#43
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
بَيَانٌ فِي تَمْيِيزِ الْكَبَائِرِ
(الذُّنُوبُ مِنْهَا مَا هُوَ كَبِيرٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ صَغِيرٌ، وَالكَبِيرُ أَشَدُّ مِنَ الصَّغِيرِ، وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَلَيْنَا أَنَّ لَيْسَ كُلُّ الذُّنُوبِ كَبِيرَةً. وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّنْبَ الَّذِي يُعَدُّ مِنَ الصَّغَائِرِ إِذَا عَمِلَهُ الإِنْسَانُ وَبَعْدَ ذَلِكَ عَمِلَ حَسَنَةً، قَالَ مَثَلًا سُبْحَانَ اللهِ أَوْ قَالَ اللهُ أَكْبَرُ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ صَلَّى أَوْ فَعَلَ أَيَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ، سُنَّةً كَانَتْ أَمْ فَرْضًا، فَهَذِهِ الحَسَنَاتُ إِذَا قُبِلَتْ مِنْهُ تَمْحُو عَنْهُ السَّيِّئَاتِ الَّتِي هِيَ مِنَ الصَّغَائِرِ. اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ الكُفْرَ أَكْبَرَ الذُّنُوبِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ ﷺ عِنْدَمَا سُئِلَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذُّنُوبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ “أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَقَدْ خَلَقَكَ“. فَمِنْ هَذَا الحَدِيثِ عَلِمْنَا أَنَّ أَشَدَّ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللهِ هُوَ الكُفْرُ ثُمَّ يَلِيهِ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ثُمَّ يَلِيهِ الزِّنَى، وَأَشَدُّهُ الزِّنَى بِزَوْجَةِ الْجَارِ)
اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ (وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ، وَبَيَانُ هَذَا وَاجِبٌ عَلَى العُلَمَاءِ، لَيْسَ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الجُهَّالِ إِنَّ بَيَانَ الْمَعْصِيَةِ الصَّغِيرَةِ مِنَ الكَبِيرَةِ فِيهِ تَشْجِيعٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَالحَقُّ أَنَّ بَيَانَ ذَلِكَ هُوَ بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ بَلْ هُوَ طَاعَةٌ لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ مَرَّةً جَاءَهُ صَحَابِيٌّ بَعْدَ أَنْ صَلَّى مَعَ الرَّسُولِ ﷺ جَمَاعَةً، فَقَالَ لَهُ “يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَعَاصِي” فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ ﷺ “هَلْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟”، فَقَالَ “نَعَمْ“، قَالَ ﷺ “لَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا“، فَقَالَ “يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِيَ خَاصَّةٌ؟” قَالَ ﷺ “لَا، لَكَ وَلِسَائِرِ أُمَّتِي” الرَّسُولُ ﷺ عِنْدَمَا بَيَّنَ لَهُ أَنَّ اللهَ غَفَرَ لَهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُ، فَهِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي فَعَلَهَا صَغِيرَةٌ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ “الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الكَبَائِرَ” فَالشَّاهِدُ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ بَيَّنَ لِهَذَا الصَّحَابِيِّ الحُكْمَ، فَإِذًا بَيَانُ هَذَا الأَمْرِ لِلنَّاسِ خَيْرٌ وَلَيْسَ تَشْجِيعًا عَلَى الْمَعْصِيَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ وَالْمُرَادُ هُنَا بِاللَّمَمِ وَبِالسَّيِّئَاتِ الصَّغَائِرُ (نَفْهَمُ مِنْ ذلِكَ أنَّ الذَّنَبَ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ أَنَّ الَّذِي يَجْتَنِبُ الكَبَائِرَ، اللهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ الصَّغَائِرَ لِتَجَنُّبِهِ الكَبَائِرَ) وَفِي الصَّحِيحِ (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) أَيْ مَا لَمْ تُرْتَكَب الْكَبَائِرُ. (مَعَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ هِيَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ البَدَنِيَّةِ، أَفْضَلُ مِنَ الحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُكَفِّرُ الكَبَائِرَ) وَلَمْ يَثْبُتْ بِحَدِيثٍ حَصْرُ الْكَبَائِرِ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ (مَعْنَاهُ مَا وَرَدَ عَنِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ بَعْضِ الكَبَائِرِ). رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَمِ الْكَبَائِرُ أَهِيَ سَبْعٌ قَالَ (هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ) (إِذَا سُئِلْنَا عَنِ الكَبَائِرِ، نَقُولُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ) وَوَرَدَ مِمَّا ثَبَتَ أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْحَصْرَ (فِي حَدِيثٍ وَرَدَ السَّبْعُ وَفِي حَدِيثٍ وَرَدَ التِّسْعُ لَكِنْ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الحَصْرَ). رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ (البُخَارِيُّ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ كِتَابٍ، فَلَيْسَ كُلُّ مَا رَوَاهُ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ مَوْجُودًا فِي صَحِيحِ البُخَارِي، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ أَشْيَاءَ مِنَ الآدَابِ، مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّقَ بِهَا الْمُسْلِمُ) بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا (أَيْ لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ. قَالَ) (إِنَّمَا هِيَ تِسْعٌ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ نَسَمَةٍ – يَعْنِي بِغَيْرِ حَقٍّ – وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالَّذِي يَسْتَسْحِرُ وَالإِلْحَادُ فِي الْمَسْجِدِ – يَعْنِي الْحَرَامَ (لِأَنَّهُ أَشَدُّ هُنَاكَ) – وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ) هَذَا مَا أورَدَهُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَدَبِ الْمُفْرَد (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. فَهَذَا لَيْسَ لِلْحَصْرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَدَّ تِسْعَةٍ مِنْهَا. أَلَيْسَ الرَّسُولُ ﷺ قَالَ “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ” قِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَعَدَّ سَبْعًا. فَلَا يَعْنِي ذَلِكَ حَصْرَهَا بِالسَّبْعِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ. فَالرَّسُولُ ﷺ لَمْ يَذْكُرْ كُلَّ الكَبَائِرِ فِي هَذَا الحَدِيثِ لِأَنَّهُ مَا ذَكَرَ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَشُرْبَ الخَمْرِ مَعَ أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَشَدُّ مِنَ الفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَالقَذْفِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الحَدِيثِ. أَكْبَرُ الكَبَائِرِ هُوَ الكُفْرُ ثُمَّ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ثُمَّ الزِّنَا ثُمَّ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَأَكْلُ الرِّبَا. تَرْكُ الصَّلَاةِ وَأَكْلُ الرِّبَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ. فَلْيَنْظُرِ الْمَرْءُ إِلَى عِظَمِ مَعْصِيَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ، فَهِيَ أَشَدُّ مِنْ عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ، وَأَشَدُّ مِنْ شُرْبِ الخَمْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ الرَّسُولُ ﷺ فِي حَدِيثِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ مَا ذَكَرَهَا، فَهَذَا يُفِيدُ ذِكْرَ وَعَدَّ بَعْضِ الكَبَائِرِ، وَلَا يُفِيدُ الحَصْرَ كَمَا ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ). وَأَمَّا عَدُّ نِسْيَانِ الْقُرْءَانِ مِنَ الْكَبَائِرِ فَلا يَصِحُّ لِأَنَّ حَدِيثَ (نَظَرْتُ فِي الذُّنُوبِ فَلَمْ أَرَ أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْءَانِ أُوتِيَهَا رَجُلٌ فَنَسِيَهَا) ضَعِيفٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ مَعْنًى.
مَسْأَلَةٌ: زَعَمَ بَعْضٌ أَنَّ مِنَ الْمَعَاصِي نِسْيَانَ القُرْءَانِ وَلَوْ حَرْفًا وَاحِدًا بَعْدَ أَنْ حَفِظَهُ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنْ حَفِظَ الْمُسْلِمُ شَيْئًا مِنَ القُرْءَانِ ثُمَّ نَسِيَهُ فَهَذَا لَا يُعَدُّ اسْتِخْفَافًا وَلَا تَهَاوُنًا بِالقُرْءَانِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ. فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ إِنَّ نِسْيَانَ مَا حَفِظَهُ مِنَ القُرْءَانِ حَرَامٌ، مَرْدُودٌ، مَا لَهُ سَنَدٌ. أَمَّا الحَدِيثُ الَّذِي يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَهُوَ “عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي، حَتَّى القَذَاةُ أَيِ القَذَرُ، يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ القُرْءَانِ، أَوْ آيَةٍ، أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا” وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الحَرَجُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو الحَفَظَةُ لِلْقُرْءَانِ غَالِبًا مِنْ نِسْيَانِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَاللهُ لَمْ يَجْعَلْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. فَقَوْلُهُمْ هَذَا فِيهِ تَنْفِيرٌ لِلنَّاسِ مِنْ حِفْظِ القُرْءَانِ. ثُمَّ أَلَيْسَ وَرَدَ فِي القُرْءَانِ الكَرِيمِ ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ﴾؟ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعْدَ أَنْ يَحْفَظَ القُرْءَانَ يُبَلِّغُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَامِلًا مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلٍ وَلَا تَنْقِيصٍ وَلَا نِسْيَان ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ يَنْسَى فِي أَثْنَاءِ التِّلَاوَةِ شَيْئًا مِنْهُ لَكِنَّهُ يَعُودُ فَيَتَذَكَّرُهُ. أَمَّا عِنْدَ التَّبْلِيغِ فَلَا يَنْسَى شَيْئًا مِنْهُ البَتَّةَ) وَقَدْ تَكَلَّفَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُ تَعْدِيدَ الْكَبَائِرِ إِلَى أَنْ أَوْصَلَهَا إِلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَزِيَادَةٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِجَيّدٍ لِأَنَّ فِي خِلالِ مَا عَدَّهُ مَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً. (ابْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ لَهُ كِتَابٌ سَمَّاهُ “الكَبَائِرَ”، يَعُدُّ فِيهِ نَحْوَ أَرْبَعِمِائَةِ مَسْأَلَةٍ مِنَ الْمَعَاصِي، مِنْهَا كَبِيرَةٌ وَمِنْهَا صَغِيرَةٌ لَكِنَّ الَّذِي يَقْرَؤُهَا كَمَا وُضِعَتْ فِي الكِتَابِ يَظُنُّ أَنَّ كُلَّهَا مِنَ الكَبَائِرِ. لِذَلِكَ قِيلَ عَنِ الْمُؤَلِّفِ “فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِجَيِّدٍ”، يَعْنِي الَّذِي لَيْسَ مُتَمَكِّنًا بِالعِلْمِ لَا يَقْرَأْ فِي كِتَابِ “الزَّوَاجِرِ عَنِ اقْتِرَافِ الكَبَائِرِ” لِابْنِ حَجَرٍ، حَتَّى لَا يَظُنَّ أَشْيَاءَ مِنَ الكَبَائِرِ وَهِيَ لَيْسَتْ كَبِيرَةً. فَالأَمْرُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ “هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ”، وَعَلَى هَذَا كَانَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللهُ) ثُمَّ إِنَّهُ عُرِّفَتِ الْكَبِيرَةُ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ (أَيْ أَحْسَنُ مَا عُرِّفَتْ بِهِ الكَبِيرَةُ هَذَا التَّعْرِيفُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ الإِنْسَانُ لِكَيْ يَتَجَنَّبَهَا، وَهُوَ) (كُلُّ ذَنْبٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِنَصِّ كِتَابٍ (مَثَلًا ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ وَقَوْلِهِ ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾) أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ أَوْ عَظِيمٌ أَوْ أُخْبِرَ فِيهِ بِشِدَّةِ الْعِقَابِ أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ( كَالَّذِي يَسْرِقُ، كَالَّذِي يَشْرَبُ الخَمْرَ، كَالَّذِي يَزْنِي، وَغَيْرُ ذَلِكَ) وَشُدِّدَ النَّكِيرُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ). (فَإِذَا لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَاعِلَ مَعْصِيَةٍ، عُلِمَ أَنَّ الذَّنْبَ الَّذِي فَعَلَهُ كَبِيرَةٌ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ» كُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَنْبٌ عَظِيمٌ) وَقَدْ أَوْصَلَ عَدَدَهَا تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ (وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ) إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ مِنْ غَيْرِ ادِّعَاءِ حَصْرٍ فِي ذَلِكَ، وَنَظَمَ ذَلِكَ السُّيُوطِيُّ فِي ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ مِنَ الرَّجْزِ (الحَافِظُ السُّيُوطِيُّ أَخَذَ كَلَامَ تَاجِ الدِّينِ بْنِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ وَنَظَمَهُ فِي ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ).
. قَالَ
كَالْقَتْلِ وَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ
وَمُطْلَقِ الْمُسْكِرِ ثُمَّ السِّحْرِ
وَالْقَذْفِ وَاللِّوَاطِ ثُمَّ الْفِطْرِ
وَيَأْسِ رَحْمَةٍ وَأَمْنِ الْمَكْرِ
وَالْغَصْبِ وَالسِّرْقَةِ وَالشَّهَادَةِ
بِالزُّورِ وَالرِّشْوَةِ وَالْقِيَادَةِ
مَنْعِ زَكَاةٍ وَدِيَاثَةٍ فِرَارْ
خِيَانَةٍ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ظِهَارْ
نَمِيمَةٍ كَتْمِ شَهَادَةٍ يَمِينْ
فَاجِرَةٍ عَلَى نَبِيِّنَا يَمِينْ
وَسَبِّ صَحْبِهِ وَضَرْبِ الْمُسْلِمِ
سِعَايَةٍ عَقٍّ وَقَطْعِ الرَّحِمِ
حَرَابَةٍ تَقْديِمِهِ الصَّلاةَ أَوْ
تَأْخِيرِهَا وَمَالِ أَيْتَامٍ رَأَوْا
وَأَكْلِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتٍ وَالرِّبَا
وَالْغَلِّ أَوْ صَغِيرَةٍ قَدْ وَاظَبَا
كَالقَتْلِ أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ. “وَالزِّنَى” أَيْ إِدْخَالُ الحَشَفَةِ فِي فَرْجٍ لَا يَحِلُّ لَهُ. “وَشُرْبِ الخَمْرِ” سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. “وَمُطْلَقِ الْمُسْكِرِ” أَيْ مَا يُغَيِّرُ العَقْلَ مَعَ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ. “ثُمَّ السِّحْرِ” هَذَا إِنْ كَانَ التَّوَصُّلُ إِلَيْهِ بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ كُفْرِيَّةٍ لِمُزَاوَلَتِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالكُفْرِ فَإِنَّهُ كُفْرٌ. “وَالقَذْفِ” أَيْ كُلُّ كَلِمَةٍ تَنْسُبُ إِنْسَانًا أَوْ وَاحِدًا مِنْ قَرَابَتِهِ إِلَى الزِّنَى، فَهِيَ قَذْفٌ لِمَنْ نُسِبَ إِلَيْهِ. “وَاللِّوَاطِ” أَيْ إِدْخَالُ الحَشَفَةِ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ أَوِ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ. “ثُمَّ الفِطْرِ” أَيْ الفِطْرِ فِي رَمَضَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ. “وَيَأْسِ رَحْمَةٍ” أَيِ اليَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، أَيْ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَابُدَّ أَنْ يُعَذِّبَهُ. “وَأَمْنِ الْمَكْرِ” أَيِ الأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ تَعَالَى، أَيِ الاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي مَعَ الِاتِّكَالِ عَلَى رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى. “وَالغَصْبِ” أَيْ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا بِالقُوَّةِ عَلَانِيَةً. “وَالسِّرْقَةِ” أَيْ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْمُسْلِمِ خُفْيَةً. “وَالشَّهَادَةِ بِالزُّورِ” أَيْ شَهَادَةِ الكَذِبِ، كَمَا يَحْصُلُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِمَّا لِقَرَابَةٍ أَوْ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ. “وَالرِّشْوَةِ” أَيِ الْمَالِ الَّذِي يُدْفَعُ لِإِحْقَاقِ البَاطِلِ أَوْ إِبْطَالِ الحَقِّ، لَا نَتَكَلَّمُ عَنِ الهَدِيَّةِ. “وَالقِيَادَةِ” وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي كُتُبِ الشَّرْعِ “القَوَّادُ” أَيْ الَّذِي يَقُودُ النِّسَاءَ لِلزِّنَى. “مَنْعِ زَكَاةٍ” أَيِ الَّذِي يَمْنَعُ الزَّكَاةَ الوَاجِبَةَ عَلَيْهِ. “وَدِيَاثَةٍ” وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي الحَدِيثِ “بِالدَّيُّوثِ” أَيِ الَّذِي يَسْكُتُ عَلَى زِنَى أَهْلِهِ مَعَ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى النَّهْيِ. “فِرَارْ” أَيِ الهُرُوبُ مِنْ صَفِّ الجِهَادِ بَعْدَ لِقَاءِ العَدُوِّ بِغَيْرِ عُذْرٍ. “خِيَانَةٍ فِي الكَيْلِ” أَيْ مَنْ يَخُونُ فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي تُكَالُ بِالأَكْيَالِ. “وَالْوَزْنِ” أَيْ مَنْ يَخُونُ فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي تُوزَنُ بِالوَزْنِ، وَقَدْ تَكُونُ الخِيَانَةُ فِي العَدِّ أَوْ فِي الذِّرَاعِ، كُلٌّ حَرَامٌ. “ظِهَارْ” أَيْ كَمَنْ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ “أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي”، وَنَحْوِهِ، سَوَاءٌ قَالَ “كَبَطْنِ جَدَّتِي” أَوْ “كَيَدِ أُخْتِي”، الْمُرَادُ وَاحِدٌ. “نَمِيمَةٍ” أَيْ نَقْلِ القَوْلِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلإِفْسَادِ، وَالنَّمِيمَةُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ كَبِيرَةٌ، لَيْسَتْ كَالغِيبَةِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ صَغِيرَةً فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ. “كَتْمِ شَهَادَةٍ” أَيْ مَنْ كَانَ كَتْمُهُ لِلشَّهَادَةِ يُوقِعُ ضَرَرًا كَبِيرًا بِمُسْلِمٍ. “يَمِينٌ فَاجِرَةٌ” أَيِ اليَمِينُ الكَاذِبَةُ. “عَلَى نَبِيِّنَا يَمِينٌ” أَيِ الَّذِي يَكْذِبُ وَيَدَّعِي أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ كَلَامًا وَلَمْ يَقُلْهُ، فَإِنْ كَانَ مَا افْتَرَاهُ لَا يُعَارِضُ الشَّرِيعَةَ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ عَارَضَ الشَّرِيعَةَ فَهُوَ كُفْرٌ. “وَسَبِّ صَحْبِهِ” أَيْ سَبِّ أَيِّ صَحَابِيٍّ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ كَبِيرَةً، وَمَنْ سَبَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فَقَدْ كَفَرَ. “وَضَرْبِ الْمُسْلِمِ” أَيِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَمِنْهُ ضَرْبُ الوَجْهِ وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ، سَوَاءٌ كَانَ صَبِيًّا أَوْ كَبِيرًا، ابْنَهُ أَوْ غَيْرَهُ. “سِعَايَةٍ” أَيْ الَّذِي يَسْعَى لِإِيذَاءِ مُسْلِمٍ عِنْدَ السُّلْطَانِ لِيَسْجُنَهُ أَوْ يَقْتُلَهُ ظُلْمًا، وَيُفْرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِالحَاكِمِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ. “عَقٍّ” أَيْ عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ، أَيْ إِيذَاءُ أَحَدِهِمَا أَذًى لَيْسَ بِالْهَيِّنِ. “وَقَطْعِ الرَّحِمِ” أَيِ الَّذِي يَقْطَعُ رَحِمَهُ الْمُسْلِمَ بِغَيْرِ عُذْرٍ. “حِرَابَةٍ” أَيْ قَطْعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ حَصَلَ جَرْحٌ أَوْ أَخْذُ مَالٍ أَوْ قَتْلٌ. “تَقْدِيمِهِ الصَّلَاةَ” أَيْ تَقْدِيمُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ. “أَوْ تَأْخِيرِهَا” أَيْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الكَبَائِرِ. “وَمَالِ أَيْتَامٍ رَأَوْا” أَيْ أَكْلِ مَالِ اليَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَفِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾. “وَأَكْلِ خِنْزِيرٍ” أَيْ أَكْلِ لَحْمِهِ أَوْ شَحْمِهِ أَوْ سَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ. “وَمَيْتٍ” أَيْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَهِيَ كُلُّ مَا مَاتَ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ، كَالْمَخْنُوقَةِ وَالْمَصْعُوقَةِ، إِلَّا السَّمَكُ وَالجَرَادُ. “وَالرِّبَا” أَيْ أَكْلُ مَالِ الرِّبَا سَوَاءٌ بَلَغَ البَطْنَ أَوْ كَانَ عَبْرَ التَّصَرُّفِ فَقَطْ. “وَالغَلِّ” أَيْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنَ الغَنِيمَةِ قَبْلَ القِسْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ. “أَوْ صَغِيرَةٍ قَدْ وَاظَبَا” أَيْ مَنْ يُكْثِرُ مِنَ الصَّغَائِرِ حَتَّى تَطْغَى عَلَى حَسَنَاتِهِ. فَهَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الكَبَائِرِ، وَلَيْسَتْ كُلُّ الكَبَائِرِ. هُنَاكَ أُمُورٌ أُخْرَى تُعَدُّ مِنَ الكَبَائِرِ، لَكِنْ لَا يُوجَدُ حَدِيثٌ يُخْبِرُ عَنْ كُلِّ الكَبَائِرِ).
وَمِنَ الأَحَادِيثِ الْقَوِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ (ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ وَرَجُلَةُ النِّسَاءِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. (فَقَوْلُهُ “ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ” أَيْ مَعَ الأَوَّلِينَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الحَدِيثِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا.
وَأَمَّا إِنْ تَابُوا، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ “التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ” رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه) وَيَحْسُنُ عَدُّ الْجِمَاعِ لِلْحَائِضِ فِي الْكَبَائِرِ.
تَنْبِيهٌ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَدُّ الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي دُونَ الْكُفْرِ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدُّهُمَا رِدَّةً أَيْ خُرُوجًا مِنَ الإِسْلامِ، وَيَزُولُ الإِشْكَالُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ غَيْرُ مَعْنَاهُمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
(اخْتَلَفَ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ تَفْسِيرِ الحَنَفِيَّةِ. عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الحَنَفِيَّةُ، هُوَ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كُفْرٌ، لَكِنْ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيَّةِ يَخْتَلِفُ عَنْ تَفْسِيرِ الحَنَفِيَّةِ، لِذَلِكَ نَجِدُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مِنَ الكَبَائِرِ وَلَيْسَ كُفْرًا.
اليَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَعْنَاهُ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي قَلْبِهِ لِكَثْرَةِ وَبَشَاعَةِ مَا عَمِلَ مِنَ الذُّنُوبِ أَنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ، وَهَذَا مِنَ الكَبَائِرِ. الإِنْسَانُ العَاصِي لَا يَجْزِمُ فِي قَلْبِهِ أَنَّ اللهَ لَنْ يَغْفِرَ لَهُ.
أَمَّا اليَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، فَيَقُولُونَ مَعْنَاهُ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّخْصُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ تَابَ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي ارْتَكَبَهَا، وَصَحَّتْ تَوْبَتُهُ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَهَذَا مِنَ الكُفْرِ.
وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَعْنَاهُ أَنَّ فَاعِلَ الذَّنْبِ يَعْتَمِدُ عَلَى رَحْمَةِ اللهِ، يَقُولُ إِنَّ اللهَ سَوْفَ يَغْفِرُ لِي، وَيُصِرُّ عَلَى فِعْلِ الذُّنُوبِ، يَفْعَلُ الذَّنْبَ بَعْدَ الذَّنْبِ وَيَقُولُ اللهُ يَغْفِرُ لِي. وَهَذَا مِنَ الكَبَائِرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
أَمَّا الأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، فَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ أَنَا مَهْمَا فَعَلْتُ مِنَ الذُّنُوبِ، طَالَمَا أَنَا مُسْلِمٌ، لَا تَضُرُّنِي، وَهَذَا مِنَ الكُفْرِ. بَعْضُ النَّاسِ فِي الْمَاضِي كَانُوا يَقُولُونَ كَمَا أَنَّ الكَافِرَ لَا تَنْفَعُهُ الطَّاعَةُ، قَالُوا كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ لَا تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ، وَهَذَا قِيَاسٌ بَاطِلٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ فَلِذَلِكَ قَالَ الحَنَفِيَّةُ إِنَّهُ كُفْرٌ.
التَّوْبَةُ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.
الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَحْكَامِ التَّوْبَةِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنَ الذُّنُوبِ) كُلِّهَا (فَوْرًا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ) كَبِيرًا كَانَ الذَّنْبُ أَمْ صَغِيرًا مَعَ أَنَّ الصَّغَائِرَ تُمْحَى بِفِعْلِ الْحَسَنَاتِ لَكِنْ لا يَعْلَمُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي عَمِلَهُ قُبِلَ أَمْ لَمْ يُقْبَل. (وَ) أَرْكَانُ التَّوْبَةِ (هِيَ النَّدَمُ) أَسَفًا عَلَى عِصْيَانِهِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَهُوَ الرُّكْنُ الأَعْظَمُ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحُ تَبَعٌ لَهُ، لَيْسَ أَسَفًا عَلَى أَنَّهُ مَا عَادَ عَلَى وِفَاقٍ مَعَ وَلَدِهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ مَعَ فُلانٍ الَّذِي يَعْمَلُ عِنْدَهُ مَثَلًا إِنَّمَا أَسَفًا عَلَى أَنَّهُ عَصَى أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى (وَالإِقْلاعُ) عَنِ الْمَعْصِيَةِ حَالًا أَيْ تَرْكُهَا (وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لا يَعُودَ إِلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ تَرْكَ فَرْضٍ) كَصَلاةٍ أَوْ صِيَامٍ وَاجِبَيْنِ أَتَى بِمَا مَرَّ وَ(قَضَاهُ) فَوْرًا (أَوْ) كَانَ الذَّنْبُ (تَبِعَةً لِآدَمِيٍّ) كَأَنْ غَصَبَ لَهُ مَالَهُ أَتَى بِمَا مَرَّ وَ(قَضَاهُ) لَهُ بِأَنْ يَرُدَّ لَهُ عَيْنَهُ إِنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا رَدَّ بَدَلَهُ (أَوِ اسْتَرْضَاهُ) فإِنْ ءَاذَاهُ بِالْكَلامِ أَتَى بِمَا مَرَّ وَطَلَبَ مِنْهُ الْمُسَامَحَةَ.
الشَّرْحُ التَّوْبَةُ مَعْناَهَا (أَيْ فِي اللُّغَةِ) الرُّجُوعُ وَهِيَ فِي الْغَالِبِ تَكُونُ مِنْ ذَنْبٍ سَبَقَ (يَفْعَلُ الإِنْسَانُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتُوبُ مِنْهُ فَتَكُونُ التَّوْبَةُ فِي الغَالِبِ مِنَ الذَّنْبِ) لِلْخَلاصِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فِي الآخِرَةِ وَقَدْ تُطْلَقُ التَّوْبَةُ لِغَيْرِ ذَلِكَ (يَكُونُ الإِنْسَانُ أَحْيَانًا فِي حَالِ غَفْلَةٍ فَيَتُوبُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يُزِيلُ عَنْهُ أَثَرَ الغَفْلَةِ وَلَا يَكُونُ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي ذَنْبٍ) وَذَلِكَ كَحَدِيثِ (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) (لَيْسَ مَعْنَى الحَدِيثِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ يَعْمَلُ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَعْصِيَةٍ وَيَتُوبُ مِنْهَا، بَلْ هَذَا الاسْتِغْفَارُ لِزِيَادَةِ رِفْعَةِ الدَّرَجَاتِ لِلرَّسُولِ ﷺ. أَلَيْسَ وَرَدَ فِي دُعَاءِ الرَّسُولِ ﷺ فِي صَلَاةِ الجِنَازَةِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا»، هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّغِيرَ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ إِنَّمَا مَعْنَاهُ طَلَبُ مَحْوِ أَثَرِ القَبَائِحِ. أَحْيَانًا، الوَلَدُ الصَّغِيرُ قَدْ يُؤْذِي وَالِدَيْهِ، هَذَا مِنَ العُقُوقِ، يُقَالُ لَهُ عَمَلٌ قَبِيحٌ لَكِنْ لَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ) وَكَذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي وَقَعَ لِلْخَلاصِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فِي الآخِرَةِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِ ذَلِكَ (كَمَا وَرَدَ فِي أَمْرِ التَّوْبَةِ كَذَلِكَ وَرَدَ فِي أَمْرِ الاسْتِغْفَارِ، يُطْلَقُ اللَّفْظُ وَيُرَادُ بِهِ الخَلَاصُ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فِي الآخِرَةِ، وَيُطْلَقُ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَكِنْ فِي الغَالِبِ يَكُونُ لِلْخَلَاصِ مِنَ الذَّنْبِ) وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الِاسْتِغْفَارِ فِي الْقُرْءَانِ بِمَعْنَى طَلَبِ مَحْوِ الذَّنْبِ بِالإِسْلامِ وَذَلِكَ كَالَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْءَانِ عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ فَإِنَّ قَوْمَهُ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ مُشْرِكُونَ فَمَعْنَاهُ اطْلُبُوا مِنْ رَبِّكُمُ الْمَغْفِرَةَ بِتَرْكِ الْكُفْرِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ (أَيِْ ادْخُلُوا فِي الإِسْلَامِ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ كُفْرَكُمْ وَسَائِرَ ذُنُوبِكُمْ) بِالإِيْمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الأُلُوهِيَّةِ وَالإِيْمَانِ بِنُوحٍ أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَيْكُمْ.
ثُمَّ إِنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ مِنَ الْكَبِيرَةِ وَمِنَ الصَّغِيرَةِ عَيْنًا فَوْرًا (التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ كُلِّ الذُّنُوبِ فَوْرًا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنَ الذَّنْبِ الصَّغِيرِ كَمَا مِنَ الذَّنْبِ الكَبِيرِ فَإِنْ أَخَّرَ أَوْ لَمْ يَتُبْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ، عَلَيْهِ إِثْمُ تَرْكِ التَّوْبَةِ).
وَلَهَا أَرْكَانٌ فَالرُّكْنُ الَّذِي لا بُدَّ مِنْهُ فِي النَّوْعَيْنِ أَيْ نَوْعِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لا تَعَلُّقَ لَهَا بِحُقُوقِ بَنِي ءَادَمَ هُوَ النَّدَمُ أَسَفًا عَلَى تَرْكِ رِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ (الْمَعَاصِي نَوْعَان كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ وَلَكِنْ هُنَاكَ تَقْسِيمٌ آخَرُ لِلْمَعَاصِي، نَوْعٌ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِحَقِّ ءَادَمِيٍّ آخَرَ، وَنَوْعٌ لَهُ تَعَلُّقٌ بِحَقِّ ءَادَمِيٍّ آخَرَ. فِي النَّوْعَيْنِ لَا بُدَّ مِنَ النَّدَمِ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ، وَالنَّدَمُ هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي قَلْبِهِ لَيْتَنِي مَا فَعَلْتُ ذَلِكَ) فَالنَّدَمُ لِحَظٍّ دُنْيَوِيٍّ كَعَارٍ أَوْ ضَيَاعِ مَالٍ أَوْ تَعَبِ بَدَنٍ أَوْ لِكَوْنِ مَقْتُولِهِ وَلَدَهُ لا يُعْتَبَرُ (إِذَا شَخْصٌ قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ، أَوْ لِأَنَّ أُسْرَتَهُ سَيَنْفُرُونَ مِنْهُ أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ النَّدَمَ الْمَقْصُودَ لِأَنَّهُ تَأَسَّفَ لِأَجْلِ أُمُورٍ أُخْرَى، لَيْسَ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَاعِ حَقَّ اللهِ) فَالنَّدَمُ هُوَ الرُّكْنُ الأَعْظَمُ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحُ تَبَعٌ لَهُ (النَّدَمُ هُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ، لِأَنَّ الإِنْسَانَ عِنْدَمَا يَنْدَمُ لِأَنَّهُ يُرَاعِي حَقَّ اللهِ، يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ بَاقِيَ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ. لِذَلِكَ جَاءَ فِي الحَدِيثِ «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» مَعْنَاهُ أَعْظَمُ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ النَّدَمُ، وَلَيْسَ مَعْنَى الحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّوْبَةِ رُكْنٌ آخَرُ. كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ «الحَجُّ عَرَفَةُ» هَلِ الحَجُّ فَقَطِ الوُقُوفُ بِعَرَفَةَ؟ لَا، مَعْنَى الحَدِيثِ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الحَجِّ الوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) وَالأَمْرُ الثَّانِي الإِقْلاعُ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ (بِخِلَافِ شَخْصٍ أَثْنَاءَ شُرْبِ الخَمْرِ قَالَ فِي قَلْبِهِ نَدِمْتُ عَلَى ذَلِكَ وَتُبْتُ، فَهَذَا مَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِلْمَعْصِيَةِ. كَذَلِكَ الكَافِرُ إِذَا قَالَ بِلِسَانِهِ «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» وَفِي قَلْبِهِ اعْتِقَادٌ كُفْرِيٌّ، فَهَذَا مَا صَحَّ إِسْلَامُهُ. كَمَنْ يَقُولُ الشَّهَادَتَيْنِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ جِسْمٌ جَالِسٌ عَلَى العَرْشِ، أَوْ سَاكِنٌ السَّمَاءَ، فَهَذَا لَا يَنْفَعُهُ تَشَهُّدُهُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِلْكُفْرِ، كَالَّذِي يُبَاشِرُ الْمَعْصِيَةَ، لَا يَنْفَعُهُ نَدَمُهُ وَهُوَ مُبَاشِرٌ لِلْمَعْصِيَةِ). وَالأَمْرُ الثَّالِثُ الْعَزْمُ (وَالعَزْمُ هُوَ أَنْ يُصَمِّمَ تَصْمِيمًا مُؤَكَّدًا) عَلَى أَنْ لا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ، فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ هِيَ التَّوْبَةُ الْمُجْزِئَةُ (أَيْ إِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الأَرْكَانُ الثَّلَاثَةُ، غُفِرَ لَهُ. فَإِنْ عَادَ إِلَى الْمَعْصِيَةِ، لَا يَعُودُ عَلَيْهِ الذَّنْبُ القَدِيمُ بَلْ تُسَجَّلُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ جَدِيدَةٌ وَلَوْ عَصَى مِائَةَ مَرَّةٍ وَتَابَ مِائَةَ مَرَّةٍ، الرَّسُولُ ﷺ قَالَ إِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، أَيْ طَالَمَا أَنْتُمْ تُذْنِبُونَ وَتَتُوبُونَ، اللهُ يَغْفِرُ لَكُمْ. وَقَالَ ﷺ التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهTop of Form
Bottom of Form
). وَأَمَّا التَّوْبَةُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِتَرْكِ فَرْضٍ فَيُزَادُ فِيهَا قَضَاءُ ذَلِكَ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ صَلاةً أَوْ نَحْوَهَا قَضَاهُ فَوْرًا (إِنْ أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَتُوبَ لِتَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْضِيَ كُلَّ مَا فَاتَهُ مَهْمَا كَانَتْ عَدَدُ السِّنِينَ وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ تَوْبَتُهُ تَامَّةً) وَإِنْ كَانَ تَرْكَ نَحْوِ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ مَعَ الإِمْكَانِ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ تَوْبَتِهِ عَلَى إِيصَالِهِ لِمُسْتَحِقِّيهِ أَيْ فَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ وَيَفِي بِالنَّذْرِ (هَذَا إِذَا كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ فَرْضًا، حَقًّا لِلّهِ) وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ تَبِعَةً لِآدَمِيٍّ رَدَّ تِلْكَ الْمَظْلَمَةَ فَيَرُدُّ عَيْنَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَإِنْ تَلَفَ (كَأَنْ أَخَذَ طَعَامًا غَصْبًا مِنْ شَخْصٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَكَلَهُ فَتَلِفَ) يَرُدُّ بَدَلَهُ لِمَالِكِهِ أَوْ نَائِبِ الْمَالِكِ أَوْ لِوَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. (فَهُنَا عَلَى حَسَبِ الحَالِ، إِذَا كَانَ هَذَا الْمَالُ مِثْلِيًّا كَالقَمْحِ، شَعِيرٍ، دَنَانِيرِ ذَهَبٍ، دَرَاهِمِ فِضَّةٍ، ثِيَابٍ، غَنَمٍ، مَوَاشِي، وَمَا شَابَهَ، يَرُدُّ مِثْلَهُ، وَإِلَّا يَرُدُّ قِيمَتَهُ، أَيْ يَدْفَعُ لَهُ قِيمَتَهُ يَنْظُرُ كَمْ أَعْلَى قِيمَةٍ وَصَلَ إِلَيْهَا هَذَا الشَّيْءُ الَّذِي غَصَبَهُ، مِنَ الوَقْتِ الَّذِي غَصَبَهُ مِنْهُ إِلَى أَنْ تَلِفَ، وَهَذِهِ القِيمَةُ يَدْفَعُهَا لَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ دَفَعَهُ إِلَى الإِمَامِ لِيَجْعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ لِحَاكِمٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِمَالِ الْمَصَالِحِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ (لَا يُوجَدُ حَاكِمٌ وَلَا يُوجَدُ خَلِيفَةٌ) تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ بِنِيَّةِ الغُرْمِ، فَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَ ذَلِكَ، يُخَيَّرُ بَيْنَ الرِّضَا بِالأَجْرِ أَوْ أَخْذِ القِيمَةِ)
فَائِدَةٌ. رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا (مَنْ كَانَ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ، فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ) فَمَنْ كَانَ لِأَخِيهِ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ حَيْثُ العِرْضِ كَأَنْ سَبَّهُ أَوْ أَهَانَهُ مَثَلًا نَالَهُ فِي عِرْضِهِ أَوْ مِنْ حَيْثُ الْمَالِ كَأَنْ أَخَذَ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مَعْنَاهُ يَسْتَرْضِيهِ، يَسْتَسْمِحْهُ الآنَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ رَدَّهُ يَنْوِي فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ أَوَّلَ مَا يَسْتَطِيعُ يَدْفَعُ وَيَسْعَى فِي تَحْصِيلِهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا) فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ أُخِذَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُوَفِّيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ خَزَائِنِهِ (فِي الآخِرَةِ، اللهُ تَعَالَى إِنْ شَاءَ يُعْطِي صَاحِبَ الْمَظْلَمَةِ مِنْ حَسَنَاتِ هَذَا الإِنْسَانِ وَإِنْ شَاءَ يُعْطِيهِ مِنْ خَزَائِنِهِ أَيْ قَدْ يُعَوِّضُهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ. إِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْمَظْلَمَةِ فَأَخْذُ الحَقِّ لِلْمَظْلُومِ فِي الآخِرَةِ لَا يَكُونُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إِنَّمَا فِي الآخِرَةِ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ فَيُعْطَى لِلْمَظْلُومِ، فَإِنْ لَمْ تَكْفِ حَسَنَاتُهُ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ، فَتُطْرَحُ عَلَى الظَّالِمِ. جَاءَ فِي الحَدِيثِ «أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا “الْمُفْلِسُ الَّذِي لَا دِينَارَ لَهُ وَلَا دِرْهَمَ”، نَعَمْ، هَذَا مُفْلِسٌ، وَلَكِنْ هُنَاكَ مُفْلِسٌ إِفْلَاسُهُ أَشَدُّ مِنْ هَذَا! قَالَ ﷺ «الْمُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ، وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَظَلَمَ هَذَا وَأَخَذَ حَقَّ هَذَا» يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتُوبَ مِنْ هَذِهِ الذُّنُوبِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُصَ مِنْ هَذِهِ الْمَظَالِمِ. قَالَ ﷺ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَيُعْطَى لِلْمَظْلُومِينَ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَسَنَةٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ اهـ وَبَعْضُ النَّاسِ يَرْحَمُهُمُ اللهُ فِي الآخِرَةِ فَلَا يُعَذِّبُهُمْ، يَكُونُ عَلَيْهِمْ حُقُوقٌ وَمَاتُوا مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لَكِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَأْخُذُ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ إِنَّمَا يُوَفِّي اللهُ عَنْهُمْ مِنْ خَزَائِنِهِ، يُعْطِي الْمَظْلُومِينَ مِنْ فَضْلِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ).
ثُمَّ إِنْ كَانَ الْحَقُّ الّذِي عَلَيْهِ قِصَاصًا مَكَّنَ الْمُسْتَحِقَّ مِنِ اسْتِيفَائِهِ مِنْهُ أَيْ يَقُولُ لَهُ مَثَلًا خُذْ حَقَّكَ مِنِّي أَيْ إِنْ شِئْتَ اقْتُلْنِي وَإِنْ شِئْتَ فَاعْفُ (فَالْحَاكِمُ هُوَ يُمَكِّنُ أَهْلَ القَتِيلِ مِنَ القِصَاصِ) فَإِنِ امْتَنَعَ الْمُسْتَحِقُّ مِنَ الأَمْرَيْنِ صَحَّتِ التَّوْبَةُ (هُوَ فَعَلَ الَّذِي عَلَيْهِ، لَكِنْ هُمْ امْتَنَعُوا مِنَ الأَمْرَيْنِ). وَلَوْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ (أَيْ إِلَى وَرَثَةِ القَتِيلِ) نَوَى تَمْكِينَهُ إِذَا قَدَرَ، فَإِنْ قِيلَ يُعَكِّرُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ النَّفْسِ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ فِي الْقَتْلِ الْعُدْوَانِيِّ قِصَّةُ الإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي قَتَلَ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَالِمًا هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ لَهُ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ اذْهَبْ إِلَى أَرْضِ كَذَا فَإِنَّ بِهَا قَوْمًا صَالِحِينَ فَذَهَبَ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ مَاتَ فَاخْتَصَمَ فِيهِ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ وَمَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ مَلَكًا بِصُورَةِ رَجُلٍ إِلَى ءَاخِرِ الْقِصَّةِ وَفِيهَا أَنَّ مَلائِكَةَ الرَّحْمَةِ قَالُوا جَاءَ تَائِبًا وَفِيهَا أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ (فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ). فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ لا يَعْرِفُ أَوْلِيَاءَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهِمُ الْقِصَاصُ بَلْ دَفْعُ الدِّيَةِ فَقَطْ وَلَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى دَفْعِ الدِّيَةِ لَكِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ أَنْ يَدْفَعَ إِنِ اسْتَطَاعَ فَيَزُولُ بِذَلِكَ الإِشْكَالُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَدِ اشْتُهِرَ أَنَّ شَرْعَ مُوسَى تَحَتُّمُ الْقَتْلِ (أَيْ لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِ القَاتِلِ) وَأَنَّ شَرْعَ عِيسَى تَحَتُّمُ الدِّيَةِ (فَقَطْ دِيَةٌ، وَلَا يُقْتَلُ القَاتِلُ) وَجَاءَ شَرْعُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا السَّلامُ بِثَلاثَةِ أَوْجُهٍ الْقِصَاصُ إِنْ أَرَادَ وَلِيُّ الدَّمِ ذَلِكَ (وَذَلِكَ بِأَنْ يُمَكِّنَهُمُ الخَلِيفَةُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ) وَالْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ (أوْ) وَالْعَفْوُ مَجَّانًا إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ. لا يُشْتَرَطُ الِاسْتِغْفَارُ اللِّسَانِيُّ أَيْ قَوْلُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِلتَّوْبَةِ وَقَوْلُ بَعْضٍ بِأَنَّهُ شَرْطٌ غَلَطٌ فَاحِشٌ سَوَاءٌ جَعَلَ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ جَعَلَهُ خَاصًّا بِبَعْضِ الذُّنُوبِ. (لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ، بَلْ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ لَا بُدَّ مِنَ الأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَتَيْنَا عَلَى ذِكْرِهَا النَّدَمِ وَالإِقْلَاعِ عَنِ الذَّنْبِ فِي الحَالِ وَالعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ التَّوْبَةُ الْمُجْزِئَةُ، أَمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ النَّاسُ الاسْتِغْفَارَ بِاللِّسَانِ، فَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ)
فَائِدَةٌ: إِذَا قَالَ الطِّفْلُ «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، وَارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا» فَمَعْنَى «رَبِّ اغْفِرْ لِي» أَيِ اسْتُرْنِي أَيْ لَا أَكُونُ فِي الدُّنْيَا مَفْضُوحًا، وَمَعْنَى «وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» أَيْ أَطْلُبُ مِنَ اللهِ أَنْ يُغَيِّرَ حَالِي مِنْ حَالٍ قَبِيحَةٍ إِلَى حَالٍ أَحْسَنَ، وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ لَيْسَ دَائِمًا الاسْتِغْفَارُ يَكُونُ مِنْ ذَنْبٍ سَبَقَ لِلْخَلَاصِ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ.
فَائِدَةٌ: وَرَدَ فِي الحَدِيثِ «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا» أَيْ كُلُّ حَسَنَةٍ تَمْحُو سَيِّئَةً، وَالحَسَنَةُ تُضَاعَفُ إِلَى عَشْرٍ، فَتَكُونُ مُكَفِّرَةً لِعَشْرِ سَيِّئَاتٍ، قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾
وَالتَّوْبَةُ أَنْوَاعٌ: تَوْبَةٌ نَاقِصَةٌ أَيْ إِنْ تَابَ مِنْ بَعْضِ الْمَعَاصِي وَلَمْ يَتُبْ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ حَصَلَ مِنْهُ ذَلِكَ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ، كَمَنْ تَابَ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، تَوْبَتُهُ نَاقِصَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ مِـمَّا تَابَ مِنْهُ وَتَوْبَةٌ كَامِلَةٌ أَيْ إِنْ تَابَ مِنْ كُلِّ الذُّنُوبِ، فَمَنْ حَصَلَ مِنْهُ ذَلِكَ أَيْضًا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ. وَتَوْبَةٌ نَصُوحٌ وَهِيَ الَّتِي لَا يَرْجِعُ بَعْدَهَا هَذَا الْمُذْنِبُ إِلَى الذَّنْبِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾
وَاللهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ. إِلَى الأَمَامِ، ﴿وَلِلَّهِ العِزَّةُ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/oKrAtrDnLfw
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-43
الإشعارات