#41 1-2 واجبات القلب
الحمد لله الذي أيّن الأين فلا أين له وكيّف الكيف فلا كيف له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أمّا بعد ليعلم أنّ هناك واجباتٍ هى من واجبات القلب، كما أنّ هناك معاصِىَ هى من معاصِى القلب. والقلبُ سريعُ التَّقَلُّبِ، فينبغِى على الشخص أن يراقبَ قلبَهُ فى تقلبَاتِهِ حتَى يستمرَ قلبُهُ على الحالِ التِى تُرضِى الله تبارك وتعالى. فإنّ الأمر هو كما قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ فى البدنِ مُضغةً إذا صَلَحَت صلَحَ الجسَدُ كُلُّه وإذا فَسَدَت فَسدَ الجسدُ كلُّه أَلا وهِىَ القلب” والحديث رواه مسلم. فمن واجباتِ القلبِ الإيمانُ بالله وبالرسولِ عليه الصلاة والسلام، بل هذا أصلُ الواجبات، أى الاعتقادُ الجازم من غيِر شكٍ بوجودِ الله تبارك وتعالى وَوَحْدَانِيَتِهِ، وأنّه عزّ وجلّ موجودٌ لا يُشبِهُ الموجودات، موجودٌ بلا كميّة وبلا كيفيّة وبلا مكان. والاعتقادُ الجازمُ بأنَّ محمّدًا عليه الصلاة والسلام مُرسَلٌ من ربّه إلى كلِّ الإنسِ والجن ليبلّـِغَهُم عن الله عزّ وجلّ. وهذا يستلزمُ الإيمانَ بكلِّ ما جاء عن الله وبكلِ ما جاء عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أى بالقرءان وبما بلّغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ربّـِه.
ومن أعمالِ القلوبِ الواجبةِ الإخلاصُ لله تبارك وتعالى فى العمل. ومعنى ذلك أن لا يقصدَ بعملِه محمَدَةَ الناس. ليس معنى ذلك أن لا يَشْعُرَ قلبُه بالسرور فيما لو مدحَهُ الناس على عَمَلٍ حَسَن، لأنّ الإنسان مَجْبُولٌ على الفَرَح فيما لو مُدِحَ. إنما الخطر أن يعملَ العمَل وقَصْدُه من ذلك أن يمدَحَهُ الناس وينظروا إليه بعينِ الإجلال، فإنّه فى هذه الحال واقع فى ذنبٍ من الذنوبِ الكبيرةِ. ومِن عُظْمِ هذا الذنب شبَّهَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بالشرك. وقد قال عزّ وجلّ: {فَمَنْ كان يَرْجُو لقاءَ ربّـِه فليعملْ عملًا صالحًا ولا يُشْرِك بعبادَةِ ربّـِه أحدًا} فمعنى: {ولا يشركْ بعبادة ربّه أحدًا} أى أن لا يُرائِى أى أن لا يقصد بعبادتِه محمَدَة الناس. فليس المقصودُ بهذه الآية الشركَ الأكبر، إنما المقصود الرياء، لأن الذى يقصِدُ بفعلِ الطاعةِ رضا إنسان من البشر يكون فعلُه شبيهًا بالذى يعبُدُ غيرَ الله، ولذلك شَبَّهَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث ابن حبان بالشرك بقوله “اتقوا الرياء فإنه الشرك الأصغر” ولم يقصد أنّه كفر.
ومن الواجبات القلبية التوبةُ من المعاصِى إن كانت كبيرةً وإن كانت صغيرةً. والركنُ الأعظمُ من أركانِ التوبة هو الندم، لذلك جاء فى الحديثِ: “النَّدَمُ تَوبَة”. وليس معناه أنّ الندمَ وحدَه كافٍ لحصولِ التوبة، إنما معناه الركنُ الأعظم فى التوبةِ هو الندم على المعصية. والحديث رواه الترمذىّ. ويجب أن يكون الندمُ لأنه عصى الله ليس لأجلِ الفضيحةِ بين الناس مثلًا.
ومن الواجبات القلبية التوكُّلُ على اللهِ. وليعلم أنّ التوكُّلَ على الله معناهُ الاعتمادُ على الله، يعنى ثقة القلبِ بالله أنّه لا ضارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلا الله، لا أحد يَضُرُّكَ بشىءٍ لم يُرِدْهُ الله ولا أحد ينفعُكَ بشىء لم يَكْتُبْهُ اللهُ لك، فيكونُ اعتمادُ الشخصِ فى قلبه على الله فى أمورِ الرزق والسلامةِ من الآفَاتِ وما شابه ذلك.
و مِنْ واجباتِ القلبِ المراقبةُ للهِ، يعنى أن يَستَدِيمَ الشخصُ فى قلبِهِ خوفَ اللهِ عزّ وجلّ على نحوٍ يمنَعُهُ من إهمالِ الواجب أو إتيانِ الحرام. ومما يساعد على هذا أن يستحضِرَ الشخصُ فى مختلف أحواله أنَّ الله يراه وأنَّ اللهَ عالِمٌ به.
واعلموا رحمكم الله أنّه يجب على المكلفِ أن يرضَى عن الله أى أن لا يعترض على الله لا باطنًا ولا ظاهرًا. فيرضى عن الله عزّ وجلّ فى تقديره سبحانه للخير والشر. وفى تقديره سبحانه وتعالى للحُلوِ والمر والسَّهْلِ والحَزَن وللراحة والألم، فلا يعترضُ على الله فى أىّ شأنٍ من ذلك. والذى يجب أن يَرضَى به العبدُ هو تقديرُ الله. أما المقْدُورُ أى ما يحصُلُ بتقديرِ الله من الشرور فلا يجبُ أن يرضى به بل ينكِرُهُ.
و مِنْ واجباتِ القلبِ تَعظيمُ شعائِرِ الله . فيجبُ أن يُعظّـِمَ الإنسانُ أعلامَ الدين. وأعلام الدين هى شعائرُ الدين فالأمور المشهورة بأنها من الدين يجبُ تعظيمُهَا، مثل الأذان والحج والوقوف بعرفة وما شابَه ذلك. فيحرُمُ عليه أن يَستَهِينَ بشىءٍ منهَا. والله تبارك تعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.