الأحد يونيو 30, 2024

#42 2-2 واجبات القلب

الحمد لله الذي أنارَ الوجودَ بطَلعةِ خير البرية والصلاة والسلام على صاحبِ المراتبِ العلية وعلى آله وصحبه أهلِ الفضلِ والصِدقِ والأخلاقِ الرضية.  اعلموا أرشدنا الله وإياكم أنّ من أعمال القلوب الواجبة الشُكْرُ على نِعَمِ اللهِ بمعنَى عَدَمِ استعمالِهَا فِى مَعْصِيَةٍ.

وليعلم أنّ الشكرَ قسمان شُكرٌ واجبٌ وشكرٌ مندوبٌ. أمّا الواجب فهو بأنْ لا يستعمِلَ نعمةَ الله فى معصيةِ الله. ليس الشكرُ الواجبُ مُجَرَّدَ أنْ يقولَ الإنسانُ بلسانه الشكرُ لله  أو الحمدُ لله. فلو قال بلسانه عشرة ءالاف مرة فى اليوم الشكر لله الشكر لله ثم هو يستعمل يدَه فى معصيةِ الله ورجلَهُ فى معصية الله ولسانَه فى معصية الله، هذا لا يكون شاكرًا لله عزّ وجلّ الشكرَ الواجب. إنما الشكرُ الواجبُ أن لا يستعملَ الإنسانُ نعمةَ الله فى معصيته.

ومن أعمال القلوب الواجبة الصبرُ على أَدَاءِ ما أَمَرَ اللهُ تعالى، والصبُر عمّا حَرَّمَ اللهُ، وعلى ما ابتلاكَ اللهُ بِهِ، فيتلخصُ من ذلك أنّ الصبرَ ثلاثةُ أنواع:

-النوعُ الأول صبرٌ على أداءِ الواجب، لأنّ الإنسانَ يَشُقُّ عليه فى بعضِ الأحيان أداءُ الواجب فيحتاجُ إلى الصبر حتى يَتَحَمَّلَ هذه المشقة. كما لما يتوضأُ الإنسان بالماء البارد فى الصبيحةِ الباردة ليُصلىَ الصبح، فإنه يحتاجُ إلى الصبر فى هذه الحال.

-والنوعُ الثانى الصبرُ عن المعصية أى أن يَكُفَّ نفسَهُ عن معصيةِ الله مع أنّ نفسَه تدعوه إلى ذلك. فى هذه الحال يحتاجُ أيضًا إلى الصبر. كأن كان فى ضِيقِ عَيش وحالِ فَقر وعَرَفَ أنه يستطيعُ أن يحصّل مالًا كثيرًا من طريقٍ حرام فدعته نفسه إلى ذلك فامتنعَ لله تعالى مُؤْثِرًا شدةَ الفَقرِ على أكلِ ما حرَّم الله. فإنّ هذا يحتاج إلى صبرٍ بلا شك.

-والنوعُ الثالثُ هو الصبرُ على البلاء، فلا يَجُرُّهُ البلاءُ إلى معصيةِ اللهِ. مثالُ ذلك أن يتعرَّضَ من مسلمٍ ءاخَرَ للإيذاء وللإهانةِ كُلَّ يوم وهو يعرف أنّه لو قَتَلَ ذلك الشخص يرتاحُ من هذه الإهانات المتكررة. هنا يحتاجُ أن يصبرَ على هذا البلاء حتى لا يقعَ فيما حرَّم الله عزّ وجلّ. بعضُ الناس إذا ابتُـلُوا لا يَصبرون حتى إنهم قد يكفرون. لما يَظْهَر الدّجال يحصُلُ ضيقٌ شديدٌ للمسلمين، يحصلُ بين المسلمين مجاعة، أمّا مَنْ تَبِعَ الدجّال فإن أَرْضَهُم تُنْبِت والسماءَ تُمطِرُ عليهم، فإذا لم يُعَوّد الإنسان نفسَه ويُوَطِنْها على الصبر على البلاء قد يكفر إذا صار فى مثلِ تلك الحال. فنسأل الله تبارك وتعالى أن يحفَظَنَا.

ومن أعمال القلوب الواجبة بغضُ الشيطان. فإنّه يجب على المكلفينَ بغضُ الشيطان لأنّ الله تبارك وتعالى قال: {فاتّخِذُوهُ عَدُوًّا}. والشيطانُ هو الكافرُ من الجن، وجَدُّهُم الأعلى ورئيسُهُم هو إبليس.

ومن أعمال القلوب الواجبة بغضُ المعاصِى سواءٌ صدرت منَ الشخصِ أو من غيرِه فى حضرَتِهِ أو فى غَيبَتِهِ. يعني إذا عَلِمَ بمعصيةٍ من المعاصى لا بدّ أن يَكْرَهَهَا بقلبِهِ.

واعلموا رحمكم الله بتوفيقه أنّه يجب على المكلفِ مَحَبةُ اللهِ عزّ وجلّ، يعنِى محبة التعظيمِ التى تليقُ بالله عزّ وجلّ. وكذلك يجب محبةُ كلامِ الله عزّ وجلّ أى القرءان، أى بتعظيمِهِ التعظيمَ اللائقَ به. ويجبُ محبةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، أى تعظيمُ الرسولِ على ما يليقُ به عليه الصلاة والسلام، بالإيمانِ به واعتقادِ أنَّه عليه الصلاة والسلام أفضلُ رُسُلِ اللهِ عزّ وجلّ، من غيرِ الغُلُوّ فى ذلك ومجاوزَةِ الحدّ المطلوبِ شرعًا يعني من غيرِ وصفِه عليه الصلاة والسلام بما لا يجوز أن يوصَفَ به كما فعل بعضُ الناس فإنهم بالغوا فى تعظيمِ النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى قالوا بأنّه يَعْلَمُ كلَّ ما يعلمُهُ اللهُ عزّ وجلّ وهذا كفر والعياذ بالله. وكذلك يجبُ محبةُ كلامِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام لأنّ هذا تابعٌ لتعظيمِ النبىّ صلى الله عليه وسلم .

كذلك يجب محبةُ الصحابة. والصحابىُّ هو مَن لَقِىَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم على سبيلِ العادةِ مُصَدِّقًا بهِ ثم مات على ذلك. فالأنبياءُ الذين صَلَّوْا خلفَ النبىّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الإسراءِ لا يُعَدُّونَ من صحابتِهِ لأنّ لُقياهُم لهُ ما كان على الطريق المعتاد بل كان بطريق خَرقِ العادة. فيجبُ محبةُ الصحابةِ لأنهم أنصارُ دينِ الله عزّ وجلّ، لا سيّما السابقونَ الأولونَ منهم من المهاجرين والأنصار. كذلك يجبُ محبةُ ءالِ النبىّ صلى الله عليه وسلم. والآلُ يُطْلَقُ بأكثرَ من معنًى. إن أُرِيدَ بالآلِ الأتباعُ الأتقياء فتجبُ محبتُهُم لأنّنا مأمورونَ بمحبةِ الصالحينَ، و قولُنا فى الصلاة: (السلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين) إشارةٌ إلى تعظيمهم ووجوبِ محبَّتِهِم. وإن أُرِيدَ بالآلِ أَقْرِبَاءُ الرسول عليه الصلاة والسلام فهؤلاء أيضًا تجبُ محبتُهُم. أزواجُه وأقرباؤُه المؤمنون تجبُ محبتُهم لِمَا خُصُّوا به من الفضلِ. والله تبارك تعالى أعلم وأحكم والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله والحمد لله رب العالمين.