#40 1-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الأَشْكالَ والألوانَ ولا شَكْلَ ولا لَوْنَ لَه، والذي خَلَقَ الجِهَةَ والْمكانَ ولا جِهَةَ ولا مَكانَ لَه، سُبحانَهُ الأعلى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، والأكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَظَمَةً وَعِزَةً وَعِزًّا، سُبْحانَهُ غَنِيٌّ عَنِ العالَمين وَلا يُشْبِهُ الْمَخْلوقين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ وَأَفْضَلِ الأنْبِياءِ وَالْمُرْسَلين، سَيِدِنا مُحَمَّدٍ الصّادِقِ الأَمين، الذي جاءَ بِدينِ الإسْلامِ كَسَائِرِ إِخْوَانِهِ النَّبِيّين. أما بعد نبدأ الكلام عن قصة سيدنا موسى عليه السلام. هو موسى بنُ عِمران ويرجِعُ نَسبُه ليعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيم، واسمُ أمهِ يوحانِذ، أما هارون فهوَ شقيقُ سيدِنا موسى عليهما الصلاة والسلام. ذُكِرَ اسمُ موسى عليه الصلاة والسلامُ في القرءانِ مائةً وَسِتًا وثلاثينَ مرة في كثيرٍ من السُّوَرِ المبارَكة. وُلِدَ سيدُنا موسى عليه السلام في عهدِ الطاغيةِ الوليدِ بنِ مُصْعَب فرعونِ مصرَ عدوِ الله الذي اشْتُهِر بالطغيان والجَبَروتِ وادَّعى الألوهية والعياذ بالله تعالى. وفرعونُ كان لقبَ كلِّ ملِكٍ من ملوكِ مصرَ كما أن كِسرى لقبٌ لكل ملِكٍ من ملوكِ بلادِ فارس، وكما أن قيصرَ لقبُ كلِّ ملِكٍ من ملوك بلادِ الروم. سُلِّط هذا الملكُ الطاغيةُ المتكبرُ فرعون الذي عمّر مدةً قيل تزيدُ على أربعِمائةِ سنةٍ على بني إسرائيلَ يُذيقُهمُ العذابَ يُذَبِّحُ أبناءهم ويَسْتَبْقِي نساءَهم للخدمةِ ويستخدِمُ الرّجالَ منهم في أخسّ الصنائعَ والحِرَفِ وكان قد صنّفهم أصنافًا، فصِنفٌ يبنونَ وصِنفٌ يَحْرُثُون وصِنفٌ يتوَلَّونَ الأعمال القذِرة، ومن لم يكن منهم أهلًا للعمل كان يأخذُ منه الجزية، فكانت بِعثـةُ موسى عليه السلام رحمةً لبني إسرائيل وإنقاذًا لهم من ظلمِ هذا الملك. رأى فرعونُ مصرَ في منامِه رؤيا منامية أفزَعَته فاهتمّ لها واغتَمّ، فقد رأى كأنّ نارًا قد أقبلَت من جهةِ بيتِ المقدِس حتى وصلت إلى بلادِ مصرَ وأحاطت بِدُورِها وبُيوتِها فأحرَقتها وأحرقَتِ الأقباطَ وتركت بني إسرائيلَ دونَ أذى، فلمّا استيقظَ جمعَ الكهنةَ والسَّحَرةَ والمنجّمِينَ وسألهم عن تأويلِ هذه الرؤيا وتفسيرِها، فقالوا له: هذا غُلامٌ يولَدُ في بني إسرائيلَ يكونُ سَببُ هلاكِ أهلِ مِصرَ على يديهِ، ويكونُ ذهابُ مُلكِكَ على يديه أيضًا ويُخرِجُك وقومَكَ من بلدِكَ ويبدِّلُ دينَك، وقد أظلَّكَ زمانُه الذي يولَدُ فيه، لذلك أمرَ فرعونُ الطاغيةُ أن يُقتَلَ كلُّ غلامٍ يولدُ في بني إسرائيل، وأمّا الإناثُ فكنَّ لا يُقتَلنَ بل يُبقَيْنَ على قيدِ الحياةِ من أجلِ الخدمةِ. وأمرَ فرعونُ كذلك بقتلِ كلِّ الأطفالِ الذين هم في زمانِه وبقتلِ من بعدَهم، وأخذَ جنودُه الأشرارُ يُعذِّبونَ الحَبالى من بني إسرائيلَ حتى كانتِ المرأةُ منهم تُسقِطُ حملَها خوفًا من التعذيبِ والتَنكيلِ على أيدي جُنودِ فرعون، ولما كثُرَ الموتُ في الشيوخِ الكبارِ من بني إسرائيلَ دخلَ وُجهاءُ الأقباطِ ورؤساؤهم على فرعونَ وقالوا له: إنَّ الموتَ قد وَقَعَ في مشْـيَخةِ بني إسرائيل – أي الكِبارِ منهم- وأنت تأمرُ بقتلِ صغارِهم، لهذا يوشِكُ أن يقعَ العمَلُ والخِدمَةُ علينا ولا يبقى أحدٌ للخدمةِ غيرُنا، فلذلكَ أمرَ فرعونُ أن يُقتَل غِلمانُ بني إسرائيلَ سنةً ويُتركوا سنةً حتى لا يَهلِكَ جميعُ أبناءِ بني إسرائيلَ الذين كان فرعونُ يستَخدِمُهم في أعمالِه. نتوقَّفُ هنا لنبدأَ في الحلقةِ القادمَةِ إن شاء الله قِصّةَ ولادة موسى وهارون عليهما السلام، فتابِعونا وإلى اللقاء.