#41
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ولُبْسُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَرِيرِ أَوْ مَا أَكْثَرُهُ وَزْنًا مِنْهُ لِلرَّجُلِ الْبَالِغِ إِلَّا خَاتَمَ الْفِضَّةِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ لُبْسَ الذَّهَبِ مُطْلَقًا (أَيْ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ حُلِيَّ الذَّهَبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا خَاتَمَ وَلَا سِوَارَ. الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ الْبَالِغِ لُبْسُ حُلِيِّهِمَا) وَلُبْسَ الْفِضَّةِ غَيْرِ الْخَاتَمِ مِنْهَا وَلُبْسَ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ أَوْ مَا أَكْثَرُهُ وَزْنًا مِنْهُ لِلرَّجُلِ الْبَالِغِ (كَذَلِكَ الْمَخْلُوطُ مِنَ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ إِنْ كَانَ الْحَرِيرُ زَائِدًا بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الرِّجَالِ، فَالثَّوْبُ الَّذِي أَكْثَرُهُ حَرِيرٌ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَمَعْنَى أَكْثَرُهُ أَيْ جَاوَزَ الْحَرِيرُ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ، أَمَّا إِنْ كَانَ نِصْفُ الثَّوْبِ حَرِيرًا وَنِصْفُهُ الْآخَرُ كَتَّانًا مَثَلًا فَيَجُوزُ) وَأَمَّا خَاتَمُ الْفِضَّةِ فَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ لِأَنَّهُ ﷺ لَبِسَهُ (كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، مَنْقُوشٌ عَلَيْهِ “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ “أَمَّا سِوَارُ الْفِضَّةِ وَالْقِلَادَةُ لِلرَّجُلِ فَحَرَامٌ). وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (أَيْ وَالْحَرِيرُ) وَلَوْ اتّخَذَتْ مِنْهُمَا (أَيْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) ثَوْبًا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْبَطَرِ وَالْفَخْرِ. رَوَى النِّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهُ ﷺ قَالَ (أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا). وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إِلْبَاسِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلصَّبِيِّ إِلَى الْبُلُوغِ. (قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ “الصَّبِيُّ دُونَ الْبُلُوغِ، حَتَّى لَوْ رَاهَقَ أَيْ قَارَبَ الْبُلُوغِ، إِذَا أَلْبَسَهُ وَلِيُّهُ حُلِيَّ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، لَيْسَ حَرَامًا” لِأَنَّهُ بَعْدُ مَا صَارَ رَجُلًا. وَمَنْ أَلْبَسَ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، لَا نُنْكِرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَجَازَ ذَلِكَ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْخَلْوَةُ بالأَجْنَبِيَّةِ بِحَيْثُ لا يَرَاهُمَا ثَالِثٌ يُسْتَحَى مِنْهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الْخَلْوَةَ بِالأَجْنَبِيَّةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا ثَالِثٌ يُسْتَحَى مِنْهُ بَصِيرٌ فَلا يَكْفِي الأَعْمَى. (وَالْخَلْوَةُ كَأَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ فِي مَكَانٍ هُوَ وَأَجْنَبِيَّةٌ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا ثَالِثٌ يُسْتَحْيَى مِنْهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، هَذَا حَرَامٌ لِقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ “أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا“. هَذَا الْحَدِيثُ يُرْوَى بِلَفْظَيْنِ، بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِلَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ “إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ” وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، مَعْنَاهُ الشَّيْطَانُ يَقْوَى عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا خَلَا بِامْرَأَةٍ لَيْسَتْ مَحْرَمًا لَهُ، لِلْإِيقَاعِ فِي الشَّرِّ وَالْحَرَامِ وَالْمَعْصِيَةِ، أَيْ يَكُونُ تَأْثِيرُهُ أَشَدَّ وَأَقْوَى فِي الْخَلْوَةِ، وَهَذَا شَيْءٌ يَشْهَدُ بِهِ الْوَاقِعُ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ (لا يَدْخُلَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ) وَالْمُغِيبَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمَرْأَةُ الَّتِي زَوْجُهَا غَائِبٌ (وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ رَدٌّ عَلَى الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وُجُودُ رَجُلٍ مَعَ النِّسَاءِ أَوْ نِسَاءٍ مَعَ رَجُلٍ، يَقُولُونَ هَذَا اخْتِلَاطٌ مُحَرَّمٌ، وَالرَّسُولُ ﷺ يَقُولُ “لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ” مَعْنَاهُ إِذَا دَخَلَ وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ، فَهَذَا جَائِزٌ، وَيُقَالُ عَنْهُ اخْتِلَاطٌ، لَكِنْ لَيْسَ مُحَرَّمًا. فَقِيلَ “يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالْحَمْوُ؟” أَيْ أَخُو الزَّوْجِ، قَالَ ﷺ “الْحَمْوُ الْمَوْتُ” أَيِ الْحَمْوُ أَيْضًا مُحَرَّمٌ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى زَوْجَةِ أَخِيهِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثَالِثٌ يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ. مَعَ أَنَّ دُخُولَ الْحَمْوِ الْبَيْتَ لَا يَلْفِتُ النَّظَرَ، مَأْلُوفٌ دُخُولُهُ إِلَى بَيْتِ أَخِيهِ، مَعَ ذَلِكَ مَا أَذِنَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ ﷺ مَا اخْتَلَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ، إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا) فَالصَّحِيحُ جَوَازُ خَلْوَةِ رَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ ثِقَةً (الشَّافِعِيَّةُ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الذَّكَرُ أَوِ الْأُنْثَى مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ، مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ رَجُلٌ فَاسِقٌ أَوْ رِجَالٌ فَاسِقُونَ أَوِ امْرَأَةٌ فَاسِقَةٌ، قَالُوا قَدْ يُعَاوِنُوهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مُحَرَّمًا، قَدْ يَسْكُتُوا عَنْهُ، أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ. هَذَا فِيهِ تَشْدِيدٌ. الْيَوْمَ أَيْنَ تَجِدُ إِنْسَانًا يَكُونُ مَعَكَ لِمَنْعِ الْخَلْوَةِ وَهُوَ عَدْلٌ، أَيْنَ تَجِدُهُ؟ هَذَا فِيهِ تَشْدِيدٌ. مَا رَأَيْنَا الْمَالِكِيَّةَ شَرَطُوا. فَتَرْكُ ذَلِكَ هُوَ اللَّائِقُ بِسَمَاحَةِ الدِّينِ. اللَّائِقُ بِسَمَاحَةِ الدِّينِ أَنْ نَعْمَلَ بِقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ، لِأَنَّ الدِّينَ يُسْرٌ) وَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ تَحْريِمِ خَلْوَةِ رَجُلَيْنِ بِامْرَأَةٍ فَخِلافُ الصَّوَابِ.
فَائِدَةٌ فِي كِتَابِ التَّوَسُّطِ لِلأَذْرَعِيِّ (وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ) عَنِ الْقَفَّالِ (مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ الْمَعْرُوفِينَ فِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ) لَوْ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ الْمَسْجِدَ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ خَلْوَةً لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ كُلُّ أَحَدٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ مَطْرُوقٍ (أَيْ لَا يَخْلُو مِنَ الْمُصَلِّينَ، كُلَّ لَحْظَةٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ) لا يَنْقَطِعُ طَارِقُوهُ عَادَةً، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقُ وَغَيْرُهُ الْمَطْرُوقُ كَذَلِكَ (فِي النَّهَارِ لَيْسَ فِي اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ فِي اللَّيْلِ قَدْ لَا يَطْرُقُهُ أَحَدٌ. كَأَنْ كَانَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ فِي سَيَّارَةٍ وَلَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، لَكِنَّهُمَا كَانَا فِي طَرِيقٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ النَّاسُ، أَيْ يَرَاهُمَا النَّاسُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَهَذَا لَا يُعَدُّ خَلْوَةً مُحَرَّمَةً) بِخِلافِ مَا لَيْسَ مَطْرُوقًا كَذَلِكَ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: خَلْوَةُ الرَّجُلِ بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي يَشْتَهِيهَا ذَوُو الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ مُصَافَحَتُهَا. كَذَلِكَ خَلْوَةُ الْمَرْأَةِ بِالصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ لَا تَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهَا مُصَافَحَتُهُ. وَالْمُرَاهِقُ هُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ.
فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَيْسَ الْعِبْرَةُ بِالتَّمْيِيزِ فَقَطْ فِي كَوْنِ الطِّفْلِ يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ عُمُرُهُ سَبْعُ سَنَوَاتٍ لَكِنَّهُ قَوِيُّ الانْتِبَاهِ، ذَكِيٌّ، بِحَيْثُ يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَفْعَلُوا أَمَامَهُ الْحَرَامَ، فَهَذَا يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ.
فَائِدَةٌ أُخْرَى: النَّائِمُ تَنْتَفِي الْخَلْوَةُ بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَيْقِظُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ.
قَالَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ (وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ الْمِصْرِيِّينَ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَانَ مُنْذُ نَحْوِ ثَلَاثِ مِائَةِ سَنَةٍ وَشَيْءٍ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْخَلْوَةِ عَلَى اجْتِمَاعٍ لا تُؤْمَنُ مَعَهُ الرِّيبَةُ أَيِ التُّهَمَةُ وَالشَّكُّ عَادَةً، بِخِلافِ مَا لَوْ قُطِعَ بِانْتِفَائِهَا فِي الْعَادَةِ فَلا يُعَدُّ خَلْوَةً انْتَهَى.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وسَفَرُ الْمَرْأَةِ) وَلَوْ سَفَرًا قَصِيرًا (بِغَيْرِ) مَحْرَمٍ كَأَخٍ وَأَبٍ وَ(نَحْوِ مَحْرَمٍ) كَزَوْجٍ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ سَفَرَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ نَحْوِ مَحْرَمٍ (وَهُوَ القَريِبُ الذِي لاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الأَحْوَال، مِثْلُ أَبِيهَا وَأَخِيهَا وَعَمِّها وَخَالِها وَابْنِها وَجَدِّها) وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ فَفِي بَعْضِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْهُ ذِكْرُ مَسِيرَةِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ (فَإِذَا امْرَأَةٌ سَافَرَتْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ بِلا عُذْرٍ حَرَامٌ عَلَيْهَا. سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، فَقَالَ لَا يَجُوز. السَّفَرُ الَّذِي يَقْطَعُهُ الشَّخْصُ بِسَيْرِ الْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ، أَوْ بِدَبِيبِ الْأَقْدَامِ، مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، مَعَ اقْتِطَاعِ وَقْتٍ يَأْخُذُهُ الشَّخْصُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ)، وَفِي بَعْضِهَا (أَيْ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ سُئِلَ عَنْ) ذِكْرِ مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ (فَقَالَ لَا يَجُوزُ) وَفِي بَعْضِهَا (سُئِلَ عَنْ) ذِكْرِ مَسِيرَةِ يَوْمٍ (فَقَالَ لَا يَجُوزُ) وَفِي بَعْضِهَا (سُئِلَ عَنْ) ذِكْرِ بَرِيدٍ (فَقَالَ لَا يَجُوزُ) وَالْبَرِيدُ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ (أَيْ نَحْوَ ثَلَاثِينَ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ كِيلُومِتْرًا تَقْرِيبًا) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْريِمُ مَا يُسَمَّى سَفَرًا عَلَى الْمَرْأَةِ بِدُونِ الْمَحَارِمِ أَوِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لا تَكُونَ ضَرُورَةٌ لِلسَّفَرِ (الزَّوْجُ لَيْسَ مَحْرَمًا لِزَوْجَتِهِ، لَكِنْ يَقُومُ مَقَامَ الْمَحْرَمِ. لَوْ كَانَ مَحْرَمًا، لَحَرُمَ نِكَاحُهُ)، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ ضَرُورَةٌ بِأَنْ كَانَ سَفَرُهَا لِحَجِّ الْفَرْضِ أَوْ عُمْرَةِ الْفَرْضِ أَوْ لِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ (الَّذِي تَحْتَاجُ إِلَيْهِ) إِذَا لَمْ تَجِدْ فِي بَلَدِهَا مَنْ يُعَلِّمُهَا (أَوْ لِتَعْلِيمِ أُنَاسٍ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَلَا يُوجَدُ فِي بَلَدِهِمْ مَنْ يُعَلِّمُهُمْ، أَوْ كَانَتْ مُهَاجِرَةً مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إِذَا خَشِيَتْ عَلَى نَفْسِهَا الضَّرَرَ) وَنَحْوِ ذَلِكَ (مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ كَالتَّدَاوِي إِنْ لَمْ تَجِدْ فِي بَلَدِهَا مَنْ يُدَاوِيهَا، أَوْ لَا تَجِدُ قُوتَهَا الَّذِي تَمْنَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا الْهَلَاكَ) فَإِنَّهُ جَائِزٌ. (الرَّسُولُ ﷺ أَذِنَ لِامْرَأَةٍ فِي زَمَانِهِ، وَهِيَ أُمُّ أَيْمَنَ الْحَبَشِيَّةُ أَنْ تُسَافِرَ مُهَاجِرَةً بِدُونِ مَحْرَمٍ لِلضَّرُورَةِ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَاسْتِخْدَامُ الْحُرِّ كُرْهًا) يَعْنِي بِالْقُوَّةِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاصِي الْبَدَنِ اسْتِخْدَامَ الْحُرِّ كُرْهًا أَيْ قَهْرًا (فَإِذَا قَهَرَهُ حَتَّى يَعْمَلَ لَهُ كَأَنَّهُ عَبْدُهُ، هَذَا حَرَامٌ مِنَ الْكَبَائِرِ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَرِقَّ الْحُرَّ وَيَسْتَعْبِدَهُ أَوْ يَقْهَرَهُ عَلَى عَمَلٍ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ (بَعْضُ الْحُكَّامِ هَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ أَحْيَانًا، يَجْمَعُونَ النَّاسَ بِالْقُوَّةِ لِيَعْمَلُوا لَهُمْ مِنْ غَيْرِ رِضَى الشَّخْصِ، هَذَا لَا يَجُوزُ).
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمُعَادَاةُ الْوَلِيِّ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ مُعَادَاةَ وَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. (فَمُعَادَاةُ الْوَلِيِّ وَمُحَارَبَتُهُ حَرَامٌ، فَإِذَا اكْتَفَى بِالْمُعَادَاةِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِذَا زَادَ بِالْمُحَارَبَةِ ازْدَادَ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَذَلِكَ كَالَّذِينَ حَارَبُوا سَيِّدَنَا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ). وَالْوَلِيُّ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْمُسْتَقِيمُ بِطَاعَةِ اللَّهِ أَيِ الْمُؤَدِّي لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمُجْتَنِبُ لِلْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُكْثِرُ مِنَ النَّوَافِلِ (لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَزِيدُ عَنِ التَّقِيِّ بِالْإِكْثَارِ بِالنَّوَافِلِ). وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ لِأَنَّ الِاسْتِقَامَةَ هِيَ لُزُومُ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. (وَقَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ أَيْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ أَيْ أَدَّوْا الْوَاجِبَاتِ وَاجْتَنَبُوا الْمُحَرَّمَاتِ، هَؤُلَاءِ ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا﴾ مَعْنَاهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَةٌ يُبَشِّرُونَهُمْ بِرِضَا اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ قَبْضِ الرُّوحِ، يَسْمَعُونَ تَبْشِيرَ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ فِي الْآخِرَةِ. فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، عِنْدَمَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ إِلَى النَّعِيمِ وَالْجَنَّةِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ، وَيَقُولُ عَزْرَائِيلُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَبْشِرْ يَا وَلِيَّ اللَّهِ بِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى، الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَمُوتَ، لِأَنَّ الْمَوْتَ صَارَ وَسِيلَةً لِلْوُصُولِ إِلَى ذَلِكَ النَّعِيمِ) وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ ءَاذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ (مَعْنَاهُ الَّذِي يُعَادِي وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، كَإِيذَائِهِ وَسَبِّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ مُحَارِبُهُ) وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ (مَعْنَاهُ أَحَبُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْفَرْضُ، لِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَنْ شَغَلَهُ الْفَرْضُ عَنِ النَّفْلِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَمَنْ شَغَلَهُ النَّفْلُ عَنِ الْفَرْضِ فَهُوَ مَغْرُورٌ) وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) الْحَدِيثَ (مَعْنَاهُ إِذَا أَكْثَرَ العَبْدُ بَعْدَ أَدَاءِ الفَرَائِضِ مِنَ النَّوَافِلِ وَلَازَمَ ذَلِكَ، أَحَبَّهُ اللهُ، فَإِذَا أَحَبَّهُ اللهُ صَارَ وَلِيًّا) فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ كُلِّ وَلِيٍّ فَكَيْفَ مُعَادَاةُ خَوَاصِّ الأَوْلِيَاءِ الصِّدِّيقِينَ الْمُقَرَّبِينَ كَأَحَدِ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. (هَؤُلَاءِ الأَرْبَعَةُ لَهُمْ مَقَامٌ عَالٍ عِنْدَ اللَّهِ، مَقَامُهُمْ أَعْلَى مِنْ كُلِّ أَوْلِيَاءِ الْبَشَرِ. كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَحَدَ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، مُجَابَ الدَّعْوَةِ، إِنْ دَعَا لِشَخْصٍ أَصَابَتْهُ تِلْكَ الدَّعْوَةُ، وَإِنْ دَعَا عَلَى شَخْصٍ ظَالِمٍ أَصَابَتْهُ تِلْكَ الدَّعْوَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ “اللَّهُمَّ أَجِبْ دَعْوَتَهُ” فَكَانَتْ دَعْوَتُهُ مُسْتَجَابَةً. مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ، الَّذِينَ لَقُوا الصَّحَابَةَ، قَالَ “كُنْتُ فِي الْمَدِينَةِ أَطُوفُ فِي السُّوقِ حَتَّى بَلَغْتُ أَحْجَارَ الزَّيْتِ فَلَقِيتُ أُنَاسًا مُجْتَمِعِينَ وَإِذَا بِرَجُلٍ رَاكِبٍ دَابَّةً بَيْنَهُمْ، فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ “مَا هَذَا؟” فَقَالُوا هَذَا رَجُلٌ يَشْتُمُ عَلِيًّا بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ، فَأَفْرَجُوا لَهُ، فَقَالَ سَعْدٌ يَا هَذَا، عَلَى مَا تَشْتُمُ عَلِيًّا بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ؟ (أَيْ مِنَ الصِّبْيَانِ)، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ؟ صَارَ يَذْكُرُ لَهُ مَحَاسِنَ عَلِيٍّ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ، إِنْ كَانَ هَذَا يَشْتُمُ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِكَ، فَلَا تُفَرِّقْ هَذَا الْجَمْعَ، حَتَّى تُرِيَهُمْ قُدْرَتَكَ. فَسَاخَتْ بِهِ دَابَّتُهُ، فَوَقَعَ عَلَى هَامَتِهِ عَلَى تِلْكَ الْأَحْجَارِ فَانْفَلَقَ دِمَاغُهُ فَمَاتَ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا وَلِيٌّ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ) وَمَعْنَى ءَاذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ أَعْلَمْتُهُ أَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاصِي الْبَدَنِ الإِعَانَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ فَالآيَةُ دَلِيلٌ لِتَحْريِمِ مُعَاوَنَةِ شَخْصٍ لِشَخْصٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَحَمْلِ إِنْسَانٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى إِلَى مَحَلٍّ يُعْبَدُ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ لِمُشَارَكَةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُوَافَقَتِهِمْ فِي شِرْكِهِمْ وَذَلِكَ كُفْرٌ وَكَأَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ إِلَى الْكَنِيسَةِ (أَوْ إِلَى مَكَانٍ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا سَتَعْمَلُ شَعَائِرَ الْكُفْرِ فِي هَذَا الْمَكَانِ) أَوْ يُعْطِيَهَا مَا تَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ مُعَاوَنَةٌ فِي الْمَعْصِيَةِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ لِمَنْ يَعْتَصِرُهُ خَمْرًا، أَوِ الْحَجَرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ صَنَمًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. (الطَّبَرَانِيُّ رَوَى عَنِ الرَّسُولِ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ لِمَنْ يَعْصِرُهُ خَمْرًا. الإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الصَّغِيرَةِ صَغِيرَةٌ، وَالإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَةِ كَبِيرَةٌ، وَالإِعَانَةُ عَلَى الْكُفْرِ كُفْرٌ).
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَرْوِيجُ الزَّائِفِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَرْوِيجَ الزَّائِفِ كَتَرْوِيجِ الْعُمْلَةِ الزَّائِفَةِ أَوْ طَلْيِ النُّحَاسِ بِالذَّهَبِ لإِيهَامِ النَّاسِ أَنَّهُ ذَهَبٌ وَبَيْعِهِ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ (فَالنَّقْدُ الَّذِي هُوَ فَاسِدٌ تَرْوِيجُهُ حَرَامٌ يَعْنِي إِنْ وَصَلَتْ إِلَى يَدِكَ عُمْلَةٌ مُزَيَّفَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْوِيجُهَا) وَذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْغَشِّ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ (لِذَلِكَ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ مَالٌ زَائِفٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهِ بِإِعْطَائِهِ لِغَيْرِهِ بَلْ يُتْلِفُهُ. تَرْوِيجُ الْعُمْلَةِ الزَّائِفَةِ حَرَامٌ، مِثْلُ الَّذِي يَطْلِي النُّحَاسَ بِالذَّهَبِ لِيُوهِمَ النَّاسَ أَنَّهُ كُلُّهُ ذَهَبٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الَّذِي يُزَوِّرُ الْعُمْلَةَ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا النَّاسُ الْآنَ، الَّذِي يُرَوِّجُ الزَّائِفَ، لِأَنَّهُ غِشٌّ وَأَكْلٌ لِأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاسْتِعْمَالُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاتِّخَاذُهَا
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ اسْتِعْمَالَ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاتِّخَاذَهَا. وَالِاسْتِعْمَالُ يَكُونُ بِالأَكْلِ فِي أَوَانِيهِمَا أَوْ الشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا (كَالأَكْلِ فِي صِحَافِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ، أَوِ الشُّرْبِ بِمَلَاعِقِهَا) وَلَوْ مِيلًا وَمُكْحُلَةً وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ (اسْتِعْمَالُ الْمِيلِ الَّذِي يُكْتَحَلُ بِهِ إِذَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَعَدَّ الْفُقَهَاءُ السُّبْحَةَ مِنَ الْآلَاتِ، فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ التَّسْبِيحُ بِسُبْحَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ). وَأَمَّا الِاتِّخَاذُ الَّذِي هُوَ اقْتِنَاءُ أَوَانِيهِمَا بِلا اسْتِعْمَالٍ فَهُوَ حَرَامٌ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِ مُقْتَنِيهِ قَصْدُ الِاسْتِعْمَالِ (لِأَنَّ اقْتِنَاءَهَا فِي الْبَيْتِ يَجُرُّ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا) فَإِنْ كَانَ الِاقْتِنَاءُ لِزِينَةِ الْبَيْتِ فَخْرًا وَبَطَرًا (أَيْ لِلْكِبْرِ) فَهُوَ أَشَدُّ إِثْمًا (لِأَنَّ الْإِثْمَ مَا عَادَ إِثْمُ الِاقْتِنَاءِ أَوِ الِاسْتِعْمَالِ فَقَطْ، بَلِ انْضَافَ إِلَيْهِ الْكِبْرُ وَالْفَخْرُ، فَبِذَلِكَ ازْدَادَ إِثْمًا). قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فِي ءَانِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (هُنَا مَوْضِعُ الشَّاهِدِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ) وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ أَوْ عُذْرٌ (كَأَنْ يَكُونَ لِلْعِلَاجِ مَثَلًا. أَحْيَانًا الْعَيْنُ يَكُونُ بِهَا حَرَارَةٌ شَدِيدَةٌ وَأَلَمٌ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَ مِيلًا وَمُكْحَلَةً لِيَكْتَحِلَ مِنْ غَيْرِ الْفِضَّةِ، قَدْ تَزِيدُ أَلَمًا وَضَرَرًا، فَالْفِضَّةُ تُبَرِّدُ. هَذَا عُذْرٌ. وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا جَاءَتْهُ هَدِيَّةٌ فَاحْتَفَظَ بِهَا فِي بَيْتِهِ لَا بِقَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا الزِّينَةِ إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهَا لِمَنْ يُذِيبُهَا فَيَجُوزُ. هَذَا يُعَدُّ عُذْرًا مِنَ الْأَعْذَارِ). وَقِيلَ لا يَحْرُمُ الِاتِّخَاذُ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِقَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ (لَكِنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ)
فَائِدَةٌ: اسْتِعْمَالُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِحَشْوِ الْأَسْنَانِ أَوْ لِتَرْكِيبِ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ لِلْحَاجَةِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَرْكُ الْفَرْضِ أَوْ فِعْلُهُ مَعَ تَرْكِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ مَعَ فِعْلِ مُبْطِلٍ لَهُ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَتَرْكُ نَحْوِ أَهْلِ قَرْيَةٍ الْجَمَاعَاتِ فِي الْمَكْتُوبَاتِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَرْكَ الْفَرْضِ مِنْ صَلاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَفِعْلَهُ صُورَةً مَعَ الإِخْلالِ بِرُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ مَعَ فِعْلِ مُبْطِلٍ لَهُ (لِأَنَّهُ يَكُونُ كَأَنَّهُ مَا أَدَّاهُ، فَهَذَا عَلَيْهِ إِثْمٌ. مَثَلًا شَخْصٌ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ لِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي جَيْبِهِ، فِعْلُهُ هَذَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. أَوْ مَثَلًا لَا يَنْوِي فِي اللَّيْلِ صِيَامَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْمَرَّةِ، فِي الْيَوْمِ التَّالِي يَتْرُكُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ صِيَامَهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ لَيْسَ صَحِيحًا. هَذَا كُلُّهُ سَبَبُهُ الْجَهْلُ، مِنْ هُنَا يَدْخُلُ الْخَلَلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَتَعَلَّمُونَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ يَتَهَاوَنُ بِالصَّلاةِ فَيُخْرِجُهَا عَنْ وَقْتِهَا ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ وَالْوَيْلُ هُوَ شِدَّةُ الْعَذَابِ فَقَدْ تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ مَنْ يَتَهَاوَنُونَ بِالصَّلاةِ بِأَنْ يُؤَخِّرُوهَا عَمْدًا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأُخْرَى بِلا عُذْرٍ (مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ أَخَّرَهَا لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَسِيَهَا لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النِّسْيَانَ عُذْرٌ. الرَّسُولُ ﷺ قَالَ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. فَكَلَامُنَا هُنَا عَمَّنْ تَهَاوَنَ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ، إِلَى أَنْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى. أَمَّا إِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا، أَيْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ تَقْدِيمًا، أَوْ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ تَأْخِيرًا كَالْمَرَضِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ، لَا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ. فَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتَنِيَ لِأَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا). وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْجُمُعَةِ بِلا عُذْرٍ فِي حَقِّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ صَلَّى الظُهْرَ بَدَلَهَا (فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ، عَلَيْهِ إِثْمٌ كَبِيرٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ “وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ” أَيْ لَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بَدَلَهَا، فَهَذَا لَمْ يَسْلَمْ مِنْ مَعْصِيَةِ تَرْكِهِ لِلْجُمُعَةِ. أَمَّا إِنْ صَلَّى الظُّهْرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْجُمُعَةِ، صَحَّتْ. هَذَا لِمَنْ نَامَ عَنِ الْجُمُعَةِ أَوْ فَاتَتْهُ لِشِدَّةِ مَرَضِهِ مَثَلًا). وَكَذَلِكَ تَرْكُ نَحْوِ أَهْلِ بَلَدٍ أَيْ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ بَيْنَهُمَا الْجَمَاعَةَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ. قَالَ ﷺ (مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ إِلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. (مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَرْكُ جَمِيعِ الذُّكُورِ الْمُكَلَّفِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ نَحْوِ أَهْلِ قَرْيَةٍ، الْجَمَاعَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الذُّكُورِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْبَلَدِ، وَلَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ. فَإِنْ تَرَكَهَا كُلُّ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنَ الذُّكُورِ الْمُكَلَّفِينَ، أَثِمُوا جَمِيعًا أَيِ الذُّكُورُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ أَيْ غَلَبَهُم، أَيْ اسْتَوْلَى عَلَى قُلُوبِهِمْ. وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَأْخِيرُ الْفَرْضِ عَنْ وَقْتِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَأْخِيرَ الْفَرْضِ عَنْ وَقْتِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ (مَنْ أَخَّرَ صَلَاةَ الظُّهْرِ عَنْ وَقْتِهَا إِلَى دُخُولِ الْعَصْرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَهَذَا عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ) وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ) (أَيْ دَخَلَ فِي ذَنْبٍ كَبِيرٍ، أَمَّا الَّذِي يَجْمَعُ لِعُذْرٍ، فَهَذَا لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، كَمَنْ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَلَوْ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَهَذَا جَائِزٌ) وَرُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا (أَيْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ) لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إِسْنَادًا (أَيْ ضَعِيفٌ، أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ فَهَذَا ثَابِتٌ) وَأَمَّا التَّأْخِيرُ أَوِ التَّقْديِمُ بِعُذْرٍ فَلا إِثْمَ عَلَى فَاعِلِهِ (كَأَنْ كَانَ نَائِمًا قَبْلَ دُخُولِ الصُّبْحِ، وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ، فَهَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ إِثْمٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ فِي مَسِيرٍ مَعَ الصَّحَابَةِ، فَنَزَلُوا فِي وَادٍ، فَوَكَّلَ بِلالًا لِيُوقِظَهُمْ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَنَامَ قَبْلَ دُخُولِ الصُّبْحِ، فَأَغْفَى بِلالٌ، وَاسْتَيْقَظُوا جَمِيعًا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَلَمْ يَلُمْهُ الرَّسُولُ ﷺ. وَوَرَدَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّان، أَنَّ زَوْجَةَ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطِّلِ شَكَتْ زَوْجَهَا لِلرَّسُولِ ﷺ، أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الصُّبْحَ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيُفَطِّرُهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ “يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَمَّا قَوْلُهَا إِنِّي أُفَطِّرُهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، وَهِيَ تَصُومُ النَّفْلَ.” فَلَمْ يَعْتِبْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ لَهُ إِنِ اسْتَيْقَظْتَ وَقْتَ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَصَلِّ. مَعْنَاهُ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا، يُبَادِرُ فَوْرًا فِي أَدَائِهَا). وَالْعُذْرُ إِمَّا سَفَرٌ مُبِيحٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ صَلاتَيْنِ أَوْ مَطَرٌ بِشَرْطِهِ (وَذَلِكَ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ) وَهُوَ يُبِيحُ الْجَمْعَ تَقْديِمًا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً تَهْوِينًا عَلَيْهِ مِنْ مَشَقَّةِ الْعَوْدِ لِلصَّلاةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ. وَمِنَ الأَعْذَارِ أَيْضًا الْمَرَضُ (الَّذِي يَشُقُّ مَعَهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، لَيْسَ كُلُّ مَرَضٍ يُبِيحُ ذَلِكَ. فَمَعْصِيَةُ التَّقْدِيمِ أَشَدُّ مِنْ مَعْصِيَةِ التَّأْخِيرِ، لِأَنَّهُ بِالتَّأْخِيرِ، عَلَى الْأَقَلِّ الصَّلَاةُ الَّتِي أَخَّرَهَا وَقَعَتْ قَضَاءً، أَمَّا بِالتَّقْدِيمِ، فَلَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً).
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ورَمْيُ الصَّيْدِ بِالْمُثَقَّلِ الْمُذَفِّفِ أَيِ بِالشَّىْءِ الَّذِي يَقْتُلُ بِثِقَلِهِ كَالْحَجَرِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ رَمْيَ الصَّيْدِ بِالْمُثَقَّلِ الْمُذَفِّفِ، وَعُدَّ هَذَا مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ لِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ فِيهِ غَيْرُ الْيَدِ مَعَهَا. وَالْمُثَقَّلُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ هُوَ مَا يَقْتُلُ بِثِقَلِهِ كَالصَّخْرَةِ (فَإِذَا أَخَذْتَ حَجَرًا أَوْ حَدِيدًا أَوْ عَصًا ضَخْمَةً ضَرَبْتَ بِهَا الْبَهِيمَةَ لِتَأْكُلَهَا، حَرَامٌ، لَا تَحِلُّ، لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَصْطَادَ صَيْدًا، غَزَالًا أَوْ أَرْنَبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، حَرَامٌ أَنْ يَرْمِيَهُ بِالصَّخْرَةِ) وَأَمَّا الْمُذَفِّفُ فَهُوَ الْمُسْرِعُ لإِزْهَاقِ الرُّوحِ (أَيْ لِخُرُوجِ الرُّوحِ) وَعَلَى هَذَا فَمَا يُقْتَلُ بِبُنْدُقِ الرَّصَاصِ الَّذِي عُرِفَ اسْتِعْمَالُهُ لِلصَّيْدِ مَيْتَةٌ (لِأَنَّ الرَّصَاصَ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، فَإِذَا أَصَبْتَ الصَّيْدَ بِالرَّصَاصِ فَمَاتَ، لَا يَحِلُّ. الرَّصَاصَةُ لَا تَقْتُلُ بِحَدِّهَا، بَلْ بِقُوَّةِ الضَّغْطِ تَقْتُلُ فَلَا يَحِلُّ) إِلَّا أَنْ يُدْرَكَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَعَلامَتُهَا حَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ أَوْ نَحْوُهَا فَيُذَكَّى بِالسِّكِينِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَهُ حَدٌّ. (أَيْ لَا يُقْتَلُ الصَّيْدُ إِلَّا بِالَّذِي لَهُ حَدٌّ كَالْحَرْبَةِ وَالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ. بَعْضُهُمْ فِي الصَّيْدِ لَا يَكُونُ مَعَهُ سِكِّينٌ، فَيَأْخُذُ رِيشَةً مِنْ جَنَاحِ الْبَهِيمَةِ، يُدْخِلُهَا خَلْفَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَخَلْفَ مَجْرَى الْهَوَاءِ وَيُخْرِجُهَا مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَقْطَعُ بِهَذَا. هَذَا لَا يُحِلُّهُ لِلْأَكْلِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ! لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ بِشَيْءٍ لَهُ حَدٌّ كَالسِّكِّينِ، وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَدِيدٍ. لَوْ كَانَ مِنْ خَشَبٍ وَلَهُ حَدٌّ أَوْ كَانَ مِنْ حَجَرٍ وَلَهُ حَدٌّ، هَذَا يُجْزِئُ. إِلَّا الْعَظْمَ وَالظُّفُرَ، وَلَوْ كَانَ لَهُمَا حَدٌّ، لَا يَصِحُّ الذَّبْحُ بِهِمَا).
مَسْئَلَةٌ لا يَحِلُّ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ وَلَوْ وَحْشِيًّا (كَالغَزَالِ) إِلَّا بِالْقَطْعِ الْمَحْضِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ ذِمِيٍّ أَوْ غَيْرِ ذِمِيٍّ لِجَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَيْ مَجْرَى النَّفَسِ وَمَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَعَ اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ فِي الِابْتِدَاءِ (أَيْ قَبْلَ الذَّبْحِ) بِمُحَدَّدٍ أَيْ بِمَا يَقْتُلُ بِحَدِّهِ غَيْرِ الْعَظْمِ وَالظُّفْرِ (مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ صَيْدٌ، وَيَسْتَطِيعُ ذَبْحَهُ، كَالْغَزَالِ مَثَلًا، فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلَّا بِالذَّبْحِ، وَلَيْسَ بِضَرْبِهِ بِالرُّمْحِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ). وَعَلامَةُ اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ أَنْ تَشْتَدَّ حَرَكَتُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَيَتَدَفَّقَ دَمُهُ (أَكَانَ دَجَاجَةً أَوْ خَرُوفًا. وَيُشْتَرَطُ فِي الذَّبْحِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الْغَلْصَمَةِ، أَيْ رَأْسِ الْحُلْقُومِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ النَّاتِئُ فِي الْحَلْقِ، وَلَا يَصِحُّ الذَّبْحُ فَوْقَ الْغَلْصَمَةِ)
فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ الذَّبْحُ بِالْآلَةِ الَّتِي تَتَحَرَّكُ بِالْكَهْرُبَاءِ، دُونَ أَنْ يُحَرِّكَهَا مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ عِنْدَ ذَبْحِ كُلِّ حَيَوَانٍ بِعَيْنِهِ. فَإِنْ حَرَّكَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً لِذَبْحِ عَدَدٍ مِنْهَا، حَلَّتِ الذَّبِيحَةُ الْأُولَى وَلَمْ تَحِلَّ الْبَقِيَّةُ. فَيَجِبُ أَنْ يُحَرِّكَهَا الذَّابِحُ كُلَّ مَرَّةٍ عَلَى كُلِّ نَحْرٍ، لِيَحِلَّ أَكْلُهَا، لِأَنَّهُ مِنْ شَرْطِ الذَّبْحِ الَّذِي يُحِلُّ الْبَهِيمَةَ الْمَأْكُولَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَلَ بِتَحْرِيكِ الْمُسْلِمِ أَوِ الْكِتَابِيِّ آلَةَ الذَّبْحِ. أَمَّا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَانْذَبَحَ بِدُونِ تَحْرِيكِ شَخْصٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيْتَةِ. مِثَالُ ذَلِكَ بَهِيمَةٌ وَقَعَتْ عَلَى آلَةٍ حَادَّةٍ فَانْذَبَحَتْ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ. وَمَا يَتَحَرَّكُ بِالْكَهْرُبَاءِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَلَيْسَ شَرْطًا تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَلَكِنَّهُ أَفْضَلُ. وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَقُولَ “بِسْمِ اللهِ”، أَوْ “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ” وَلَكِنَّهُ أَفْضَلُ. أَمَّا فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ، فَإِذَا تَرَكَ عَمْدًا التَّسْمِيَةَ، لَا تَصِحُّ الذَّبِيحَةُ. وَفِي مَذَاهِبَ أُخْرَى إِذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا، أَوْ قَالَهَا، تَصِحُّ الذَّبِيحَةُ، وَلَكِنَّ التَّرْكَ مَكْرُوهٌ. فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيَةِ أَوِ الْبَسْمَلَةِ. وَلَيْسَ كَمَا يَعْتَقِدُ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَرْأَةِ لَا تَصِحُّ. الْمَرْأَةُ وَالطِّفْلُ الْمُمَيِّزُ وَالرَّجُلُ، كُلُّ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ أَنْ يَذْبَحُوا)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَاتِّخَاذُ الْحَيَوَانِ غَرَضًا) أَيْ هَدَفًا لِلرِّمَايَةِ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ اتِّخَاذَ الْحَيَوَانِ غَرَضًا أَيْ هَدَفًا (للرِّمَايَةِ) كَالشَّىْءِ الَّذِي يُنْصَبُ لِيُصِيبُوهُ بِالرِّمَايَةِ مِنْ نَحْوِ الْقِرْطَاسِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْضُ الشَّبَابِ لِلَّهْوِ أَوْ لِتَعَلُّمِ الرِّمَايَةِ. وَالْقِرْطَاسُ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ تُنْصَبُ لِلرَّمْيِ. (فَمَنْ وَضَعَ دَجَاجَةً مَثَلًا وَاتَّخَذَهَا هَدَفًا يَتَمَرَّنُ بِهِ عَلَى جَوْدَةِ الْإِصَابَةِ، فَهَذَا حَرَامٌ. وَالدَّجَاجَةُ مِثَالٌ، وَمِثْلُهُ مَنْ اتَّخَذَ أَيَّ حَيَوَانٍ. وَهَذِهِ الْمَعْصِيَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ. هَذَا أَيْضًا مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ. إِذَا اتَّخَذَ الْإِنْسَانُ شَيْئًا فِيهِ رُوحٌ هَدَفًا لِلرِّمَايَةِ، لِيَتَعَلَّمَ الرِّمَايَةَ، لِيَتَدَرَّبَ، فَهَذَا حَرَامٌ وَهَذَا مِنَ الْكَبَائِرِ. أَلَيْسَ أَحْيَانًا يَتَدَرَّبُونَ عَلَى الْحَمَامِ؟ هَذَا حَرَامٌ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَدَمُ مُلازَمَةِ الْمُعْتَدَّةِ لِلْمَسْكَنِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَتَرْكُ الإِحْدَادَ عَلَى الزَّوْجِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَرْكَ الزَّوْجَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الإِحْدَادَ عَلَى زَوْجِهَا، (لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَأَنْ تُحِدَّ) وَالإِحْدَادُ هُوَ الْتِزَامُ تَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ إِلَى انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ (لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُسَاعَدَةً عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِمَصَالِحِ الْآخِرَةِ) وَلا يَخْتَصُّ الإِحْدَادُ بِلَوْنٍ وَاحِدٍ مِنَ الثِّيَابِ بَلْ يَجُوزُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (مِنَ الْأَلْوَانِ) إِذَا لَمْ تَكُنْ ثِيَابَ زِينَةٍ، وَيَحْرُمُ مِنَ الأَسْوَدِ مَا كَانَ فِيهِ زِينَةٌ (وَلَمَّا نَتَكَلَّمُ عَنِ زِينَةِ الثِّيَابِ، لَا نَعْنِي بِهِ الثَّوْبَ الْخَارِجِيَّ فَقَطْ، بَلْ كَذَلِكَ الدَّاخِلِيُّ الَّذِي تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ، فَلَا تَلْبَسُهُ إِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ. وَكَذَلِكَ مِنَ الزِّينَةِ لُبْسُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ أَوِ الشِّفَاهِ كَذَلِكَ، لَكِنْ يَجُوزُ الْكُحْلُ الْخَفِيفُ فِي دَاخِلِ الْعَيْنِ كَالْإِثْمِدِ، فَلَا يُؤَثِّرُ، وَأَمَّا الْكُحْلُ الثَّقِيلُ الَّذِي يُعَدُّ زِينَةً، فَهُوَ حَرَامٌ). وَلَيْسَ مِنَ الإِحْدَادِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا تَرْكُ مُكَالَمَةِ الرِّجَالِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ فَهَذَا لَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الإِحْدَادِ الشَّرْعِيِّ (بَلْ هَذَا كَذِبٌ، إِنَّمَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَنْ تُكَلِّمَ الْأَجَانِبَ، وَتُقَابِلَهُمْ، وَتَجْلِسَ فِي شُرْفَةِ بَيْتِهَا بِالْإِجْمَاعِ) إِنَّمَا هَذِهِ عَادَةٌ أَضَافَهَا بَعْضُ النَّاسِ وَنَسَبَهَا إِلَى شَرْعِ اللَّهِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْعِ اللَّهِ فَلْيُنْشَرْ ذَلِكَ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَجْهَلُونَ ذَلِكَ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مِنَ الإِحْدَادِ الشَّرْعِيِّ وَذَلِكَ تَحْرِيفٌ لِلدِّينِ (حُكْمًا. الْمُعْتَدَّةُ لِلْوَفَاةِ كَمَا لَا تَتَزَيَّنُ وَلَا تَتَعَطَّرُ وَلَا تَدْهَنُ شَعْرَهَا بِالطِّيبِ، كَذَلِكَ تُلَازِمُ بَيْتَهَا الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ. فَإِذَا لَمْ تُلَازِمْ بَيْتَهَا، أَثِمَتْ. مَعْنَاهُ طِيلَةَ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ وَالْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ، عَلَيْهَا تَرْكُ الزِّينَةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ نَحْوِ الطِّيبِ وَكَذَلِكَ مِنْ نَحْوِ خَضْبِ الشَّعْرِ وَلُبْسُ الذَّهَبِ وَلُبْسُ الْفِضَّةِ، كُلُّ ذَلِكَ دَخَلَ فِي الزِّينَةِ. وَكَذَلِكَ مِنَ الْإِحْدَادِ مُلَازَمَةُ الْبَيْتِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ زَوْجُهَا. وَقَدْ يَكُونُ لِزَوْجِهَا أَكْثَرُ مِنْ بَيْتٍ، فَهِيَ تَمْكُثُ فِي الْبَيْتِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ زَوْجُهَا) وَلا يَجُوزُ لِلْمُحِدَّةِ أَنْ تَبِيتَ خَارِجَ بَيْتِهَا (لِغَيْرِ عُذْرٍ) لَكِنْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ (إِنْ كَانَ لَهَا حَاجَةُ شِرَاءِ ثِيَابٍ أَوْ طَعَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لَا تَجِدُ مَنْ يَكْفِيهَا أَيْ مَنْ يَقْضِي لَهَا حَاجَتَهَا، كَمَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ) لِتَسْتَأْنِسَ بِبَعْضِ جَارَاتِهَا (إِلَى مَبْنًى أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا، لَيْسَ إِلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَنَحْوِ ذَلِكَ) ثُمَّ تَعُودَ إِلَى الْبَيْتِ لِلْمَبِيتِ. وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي إِحْدَادِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ لِلْحَائِلِ وَلِلْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَيَجُوزُ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ مِنَ النِّسَاءِ الإِحْدَادُ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ (عَلَى أَيِّ مُسْلِمٍ مَاتَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَرْحَامِ) وَيَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ. (لَا الْمُتَزَوِّجَةُ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ، وَلَا الْمَرْأَةُ الْغَيْرُ مُتَزَوِّجَةٍ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. فَالْعَزَبَةُ إِنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا، لَهَا أَنْ تُحِدَّ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازِ، لَا مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبِ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَزِيدَ فِي إِحْدَادِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ زَادَتْ، كَانَتْ عَاصِيَةً. أَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُحِدَّ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا، جَازَ لَهَا أَنْ تُحِدَّ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لَا أَكْثَرَ)
بَعْضُ الْفَوَائِدِ: الإِحْدَادُ عَلَى الزَّوْجِ فِيهِ حِكْمَةٌ، لِتَتَذَكَّرَ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا صَارَ فِي الْقَبْرِ، لِذَلِكَ هِيَ مَحْبُوسَةٌ فِي الْبَيْتِ، وَهِيَ صَائِرَةٌ إِلَى مَا هُوَ فِيهِ، فَتَسْتَعِدُّ لِلآخِرَةِ.
وَلَا يَجُوزُ الإِحْدَادُ لِلرِّجَالِ، وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الإِحْدَادِ عَلَى الرِّجَالِ مُطْلَقًا، لَكِنْ يَجُوزُ لَهُمُ التَّحَزُّنُ، أَيْ إِظْهَارُ الْحُزْنِ وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ بِلا نَدْبٍ وَلَا نِيَاحَةٍ.
وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَلْبَسُوا خِرْقَةً سَوْدَاءَ إِحْدَادًا، أَيْ بِـلَفِّ شَيْءٍ أَسْوَدَ عَلَى الرَّأْسِ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَاتِ الْكُفَّارِ، أَمَّا لُبْسُ السَّوَادِ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ أَثْنَاءَ الْعَزَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ.
عِدَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، لِوُرُودِ نَصٍّ قُرْءَانِيٍّ بِذَلِكَ، أَمَّا الإِحْدَادُ فَلَيْسَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، لِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ التَّابِعِيِّ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى زَوْجِهَا، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بِلا خِلَافٍ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وتَنْجِيسُ الْمَسْجِدِ وَتَقْذِيرُهُ وَلَوْ بِطَاهِرٍ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَنْجِيسَ الْمَسْجِدِ وَتَقْذِيرَهُ وَلَوْ بِطَاهِرٍ فَيَحْرُمُ تَنْجِيسُهُ بِالنَّجَاسَةِ وَكَذَلِكَ تَقْذِيرُهُ بِغَيْرِ النَّجَاسَةِ كَالْبُزَاقِ (وَيُقَالُ الْبُصَاقُ) وَالْمُخَاطِ (كَأَنْ بَصَقَ فِيهِ وَكَانَتْ أَرْضُ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنَ التُّرَابِ وَالْحَصَى، أَمَّا إِذَا بَصَقَ فِي أَرْضِهِ وَكَانَتْ مِنَ التُّرَابِ وَالْحَصَى بِنِيَّةِ أَنْ يَدْفِنَهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ بَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ وَدَفَنَهَا بِرِجْلِهِ، وَذَلِكَ تَعْلِيمًا لِلصَّحَابَةِ، لِأَنَّ بُصَاقَهُ ﷺ لَيْسَ مُسْتَقْذَرًا. وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ ﷺ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا، أَيْ مَنْ بَصَقَ فِي أَرْضِ الْمَسْجِدِ الَّتِي هِيَ تُرَابٌ أَوْ حَصًى، وَلَمْ يَكُنْ فِي نِيَّتِهِ دَفْنُهَا، عَصَى. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْبُصَاقُ عَلَى أَرْضِ الْمَسْجِدِ الَّتِي هِيَ مِنْ نَحْوِ الْبَلَاطِ كَالْخَشَبِ وَكَذَلِكَ عَلَى سَجَّادِ الْمَسْجِدِ أَوْ حُصُرِهِ الْمَعْرُوفِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْنُهَا) لِأَنَّ حِفْظَ الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ وَمِنْ تَعْظِيمِهَا تَطْيِيبُهَا فَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الْمَدِينَةِ بِتَبْخِيرِ مَسْجِدِ الرَّسُولِ ﷺ بِالْعُودِ كُلَّ جُمُعَةٍ مِنْ زَمَانِ خِلافَةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَلِكَ مِنَ الْقُرُبَاتِ إِلَى اللَّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. (وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ الْحَسَنَةَ أَيْ تَطْيِيبُ الْمَسْجِدِ بِالْعُودِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاسْتَمَرَّ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّهَاوُنُ بِالْحَجِّ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَأْخِيرَ أَدَاءِ الْحَجِّ بَعْدَ حُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَّا رَزَقْنَاكُم مِّنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ أَيْ أُزَكِّيَ ﴿وَأَكُنْ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ أَيْ أَحُجَّ، فَوُجُوبُ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَءَاخَرِينَ مِنَ الأَئِمَّةِ لِكَنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ الْمُسْتَطِيعُ حَتَّى مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ. (مَنْ كَانَ مُسْتَطِيعًا عَلَى أَدَاءِ الْحَجِّ، وَصَارَ يَتَهَاوَنُ أَيْ لَا يَحُجُّ هَذَا الْعَامَ وَلَا يَنْوِي أَنْ يَحُجَّ فِي الْعَامِ الَّذِي بَعْدَهُ وَلَا الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا وَهِيَ كَبِيرَةٌ. وَمَعْنَى “عَلَى التَّرَاخِي” أَيْ لَوِ اسْتَطَاعَ هَذَا الْعَامَ وَلَمْ يَحُجَّ، عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ إِلَى الْعَامِ الَّذِي بَعْدَهُ أَيْ أَنْ يَجْزِمَ بِقَلْبِهِ أَنْ يَحُجَّ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ، عَصَى، لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَسَاهِلًا)
فَائِدَةٌ: ثَبَتَ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً قَبْلَ وَفَاتِهِ بِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ. الْحَجُّ لَمْ يُفْرَضْ فِي أَوَّلِ الْبِعْثَةِ، إِنَّمَا الْحَجُّ فُرِضَ قَبْلَ وَفَاةِ الرَّسُولِ ﷺ بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ. فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَجِّ فِي الْعَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي الْعَامِ التَّالِي، وَعُرِفَ ذَلِكَ بِـ”حَجَّةِ الْوَدَاعِ” لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُوَدِّعُ أَصْحَابَهُ. الرَّسُولُ ﷺ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِإِشَارَاتٍ تَدُلُّ عَلَى قُرْبِ وَفَاتِهِ، مِنْ ذَلِكَ فَتْحُ مَكَّةَ، وَمِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْعَرَبِ فِي دِينِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. كُلُّ ذَلِكَ كَانَ إِشَارَاتٍ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ، أَعْلَمَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا بِقُرْبِ وَفَاتِهِ. فَالرَّسُولُ ﷺ حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً، تُوُفِّيَ بَعْدَهَا بِثَمَانِينَ يَوْمًا، لِذَلِكَ عُرِفَ هَذَا الْحَجُّ بِـ”حَجَّةِ الْوَدَاعِ”)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالِاسْتِدَانَةُ لِمَنْ لا يَرْجُو وَفَاءً لِدَيْنِهِ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ دَائِنُهُ بِذَلِكَ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الِاسْتِدَانَةَ لِلَّذِي لَيْسَ بِحَالَةِ الِاضْطِرَارِ (مَنْ الَّذِي هُوَ بِحَالِ الِاضْطِرَارِ؟ الَّذِي يَهْلِكُ لَوْ لَمْ يَنَلْ ذَلِكَ الشَّيْءَ، بَعْضُ النَّاسِ يَهْلِكُونَ بِطَرِيقِ الْبَرْدِ، وَبَعْضُهُمْ يَهْلِكُونَ بِطَرِيقِ الْحَرِّ، وَبَعْضُهُمْ يَهْلِكُونَ بِطَرِيقِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، فَهَذَا الإِنْسَانُ الَّذِي لَيْسَ بِحَالِ الِاضْطِرَارِ) إِنْ كَانَ لا يَرْجُو وَفَاءً لِلدَّيْنِ الَّذِي يَسْتَدِينُهُ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ (أَيْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ لِيَفِيَ بِهِ دَيْنَهُ) إِذَا لَمْ يُعْلِمْ دَائِنَهُ بِذَلِكَ أَيْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِحَالِهِ أَيْ أَنَّهُ لا يَرْجُو لِهَذَا الدَّيْنِ وَفَاءً مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ أَيْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِلْكٌ وَلا مِهْنَةٌ يَسْتَغِلُّهَا لِرَدِّ الدَّيْنِ (فَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ)، فَإِنْ كَانَ يَرْجُو لَهُ وَفَاءً مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ فَلا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِدَانَةِ. (أَيْ أَنَّ طَلَبَ الدَّيْنِ حَرَامٌ إِذَا كَانَ الشَّخْصُ لَا يَرْجُو وَفَاءً لِهَذَا الدَّيْنِ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ دَائِنُهُ بِحَالِهِ، أَمَّا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ دَائِنُهُ بِحَالِهِ، فَيَجُوزُ. كَأَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَرْجُو وَفَاءً لِدَيْنِهِ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ أَعْطَاهُ الْمَالَ، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَدَمُ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَرْكَ الدَّائِنِ إِنْظَارَ الْمُعْسِرِ أَيِ الْعَاجِزِ عَنْ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِإِعْسَارِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مُلازَمَتُهُ أَوْ حَبْسُهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِعَجْزِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ الآنَ تُعْطِينِي مَالِي (الشَّخْصُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ وَفَاءَ الدَّيْنِ، وَاجِبٌ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى الِاسْتِطَاعَةِ، فَإِنْ آذَاهُ الدَّائِنُ، يَكُونُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً. فَالْإِنْظَارُ مَعْنَاهُ تَرْكُ إِيذَائِهِ بِنَحْوِ الْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ، أَيْ يُلَازِمُهُ لِيُطَالِبَهُ بِدَيْنِهِ بِحَيْثُ يُؤْذِيهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِإِعْسَارِهِ، أَيْ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدُّيُونِ). رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْيَسَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا (أَيْ مَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُعْسِرِ الَّذِي عَجَزَ عَنْ سَدَادِ دَيْنِهِ) أَوْ وَضَعَ لَهُ (أَيْ أَسْقَطَ عَنْهُ، سَامَحَهُ بِالْمَالِ) أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ) (اللَّهُ تَعَالَى يُظِلُّهُ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ﷺ كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبَذْلُ الْمَالِ فِي الْمَعْصِيَةِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ بَذْلَ (أَيْ صَرْفَ) الْمَالِ فِي مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً، وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا الإِنْفَاقِ الْمُحَرَّمِ مَا يُبْذَلُ لِلْمُغَنِيَّاتِ وَالْمُغَنِينَ أُجْرَةً (فَهَذَا حَرَامٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمْ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ رَدُّ الْمَالِ إِلَى الدَّافِعِ. لِأَنَّ الإِجَارَةَ لَهَا شُرُوطٌ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالِاسْتِهَانَةُ بِالْمُصْحَفِ وَبِكُلِّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَتَمْكِينُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ مِنْهُ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الِاسْتِهَانَةَ بِالْمُصْحَفِ أَيْ فِعْلَ مَا يُشْعِرُ بِتَرْكِ تَعْظِيمِهِ (كَحَمْلِ الْمُصْحَفِ بِلا وُضُوءٍ، فَهَذَا حَرَامٌ، لَيْسَ كُفْرًا. وَمِمَّا يُعَدُّ اسْتِهَانَةً بِالْقُرءَانِ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ، كَأَنْ يَضَعَ الْمُصْحَفَ تَحْتَ الْمِخَدَّةِ، وَيَضَعَ رَأْسَهُ فَوْقَهَا بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُصْحَفُ تَحْتَ رَأْسِهِ مُبَاشَرَةً، فَهَذَا حَرَامٌ. أَمَّا إِنْ وَضَعَ الْمُصْحَفَ تَحْتَ الْمِخَدَّةِ وَنَامَ عَلَى الطَّرَفِ الآخَرِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ. كَذَلِكَ تَقْلِيبُ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ بِالإِصْبَعِ الَّتِي عَلَيْهَا بَلَلٌ خَفِيفٌ مِنَ الرِّيقِ، فَهُوَ حَرَامٌ. أَمَّا إِذَا ذَهَبَ الْجِرْمُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الأَثَرُ فَلَيْسَ حَرَامًا، كَأَنْ كَانَ الإِصْبَعُ عَلَيْهِ بَلَلٌ خَفِيفٌ مِنْ رِيقِهِ فَجَفَّ وَلَمْ يَغْسِلْ إِصْبَعَهُ فَقَلَبَ أَوْرَاقَهُ بِإِصْبَعِهِ، جَازَ) وَكَذَلِكَ فِعْلُ ذَلِكَ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ، وَكَذَلِكَ الْوَرَقَةُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي فِيهَا قُرْءَانٌ أَوْ عِلْمٌ شَرْعِيٌّ. وَيَدْخُلُ فِيمَا ذُكِرَ (أَيْ مِمَّا يُعَدُّ اسْتِهانَةً بالْمُصْحَفِ) تَمْكِينُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمُحْدِثِ وَلَوْ حَدَثًا أَصْغَرَ مِنَ الْمُصْحَفِ لِغَيْرِ حَاجَةِ دِرَاسَتِهِ وَحَمْلِهِ لِلتَّعَلُّمِ فِيهِ وَنَقْلِهِ إِلَى مَوْضِعِ التَّعَلُّمِ (عِنْدَمَا يَقُولُ تَمْكِينُ الصَّبِيِّ، فَالْمَعْصِيَةُ لَيْسَتْ عَلَى الصَّبِيِّ، إِنَّمَا عَلَى مَنْ مَكَّنَهُ. فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ. أَمَّا إِنْ كَانَ لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ لِلدِّرَاسَةِ، فَيُمَكَّنُ مَعَ الْحَدَثِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ، فَلَا يُمَكَّنُ مُطْلَقًا مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ. مَنْ كَانَ دُونَ التَّمْيِيزِ، لَا نَقُولُ لَهُ “تَوَضَّأ”، وَلَا نَقُولُ لَهُ “صَلِّ”، كَمَا لَا نُمَكِّنُهُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ، إِنَّمَا يَحْفَظُ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ). وَأَمَّا مَا يُعْتَبَرُ اسْتِخْفَافًا بِذَلِكَ فَإِنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ أَسْبَابِ الرِّدَّةِ (لِذَلِكَ قُلْنَا فَرْقٌ بَيْنَ الِاسْتِهَانَةِ وَالِاسْتِخْفَافِ) كَدَوْسِهِ عَمْدًا وَلَوْ لِتَصْفِيفِ النُّسَخِ فِي الْمَطَابِعِ أَوِ الْمَكَاتِبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَغْرَاضِ. (كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْجُهَّالِ. الِاسْتِخْفَافُ بِالْمُصْحَفِ كُفْرٌ، كَذَلِكَ الِاسْتِخْفَافُ بِكُلِّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَغْيِيرُ مَنَارِ الأَرْضِ أَيْ تَغْيِيرُ الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ مِلْكِهِ وَمِلْكِ غَيْرِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الشَّارِعِ بِمَا لا يَجُوزُ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ تَغْيِيرَ حُدُودِ الأَرْضِ (الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ مِلْكِهِ وَمِلْكِ غَيْرِهِ) بِأَنْ يُدْخِلَ مِنْ حُدُودِ جَارِهِ شَيْئًا فِي حَدِّ أَرْضِهِ (كَمَنْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ، وَلَهَا مَنَارَاتٌ أَيْ عَلَامَاتٌ لِلْحُدُودِ فَأَزَاحَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا وَجَعَلَهَا فِي أَرْضِ جَارِهِ لِيُوَسِّعَ أَرْضَهُ، فَهَذَا حَرَامٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ أَرْضٍ، طُوِّقَهُ بِسَبْعِ أَرَاضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَيْ أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ الَّتِي سَرَقَهَا تَكُونُ إِلَى سَبْعِ أَرَاضِينَ كَالطَّوْقِ فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَضِيحَةً لَهُ يُطَوِّلُ اللَّهُ عُنُقَهُ، فَيُعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الشِّبْرُ، مُتَّصِلًا إِلَى سَبْعِ أَرَاضِينَ، أَيْ بِطُولِ سَبْعِ أَرَاضِينَ، مَعْنَاهُ يُطَوِّلُ اللَّهُ عُنُقَهُ حَتَّى يَسَعَ ذَلِكَ الْقَدْرَ. سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ. أَيْ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الذَّنْبِ الْكَبِيرِ)
وَكَذَلِكَ اتِّخَاذُ أَرْضِ الْغَيْرِ طَرِيقًا (كَـمَنْ صَارَ يَدْخُلُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَيَجْعَلُهَا مَمَرًّا لَهُ وَهِيَ لَيْسَتْ طَرِيقًا فِي الأَصْلِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ لَا يَرْضَى، يَكُونُ وَقَعَ فِي الظُّلْمِ) وَمِنْ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فِي الشَّارِعِ بِمَا لا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِيهِ مِمَّا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، وَالشَّارِعُ اسْمٌ لِلطَّرِيقِ الْنَافِذِ (أَيِ الَّذِي لَيْسَ مَسْدُودًا، هَذَا الطَّرِيقُ النَّافِذُ يَمُرُّ فِيهِ أَيُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ) وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ فَيَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ أَهْلُهُ (أَمَّا الطَّرِيقُ الْمُسْدُودُ غَيْرُ النَّافِذِ، فَهَذَا الْحَقُّ فِيهِ لِأَهْلِ الدَّرْبِ. الْجُلُوسُ فِيهِ وَالدُّخُولُ فِيهِ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ إِذَا كَانَ السَّاكِنُونَ لَا يَرْضَوْنَ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاسْتِعْمَالُ الْمُعَارِ فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ أَوْ زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهَ أَوْ أَعَارَهُ لِغَيْرِهِ
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ اسْتِعْمَالَ الشَّىْءِ الَّذِي هُوَ عَارِيَّةٌ (وَلَنَا أَنْ نَقُولَ عَارِيَة بِدُونِ التَّشْدِيدِ، الْمُرَادُ وَاحِدٌ) فِي غَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ (كَـمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعِيرَ سَيَّارَةً مَثَلًا، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا أَعَرْتُكَ هَذِهِ السَّيَّارَةَ لِتَسْتَعْمِلَهَا مِنْ مُنْتْرِيَالٍ إِلَى أُوتَاوَا، فَالْمُسْتَعِيرُ أَخَذَهَا مِنْ مُنْتْرِيَالٍ إِلَى فِيلَادِلْفِيَا، فَهَذَا عَصَى اللهَ تَعَالَى، لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ) وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهَا إِنْ كَانَتِ الْمُدَّةُ مُقَيَّدَةً كَأَنْ قَدَّرَ لَهُ سَنَّةً فَاسْتَعْمَلَهُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا (بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَهَذَا حَرَامٌ، أَمَّا إِنْ زَادَ عَلَى مَظَنَّةِ الرِّضَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَازَ) وَكَذَلِكَ إِعَارَتُهُ لِلْغَيْرِ بِلا إِذْنٍ مِنَ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ. (وَهَذَا يَقَعُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، يُعِيرُ شَخْصٌ إِنْسَانًا شَيْئًا، فَيُعِيرُهُ الْمُسْتَعِيرُ إِلَى شَخْصٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ اسْتَأْذَنَ الْمَالِكَ فِي ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ)
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/K8tw25gBCGw
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-41
الإشعارات