(4) تَكَلَّمْ عَنِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ.
مَعْنَى التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ اعْتِقَادُ أَنَّهُ لا ضَارَّ وَلا نَافِعَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا اللَّهُ فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ اعْتِمَادُهُ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ قَالَ تَعَالَى ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وَرَوَى الطَّبَرَانِىُّ فِى الْمُعْجَمِ الأَوْسَطِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَلا أُعَلِّمُكُمُ الْكَلِمَاتِ الَّتِى تَكَلَّمَ بِهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ جَاوَزَ الْبَحْرَ بِبَنِى إِسْرَائِيلَ فَقُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَلا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِىِّ الْعَظِيمِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَوْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا، أَىْ تَذْهَبُ فِى أَوَّلِ النَّهَارِ جَائِعَةً لَيْسَ فِى بَطْنِهَا شَىْءٌ وَتَعُودُ مُمْتَلِئَةً ءَاخِرَ النَّهَارِ. وَمَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ لا يَلْجَأُ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلا يَلْجَأُ إِلَى السَّرِقَةِ إِنْ قَلَّ مَالُهُ وَلا يَسْأَلُ الْعَرَّافِينَ عَنْ مَالِهِ الْمَسْرُوقِ أَوِ الضَّائِعِ بَلْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ رِزْقَهُ لا يَأْكُلُهُ غَيْرُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ (وَهُوَ جِبْرِيلُ مَعْنَاهُ رُوحُ الطُّهْرِ) نَفَثَ فِى رُوعِى (أَىْ فِى قَلْبِى) إِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ، أَىِ اطْلُبُوا الرِّزْقَ مِنْ طَرِيقٍ حَلالٍ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الطَّلاقِ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾. ذَكَرَ التَّقْوَى أَوَّلًا ثُمَّ قَالَ ﴿يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ وَالتَّقْوَى هِىَ أَدَاءُ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْوَاجِبَاتِ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ الدِّينِىِّ الْوَاجِبِ. وَمَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ أَىْ دَاوَمَ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ فِى كُلِّ يَوْمٍ ثَلاثَمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ رَبِّ اغْفِر لِى أَوْ أَسْتَغْفِرُ اللَّه رَزَقَهُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، أَىْ يَأْتِيهِ الرِّزْقُ مِنْ طَرِيقٍ هُوَ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَأْتِيهِ مِنْهُ.