#39 النكاح والطلاق
الحمد لله مكون الأكوان الموجود أزلا وأبدا بلا مكان والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل إنسان أما بعد فإنّ معرفةَ أحكام النكاح أكثرُ أهمية من معرفة كثيرٍ من الأحكام الأخرى، لأنّ من جهل أحكام النكاح قد يظنّ أنَّ ما ليس نكاحًا نكاحٌ فيتفرعُ من ذلك مفاسدُ أخرى. لذلك النكاحُ جديرٌ بمزيدِ تثبتٍ واحتياطٍ.
وللنكاح شروطٌ وأركانٌ حتى يصح. فلا يصحُ النكاحُ إلا بولىٍ وشاهدين وخاطبٍ وصيغة. هذه هى أركانُ النكاح. فلا يصحُ أن تُزَوِّجَ امرأةٌ نفسَها بغيرِ ولىٍ عند الإمامِ الشافعى، ولا بدّ فيه من صيغة كزوجتُك بنتى هذه فيقولُ الخاطبُ قبلت زِواجها والشاهدانِ حاضرانِ فى المجلس. ويشترطُ أن لا يكونَ هذا النكاحُ مؤقتًا لمدةٍ معينة فلو قال الولىُ للخاطب زوَّجْتُك بنتى لسنةٍ فالعقدُ فاسد. ولا بدّ فى العقد أيضًا من المهر سواءٌ ذُكِرَ فى العقد أو لم يُذْكَرْ فإن ذُكِرَ ثبتَ لها المهرُ المذكور، وإن لم يُذْكَرْ ثبت لها بعد الدخولِ مهرُ مثلها أى يُنْظَرُ إلى قريباتها من نساءِ عصباتها ماذا يأخذنَ مهرًا فى العادة فَيُعْطَى لها مثلُهُ.
ومن المهم أيضًا معرفةُ أحكامِ الطلاقِ لأنّ كثيرًا من الناسِ يُطلّقونَ زوجاتهم ولا يعلمونَ أنّ هذا طلاقٌ فيعاشروهنَ فى الحرامِ بعد ذلك والعياذ بالله. والطلاقُ نوعان صريحٌ وكنايةٌ، فالصريحُ ما لا يُنظرُ فيه إلى النيةِ ليُحكم أنه طلاقٌ كطَلَّقْتُكِ وسَرَّحتُكِ وما شابهَ مِن الألفاظِ الصريحة. وأمّا الكنايةُ فهو ما لا يكونُ طلاقًا إلا بنيةٍ يعني أنّ لفظهُ يحتملُ معنى الطلاق ومعنى ءاخر قريبًا. هنا يُنْظَرُ إلى النيةِ فلا يكونُ هذا طلاقًا إلا إذا كانت نيةُ القائلِ طلاقًا. مثالُ ذلك إذا قال الرجلُ لزوجتِه اعتَدِّى، أو قال لها تستَّرِى، أو قال لها لا حاجةَ لى فيك، أو أنت وشأنِك، أو تخاصما فقالَ سلامٌ عليك، ففى هذه الأحوالِ إذا كانت نيةُ الإنسان الطلاق وقع الطلاق. أمّا من أتى باللفظ الصريح فيُعدُّ هذا منه طلاقًا من غير استخبارٍ عن نيته. فإن طَلَّقَ زوجتَه مرة أو مرتين فله أن يَرُدَّها فى العدةِ من غيرِ عقدٍ جديد. أمّا إن مضتِ العدةُ وأراد أن يُرجعَها فلا بدّ من عقدٍ جديد. فإن طلقها ثلاثًا لم تَحِلَّ له حتى تُمْضِىَ العدة ثم يتزوجَها ءاخرُ زِواجًا صحيحًا، ثم يدخلَ بها، ثم يفارقَها أو يموتَ عنها، ثم تُمْضِىَ العدةَ منه، ثم إن شاء يعقد عليها الأول من جديد إن قبلت. ويقع الطلاق الثلاث فى مجلسٍ واحد أو مجالسَ مُتعددةٍ بلفظٍ واحدٍ أو بألفاظٍ متعددة.
واعلموا رحمكم الله تعالى بتوفيقه أنّ الله تعالى قال في القرءان العظيم {يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفُسَكم وأهليكم نارًا وَقودُها الناسُ والحجارةُ}. هذه الآية تعنى أنّ من أهمل أن يعلّـِم نفسه وأهلَه الضرورىَّ من علم الدين فإنّه أهلك نفسهُ وأهلك أهله أى لم يحفظ نفسهُ ولا حفِظ أهلهُ من نار جهنم. سيدُنا علىٌّ رضى الله عنه فسّر هذه الآية فقال: علّـِموا أنفسَكم وأهليكُم الخير. رواه الحاكم. فهذا هو طريقُ الوقاية من نار جهنم. وقد قالَ عطاءُ بنُ أبى رباح رضى الله عنه: أن تتعلم كيف تصلى وتصوم، وتتعلم كيف تبيع وتشترى، وتتعلم كيف تُطلّق وكيف تنكح.
وليعلم أنّه يجبُ على الزوجةِ أن تُطِيعَ زَوْجَهَا فيما هو حقٌ له عليها. وذلك كأن يَطْلُبَ الاستمتاعَ ببدنِهَا، فليس لها أن تمنَعَهُ ذلك بغيرِ عذرٍ شرعي. وإن طَلَبَ منها أن تَتَزَيَّنَ له فيجبُ عليها أن تفعل ذلك، لكن هو يَشْتَرِى لها ما تَسْتَعْمِلُهُ لذلك، وليس شراؤه عليها. ويجبُ عليها أن لا تصومَ النفل وهو حاضر -أى وهو غيرُ مسافر- إلا بإذنِهِ. أما الواجب كرمضان فتصومُهُ رَضِىَ أو لم يَرْضَ، لأنَّ اللهَ أحقُّ أنْ يُطَاعَ. ولا يجوز لها أن تأذن بدخولِ بيته لمن يكره ولو كان قريبًا لها، حتى لو كان أباها أو أُمَّها. ولا يجوز لها أن تخرُجَ من بيتِهِ من غير إذنه إلا لضرورة، كأن خافت انهيارَ البيت عليها، أو إذا لم يأذن لها بالخروجِ لطلبِ علمِ الدين ولا هو عَلَّمَهَا أو جَلَبَ لها من يعلمُهَا أى الفرضَ العينِىَّ فيجوز لها عندئذ الخروجُ من بيته بغير إذنه لهذا الغرض. هذا فى حالِ كون البيت له فإن كان البيتُ لها فالحكمُ يَخْتَلِف، فلها أن تخرج لو لم يأذن. ويجبُ عليها أن تترُكَ ما يُعَكّـِرُ عليه الاستمتاع من الروائح الكريهة. إن كانت تُضايقُهُ رائحةٌ كريهة مثلا فتعكّر عليه الاستمتاع بها كرائحة الثؤم أو التُّتُنِ يعني الدخان يجب عليها أن تَتْرُكَ ذلك. نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.