#38 1-2 سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام
نتكلم الآن عن سيدنا يونس عليه السلام. إنّه يونسُ بنُ متّى، ويتصلُ نسبُه ببنيامين أخي يوسفَ عليه السلام من أبيه وأمِه. وذُكِرَ نبيُ الله يونسُ بنُ متّى في القرءان الكريم باسمه “يونُس” وذُكر أيضًا بوصفِه ولقبِه “ذي النون” و”صاحب الحوت”. جعلَ الله تبارك وتعالى عبدَه يونسَ بنَ متّى نبيًا ورسولًا وأرسلَه إلى أهلِ نينوى الذين كانوا في أرضِ الموْصِلِ بالعراق ليدعوَهم إلى دينِ الإسلامِ العظيم ويَعبدوا الله وحدَه، وكان أهلُ نينوى عددُهم أكثرَ من مائةِ ألف. وكانَت قد دخَلت فيهمُ الوثنيةُ وانتشرت فيهم عبادةُ الأصنامِ وكانَ لهم صنمٌ يَعبدونَه يُسمى “عَشتار”، فدعاهم إلى دينِ الإسلام وعبادةِ الله وحده وتركِ عبادةِ الأصنام، فكذّبوهُ وتمرّدوا وأصرّوا على كفرِهم ولم يستجيبوا لدعوتِه. وقيل: أقام فيهم ثلاثًا وثلاثين سنةً يدعوهم إلى الإسلامِ ولم يؤمن به خلالَ هذه المدةِ غيرُ رجلين، ولما أصروا على كفرِهم وعبادةِ الأصنامِ ، أَيِسَ يونسُ عليه السلام منهم بعدما طالَ ذلكَ عليه من أمرِهم وخرجَ من بينِ أظهُرِهم ءايسًا منهم ومُغاضِبًا لهم لكُفرِهم قبل أن يأمرَه الله تبارك تعالى بالخروج وظنَّ أنّ الله تعالى لن يؤاخِذَه على هذا الخروجِ من بينِهم ولن يُضَيِّقَ عليه بسببِ تركِه لأهلِ هذه القريةِ وهجرِه لهم قبلَ أن يأمرَه الله تبارك وتعالى بالخروج. يقولُ الله تبارك وتعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}. وقولُه تعالى: {وَذَا النُّونِ} يعني يونسَ بنَ متّى عليه السلام و”النونُ” أي الحوت وأُضيفَ عليه السلام إليه لابتلاعِه إياه، وقولُه تعالى: {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا} أي ذهبَ مغاضِبًا لقومِه أهلِ نينوى لأنهم كذبوه ولم يؤمنوا بدعوتِه وأصروا على كفرِهم وشِركِهم وأبطؤوا عن تلبيةِ دعوتِه والإيمانِ بهِ وبما جاء بهِ من عندِ الله. ولا يجوز أن يُعتقد أنّ نبي الله يونسَ عليه السلام ذهب مُغاضبًا لربه فإنّ هذا كفرٌ وضلالٌ ولا يجوزُ في حقِ أنبياءِ الله، فمن نسبَ إلى يونسَ عليه السلام أنه ذهبَ مغاضِبًا لله فقدِ افترى على نبيِ الله ونسبَ إليهِ الجهلَ باللهِ والكفرَ بهِ وهذا يستحيلُ على الأنبياءِ لأنهم مَعصومونَ من الكفرِ والكبائرِ وصغائرِ الخِسةِ قبلَ النبوةِ وبعدَها، وأما قولُه تعالى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} أي ظنَّ أنّ الله تعالى لن يُضيّقَ عليه بتركِه لقومِه قبلَ أن يُؤمَرَ بذلك، ولا يجوزُ أيضًا أن يُعتَقَدَ أنّ نبيَ الله يونسَ عليه السلام ظنَّ أنّ الله تعالى لا يستطيعُ عليه، ومن نسبَ إلى نبي الله يونس أنه ظنَّ أن الله تعالى لا يستطيعُ عليه فقد نسبَ إليه الكفرَ والجهلَ بالله، وهذا لا يجوزُ في حقِ الأنبياء للعصمةِ الواجبةِ في حقهم. فجميعُ الأنبياءِ منذُ نشأتِهم كانوا عارفينَ بالله، مؤمنينَ مسلمينَ مَعصومينَ من الكفرِ والضلالِ. حذّر يونس أهل نينوى من العذابِ إن لم يؤمنوا به ويتّبعوا دينَ الإسلام، ثم خرجَ مغاضِبًا لهم لإصرارِهم على كفرِهم وعدمِ اتّباعِهم دعوتَه، ولما خرجَ عليه السلام وهو ءايسٌ منهم تَغشّاهُم صباحًا العذابُ وصارَ قريبًا جدًا منهم، وقيل: ظهرتِ السُّحُبُ السوداءُ في السماءِ وثارَ الدخانُ الكثيفُ وهبطتِ السحبُ بدخانِها حتى غَشِيَت مدينتَهم واسودت سطوحُهم فلما أيقنوا بالهلاكِ والعذابِ أنه واقعٌ بهم طلبوا يونسَ عليه السلام فلم يَجِدوه، وألهمَهمُ الله تعالى التوبةَ والإنابةَ فأخلصوا النيةَ في ذلكَ وءامنوا بالله وبرسولِه وردّوا المظالمَ جميعًا فاستجابَ الله منهم وكشفَ عنهم بقدرتِهِ ورحمتِه العذابَ الشديد الذي كان قد دارَ على رءوسِهم وصارَ قريبًا جدًا منهم، ويُقالُ إنّ توبتَهم في يومِ عاشوراء يومِ الجمعة. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم نتوقف هنا على أن نتابعَ في الحلقةِ القادمةِ بإذن الله ما بدأناه من الكلامِ عن سيدنا يونُسَ عليه السلام فتابعونا وإلى اللقاء.