الإثنين أبريل 28, 2025

#42

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَحْجِيرُ الْمُبَاحِ كَالْمَرْعَى وَالِاحْتِطَابِ مِنَ الْمَوَاتِ وَالْمِلْحِ مِنْ مَعْدِنِهِ وَالنَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمَاءِ لِلشُّرْبِ مِنَ الْمُسْتَخْلَفِ وَهُوَ الَّذِي إِذَا أُخِذَ مِنْهُ شَىْءٌ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ تَحْجِيرَ الْمُبَاحِ أَيْ مَنْعَ النَّاسِ مِنَ الأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ لَهُمْ عَلَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (أَيِ الشَّيْءُ الَّذِي لَا مَالِكَ لَهُ لَا يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْهُ، هُوَ يَأْخُذُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَيَتْرُكُ النَّاسَ يَأْخُذُونَ) كَشَوَاطِئِ الأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ (هُنَاكَ أَشْيَاءُ مُبَاحَةٌ عَلَى الْعُمُومِ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ، وَهُنَاكَ أَشْيَاءُ مُبَاحَةٌ لِقِسْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. لَا يَجُوزُ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَمْنَعَ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا هُوَ مُبَاحٌ لَهُمْ عَلَى الْعُمُومِ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْمَرْعَى الَّذِي فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ. الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا عُشْبٌ وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ يُقَالُ لَهَا مُبَاحٌ، أَيْ يَسْتَطِيعُ الشَّخْصُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَنَمِهِ أَوْ إِبِلِهِ لِيَرْعَى فِي هَذَا الْمَرْعَى، فَإِذَا شَخْصٌ حَجَرَهَا عَنْ غَيْرِهِ فَمَنَعَ النَّاسَ عَلَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ أَيْ مَنَعَ النَّاسَ عُمُومًا أَوْ بَعْضَ الْأَشْخَاصِ مِنْ رَعْيِ مَوَاشِيهِمْ فِيهَا فَقَدْ عَصَى اللهَ تَعَالَى. بَعْضُ الْمُلُوكِ فِي الْمَاضِي كَانُوا يُعَيِّنُونَ مَسَافَةً مِنْ أَرْضٍ وَاسِعَةٍ لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَيَقُولُ هَذِهِ لِمَاشِيَتِي، مَعْنَاهُ لَا يَرْعَى أَحَدٌ غَيْرِي مَاشِيَتَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِذَا أَدْخَلَ أَحَدٌ مَاشِيَتَهُ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ لِيَرْعَى فِيهَا، كَانَ يَقْتُلُهُ أَوْ يُعَاقِبُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الِاحْتِطَابُ أَيْ أَخْذُ الْحَطَبِ مِنْ أَرْضِ الْمَوَاتِ (أَيْ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَحَدٍ حَرَامٌ، لَا يَنْفَرِدُ بِهِ. هُوَ يَأْخُذُ وَغَيْرُهُ يَأْخُذُ كَذَلِكَ) وَكَذَلِكَ الشَّوَارِعُ وَالْمَسَاجِدُ (وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا مَسْجِدًا بَنَاهُ إِنْسَانٌ وَوَقَفَهُ عَلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ، وَلَكِنِ الْمَسْجِدُ الْمَوْقُوفُ لِلصَّلَاةِ. الْمَسَاجِدُ الْمَوْقُوفَةُ لِلْمُسْلِمِينَ عُمُومًا، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَا أَسْمَحُ لِفُلَانٍ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ يَمْنَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ لِلصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ) وَالرُّبُطُ أَيِ الأَمَاكِنُ الْمَوْقُوفَةُ لِلْفُقَرَاءِ مَثَلًا فَلا يَجُوزُ لِبَعْضِهِمْ تَحْجِيرُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَكَذَلِكَ الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ وَالظَّاهِرَةُ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِزَهَا لِنَفْسِهِ دُونَ النَّاسِ بَلْ يَتْرُكُ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ وَهُوَ يَنْتَفِعُ. كَذَلِكَ مَنْ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً خَلَقَهُمَا اللهُ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ عَصَى اللهَ. فَرْقٌ بَيْنَ الْمَكَانِ الَّذِي خَلَقَهُمَا اللهُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا أَخَذَهُ بِيَدِهِ. هَذَا الَّذِي أَخَذَهُ بِيَدِهِ صَارَ لَهُ، هَذَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِيَدِهِ، صَارَ لَهُ. أَمَّا الْحَرَامُ فَـ) كَأَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ أَخْذِ الْمِلْحِ مِنْ مَعْدِنِهِ (أَيْ الْمَكَانِ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ فِيهِ فِي الْأَرْضِ. هَذَا الْمِلْحُ مِنْ مَعْدِنِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْتَجِزَهُ لِنَفْسِهِ. كَلَامُنَا لَيْسَ عَنْ حُفْرَةٍ حَفَرَهَا الشَّخْصُ فَوَضَعَ فِيهَا مَاءَ الْبَحْرِ فَتَرَكَهَا لِتَجِفَّ لِيَأْخُذَ مِنْهَا الْمِلْحَ. كَلَامُنَا عَنْ جَبَلٍ مِنْ مِلْحٍ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ. كَذَلِكَ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ يَنْبُعُ مِنْ أَرْضٍ وَهَذِهِ الْأَرْضُ لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ، يَجُوزُ لِأَيِّ شَخْصٍ أَنْ يَأْتِيَ وَيَأْخُذَ مِنْهَا، حَرَامٌ أَنْ يَمْنَعَ الشَّخْصُ غَيْرَهُ مِنْهُ) وَكَذَلِكَ الْمَنْعُ مِنَ الشُّرْبِ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي حَفَرَهُ الشَّخْصُ فِي الأَرْضِ الْمَوَاتِ وَكَانَ إِذَا أُخِذَ مِنْهُ شَىْءٌ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ (آبَارُ الْمِيَاهِ نَوْعَانِ، نَوْعٌ تَأْخُذُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجِفُّ. وَنَوْعٌ آخَرُ، إِذَا أَخَذْتَ مِنْهُ الْمَاءَ يَحُلُّ مَاءٌ آخَرُ مَكَانَ الَّذِي أَخَذْتَهُ. هَذَا يُقَالُ لَهُ مُسْتَخْلَفٌ، مَعْنَاهُ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ. لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنَ الشُّرْبِ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ، يَعْنِي مِنَ الْبِئْرِ الْمُسْتَخْلَفِ) رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلإِ (أَيْ الْحَشِيشِ الَّذِي يَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ) وَالنَّارِ). (كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَنْعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالنَّارِ الَّتِي اتَّقَدَتْ فِي الْمُبَاحِ مِنَ الْحَطَبِ. عِنْدَنَا أَرْضٌ مَوَاتٌ وَفِيهَا حَطَبٌ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ اشْتَعَلَتْ فِيهِ النَّارُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ النَّارِ. هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْمَاءُ وَالْكَلَأُ وَالنَّارُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَادُ بِهَا بِمَنْعِ الْغَيْرِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا، أَيْ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ. أَمَّا إِذَا أَنَا أَشْعَلْتُ نَارًا بِحَطَبِي يَجُوزُ لِي أَنْ أَمْنَعَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْحَشِيشُ فِي أَرْضِي) وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَاءُ الَّذِي لَمْ يَحُزْهُ الشَّخْصُ أَيْ لَمْ يَحْتَوِهِ فِي إِنَائِهِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا مَا حِيزَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ مِلْكٌ خَاصٌ لِلَّذِي حَازَهُ (كَمَنْ أَتَى نَبْعًا وَوَضَعَ مَاءً فِي قِنِّينَةٍ لَهُ فَهَذَا الْمَاءُ الَّذِي فِي الْقِنِّينَةِ مِلْكٌ لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ. أَمَّا ذَاكَ الْمَاءُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنَ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ فَيَجُوزُ لِأَيِّ شَخْصٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ، كَمَا هُوَ الْأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ، لَيْسُوا مِلْكًا لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَصْطَادُ شَخْصٌ مِنَ الْبَحْرِ وَيَحُوزُهَا، صَارَتْ مِلْكًا لَهُ)

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاسْتِعْمَالُ اللُّقَطَةِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ بِشُرُوطِهِ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ اسْتِعْمَالَ اللُّقَطَةِ وَهِيَ مَا ضَاعَ مِنْ مَالِكِهِ بِسُقُوطٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِي نَحْوِ الشَّارِعِ كَالْمَسْجِدِ وَالْبَحْرِ مِمَّا لا يُعْرَفُ مَالِكُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِشَرْطِهِ (الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ مَكَانًا عَامًّا لَيْسَ خَاصًّا، أَمَّا مَنْ وَجَدَ شَيْئًا فِي بَيْتِهِ أَوْ دُكَّانِهِ أَوْ سَيَّارَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ، إِنَّمَا يَحْتَفِظُ بِهِ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إِلَى أَنْ يَيْأَسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا. فَإِنْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ كَأَنْ مَضَى عَلَيْهِ عَشْرُ سِنِينَ وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهُ فَعِنْدَئِذٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ إِنْ شَاءَ، وَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ ثَوَابُهُ لِصَاحِبِهِ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَإِنْ ظَهَرَ صَاحِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ مُسْلِمًا يُخَيِّرُهُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ أَوْ أَنْ يَرْضَى بِالثَّوَابِ) وَهُوَ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهَا إِنْ لَمْ يَظْهَرْ صَاحِبُهَا فَإِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا بِنِيَّةِ أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهَا إِذَا ظَهَرَ. (أَكْلُ اللُّقَطَةِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ بِشُرُوطِهَا حَرَامٌ، مَثَلًا وَجَدَ سَاعَةً تَمَلَّكَهَا وَبَدَأَ بِاسْتِعْمَالِهَا أَوْ بَاعَهَا، عَصَى اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. فَمَنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ وَجَدَ مِائَةَ دُولَارٍ كَنَدِيٍّ مَثَلًا، فَإِذَا رَفَعَهَا وَجَبَ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً، كَأَنْ يَضَعَ وَرَقَةً عَلَى الْحَائِطِ «وَجَدْتُ مَبْلَغًا مِنَ الْمَالِ يَزِيدُ عَنْ كَذَا وَيَنْقُصُ عَنْ كَذَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ فَلْيُرَاجِعْنِي» ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بِنِيَّةِ الْغُرْمِ لِصَاحِبِهَا إِذَا ظَهَرَ، أَيْ بِنِيَّةِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ بَدَلَهَا، لَكِنْ قَبْلَ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً حَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا. إِذَا كَانَ الشَّخْصُ لَا يَظُنُّ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِالْأَمَانَةِ فِيهَا فَلْيَتْرُكْهَا حَتَّى لَا يَقَعَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ. أَمَّا مَا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ عَادَةً، كَالَّذِي يَقَعُ مِنْ نَاقِلِ الْفَاكِهَةِ كَحَبَّةِ تُفَّاحٍ يَتْرُكُهَا عَادَةً، جَازَ لِمَنْ وَجَدَهَا أَنْ يَأْكُلَهَا)

فَائِدَةٌ: الشَّخْصُ بَعْدَ أَنْ يُعَرِّفَ اللُّقَطَةَ سَنَةً، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِبْقَاءُ وَرَقَةِ التَّعْرِيفِ. وَقَدْ يَحْصُلُ كَمَا قِيلَ لِشَيْخِنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ فِي مَحَطَّةِ الْقِطَارَاتِ سَاعَةً، قَالَ لَهُ إِذَا وَضَعْتُ وَرَقَةً كُلَّ يَوْمٍ، تُرْفَعُ هَذِهِ الْوَرَقَةُ مِنْ قِبَلِ الْعُمَّالِ الَّذِينَ يُنَظِّفُونَ الْمَكَانَ، فَقَالَ لَهُ “تَضَعُ كُلَّ يَوْمٍ وَرَقَةً”، قَالَ لَهُ أَنَا لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، قَالَ “تُوَكِّلُ شَخْصًا يَضَعُ عَنْكَ كُلَّ يَوْمٍ وَرَقَةً”. لِذَلِكَ قُلْنَا أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّخْصُ لَا يَظُنُّ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِالْأَمَانَةِ فِيهَا، فَلْيَتْرُكْهَا حَتَّى لَا يَقَعَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ. وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَا بُدَّ أَنْ تَلْقُطَ اللُّقَطَةَ إِذَا كَانَ مِنْ نَحْوِ الْعُمْلَةِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا اسْمُ اللهِ، فَإِذَا وَجَدْتَهَا فِي الطَّرِيقِ مَدَاسَ الْأَقْدَامِ، يَجِبُ أَنْ تَرْفَعَهَا وَأَنْ تَقُومَ بِالْأَمَانَةِ فِيهَا. وَإِنْ عَرَّفَ بِغَيْرِ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا بَعْدَ مُرُورِ السَّنَةِ، لَا يَتَمَلَّكُهَا، فَتَبْقَى عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا، يُعَرِّفُ عَنْهَا سَنَةً ثَانِيَةً بِنِيَّةِ التَّمَلُّكِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا كَانَ شَيْئًا قَلِيلًا، يُعَرِّفُهُ الْمُدَّةَ الَّتِي لَوْ كَانَ فَاقِدُ هَذِهِ اللُّقَطَةِ فَقِيرًا، يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ. مَثَلًا إِذَا وَجَدَ شَخْصٌ أَلْفَ لِيرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، يُقَدِّرُ لَوْ كَانَ الَّذِي أَضَاعَ هَذِهِ الْأَلْفَ فَقِيرًا، كَمْ يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِهَا؟ لَوْ فَرَضْنَا أُسْبُوعًا، يُعَرِّفُ أُسْبُوعًا، وَأَحْيَانًا لَا يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِهَا بِالْمَرَّةِ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا، فَفِي هَذِهِ الْحَالِ، تَقُولُ إِذَا لَقَطْتَهُ “أَحَدٌ أَضَاعَ مَالًا؟” إِنْ لَمْ يَرُدَّ أَحَدٌ مِمَّنْ حَوْلَكَ، تَأْخُذُهُ إِنْ أَرَدْتَ)

فَائِدَةٌ: إِنْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ مِمَّا يَتْلَفُ بِسُرْعَةٍ، يَبِيعُهَا وَيَحْفَظُ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا، وَلَا يَأْكُلُهَا. وَإِذَا وَجَدَ صَنَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ شِعَارَ كُفْرٍ، فَلَا يُعَرِّفُ عَنْهُ وَلَا يُعْطِيهِ لِكَافِرٍ، إِنَّمَا يَكْسِرُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ اللُّقَطَةُ فِيهَا شَيْءٌ مُحْتَرَمٌ كَاسْمِ اللهِ أَوْ ءَايَةٍ قُرْءَانِيَّةٍ، فَلَا يَتْرُكُهَا تَدُوسُ عَلَيْهَا الْأَرْجُلُ، بَلْ يَرْفَعُهَا وُجُوبًا، وَيُعَرِّفُ عَنْهَا.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْجُلُوسُ مَعَ مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرِ إِذَا لَمْ يُعْذَرْ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الْجُلُوسَ فِي مَحَلٍّ فِيهِ مُنْكَرٌ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الْمُنْكَرِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فِي جُلُوسِهِ فِيهِ بِأَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ الْمُنْكَرَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُفَارِقَ الْمَكَانَ فَلَمْ يَفْعَلْ. وَالأَعْذَارُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي ذَلِكَ تُطْلَبُ مِنَ الْمَبْسُوطَاتِ. (الجُلُوسُ فِي مَكَانٍ يُعْمَلُ فِيهِ الْمُنْكَرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَرَامٌ، هَذَا إِذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ جَلَسَ، أَمَّا لِحَاجَةٍ، كَأَنْ دَخَلَ مَطْعَمًا وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ يَنْتَظِرُ الْأَكْلَ، فَجَلَسَ آخَرُ طَلَبَ الْخَمْرَ وَنَحْوَهُ، فَهَذَا الَّذِي جَلَسَ لِيَأْكُلَ الطَّعَامَ الْحَلَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْإِنْكَارُ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. أَمَّا إِنْ بَقِيَ جَالِسًا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِم مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ، فَهَذَا عَصَى اللهَ. أَمَّا إِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْكَارَ، وَجَلَسَ لِغَرَضٍ مُبَاحٍ، وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ، فَلَا يَأْثَمُ بِجُلُوسِهِ عِندَ بَعْضِهِم. عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إِنْ كَانَ لَا يُؤْنِسُهُمْ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إِزَالَةَ الْمُنْكَرِ لَمْ يَحْرُم عَلَيْهِ الْجُلُوسُ وَلَزِمَهُ الْإِنْكَارُ بِقَلْبِهِ. أَيُّ مُنْكَرٍ، لَيْسَ خَاصًّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ تُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ. كَثِيرٌ مِنَ الْفَسَادِ هَذِهِ الْأَيَّامِ دَخَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ تَرْكِهِمْ إِنْكَارَ الْمُنْكَرِ وَبِسَبَبِ تَرْكِهِمْ مُفَارَقَةِ مَجَالِسِ الْمُنْكَرِ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَعِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ)

مَسْأَلَةٌ: إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ، وَعَلِمَ أَنَّ فِيهَا مُنْكَرًا كَآلَاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلَبِّيَ الدَّعْوَةَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ حُضُورِهِ، فَقَالَ بَعْضٌ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُضُورُ لِوُجُودِ الْمُنْكَرِ فِيهِ، وَقَالَ بَعْضٌ كَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ يَحْضُرُ وَيُنْكِرُ بِقَلْبِهِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِنْكَارِ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ. أَمَّا إِنْ عَلِمَ بِوُجُودِ الْمُنْكَرِ فِيهِ، وَكَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُزِيلَ هَذَا الْمُنْكَرَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ لِإِزَالَتِهِ، لِحَدِيثِ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا (أَيْ عَلِمَ بِوُجُودِهِ) فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَمَّا إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إِلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مُنْكَرٌ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُلَبِّيَ الدَّعْوَةَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَلَمْ يَعْتَذِرْ عَنِ الْحُضُورِ. وَمَنْ أَرَادَ الِاعْتِذَارَ عَنْ حُضُورِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، يَعْتَذِرْ لِلَّذِي دَعَاهُ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّطَفُّلُ فِي الْوَلائِمِ وَهُوَ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إِذْنٍ أَوْ أَدْخَلُوهُ حَيَاءً

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ أَنْ يَحْضُرَ الْوَلائِمَ الَّتِي لَمْ يُدْعَ إِلَيْهَا (كَالدُّخُولِ بِدُونِ دَعْوَةٍ إِلَى مَكَانِ الْوَلِيمَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ) أَوْ دُعِيَ إِلَيْهَا اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ أَوْ أُدْخِلَ حَيَاءً (لَا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، كَمَنْ سَمِعَ بِحُصُولِ وَلِيمَةٍ لَمْ يُدْعَ إِلَيْهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ ذَهَبَ إِلَيْهَا فَلَنْ يُدْخِلُوهُ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُمْ بَلْ حَيَاءً، وَمَعَ هَذَا ذَهَبَ، فَهَذَا حَرَامٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِم، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُغَادِرَ الْمَكَانَ فَوْرًا) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) (وَالْعَصَا تَكُونُ قِيمَتُهَا فِي الْعَادَةِ شَيْئًا قَلِيلًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَغَيْرُ الْعَصَا مِثْلُهَا) وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ تَحْذِيرٌ بَلِيغٌ مِنَ اسْتِعْمَالِ مَالِ الْمُسْلِمِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْجَلِيلِ وَالْحَقِيرِ (يَعْنِي الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ) بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ بَلْ مُجَرَّدُ دُخُولِ مِلْكِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ رِضَاهُ لا يَجُوزُ (إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْمُسْلِمَ لَا يَرْضَى، حَرَامٌ عَلَيْهِ).

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَدَمُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي النَّفَقَةِ وَالْمَبِيتِ وَأَمَّا التَّفْضِيلُ فِي الْمَحَبَّةِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْمَيْلِ فَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ تَرْكَ الْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ كَأَنْ يُرَجِّحَ وَاحِدَةً مِنَ الزَّوْجَتَيْنِ أَوْ الزَّوْجَاتِ عَلَى غَيْرِهَا ظُلْمًا فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْمَبِيتِ (لَيْسَ وَجِبًا عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي كُلُّ شَيْءٍ، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالتَّسْوِيَةِ فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ هُوَ أَنْ يَدْفَعَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نَفَقَتَهَا الْوَاجِبَةَ، أَمَّا التَّسْوِيَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْمَبِيتِ فَمَعْنَاهُ إِنْ بَاتَ عِنْدَ هَذِهِ لَيْلَتَيْنِ وَعِنْدَ تِلْكَ لَيْلَةً، لَا يَجُوزُ إِلَّا بِرِضَاهَا. إِنْ بَاتَ عِنْدَ هَذِهِ لَيْلَةً يَبِيتُ عِنْدَ تِلْكَ لَيْلَةً، وَإِنْ بَاتَ عِنْدَ تِلْكَ لَيْلَتَيْنِ يَبِيتُ عِنْدَ هَذِهِ لَيْلَتَيْنِ، وَهَكَذَا) وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَالْمَحَبَّةِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْجِمَاعِ (لَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ إِذَا جَامَعَ وَاحِدَةً أَنْ يُجَامِعَ الْأُخْرَى أَيْضًا، وَلَوْ أَحَبَّ وَاحِدَةً أَكْثَرَ مِنَ الْأُخْرَى، لَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ) لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ عَلَى الزَّوْجِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ فِي كُلِّ شَىْءٍ وَلَيْسَ مِنْ مُسْتَطَاعِ الزَّوْجِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ فِي كُلِّ شَىْءٍ (فَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ إِذَا أَهْدَى إِحْدَى زَوْجَاتِهِ هَدِيَّةً أَنْ يَأْتِيَ لِلأُخْرَيَاتِ بِمِثْلِهَا، بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ (قَالَ الْمُفَسِّرُونَ أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى بِنَفْيِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ فِي مَيْلِ الطَّبْعِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْجِمَاعِ وَالْحَظِّ مِنَ الْقَلْبِ، فَوَصَفَ اللهُ حَالَةَ الْبَشَرِ، وَأَنَّهُمْ بِحُكْمِ الْخِلْقَةِ لَا يَمْلِكُونَ مَيْلَ قُلُوبِهِمْ إِلَى بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ. ثُمَّ نَهَى عَنِ الْإِخْلَالِ فِي التَّسْوِيَةِ وَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، فَقَالَ تَعَالَى ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾. نَعَمْ، لَوْ سَوَّى بَيْنَهُنَّ فِيمَا يُنْفِقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ فَوْقَ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، فَهَذَا أَبْعَدُ لِلْخِصَامِ بَيْنَهُنَّ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، لَكِنْ لَا يَجِبُ. أَمَا الْمَبِيتُ فَإِذَا كَانَ بِرِضَى النِّسْوَةِ، فَيَجُوزُ أُسْبُوعٌ بِأُسْبُوعٍ، أَوْ شَهْرٌ بِشَهْرٍ، أَوْ يَوْمٌ بِيَوْمٍ. وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الزَّوْجِ إِنِ اشْتَرَى لِهَذِهِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْوَاجِبِ، أَنْ يَشْتَرِيَ لِسَائِرِ زَوْجَاتِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا أَمْرٌ يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لِجَهْلِهِمْ. فَمَنْ لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي النَّفَقَةِ وَالْمَبِيتِ، فَقَدْ عَصَى اللهَ تَعَالَى، أَمَّا فِي غَيْرِهِمَا فَلَا يَجِبُ.

وَقَدْ رَوَى قَتَادَةُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا (أَيْ فِي النَّفَقَةِ وَالْمَبِيتِ) جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ. هَذَا مَعْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَيْ إِنْ لَمْ يَعْفُ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ مَاتَ بِغَيْرِ تَوْبَةٍ.

فَائِدَةٌ: النَّبِيُّ ﷺ كَانَتْ خَدِيجَةُ أَحَبَّ زَوْجَاتِهِ إِلَى قَلْبِهِ، وَلَا يُقَالُ إِنَّ هَذَا خِلَافُ الصَّوَابِ، وَلَا خِلَافُ التَّسْوِيَةِ الْوَاجِبَةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ. مَرَّةً، الرَّسُولُ ﷺ سَمِعَ صَوْتَ أُخْتِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَحَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ دَلَّ عَلَى عِظَمِ مَحَبَّتِهِ لِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ أَصَابَتْهَا غَيْرَةٌ لَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ كَلِمَةً، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَتْ «وَقَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا». فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ وَاللَّهِ مَا أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْرًا مِنْهَا. فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْفَضْلِ وَفِي الْمَحَبَّةِ لَيْسَتْ شَرْطًا.

فَائِدَةٌ: لِيُعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَرْبَعٍ مِنَ الْحَرَائِرِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ، لِوُرُودِ النَّصِّ الصَّرِيحِ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْآيَةِ ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾، فَمَعْنَاهُ مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَعْدِلَ فِي الْقِسْمِ الْوَاجِبِ وَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ تَرْكَ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالِ يُؤَدِّي إِلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَحْرِيمَ الزِّيَادَةِ عَلَى وَاحِدَةٍ مُطْلَقًا، وَإِلَّا كَيْفَ يَجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؟

فَائِدَةٌ: لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ زَوْجَتَهُ الْأُولَى لِلزَّوَاجِ مِنْ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ إِخْبَارِهَا، جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَصَحَّ زِوَاجُهُ الثَّانِي.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَخُرُوجُ الْمَرْأَةِ إِنْ كَانَتْ تَمُرُّ عَلَى الرِّجَالِ الأَجَانِبِ بِقَصْدِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ مُتَعَطِّرَةً أَوْ غَيْرَ مُتَعَطِّرَةٍ مُتَزَيِّنَةً أَوْ غَيْرَ مُتَزَيِّنَةٍ مُتَسَتِّرَةً بِالسِّتْرِ الْوَاجِبِ أَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ إِنْ قَصَدَتْ بِخُرُوجِهَا أَنْ تَفْتِنَ الرِّجَالَ أَيْ تَسْتَمِيلَهُمْ لِلْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا إِذَا خَرَجَتْ مُتَعَطِّرَةً أَوْ مُتَزَيِّنَةً سَاتِرَةً مَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ مِنْ بَدَنِهَا وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهَا ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ إِثْمٌ. وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ (فِي كُتُبِهِم) فِي (بَابِ) مَنَاسِكِ الْحَجِّ أَنَّهُ يُسَنُّ التَّطَيُّبُ لِلأُنْثَى كَمَا لِلذَّكَرِ لِلإِحْرَامِ لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ كَمَا ثَبَتَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ لِلْإِحْرَامِ، فَنُضَمِّخُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَلَا يَنْهَاهَا. فَلَوْ كَانَ حَرَامًا، لَنَهَاهَا الرَّسُولُ ﷺ عَنِ التَّطَيُّبِ). وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا (أَيُّمَا امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مُتَعَطِّرَةً فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا ريِحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ) وَشَرْحُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَقْصِدُ بِخُرُوجِهَا مُتَطَيِّبَةً اسْتِمَالَةَ الرِّجَالِ إِلَيْهَا أَيْ لِلْفَاحِشَةِ أَوْ لِمَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ الْمُحَرَّمِ فَهِيَ زَانِيَةٌ أَيْ شِبْهُ زَانِيَةٍ لِأَنَّ فِعْلَهَا هَذَا مُقَدِّمَةٌ لِلزِّنَى (مُقَدِّمَاتُ الزِّنَى مِنَ الصَّغَائِرِ) وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ إِثْمَهَا كَإِثْمِ الزَّانِيَةِ الزِّنَى الْحَقِيقِيَّ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. وَأَمَّا إِنْ لَمْ تَقْصِدْ بِخُرُوجِهَا مُتَعَطِّرَةً أَنْ تَفْتِنَ الرِّجَالَ فَلَيْسَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ إِثْمٌ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَيَّدَ حُصُولَ الإِثْمِ بِقَصْدِ الْفِتْنَةِ وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي الْحَدِيثِ (لِيَجِدُوا ريِحَهَا) (وَلَمْ يَقُلْ فَوَجَدُوا رِيحَهَا، لِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِيَجِدُوا بَيَّنَتْ أَنَّ سَبَبَ خُرُوجِهَا مُتَعَطِّرَةً هُوَ اسْتِمَالَةُ الرِّجَالِ لِلْحَرَامِ) وَلَكِنَّ فِعْلَهَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً. (فَلَوْ كَانَ يَحْرُمُ خُرُوجُهَا مُتَطَيِّبَةً إِنْ نَوَتِ التَّعَرُّضَ لِلرِّجَالِ أَوْ لَمْ تَنْوِ، لَمْ يَقُلِ الرَّسُولُ ﷺ لِيَجِدُوا رِيحَهَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَحْرُمُ خُرُوجُهَا مُتَطَيِّبَةً إِنْ نَوَتِ التَّعَرُّضَ لِلرِّجَالِ أَوْ لَمْ تَنْوِ، لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ حَرَامًا إِذَا لَمْ تَقْصِدِ التَّعَرُّضَ لِلرِّجَالِ بِالتَّطَيُّبِ وَالتَّزَيُّنِ. فَالْقَاعِدَةُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى نِيَّةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فِي الْخُرُوجِ، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهَا أَنْ تَفْتِنَ الرِّجَالَ فَهِيَ آثِمَةٌ، أَمَّا إِنْ لَمْ تَنْوِ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا)

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالسِّحْرُ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ السِّحْرَ وَهُوَ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ (أَيِ السَّبْعِ الْمُهْلِكَاتِ) الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَدِيثِهِ (وَهُوَ إِمَّا بِوَاسِطَةِ الْجِنِّ شَيَاطِينِ الْكُفَّارِ) وَ (إِمَّا) يَكُونُ بِمُزَاوَلَةِ أَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ خَبِيثَةٍ (وَيُوجَدُ أَيْضًا شَيْءٌ يَعْتَمِدُونَ فِيهِ عَلَى الْخِفَّةِ، يُوهِمُونَ النَّاظِرِينَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا الشَّخْصَ، قَطَعُوا رَأْسَهُ ثُمَّ أَحْيَوْهُ، هَذَا أَيْضًا حَرَامٌ). وَهُوَ أَنْوَاعٌ مِنْهُ مَا يُحْوِجُ إِلَى عَمَلٍ كُفْرِيٍّ كَالسُّجُودِ لِلْشَّمْسِ أَوِ السُّجُودِ لإِبْلِيسَ (أَوِ التَّبَوُّلِ عَلَى الْقُرْءَانِ) أَوْ تَعْظِيمِ الشَّيْطَانِ بِغَيْرِ ذَلِكَ (الشَّيْطَانُ يَطْلُبُ مِنْهُ ذَلِكَ حَتَّى يُعَلِّمَهُ السِّحْرَ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى) وَمِنْهُ مَا يُحْوِجُ إِلَى كُفْرٍ قَوْلِيٍّ (كَقَوْلِ أَلْفَاظٍ فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى تَعْظِيمِ الشَّمْسِ وَعِبَادَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ) وَمِنْهُ مَا لا يُحْوِجُ إِلَى كُفْرٍ فَمَا يُحْوِجُ إِلَى الْكُفْرِ أَيْ لا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْكُفْرِ فَهُوَ كُفْرٌ، وَمَا لا يُحْوِجُ إِلَى الْكُفْرِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ (كَيْفَمَا كَانَ، حَرَامٌ. مِنْ هُنَا قَالَ الْعُلَمَاءُ تَعْلِيمُ وَتَعَلُّمُ عِلْمٍ يَضُرُّ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ كَالسِّحْرِ حَرَامٌ مِنَ الْكَبَائِرِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُفْرٌ). وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَحْريِمَ تَعَلُّمِهِ وَفَصَّلَ بَعْضٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنْ كَانَ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ لا يُحْوِجُ إِلَى الْكُفْرِ وَلا إِلَى تَعَاطِي مُحَرَّمٍ جَازَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لا يَكُونَ الْقَصْدُ بِذَلِكَ تَطْبِيقَهُ بِالْعَمَلِ (بَلْ لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّ هَذَا سِحْرٌ فَيُتَجَنَّبَ، يَجُوزُ. القَاضِي، الْعَالِمُ، الْمُفْتِي، يَتَعَلَّمُ حَتَّى يُحَذِّرَ النَّاسَ، حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لِيَعْرِفَ كَيْفَ يُدَاوِيَ النَّاسَ مِنْهُ، مِنْ دُونِ أَنْ يَعْمَلَ الْكُفْرَ أَوْ تَعَاطِيَ الْمُحَرَّمِ) وَإِلَّا (إنْ كَانَ تَعَلُّمُهُ وَتَعليمُهُ بِقَصْدِ تَطْبِيقِهِ بالعَمَلِ) فَتَحْريِمُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (لَوْ لَمْ يُحْوِجْ إِلَى كُفْرٍ أَوْ إِلَى مُحَرَّمٍ، لِأَنَّ السِّحْرَ مِنَ الْعُلُومِ الْمُضِرَّةِ) وَمَنِ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ كَفَرَ.

فَائِدَةٌ: السِّحْرُ، سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَحَبَّةِ حَتَّى يُحِبَّ هَذَا هَذِهِ أَوْ هَذِهِ هَذَا، أَوْ لِلتَّبْغِيضِ حَتَّى يَكْرَهَ هَذَا هَذِهِ أَوْ هَذِهِ هَذَا، فَهُوَ حَرَامٌ. وَكَذَلِكَ السِّحْرُ لِإِمْرَاضِ الشَّخْصِ حَتَّى يُجَنَّ مَثَلًا، حَرَامٌ أَيْضًا. وَالَّذِي يَنْفِي وُجُودَ السِّحْرِ فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْءَانَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾. وَيُعْلَمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَارُوتَ وَمَارُوتَ مَلَكَيْنِ كَرِيمَيْنِ، أَمَرَهُمَا اللهُ أَنْ يَنْزِلَا إِلَى الْأَرْضِ وَيُعَلِّمَا النَّاسَ السِّحْرَ أَيْ نَوْعًا مِنَ السِّحْرِ، لَا لِيَعْمَلُوا بِهِ، بَلْ لِيَعْرِفُوا حَقِيقَتَهُ. كَانَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ مَعَ التَّحْذِيرِ، يَقُولَانِ لِلنَّاسِ نَحْنُ فِتْنَةٌ، أَيْ مِحْنَةٌ وَابْتِلَاءٌ مِنَ اللهِ، وَاخْتِبَارٌ، نُعَلِّمُكُمْ وَلَا تَكْفُرُوا، أَيْ لَا تَعْتَبِرُوا السِّحْرَ حَلَالًا فَتَكْفُرُوا، إِنَّمَا تَتَعَلَّمُونَ فَقَطْ. وَالْحِكْمَةُ مِنْ تَعْلِيمِهِمَا السِّحْرَ حَتَّى يُفَرِّقَ النَّاسُ بَيْنَ السِّحْرِ وَمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ السِّحْرَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَأَنَّ الْقُرْءَانَ لَا يَدْخُلُ فِي عَمَلِ السِّحْرِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مَكْتُوبًا مِنَ السِّحْرِ مَخْلُوطًا بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْءَانِ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْقُرْءَانَ لَيْسَ لَهُ دَخْلٌ، إِنَّمَا الشَّيَاطِينُ أَدْخَلَتْ هَذَا لِتُضِلَّ النَّاسَ، لِيَظُنُّوا أَنَّ الْقُرْءَانَ يَدْخُلُ فِي عَمَلِ السِّحْرِ)

فَائِدَةٌ: حَرَامٌ فَكُّ السِّحْرِ بِالسِّحْرِ بَلْ يُفَكُّ السِّحْرُ بِرُقْيَةٍ شَرْعِيَّةٍ، مِنْ نُصُوصٍ قُرْءَانِيَّةٍ أَوْ حَدِيثِيَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ جَائِزٌ.

فَائِدَةٌ: لَمْ يَقُلِ الرَّسُولُ ﷺ «تَعَلَّمُوا السِّحْرَ وَلَا تَعْمَلُوا بِهِ» كَمَا لَمْ يَقُلْ «كَذَبَ الْمُنَجِّمُونَ وَلَوْ صَدَقُوا»

فَائِدَةٌ: جَاءَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي الْيَهُودُ حِمَارًا أَيْ لَآذَوْنِي أَذىً شَدِيدًا. أَعُوذُ بِوَجْهِ اللهِ (أَيْ أَعُوذُ بِذَاتِ اللهِ) الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ وَبِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، وَبِأَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ. السِّحْرُ لَا يَقْلِبُ إِنسَانًا حِمَارًا، لَكِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ أَيْ أَصِيرُ كَالْحِمَارِ بِسَبَبِ سِحْرِهِمْ.

 قَاَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (لَيْسَ مِنَّا (أيْ لَيْسَ مؤْمِنًا كَامِلًا) مَنْ تَسَحَّرَ أَوْ تُسُحِّرَ لَهُ (أيْ طَلَبَ مِنْ آخَرَ أنْ يَعْمَلَ لَهُ سِحَرًا) أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. (الكَاهِنُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى الْإِخْبَارَ عَمَّا يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، اعْتِمَادًا عَلَى صَاحِبٍ لَهُ مِنَ الْجِنِّ أَوِ اعْتِمَادًا عَلَى النَّجْمِ أَوْ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ وَأَسْبَابٍ اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا. أَمَّا الْعَرَّافُ فَهُوَ الَّذِي يَتَحَدَّثُ عَنِ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ مِمَّا حَصَلَ، كَالسَّرِقَةِ وَالضَّائِعَاتِ. فَلَا يَجُوزُ تَصْدِيقُ هَذَا وَلَا هَذَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ إِتْيَانِ الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ أَحَادِيثُ، مِنْهَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. مَعْنَاهُ إِذَا لَمْ يَتُبْ يُصَلِّي أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِلَا ثَوَابٍ مَعَ سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ)

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ الإِمَامِ كَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيِّ فَقَاتَلُوهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كُلُّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا فَهُمْ بُغَاةٌ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُمْ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الذَّنْبِ وَلَوْ كَانَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الْخُرُوجَ عَنْ طَاعَةِ الإِمَامِ (كَخُرُوجِ مُعَاوِيَةَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ لِلزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إِنَّكَ لَتُقَاتِلُ عَلِيًّا وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ) فَلَمَّا حَضَرَ الْفَرِيقَانِ (لِلْقِتَالِ) فِي الْبَصْرَةِ نَادَى عَلِيٌّ الزُّبَيْرَ فَذَكَّرَهُ بِالْحَدِيثِ (قَالَ لَهُ أَمَا تَذْكُرُ حِينَ لَوَيْتَ يَدِي، فَقَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ) فَقَالَ الزُّبَيْرُ (نَسِيتُ) فَذَهَبَ مُنْصَرِفًا (تَرَكَ القِتَالَ تَائِبًا ثُمَّ لَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ جَيْشِ عَلِىٍّ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ فِى ظَهْرِهِ فَقَتَلَهُ) لِأَنَّ اللَّهَ كَتَبَ لَهُ السَّعَادَةَ (أَيِ الْوَفَاةَ عَلَى حَالَةٍ حَسَنَةٍ) وَالْمَنْـزِلَةَ الْعَالِيَةَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لا يَمُوتَ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِمَعْصِيَةِ الْخُرُوجِ عَلَى عَلِيٍّ (الزُّبَيْرُ وَعَلِيٌّ مَرَّةً كَانَا يَتَصَارَعَانِ لِلتَّمْرِينِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ ﷺ، فَلَوَى الزُّبَيْرُ يَدَ عَلِيٍّ، فَقَالَ الرَّسُولُ ﷺ ذَلِكَ لِلزُّبَيْرِ، وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ لِلرَّسُولِ ﷺ، بِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا سَيَحْصُلُ بَعْدَ زَمَانٍ)، وَكَذَلِكَ (عَلِيٌّ نَادَى) طَلْحَةَ (وَقَالَ لَهُ أَمَا تَذْكُرُ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، فَقَالَ نَسِيتُ) مَا قُتِلَ إِلَّا وَقَدِ انْصَرَفَ مِنَ الثُّبُوتِ فِي الْمُعَسْكَرِ الْمُضَادِّ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْجَمِيعِ (الْوَلِيُّ إِذَا وَقَعَ فِي الْكَبِيرَةِ فَمِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَتُوبُ مِنْهَا وَلَا يُصِرُّ عَلَيْهَا وَلَكِنَّ اللهَ يَعْصِمُهُ مِنَ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، يَكُونُ مِنْ أَوْلِيَائِي وَأَصْفِيَائِي. فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَنْ صَارَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ وَأَصْفِيَائِهِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقَلِبَ عَدُوًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِالْكُفْرِ). فَهَذَانِ الصَّحَابِيَّانِ الْجَلِيلانِ لا شَكَّ أَنَّهُمَا مِنَ الصِّدِّيقِينَ الْمُقَرَّبِينَ (وَهُمُ الأَوْلِيَاءُ الْكِبَارُ، وَمَعَ ذَلِكَ هَذَانِ الاثْنَانِ نَقُولُ وَقَعَا فِي الْمَعْصِيَةِ) نَفَذَ فِيهِمَا الْقَدَرُ بِحُضُورِهِمَا إِلَى هَذَا الْمُعَسْكَرِ الْمُضَادِّ لِعَلِيٍّ (وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَكُونَانِ وَلِيَّيْنِ ثُمَّ يَرْتَكِبَانِ الْمَعْصِيَةَ الْكَبِيرَةَ؟ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ مِنَ الْوَلِيِّ فِعْلُ الْكَبِيرَةِ، لَكِنَّهُ يَمُوتُ تَائِبًا مِنْهَا). وَحَدِيثُ الزُّبَيْرِ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقٍ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ (الْمُجَسِّمُ، وَيُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ حَافِظٌ، وَافَقَ الْحُفَّاظَ الْمُنَزِّهِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ شَخْصًا قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَتَظُنُّ أَنَّا نَظُنُّ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ كَانَا عَلَى بَاطِلٍ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ لَيْسَ الْحَقُّ يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ وَلَكِنَّ الرِّجَالَ يُعْرَفُونَ بِالْحَقِّ. أَيْ لَيْسَتِ الْحُجَّةُ بِالْأَشْخَاصِ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ بِالشَّرْعِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ لِيُرْجَعَ إِلَيْهِ وَلِيُعْرَفَ بِهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ). وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى حُرْمَةِ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الإِمَامِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَخْرُجُ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً). (الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَمَرَّدَ عَلَى الْخَلِيفَةِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْمَمَاتِ، تَكُونُ مِيتَتُهُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) أَيْ تُشْبِهُ مِيتَةَ الْجَاهِلِيينَ لا أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا بِذَلِكَ. (وَقَوْلُهُ ﷺ فَمَاتَ عَلَيْهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الَّذِي يَمُوتُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً هُوَ الَّذِي يَأْتِيهِ الْمَوْتُ وَهُوَ مُتَمَرِّدٌ عَلَى السُّلْطَانِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بَيَانُ حُكْمِ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ خَارِجٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ، أَيْ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إِلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ. كَلامُنَا عَمَّا إِذَا كَانَ هُنَاكَ إِمَامٌ خَلِيفَةٌ أَيْ رَئِيسٌ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ)

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّوَلِّي عَلَى يَتِيمٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ لِقَضَاءٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ أَنْ يَتَوَلَّى الشَّخْصُ الإِمَامَةَ الْعُظْمَى (أَيِ الْخِلَافَةَ) أَوْ إِمَارَةً دُونَهَا أَوْ وِلايَةً مِنَ الْوِلايَاتِ كَالتَّوَلِّي عَلَى مَالِ يَتِيمٍ أَوْ عَلَى وَقْفٍ أَوْ فِي وَظِيفَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ (كَمَنْ تَوَلَّى خِدْمَةَ مَسْجِدٍ وَالْقِيَامَ بِشُؤُونِهِ) أَوْ تَوَلِّي الْقَضَاءِ (أَيْ أَنْ يَصِيرَ قَاضِيًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ مِنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَرْعًا (يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا) كَأَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فِيهِ أَوْ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ فَعِنْدَئِذٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ سُؤَالُ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَبِالأَحْرَى بَذْلُ الْمَالِ لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ. (إِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ مَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا، مَنْ لَمْ يَخْشَ الْإِخْلَالَ بِالْحَقِّ الَّذِي يَتَوَلَّى لِأَجْلِهِ، يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ فِيهَا)

فَائِدَةٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضِيَانِ فِي النَّارِ. قَاضٍ قَضَى بِجَوْرٍ بِعِلْمٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِجَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِعِلْمٍ بِحَقٍّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَمَعْنَى (قَاضٍ قَضَى بِجَوْرٍ بِعِلْمٍ فَهُوَ فِي النَّارِ) أَيْ قَضَى بِخِلَافِ الْحَقِّ ظُلْمًا، وَهُوَ يَعْلَمُ. وَمَعْنَى (وَقَاضٍ قَضَى بِجَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ) أَيِ الْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ لِجَهْلِهِ بِالْحَقِّ يَسْتَحِقُّ النَّارَ، لَكِنْ هَذَا الَّذِي حَكَمَ ظُلْمًا عَنْ عِلْمٍ أَمْرُهُ أَقْبَحُ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَحَكَمَ بِخِلَافِهِ. وَمَعْنَى (وَقَاضٍ قَضَى بِعِلْمٍ بِحَقٍّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ) أَيْ حَكَمَ بِحَسَبِ الشَّرْعِ، مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، فَهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِيوَاءُ الظَّالِمِ وَمَنْعُهُ مِمَّنْ يُرِيدُ أَخْذَ الْحَقِّ مِنْهُ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ إِيوَاءَ الظَّالِمِ لِمُنَاصَرَتِهِ لِيَحُولَ بَيْنَ الظَّالِمِ وَبَيْنَ مَنْ يُرِيدُ أَخْذَ الْحَقِّ مِنْهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَفِيهِ (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ءَاوَى مُحْدِثًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْ مَنَعَ الظَّالِمَ مِمَّنْ يُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ مِنْهُ وَالْمُحْدِثُ هُنَا مَعْنَاهُ الْجَانِي الَّذِي ظَلَمَ. (كَمَنْ قَتَلَ إِنْسَانًا ظُلْمًا فَحَمَاهُ شَخْصٌ حَتَّى لَا يَأْخُذَ الَّذِينَ قُتِلَ صَاحِبُهُم حَقَّهُم مِنْهُ، كَذَلِكَ الَّذِي يَحْمِي شَخْصًا عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى لَا يَرُدَّ الدَّيْنَ لِصَاحِبِهِ، هَذَا حَرَامٌ. وَالْأَمْثِلَةُ كَثِيرَةٌ)  

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَرْويعُ الْمُسْلِمِينَ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ تَرْوِيعَ الْمُسْلِمِينَ أَيْ تَخْوِيفَهُم وَإِرْعابَهُمْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّخْوِيفِ كَالتَّرْويعِ بِنَحْوِ حَدِيدَةٍ يُشِيرُ بِهَا إِلَيْهِ (كَأنْ يَرْفَعَ حَديدَةً فَيُريهِ أنَّهُ يَضْرِبُهُ وَلَيْسَ قَصْدُهُ أَنْ يَضْرِبَهُ إنَّمَا يُرِيدُ أنْ يُفْزِعَهُ أَيْ أَنْ يُرَوِّعَهُ، هَذَا حَرَامٌ ولَوْ كَانَ مَازِحًا، وإِنْ كَانَ التَرْويعُ شَدِيدًا تَكُونُ الْمَعْصِيَةُ كَبِيرةً( رَوَى مُسْلِمٌ وَابْنُ حِبَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ لَعَنَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) (وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ حَيْثُ يَقِفُ أَحَدُهُمْ خَلْفَ بَابٍ أَوْ جِدَارٍ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْآخَرِ حَتَّى إِذَا مَرَّ فَاجَأَهُ وَرَوَّعَهُ فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ. أَمَّا إِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَخَافُ وَلَا يَرْتَاعُ فَلَا يَحْرُمُ. هَذَا يَحْصُلُ كَثِيرًا بَيْنَ النَّاسِ)

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وقَطْعُ الطَّرِيقِ وَيُحَدُّ بِحَسَبِ جِنَايَتِهِ إِمَّا بِتَعْزِيرٍ أَوْ بِقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلافٍ إِنْ لَمْ يَقْتُلْ أَوْ بِقَتْلٍ وَصَلْبٍ أَيْ إِنْ قَتَلَ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ قَطْعَ الطَّرِيقِ (وَهُوَ أَنْ يَكْمُنَ فِي مَكَانٍ فَيُخَوِّفَ الْمَارَّةَ وَيَسْلُبَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَقَدْ يَقْتُلُ وَيَسْلُبُ. مَعْنَاهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَوْ لَمْ يَسْلُبِ الْمَالَ وَكَانَ غَرَضُهُ تَخْوِيفَ النَّاسِ فَهُوَ حَرَامٌ) وَذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مَعَهُ قَتْلٌ أَوْ أَخْذُ مَالٍ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَعَهُ قَتْلٌ أَوْ جَرْحٌ. قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ الآيَةَ (﴿الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُرَادُ بِهِمُ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ. قَطْعُ الطَّرِيقِ وَالْحِرَابَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. فَإِذَا رَأَيْتَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ “الْحِرَابَةُ” فَمَعْنَاهُ قَطْعُ الطَّرِيقِ. ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا﴾ إِمَّا الْقَتْلُ ﴿أَوْ يُصَلَّبُوا﴾ أَيْ يُقْتَلَ أَوْ يُصْلَبَ ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ﴾ أَيْ تُقَطَّعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾ أَيْ يُنْفَوْا مِنَ الْبَلَدِ إِلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ. هَذِهِ الْعُقُوبَةُ الشَّدِيدَةُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ) وَفِي ذَلِكَ إِشْعَارٌ بِعِظَمِ ذَنْبِ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ.

فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ إِخَافَةَ السَّبِيلِ فَقَطْ (أَيْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، لَكِنْ بَعْدُ لَمْ يَسْرِقْ وَلَمْ يَقْتُلْ) فَيُعَزَّرُ بِحَبْسٍ أَوْ تَغْرِيبٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَرَاهُ الإِمَامُ )كَلَامُنَا عَنْ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَيِ الْخَلِيفَةِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لَيْسَ عَنْ إِمَامِ الْمُصَلِّينَ)

 وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ (بِقَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ، أَيْ رُبْعِ دِينَارٍ ذَهَبٍ، أَوْ مَا يُسَاوِي لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَهَبًا، أَوْ أَكْثَرَ) مَعَ الإِخَافَةِ بِلا قَتْلٍ وَلا جَرْحٍ فَـ (حَدُّهُ) بِقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلافٍ بِأَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى (مِنَ الْكُوعِ) وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى (مِنَ الْكَعْبِ) فَإِنْ عَادَ (إِلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ مَعَ أَخْذِ الْمَالِ) فَيَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ الَّذِي أَخَذَهُ نِصَابَ سَرِقَةٍ أَيْ رُبْعَ دِينَارِ ذَهَبٍ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَالْقَتْلِ فَعُقُوبَتُهُ بِالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يُقْتَلَ (أَيْ بِقَطْعِ رَأْسِهِ) وَيُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصْلَبَ أَيْ يُعَلَّقَ عَلَى خَشَبَةٍ مُعْتَرِضَةٍ (بِكَفَنِهِ) ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِلَّا أُنْزِلَ (أَحْيَانًا مِنْ شِدَّةِ الحَر يَتَغَيَّر فَيُعَلَّقُ لَوْ جُزءًا مِنَ النَّهَارِ ثمَّ يُنْزَلُ وَيُدْفَنُ أيْ يَجِبُ دَفْنُهُ لأنَّهُ مُسْلِمٌ)، وَقِيلَ يُصْلَبُ حَيًّا (أَيْ يُعَلَّقُ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسَ مَعْنَى “يُصْلَبُ” أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى هَيْئَةِ الصَّلِيبِ) ثُمَّ يُطْعَنُ حَتَّى يَمُوتَ (ثُمَّ يُجَهَّزُ بِالْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ) ثُمَّ يُدْفَنُ (الْقَوْلُ الرَّاجِحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَيْ أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُكَفَّنُ، ثُمَّ يُعَلَّقُ).

 وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ الْقَتْلَ بِلا أَخْذِ مَالٍ فَعُقُوبَتُهُ بِالْقَتْلِ بِلا صَلْبٍ وَلا يَسْقُطُ هَذَا الْقَتْلُ (قَتْلُ الْقَاطِعِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقَتْلِ) بِعَفْوِ الْوَلِيِّ (لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الَّذِي فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ؛ فَفِي تِلْكَ الْجِنَايَةِ إِذَا أَسْقَطَ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ سَقَطَ، أَمَّا هُنَا فَـيُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ أَسْقَطَ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ) وَأَمَّا أَعْوَانُ الْقُطَّاعِ (أَيِ الَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِكُوا فِي هَذَا الأَمْرِ، لِأَنَّهُمْ لَوِ اشْتَرَكُوا لَهُمْ نَفْسُ الحُكْمِ، أَمَّا إِنْ لَمْ يَشْتَرِكُوا فِي هَذَا الأَمْرِ بَلْ أَعَانُوهُمْ مَثَلًا كَأَنْ أَعْطَوْهُمْ سِلَاحًا أَوْ خَيْلًا أَوْ مَرْكُوبًا آخَرَ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي ذَلِكَ) فَيُعَزَّرُونَ كَمَا هُوَ حُكْمُ مَنْ فَعَلَ مَعْصِيَةً لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فَيَفْعَلُ الإِمَامُ بِهِمْ مَا يَرَى مِنَ التَّعْزِيرِ إِمَّا بِحَبْسٍ وَإِمَّا بِضَرْبٍ وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْهَا عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَرْكَ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ (مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ). وَشَرْطُ النَّذْرِ الَّذِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ قُرْبَةً غَيْرَ وَاجِبَةٍ (كَـمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ خَرُوفًا وَأُوَزِّعَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَـيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ خَرُوفًا وَأَنْ يُوَزِّعَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّذْرَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ إِذَا كَانَ نَذْرَ طَاعَةٍ، إِلَّا فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ، وَاللَّجَاجُ مَعْنَاهُ الْخُصُومَةُ. فَمَنْ حَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَخْصٍ خِلَافٌ، فَقَالَ “إِنْ كَلَّمْتُكَ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ خَرُوفٍ”، فَفِي هَذَا النَّذْرِ يُخَيَّرُ الشَّخْصُ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ. وَالْمُرَادُ بِالنَّذْرِ النَّذْرُ الَّذِي يَكُونُ بِاللِّسَانِ، لَيْسَ بِالْقَلْبِ. ثُمَّ لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ، بَلْ لَوْ قَالَ “عَلَيَّ”، أَوْ نَذْرًا عَلَيَّ، أَوْ بِالْعَامِّيَّةِ يَقُولُ نِدِرْ عَلَيَّيْ، يَثْبُتُ النَّذْرُ بِهَذَا وَبِأَيِّ لَفْظٍ يُفِيدُ الْإِلْزَامَ. وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ كَانَ مُعَلَّقًا، كَمَنْ قَالَ “إِنْ شَفَى اللهُ ابْنِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ خَرُوفٍ” فَـتَعَافَى ابْنُهُ الْمَرِيضُ، فَـيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ خَرُوفًا وَيُوَزِّعَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَلَا يَكْفِي هُنَا أَنْ يَأْتِيَ بِـخَرُوفٍ مَذْبُوحٍ وَيُوَزِّعَهُ لِأَنَّهُ قَالَ ذَبْحُ خَرُوفٍ، وَلَمْ يَقُلْ تَوْزِيعُ خَرُوفٍ مَذْبُوحٍ، بَلْ يَجِبُ ذَبْحُ خَرُوفٍ وَتَوْزِيعُهُ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهُ بِيَدِهِ)

فَائِدَة: بِمُجَرَّدِ أَنْ يَنْذُرَ الشَّخْصُ شَيْئًا لِآخَرَ، دَخَلَ فِي مِلْكِهِ، لَوْ لَمْ يَسْتَلِمْهُ بَعْدُ. حَتَّى الصَّغِيرُ إِذَا نُذِرَ لَهُ شَيْءٌ، دَخَلَ فِي مِلْكِهِ، قَبِلَهُ الْوَلِيُّ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ الْوَلِيُّ.

 فَلا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْقُرْبَةِ الْوَاجِبَةِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (لِأَنَّ الْفَرْضَ مَفْرُوضٌ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَلَا مَعْنَى لِنَذْرِهِ) وَلا نَذْرُ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَلا نَذْرُ مُبَاحٍ أَيْ مَا يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ فَلا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْبَةً ( كَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ تُفَّاحَةً، فَهَذَا مُبَاحٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنَفِّذَهُ). قَالَ رَسُولُ اللَّهُ ﷺ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِيهِ تَفَاصِيلُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ الْمَبْسُوطَةِ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ بِلا تَنَاوُلِ مُفَطِّرٍ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ تَنَاوُلِ مَطْعُومٍ عَمْدًا بِلا عُذْرٍ (فِي اللَّيْلِ. مَعْنَاهُ أَنْ يَصُومَ وَيَأْتِيَ الْمَغْرِبُ وَيَنْوِيَ صَوْمَ الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مُفَطِّرًا إِلَى الْفَجْرِ، ثُمَّ يَبْدَأُ صَوْمَ الْيَوْمِ الثَّانِي، فَـيَصِلُ صَوْمَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالْيَوْمِ الثَّانِي بِلَيْلَةٍ لَا يَتَنَاوَلُ فِيهَا مُفَطِّرًا. هَذَا حَرَامٌ، فَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْوِصَالِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ (وَأَيُّكُمْ مِثْلِي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) مَعْنَاهُ يَجْعَلُ فِيَّ قُوَّةَ الطَّاعِمِ وَالشَّارِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ءَاكُلَ (فَيَجُوزُ لِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ) وَهَذَا مُؤَقَّتٌ لِأَنَّهٌ كَانَ يَجُوعُ فِي أَوْقَاتٍ أُخْرَى (ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ رَبَطَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ مِنَ الْجُوعِ)

فَائِدَةٌ: الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ حَرَامٌ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، إِلَّا لِلنَّبِيِّ ﷺ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَخْذُ مَجْلِسِ غَيْرِهِ أوْ زَحْمَتُهُ الْمُؤْذِيَةُ أَوْ أَخْذُ نُوْبَتِهِ

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ أَنْ يَأْخُذَ مَجْلِسَ غَيْرِهِ (فِي مَكَانٍ عَامٍّ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَجْلِسُ فِي بَيْتِ شَخْصٍ أَوْ دُكَّانِهِ، فَـالْعِبْرَةُ بِـرِضَا صَاحِبِ الْبَيْتِ أَوِ الدُّكَّانِ وَنَحْوِهِمَا) وَلَوْ ذِمِيًّا إِذَا سَبَقَ إِلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلذِّمِيِّ كَمَا لِلْمُسْلِمِ الْوُقُوفُ فِي الشَّارِعِ وَلَوْ وَسَطَهُ وَالْجُلُوسُ بِهِ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ مَثَلًا إِنِ اتَّسَعَ وَلَمْ يُضَيِّقْ بِذَلِكَ عَلَى الْمَارَّةِ (لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَمُرَّ فِي الشَّارِعِ، وَلَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الشَّارِعِ إِنْ أَرَادَ وَلَهُ أَنْ يَقِفَ وَيَمْشِيَ وَلَوْ فِي وَسَطِ الشَّارِعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ) سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الإِمَامِ (أَيِ لْخَلِيفَةِ) أَمْ لا (أَصْلًا لَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ، فَـالشَّوَارِعُ تُعْمَلُ لِهَذَا) وَلَكِنْ إِنْ نَشَأَ مِنْ نَحْوِ وُقُوفِهِ ضَرَرٌ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَالِانْصِرَافِ. (إِذَا كَانَ وُقُوفُهُ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، يُقَالُ لَهُ اقْضِ حَاجَتَكَ وَانْصَرِفْ حَتَّى لَا تُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ، أَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِانْصِرَافِ. بَعْضُ النَّاسِ يَرَى شَخْصًا جَالِسًا فِي الشَّارِعِ قُرْبَ مَحَلِّهِ أَوْ بَيْتِهِ مَثَلًا، وَثِيَابُهُ رَثَّةٌ، فَيَقُولُ لَهُ اذْهَبْ مِنْ هُنَا. هَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، إِنْ كَانَ ذَاكَ الشَّخْصُ قَدْ سَبَقَ وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ)

فَائِدَةٌ رَوَى مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِه ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) (مِنْ هُنَا أُخِذَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ هَذَا الْمَجْلِسُ إِذَا كَانَ فِي مَكَانٍ عَامٍّ كَالشَّارِعِ وَالْمَسْجِدِ) فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّابِقَ لِمَحَلٍّ مِنَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ لِصَلاةٍ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُفَارِقَهُ (هَذَا مِثَالٌ. قَدْ يَكُونُ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ أَوْ قَدْ يَكُونُ جَلَسَ لِلصَّلَاةِ أَوْ قَدْ يَكُونُ جَلَسَ لِدَرْسٍ) فَإِنْ فَارَقَهُ لِعُذْرٍ كَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ وَإِجَابَةِ دَاعٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَنَوَى الْعَوْدَةَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ (كَمَنْ أَخَذَ مَكَانَ شَخْصٍ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْءَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ لِيَتَوَضَّأَ وَيَرْجِعَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَاكَ كَانَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ وَعَادَ إِلَيْهِ، فَهُنَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَجْلِسَ أَخِيهِ لِمَا وَرَدَ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ، وَهَذَا فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، أَيْ كَالأَمَاكِنِ الَّتِي حَقُّ الِانْتِفَاعِ بِهَا عَامٌّ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَجْلِسُ فِي بَيْتِ شَخْصٍ أَوْ دُكَّانِهِ فَـالْعِبْرَةُ بِرِضَا صَاحِبِ الْبَيْتِ أَوِ الدُّكَّانِ وَنَحْوِهِمَا)

وَالنَّاسُ سَوَاءٌ فِي الْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ كَالأَنْهَارِ وَتُقَدَّمُ حَاجَةُ بَهِيمَةٍ عَلَى حَاجَةِ زَرْعٍ. وَمِثْلُ الْمِيَاهِ غَيْرُهَا مِنَ الْمَعَادِنِ فَلا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الِاسْتِيلاءُ عَلَى نَوْبَةِ ذِي النَّوْبَةِ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (كَذَلِكَ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ أَنْ يَأْخُذَ الشَّخْصُ نَوْبَةَ غَيْرِهِ أَيْ دَوْرَهُ فِي مَكَانٍ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فِيهِ عَامٌّ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ كَـالْأَنْهَارِ وَالْيَنَابِيعِ وَالْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ، كُلُّ هَذَا النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْكُلُّ دَفْعَةً وَاحِدَةً إِلَّا بِالنَّوْبَةِ، فَـالَّذِي سَبَقَ يُقَدَّمُ ثُمَّ الَّذِي بَعْدَهُ، فَإِنْ أَزَاحَ هَذَا الَّذِي سَبَقَهُ فَأَخَذَ هُوَ الْمَاءَ يَكُونُ حَرَامًا. كَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ الْمَاءَ كَـالْمَرْعَى وَالْمَعْدِنِ وَالِاحْتِطَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ عَامٌّ. وَعِنْدَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ “أَوْ زَحْمَتُهُ الْمُؤْذِيَةُ” أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِشَخْصٍ أَنْ يُؤْذِيَ غَيْرَهُ بِمُزَاحَمَتِهِ بِالْوُقُوفِ فِي مَكَانٍ لَهُ حَقُّ الْوُقُوفِ فِيهِ كَشَوَاطِئِ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ فَإِنَّهَا أَمَاكِنُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فِيهَا عَامٌّ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ تَحْجِيرُ حَافَّاتِ الْأَنْهَارِ وَشَوَاطِئِ الْبِحَارِ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ. فَمَنْ سَبَقَ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالْمُزَاحَمَةِ، وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ تَحْجِيرِ حَافَّاتِ الْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا كَشَوَاطِئِ الْبِحَارِ)

فَائِدَةٌ: إِذَا تَرَكَ الشَّخْصُ عَشَرَةَ أَمْتَارٍ مِنَ الشَّاطِئِ وَبَنَى، يَجُوزُ لَهُ، وَلَا يُعَدُّ تَحْجِيرًا، لِأَنَّهُ تَرَكَ الْمَكَانَ الَّذِي يَحْتَاجُهُ النَّاسُ لِقَضَاءِ مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ نَحْوِ أَكْلِ الطَّعَامِ وَالتَّنَزُّهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/Z5sKIcgQpwY

 

 

لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِhttps://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-42