#37 – سيدنا أيوب عليه الصلاة والسلام
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الأَشْكالَ والألوانَ ولا شَكْلَ ولا لَوْنَ لَه، والذي خَلَقَ الجِهَةَ والْمكانَ ولا جِهَةَ ولا مَكانَ لَه، سُبحانَهُ الأعلى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، والأكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَظَمَةً وَعِزَةً وَعِزًّا، سُبْحانَهُ غَنِيٌّ عَنِ العالَمين وَلا يُشْبِهُ الْمَخْلوقين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ وَأَفْضَلِ الأنْبِياءِ وَالْمُرْسَلين، سَيِدِنا مُحَمَّدٍ الصّادِقِ الأَمين، الذي جاءَ بِدينِ الإسْلامِ كَسَائِرِ إِخْوَانِهِ النَّبِيّين. أما بعد كلامنا اليوم عن سيدنا أيوب عليه وعلى جميع إخوانه الأنبياء الصلاة والسلام. سيدنا أيوبُ عليه الصلاة والسلام من الأنبياءِ المنصوصِ على الوحيِ إليهم في القرءانِ الكريم. نسبه عليه السلام يرجِع لإسحاق بن إبراهيم الخليلِ وحُكي أنّ أمه بنتُ نبيِ الله لوطٍ عليه الصلاة والسلام. وأما زوجته فقيل: إنّ اسمَها رحمةُ بنتُ يوسفَ بنِ يعقوب، وقيلَ غيرُ ذلك. وكان عليه الصلاة والسلام عبدًا تقيًا شاكرًا لأنعُم الله رحيمًا بالمساكين، يُطعِمُ الفقراء ويُعينُ الأرامل ويكفَل الأيتام، ويُكرمُ الضيف، ويُؤدي حقَ الله عليه على أكملِ وجه. وكان أيوبُ كثيرَ المال ءاتاه الله الغِنى والصِحةَ والمال وكَثرةَ الأولاد، ولم تفتِنهُ زينةُ الحياةِ الدنيا ولم تَخدعْهُ ولم تُشغِله عن طاعةِ الله تعالى، وكان عليه السلام يملِكُ الأراضيَ المتسعةَ من أرض حوران، ثم ابتلاه الله بعدَ ذلكَ بالضُرِّ الشديدِ في جسدِه وفي مالِه وفي ولدِه فقد ذهب مالُه وماتَ أولادُه جميعُهم، فصبرَ على ذلك صبرًا جميلًا ولم ينقطِع عن عبادِةِ ربِّهِ وشُكرِه. وفوق هذا البلاءِ الذي ابتُلِيَ به في أموالِهِ وأولادِه ابتلاهُ الله تعالى بأنواعٍ من الأمراضِ الجسيمةِ في بدنِه وهو في كلِ هذا البلاء صابرٌ محتسبٌ يرجو ثوابَ اللهِ تعالى في الآخرة، ذاكرًا لمولاهُ في جميعِ أحوالِه في ليلِه ونهارِه وصباحِه ومسائِه. وكثُرتِ البلايا والأمراضُ على نبيِ الله أيوبَ عليه السلام طيلةَ ثماني عشرةَ سنة، وهو صابرٌ محتسِبٌ يرجو الثوابَ من اللهِ تعالى، فدعا الله وابتهَلَ إليه بخشوعٍ وتضرُّعٍ، ثم خرجَ عليه الصلاة والسلام لقضاءِ حاجتِه وأمسَكَت زوجتُه بيدِه إلى مكانٍ بعيدٍ عن أعيُنِ الناس لقضاءِ حاجتِه فلما فرغَ عليه الصلاة والسلام أوحى الله تبارك وتعالى إليه فأمره أن يضرِبَ برجلِه الأرض، فامتثَل عليه الصلاة والسلام ما أمرَه الله به وأنبعَ الله تبارك وتعالى له بمشيئته وقدرتِه عَينين فشرِبَ من إحداهُما واغتسلَ من العينِ الأخرى فأذهبَ الله عنه ما كان يجدُه من المرض وتكاملت العافية وأبدلَه بعد ذلك كلِّه صحةً ظاهرةً وباطنة. وكان لنبيِ الله أيوبَ عليه الصلاةُ والسلام بَيدران بيدرٌ للقمحِ وبيدرٌ للشعير فبَعثَ الله تبارك وتعالى بقدرتِه سَحابتين، فلما كانت إحداهُما على بيدرِ القمحِ أفرغَت فيه الذهبَ حتى فاض، وأفرغَتِ السحابةُ الأخرى على بيدرِ الشعيرِ الفِضة حتى فاضَ وعمّ، وبينما كان أيوبُ عليه الصلاة والسلام يغتسِلُ خَرَّ عليه وسقطَ جرادٌ من ذهب وهذا إكرامٌ من الله تعالى لنبيِه أيوبَ عليه السلام ومعجزةٌ له، فشَرَعَ عليه السلام يجمَعُ في الثوبِ الذي كان معه استكثارًا من البركةِ و استكثارًا من الخيرِ الذي رزقَه الله إياه. وأغنى الله تبارك وتعالى عبدَه أيوب عليه السلام بالمال الكثير بعد أن كانَ قد فقد أمواله، وردَّ الله تباركَ وتعالى لأيوبَ عليه السلام أولادَه فقد قيل أحياهُمُ الله تبارك وتعالى له بأعيانِهم، وزادَه مثلَهم معَهم فضلًا منه وكرمًا سبحانه وتعالى. وعاشَ أيوبُ عليه الصلاة والسلام بعد رفعِ الضُرِ والمصائبِ عنه مُسَارِعًا في طاعةِ الله لا تغرُّه الحياةُ الدنيا وزهرتُها يؤدي ما فرضَ الله عليه ويدعو إلى دينِ الإسلام العظيم وعبادةِ الله وحدَه لا شريكَ له، ويستعملُ ما رزَقه الله من أموالٍ كثيرةٍ في طاعة الله إلى أن توفاهُ الله تعالى. وقيل إنه لما تُوفي كان عمُره ثلاثًا وتسعينَ سنة، وقيلَ أكثرُ من ذلك. واعلم رحمكَ الله بتوفيقِه أنّه يستحيل على أنبياء الله الأمراضُ المنفرةُ التي تُنفّرُ الناسَ عنهم، وهذا من العصمةِ الواجبةِ لهم. فإذا عُلِمَ ذلكَ تبيّنَ أنّ ما يرويه وينسِبُه بعضُ الناس إلى سيدِنا أيوب من أنه ابتُليَ في جسمِه بأمراضٍ منفّرة لا أساسَ له من الصحة، بل هو أكاذيب لا تقومُ بها الحجة. ومن هذه الأخبارِ الكاذبةِ في بلاءِ أيوب أنَّ الله سلَّطَ عليه إبليس فنفخَ عليه فأصابَه مرضُ الجذامِ الخبيث حتى صارَ الدودُ يتناثرُ من بدنِه وجسدِه ويقولُ للدودة: كُلي من رِزقِك يا مُباركة، إلى ءاخر ما يذكرُه الجاهلون وهذا لا يجوز في حق ِالأنبياء بل يستحيلُ عليهم وذلك للعِصمةِ التي عصمهُم الله بها. فهذه القصّة المفتراة تكذيبٌ للدين وكفرٌ لأنّ هذا لا يليقُ بنبيٍ من الأنبياء. واعلم رحمك الله أنّ الأنبياء لتمكّنِهم في الصبر وبلوغِهم في ذلك إلى ما لم يبلغْه غيرُهم جعل الله تعالى في الدنيا حظَّهم من البلاءِ أكثر ليتأسّى بهم أتباعُهم المؤمنون. والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.