#37 أنواع محرمة من البيوع
الحمد لله الذي أنار الوجودَ بطَلعةِ خير البرية والصلاةُ والسلام على صاحبِ المراتبِ العلية وعلى آله وصحبه أهلِ الفضلِ والصِدقِ والأخلاقِ الرضية. أما بعدُ نتابعُ الكلام في بيانِ أنواعٍ محرمةٍ من البيوعِ والمعاملات فنقولُ بتوفيق الله تعالى أنّ مِنْ أنواعِ البيوعِ المحرمةِ بيعَ شىءٍ قبل أن يَقْبِضَهُ الشخْصُ، وذلك شاملٌ للطعامِ وغيرِهِ. ويحصُلُ القَبْضُ بتمكِينِ الْمُشْتَرِى من العَقَارِ، أو بتفريغِ البيتِ له وتسلِيمِهِ مفاتِيحَهُ، أو بنقلِهِ فى الشىء الذى يُنْقَل، أو بأخذِهِ باليدِ فى نحوِ كتابٍ وثوبٍ وما شابَهَهُمَا.
ومِنْ أنواعِ البيوعِ المحرمةِ بيعُ الدَّين بالدَّين، وله صُوَرٌ مُتَعَدّدَة. من ذلكَ أن يكونَ لزيدٍ دينٌ فى ذِمَّةِ عمرو، فيقول زيدٌ لإنسانٍ ثالث بعتُكَ دَينِى الذى لِى على عمرٍو بكذا من المال تُعْطِينـِى إياه بعد يوم أو بعدَ يومين، فهذا حرام نَهَى عنه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وقال أحمدُ “إجماعٌ أنَّه لا يجوزُ بيعُ الدّينِ بالدّينِ.”
ومِنْ أنواعِ البيوعِ المحرمةِ بيعُ الفُضُولِىِّ، أَى بيعُ ما ليس له عليه مِلْكٌ ولا ولايةٌ. والفضولَّى هو الشخصُ الذى يبيعُ ما ليس مِلكًا له ولا له عليه ولايةٌ بالتصرُفِ، أى ليس له عليه ولاية بطريقٍ شرعِى. ومثلُ هذا البيعِ لا يَقَع. أما مَنْ له ولاية على مال غيرِه كولِىٍّ على مالِ يتيم فإنّه يجوزُ له أن يبيعَ من مالِ اليتيم لمصلَحَتِهِ أى لمصلحة اليتيم.
واعلموا رحمكم الله أنَّ المجنونَ لا يصِحُّ أن يبيعَ مالَهُ مِنْ غيرِهِ ولا يصِحُ أن يشتَرِى. وكذلك الصَبِىُّ الذِى لم يَبْلُغْ بعدُ ولو كان مُمَـيّـِزاً، إلا أنّه يجوزُ فى مذهب الإمام أحمد للصَبِىِّ المميّزِ أن يشتَرِىَ بإذْنِ وَلِيّهِ.
ومن البيعِ المحرَّمِ أن يبيعَ ما لا يقدِرُ على تسلِيمِهِ للمُشتَرِى. لكن إن كان المشترى قادرًا على أن يَتَسَلَّمَهُ من غيرِ كَبيرِ مؤْنةٍ صَحَّ البيع. مثالُ ذلك إذا إنسانٌ كان عنده بيت فَغُصِبَ هذا البيت وهو لا يقدِرُ على إخراجِ الغاصِبِ منه فبَاعَهُ إلى مَن يَقْدِرُ على ذلك هنا صَحَّ البيعُ. ويَدْخُلُ تحتَ هذا الباب، أى ما لا قدرة على تسليمه، بيعُ ما فِى بُطُونِ البهائِمِ على انفرَادِهِ، وبيعُ اللَّبَن وهو ما زالَ فى ضَرْعِ الحيوانِ، وبيعُ السَمَك وهو فى البحر، وبَيْعُ الطيرِ فى السماء، والبَعيرِ النَادّ أي الهارب، وما شابَهَ ذلك.
واعلموا رحمكم الله أنَّه لا يجوزُ شِراءُ ما لا منفعةَ فيه، أى ما ليس فيه منفعةٌ حسية أو شرعية. مثالُ ذلك الخُبْزُ المحتَرِق لا يصحُ بيعُهُ للأكلِ، لأنّه ليس فيه منفعَةٌ حِسِيّة، ومثالٌ ءاخرُ بيعُ الصُّلبانِ فإنَّه لا يصح، لأنه لا منفعةَ شرعًا فيها. ومثلُهَا ءالاتُ اللّهو المحرمة، والحشراتُ الصغيرة، كالنملةِ وما شابهها وإن كان أصحابُ الخصائص يذكرون لها منافع، إلا ما كان له منفعَةٌ مُعتَبَرَةٌ فى شرع الله، كالعَلَقِ لامتصَاصِ الدم.
واعلموا رحمكم الله أنّ الإمامَ الشافِعِىَّ رَضِى الله عنه نَصّ علَى أنه شَرْطٌ لصحَةِ البيع الصيغةُ من الجانبينِ، كأن يقولَ المشتَرِى للبائِعِ: اشتريتُ منك هذا بكذا فيقول له البائع: بعتُكَ أو قبِلْتُ. لكن اختار بعضُ أصحابِ الشافعىِّ رضى الله عنه صِحَّةَ البيعِ بالمعاطاةِ من غيرِ لفظٍ أى بِكُلِّ ما يُفْهَمُ منه البيعُ ولو كان من غيرِ لفْظٍ. نقف هنا الآن إن شاء الله ونتابع الكلام في بيان أنواعٍ محرمةٍ من البيوعِ والمعاملات في حلقة مقبلة إن شاء الله فتابعونا وإلى اللقاء.