#43 4-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام
نكلمكم إن شاء الله عن قصة موسى مع القُبطي والإسرائيلي. ذاتَ يومٍ رَكِبَ فِرعونُ مركِبًا وليسَ عندَه موسى عليه السلام فلما جاءَ موسى رَكِبَ في إثرِه يتبَعُه فأدرَكَه الْمَقيلُ في مدينةٍ من مُدُنِ مصرَ القديمة، وبينَما هو يَتجوَلُ في طُرُقها وكان الوقتُ وقتَ ظهيرة والأسواقُ مغلَقَةً والناسُ في بيوتِهم وجدَ رجُلين يقتتِلان أحدُهما من بني إسرائيل والآخَرُ قُبطي من ءالِ فرعون اعتدى على ذلكَ الإسرائيلي، فلما مرَّ موسى عليه السلام استَغاثَهُ الإسرائيلي ليُخلِّصَهُ من شرِ ذلك القُبطي، فأقبلَ موسى عليه السلام نحوَ القُبطي يريدُ أن يمنَعَه من الاعتداء ويَدفَعَ الأذى عن ذاكَ الإسرائيلي فَوَكَزَهُ موسى عليه السلام أي ضَربَه بِجُمْعِ يده فقضى عليه وقتَلَه وخَرَّ القُبطِيُ على الأرضِ ميِّتًا، فأصبحَ عليه السلام في المدينةِ التي دخلَها خائفًا على نفسِه من فِرعونَ وأتباعِه ويترقَبُ وينتظرُ سُوءًا ينالُه منهُم إذا علِموا أنَّ هذا القتيلَ إنما قتَلَه موسى عليه السلام في نُصرَةِ رجلٍ من بني إسرائيل فتقْوَى بذلك ظُنونُهم أنَّ موسى منهم ويترتبُ على ذلكَ أمرٌ عظيم، ولم يكن أحدٌ من الناسِ قد رأى موسى عليه السلام يَقتلُ القُبطيَّ إلا ذاكَ الرجلُ الإسرائيلي، وكانَ الأقباطُ أتباعُ فرعونَ قد أتَوا فرعون وقد غاظَهم وأغضَبَهم قتلُ واحدٍ منهم، وطلبوا منه أن يأخُذَ لهم بثأرِهم من بني إسرائيل، فقال لهم فرعون: ائتوني بقاتِله ومن يَشهدُ عليه لآخُذَ لكم حقَّكُم، فبينما هم يَطوفونَ يبحَثُون عنِ القاتِلِ ويلتمسونَ الأخبارَ إذ وقعت حادثةٌ أُخرى بينَ ذاكَ الإسرائيلي وأحدِ الأقباطِ في اليومِ الثاني وإذا موسى عليه السلام يَمُرُ فرأى ذاكَ الإسرائيليَّ يُقاتل قُبطيًا فِرعَونيًّا ءاخَر فاستغاثه هذا الإسرائيليُ على خَصْمِه الفرعوني، فتقدمَ موسى عليه السلام غاضِبًا وهو يُريدُ أن يَبطِش بذلكَ الفرعونِيِّ القُبطي، ولكن لما رأى هذا الإسرائيليُّ غَضَبَ موسى عليه السلام ورأى ءاثارَ الغضبِ على وجهِه وسمِعَهُ يقولُ له مُعَنِّفًا له على كَثرةِ مُخاصمَتِه: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} ورءاه وقد همّ أن يبطِش بهذا الفرعونيِّ فظنَّ أنه يريدُه فخافَ على نفسِه فقال لموسى عليه السلامُ حينئذٍ: يا موسى أتريدُ أن تقتُلَني كما قتلتَ نفسًا بالأمس، فسمِع الفرعونيُّ هذا الكلامَ فتركه وانطلَقَ وذهبَ مُسرعًا إلى فرعونَ وجماعتِه وأخبرَهم أنَّ موسى هو الذي قتلَ ذاكَ الرجلَ القُبطي، فما كانَ من فرعونَ لما سمعَ هذا الخبرَ إلا أن أمَرَ جُندَه أن يَبحثوا عن موسى ويأتُوهُ بهِ ليقتُلَه، حتى لا يَتجِرأَ أحدٌ من بني إسرائيلَ على قتلِ أحدٍ مِن أتباعِه الأقباط، فذَهبَ الجندُ يُفتّشونَ ويبحَثونَ عن موسى عليه السلامُ في طُرقاتِ المدينة، وكانَ رجلٌ مؤمنٌ من ءالِ فرعونَ يكتُم إيمانَه قد عَلِمَ بأمرِ فرعونَ بالإتيانِ بموسى ليقتُلَه فما كانَ منه إلا أن سبَقَهم إلى موسى عليه السلام مِن طريقٍ أقرب وأخبَرَهُ بالخبرِ وبِمؤامرةِ فرعونَ وجُندِه وطلَبَ منه ناصِحًا مُشفِقًا عليه أن يَخرُجَ من مِصرَ خوفًا عليه من فرعونَ وجنودِه، وقَبِل موسى عليه السلام نَصيحَتَهُ وخَرَجَ من مِصرَ إلى أرضِ “مَدْيَن” ودعا ربَّه أن يَهديَه الطريقَ إليها وأن يُنَجِّيَهُ مِن شرِّ فرعون. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم، نتوقفُ هنا ونتابعُ في الحلقةِ القادِمَة إن شاء الله تعالى كيفَ التقى موسى بشُعيبٍ عليهما السلام، فتابعونا وإلى اللقاء.