#39 2-2 سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام
لما وعَدَ يونسُ بنُ متّى قومَه بالعذاب بعد ثلاثةِ أيام إن لم يؤمنوا وخرجَ من بينهم مغاضبًا لهم بسببِ كفرِهم وإصرارِهم وتماديهم في غَيّهم وضلالِهم سارَ حتى وصلَ إلى شاطئ البحرِ فوجدَ قومًا في سفينةٍ في البحرِ، فطلبَ من أهلِها أن يُركِبوهُ معهم فتَوَسّموا فيه خيرًا فأركبوه معهم في السفينة، وسارت بهمُ السفينةُ تشقُ عُبابَ البحر فلمّا توسطوا البحرَ جاءتِ الرياحُ الشديدة وهاجَ البحرُ بهم واضطربَ بشدةٍ حتى وَجِلَتِ القلوبُ وقال من في السفينة: إنّ فينا صاحبُ ذنب، فأسهَموا واقترعوا فيما بينهم على أنّ من يقعُ عليه السهمُ يُلقونَه في البحر، فلمّا اقترعوا وقعَ السهمُ على نبيِّ الله يونس عليه السلام، ولكن لأنهم تَوَسّموا فيه خيرًا لم يَسمحوا لأنفسِهم أن يُلقوهُ في البحر، فأعادوا القُرعةَ ثانيةً فوقعت عليهِ أيضًا، فشمّرَ يونسُ عليه السلام ليلقِيَ بنفسِهِ في البحر وهو يعتقدُ أنه لا يُصيبُه هلاكٌ بالغرق، فأبَوْا عليه ذلك لما عرفوا منه من الخير، ثم أعادوا القرعةَ ثالثةً فوقعتِ القرعةُ عليه أيضًا، فما كانَ من يونسَ عليه السلام إلا أن ألقى بنفسِه في البحرِ المظلمِ وتحت ظلمة الليل الحالِك وكان إلقاؤه بنفسه في البحر لأنه كان يعتقدُ أنه لا يُصيبُه هلاكٌ بالغرق فلا يجوزُ أن يُظنَّ أنّ ذلكِ انتحارٌ منه لأنّ الانتحارَ أكبرُ الجرائِم بعدَ الكفرِ وذلكَ مستحيلٌ على الأنبياءِ. وعندما ألقى يونسُ عليه السلام بنفسه في البحر وكّلَ الله تبارك وتعالى به حوتًا كبيرًا فالتقمَه وابتلعَه ابتلاءً له على تركِه قومه الذين أغضبوه دونَ إذن، فدخلَ نبيُ الله يونسُ عليه السلام إلى جوفِ الحوتِ تحفُّهُ عنايةُ الله تعالى حتى صارَ وهو في بطنِ الحوتِ في ظلماتٍ ثلاث وهي ظلمةُ الليل وظلمةُ البحر وظلمةُ بطنِ الحوت. ثم إنّ الحوتَ بقدرةِ الله تعالى لم يَضُرَ يونس ولم يجرحه ولم يخدُش له لحمًا ولم يكسِر له عظمًا، وسارَ الحوتُ وفي جوفِه يونسُ عليه السلام يشقُّ به عُبابَ البحر حتى انتهى به إلى أعماقِ المياهِ في البحر، وهناكَ سمعَ يونسُ عليه الصلاة والسلام وهو في بطنِ الحوتِ حِسًا وأصواتًا غريبةً، فأوحى الله إليه: إنَّ هذا تسبيحُ دوابِّ البحر، فما كان مِن نبيِ الله يونسَ عليه السلام وهو في بطنِ الحوتِ وفي تلكَ الظُلماتِ إلا أن أخذَ يدعو الله عزّ وجلّ ويَستغفرَهُ ويسبّحَه تبارك وتعالى قائلًا لا إلهَ إلا أنتَ سُبحانكَ إنِّي كنتُ مِنَ الظالمينَ، واستجابَ الله تعالى دعاءَه ونجاه من الغمِّ والكربِ والضيقِ الذي وقَعَ فيه ، وأمرَ الله تعالى الحوتَ أن يُلقيَه في البرّ فألقاهُ الحوتُ بالعراءِ وهو المكانُ الذي ليسَ فيه أشجار، ويونسُ عليه السلام مريضٌ ضعيف. وقد مكثَ نبيُ الله يونسُ عليه السلام في بطنِ الحوتِ ثلاثةَ أيام، وقيلَ سبعةَ أيام، وقيلَ غيرُ ذلك. ولولا أنه سَبَّحَ الله وهو في بطنِ الحوتِ وقال ما قالَ من التسبيحِ والتهليلِ لَلَبِثَ في بطنِ الحوتِ إلى يومِ القيامة ولبُعِثَ من جوفِ الحوت. ولما أصابَ نبيَ الله يونس عليه السلام ما أصابَه منِ ابتلاعِ الحوتِ له، علِمَ عليه السلام أنّ ما أصابَه حصلَ لَه ابتلاءً له بسببِ استعجالِه وخروجِه عن قومِه الذين أُرسِلَ إليهم بدونِ إذنٍ من الله تعالى، وعادَ عليه السلام إلى قومِه أهلِ نينوى في العراقِ فوجدَهم مؤمنينَ بالله تائبينَ إليه مُنتظرينَ عودةَ نبيهم يونس عليه السلام ليأتمروا بأمرِه ويَتّبعوه، فمكثَ عليه الصلاة والسلام معَهم يُعلمُهم ويرشدُهم، ومتّعَ الله تعالى أهلَ نينوى في مدينتِهم مدةَ إقامةِ يونسَ فيهم وبعدَه ءامنينَ مُطمئنينَ إلى حين، ثم لما ضَلّوا بعدَ ذلكَ عن الصراطَ المستقيمَ الذي جاءَهم به نبيُهم وتولَوْا عنِ الإيمان دمّرَ الله تبارك وتعالى لهم مدينتَهم وأنزلَ عليهمُ العذاب وصارت مدينتُهم عبرةً للمعتبرين. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم. في الحلقة القادمة نبقى إن شاء الله تعالى مع تفاصيل حياة نَبِيَيْنِ كريِمَيْنِ هما موسى وهارون عليهما السلام فتابعونا وإلى اللقاء.