمِيتُ فَأَطْلَقَ سَجِينًا وَقَتَلَ ءَاخَرَ فَقَالَ أَحْيَيْتُ هَذَا وَأَمَتُّ هَذَا فَغَلَبَهُ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِىِّ فَقَالَ لَهُ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ﴾. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الإِيمَانِ بِالشَّىْءِ أَنْ يُتَصَوَّرَ بِالْعَقْلِ أَوْ أَنْ يُرَى بِالْعَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَإِنْ كُنَّا لا نَرَاهُ بِأَعْيُنِنَا فِى الدُّنْيَا فَهَذَا الْعَالَمُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ فَاللَّهُ تَعَالَى لا يُتَصَوَّرُ بِالْعَقْلِ لا يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ كَمَا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَصَوَّرَ وُجُودَ وَقْتٍ لَيْسَ فِيهِ نُورٌ وَلا ظَلامٌ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَا لِأَنَّهُمَا خُلِقَا بَعْدَ خَلْقِ الْمَاءِ وَالْعَرْشِ وَالْقَلَمِ وَاللَّوْحِ وَكَمَا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَصَوَّرَ الرُّوحَ الَّتِى فِى أَجْسَادِنَا وَهِىَ جِسْمٌ لَطِيفٌ نُؤْمِنُ وَنُصَدِّقُ بِوُجُودِهِ. فَيَنْبَغِى أَنْ نَتَعَلَّمَ الأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُلْحِدِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُشَكِّكُوا الْمُسْلِمِينَ فِى دِينِهِمْ وَمَا أَكْثَرَهُمْ فِى هَذَا الزَّمَانِ، هَؤُلاءِ إِنْ قُلْتَ لَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَفِى اللَّهِ شَكٌّ﴾ يَقُولُونَ لَكَ نَحْنُ أَصْلًا لا نُؤْمِنُ بِالْقُرْءَانِ فَتَقُولُ لَنَا قَالَ اللَّهُ فَلا يَلِيقُ بِنَا أَنْ لا نَعْرِفَ الْجَوَابَ لِلدِّفَاعِ عَنْ دِينِنَا.