الأحد يونيو 30, 2024

#40 النفقة الواجبة

الحمد لله الذي أعزّنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان ورحمنا ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام أمّا بعد يجبُ على الْمُوسِرِ نَفَقَةُ أُصُولِهِ المعْسِرينَ أى الآباءِ والأمهاتِ الفقراءِ وإن قَدَرُوا على الكسبِ.

فمَن كان له أُصُولٌ مُعْسِرُون وكان هو قادرًا على الإنفاقِ عليهم، يَجِبُ عليه أن يُنفِقَ عليهم حتى ولو قَدَرُوا على الكسب. يعنِى إذا كان والداه فقيرَينِ أو كان أجدادُه فقراء وليس لهم أولادٌ يستطيعون إعالَتَهُم، على وَلَدِ الوَلَد أن يَتَوَلَّى ذلك. يَعنِى أَنْ يُنْفِقَ عليهم بقَدْرِ الحاجة، من غيرِ تقديرٍ بِحَدٍّ مُعَـيّن، لأنّ مقدار الحاجة يتغير من شخصٍ إلى شخص. فلو كان لا يَمْلِكُ أملاكًا كافيةً ليُنفِقَ عليهم يجبُ عليه أن يعمل لأجل ذلك، وليس له أن يُلْجِئ والديه للعمل ولو كانا قادِرَين. الوالدُ أى الأَبُ والأُم حقُه على ولده عظيم، إلى حَدِّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “رِضَا الله فِى رِضا الوالد وسَخَطُ الله فى سَخَطِ الوالِد”، يعنى إذا أَسْخَطَهُ بِتَعَدٍّ أي بظلم. وَوَرَدَ فى حديثِ ابن حبان: “أَعْظَمُ النَّاسِ حَقًّا على الرجُلِ أُمُّه”. ويُرْوَى عن بعض السلف أنّه من برّهِ بأمه كان إذا طلبت منه باقَةَ بَقُول يشترِى حِملًا منها حتى يَنْتَقِىَ خيرَها فيُعطِيها لأُمّـِهِ. ويروى عن ءاخر أنه حصل منه شىء أزعج والدَيهِ فناما وهما منـزعجَانِ منه فأمضَى الليلَ واقفًا بقربِ سريرِهِمَا حتى أفاقا ليُرضِيَهُمَا. ما طاوَعَهُ قلبُهُ أن يتركَ المكان ووالداهُ غيرُ راضيَين عنه، لماذا؟ لأن برَّ الوالدين شىءٌ عظيمٌ عند الله.

ومن جملةِ حقِ الوالدِ على الولد أن ينفقَ عليه إذا كان الولد مستطيعًا والوالدُ فقيرًا، فإن ترك والدَيه لِيَضِيعَا فهو ءاثمٌ إثـمًا عظيمًا والعياذ بالله.

ويجب عليه نَفَقَةُ فُرُوعِهِ أى أولادِه وأولادِ أولادِهِ إذا أَعْسَرُوا عمّا يكفيهم وعَجَزُوا عن الكسب لصِغَرٍ أو زَمانةٍ أى مَرَضٍ مَانِعٍ مِنَ الكَسْبِ.

شرح ذلك أنّ نفقةَ الفروع ذُكورًا كانوا أو إناثًا إذا كانوا لم يَـبْلُغُوا بعدُ ولا مالَ لهم فرضٌ على الأصل أى فرضٌ على الوالد. وكذلك أولادُه البالغون أو أولادُ أولادِه إذا لم يكن ءاباؤهم قادرين على كِفايَتِهِم يجبُ أن يَكْفِيَهُم إذا أعسروا، أى إن لم يكونوا يستطيعون أن يعملوا بحيث يُحَصّلون كفايتَهُم إما لصِغَرٍ وإما لزمانةٍ أى لمرضٍ.

والنفقةُ الواجبةُ هى الكِسوةُ والسُكْنَى اللائقةُ بهم والقوتُ والإِدَامُ اللائقُ بهم. ويجبُ فى الطعامِ أن يطعمَهُم بحيثُ يَصِلُونَ إلى الشّـِبَعِ وإن كان لا يجب أن يُبالغ فى إشباعهم.

ويجبُ على الولدِ كذلك أن يُزَوّجَ أباهُ الفقيرَ المحتاجَ إلى الزِواج.

ويجبُ على الزوجِ نفقةُ الزوجة. شرح ذلك أنّ الزوجةَ إن كانت مُمَكّـِنةً من نفسها له فَنَفَقَتُها واجبةٌ على الزوج، وأمّا الناشز فلا تجب لها نفقة. والنُّشُوزُ كأن لا تُطِيعَهُ فى الجماعِ بغيرِ عذرٍ شرعي أو أن تَخْرُجَ من بيتِهِ بغيرِ إذنه. فيجب للممكنة مَسْكَنٌ لائِقٌ، وكِسوَةٌ للصيف وكسوةٌ للشتاء، وما زاد على ذلك من الثياب فهو من الإحسان إليها.

ويجبُ لها ما تَنامُ عليه وما تَتَغَطَّى به، وءالةُ تنظيف، وما تَلْبَسُهُ فى رجلِها.

ويجبُ عليه لها مُدٌّ من غالب قوتِ البلد إن كان فقيرًا، ومدٌ ونصف إن كان متوسطًا، ومُدان إن كان غنيًا بفجرِ كُلِّ يَومٍ. وعليه أن يَخْبِزَ هذا المقدار، فإن اشترى مقدارًا مُوازيًا من الخُبْزِ يُجزِئ، وعليه من الطبيخ ما يأكلُه أمثاله.

ولها عليه خادمٌ إن كانت ممن يُخْدَمُ فى بيت أهلِهَا وكان يستطيعُ أن يُخْدِمَها، إلا إن أسقطت عنه ذلك. ومما ذكرناه من نفقة الزوجة على الزوج ما يختلف باختلاف الفصول والبلاد وأحوال الأشخاص.

ويجب على الزوج أيضًا لزوجته مَهْرُهَا، فإنّ المهرَ حقُ الزوجةِ على الزوجِ، حتى لو طَلَّقَهَا قبلَ أن يُعْطِيَهَا مهرَهَا فالمهْرُ ما زالَ لها عليه. والمهرُ قد يكونُ مالًا وقد يكونُ مَنْفَعَةً مَقْصُودة. فَيَصحُّ أن يكونَ ذهبًا أو فضةً أو عُملةً أو بيتًا أو سيارةً أو مَتاعًا. ويصحُّ أن يكونَ تَعليمَ سورة من القرءانِ أو تعليمَ علمٍ نافعٍ. فإذا تَمَّ العقدُ على مهرٍ معـيَّن ثبتَ هذ المهرُ فى ذِمّتِهِ. فإن لم يحصل ذلك أى إن لم يُعَيَّنِ المهرُ فى العقد وَجَبَ لها مهرُ المِثل هذا إن كان طلّقها بعد الدخول، فإن طلّقها قبل الدخول فلها نصف المهر. فإن طلَّقَهَا الزوجُ من غيرِ سببٍ من قِبَلِهَا يجبُ عليه أيضًا أن يُعْطِيَهَا مُتْعَةً كقسم من أثاث البيت مثلًا وذلك لِجَـبْرِ خاطرِها.

وليعلم أنّ مَنْ كان يَمْلِكُ عبيدًا أو يَملِكُ بهائم يجب عليه الإنفاقُ عليهم. وليعلم أنه ولو كان العبد كافرًا فليس له أن يُكَلّـِفَ عبدَه ما لا يُطِيق. وحتى البهائم ليس له أن يُكَـلّـِفَهُم مِنَ العمل ما لا يطيقون، مثل أن يُحَمّـِل البهيمةَ أكثر مما تُطِيق فإنّ هذا حرام. ولا يجوز له أن يَضْرِبَ عبدَه بغيرِ حق. ولا يضربَ البهيمة إلا إذا أساءت، فالحمار مثلًا لا يُضْرَب إلا إذا أساء، وحتى لو ضُرِبَ الحمار لا يُضرَب فى وجهِهِ وقد جاء فى الحديث أنّ من فَعَلَ ذلك أصابَتهُ اللّعنة. روى البخارىّ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال عن العبيد: “إخوانُكُم خَوَلُكُم. مَلَّكَكُم اللهُ إياهُم. فَمَنْ كانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَليُطْعِمْهُ مما يأكُل، ولـيُلبِسْهُ مما يَلْبَس، ولا يُكَلّـِفْهُ مِنَ العَمَلِ ما يَغلبُهُ. فإن كَلَّفتموهم فأَعِينُوهُم”. وفي الختام نحمد الله على نعمة الإسلام و نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا والحمد لله رب العالمين.