الأحد ديسمبر 22, 2024

(36) كَيْفَ نَدْعُو الْكَافِرَ إِلَى الإِسْلامِ.

      مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّىْءَ الَّذِى يُمَيِّزُ الإِنْسَانَ عَنِ الْبَهَائِمِ أَنَّ الإِنْسَانَ لَهُ عَقْلٌ فَلَوْ فَكَّرَ الإِنْسَانُ بِعَقْلِهِ فِى هَذَا الْعَالَمِ لَعَرَفَ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ بِمَا فِيهِ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلائِكَةٍ وَبَهَائِمَ وَسَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَغَيْرِهَا هُوَ مَخْلُوقٌ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ التَّغَيُّرُ الَّذِى يَحْصُلُ فِيهِ. وَالْمَخْلُوقُ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ خَلَقَهُ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ خَلَقَ نَفْسَهُ لِأَنَّ الشَّىْءَ لا يَخْلُقُ نَفْسَهُ فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ لِهَذَا الْعَالَمِ خَالِقًا خَلَقَهُ أَىْ أَوْجَدَهُ وَأَبْرَزَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ أَىْ صَارَ مَوْجُودًا بِإِيجَادِ الْخَالِقِ لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهَذَا الْخَالِقُ لا يُشْبِهُ الْعَالَمَ بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لا يُتَصَوَّرُ فِى الْعُقُولِ وَالأَذْهَانِ لا يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ فَكَمَا أَنَّ الإِنْسَانَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ وُجُودَ وَقْتٍ لَيْسَ فِيهِ نُورٌ وَلا ظَلامٌ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَا وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ الرُّوحَ الَّذِى فِى جَسَدِهِ وَهُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ نُؤْمِنُ وَنُصَدِّقُ بِوُجُودِهِ فَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْخَالِقَ الَّذِى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ. كُلُّ مَا يَتَصَوَّرُهُ الإِنْسَانُ بِبَالِهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَالْخَالِقُ لا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَ، لَوْ كَانَ مُشَابِهًا لِشَىْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَخْلُقَهَا وَلَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ وَلَصَحَّتِ الأُلُوهِيَّةُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَالْخَالِقُ لَيْسَ جِسْمًا وَلا رُوحًا وَلا رِيحًا وَلا هَوَاءً وَلا غَيْمًا وَلا ضَوْءًا وَلا ظَلامًا مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَجْمِ وَالْكَمِيَّةِ وَاللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالْهَيْئَةِ وَالأَعْضَاءِ لا يَسْكُنُ السَّمَاءَ وَلا الْعَرْشَ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَجْمًا يَمْلَأُ فَرَاغًا فَهُوَ مَوْجُودٌ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الإِيمَانِ بِالشَّىْءِ أَنْ يُتَصَوَّرَ بِالْعَقْلِ أَوْ أَنْ يُرَى بِالْعَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِوُجُودِ الْخَالِقِ وَإِنْ كُنَّا لا نَرَاهُ بِأَعْيُنِنَا فِى الدُّنْيَا فَهَذَا الْعَالَمُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَلا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ الْعِبَادَةَ إِلَّا هُوَ لِأَنَّهُ الْخَالِقُ وَلا خَالِقَ سِوَاهُ وَهُوَ وَحْدَهُ الأَزَلِىُّ الَّذِى لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ وَلا أَزَلِىَّ سِوَاهُ. فَإِذَا ءَامَنَ الإِنْسَانُ بِوُجُودِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا ءَامَنَ بِأَنَّهُ أَرْسَلَ أَنْبِيَاءَ كَعِيسَى وَمُوسَى وَمُحَمَّدٍ لِيَدْعُوا النَّاسَ إِلَى الدِّينِ الَّذِى رَضِيَهُ لَهُمْ وَهُوَ الإِسْلامُ أَىْ إِلَى عِبَادَةِ الْخَالِقِ وَحْدَهُ وَأَنْ لا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالأَنْبِيَاءُ جَمَّلَهُمْ رَبُّنَا بِصِفَاتٍ حَمِيدَةٍ وَأَخْلاقٍ حَسَنَةٍ وَنَزَّهَهُمْ عَنِ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ فَلَيْسَ فِيهِمْ كَافِرٌ أَو كَاذِبٌ أَوْ خَائِنٌ أَوْ جَبانٌ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ خَسِيسٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ رَذِيلٌ أَوْ زَانٍ أَو يُشبِهُ القُرُودَ أَوْ لا يُحْسِنُ النُّطْقَ. وَكُلُّ نَبِىٍّ مُرْسَلٍ لا بُدَّ يَكُونَ صَادِقًا فِى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِهِ أَنَّ الْخَالِقَ سُبْحَانَهُ أَيَّدَهُ بِمُعْجِزَاتٍ أَىْ أَظْهَرَ لَهُ خَوَارِقَ لا يَسْتَطِيعُ الْمُكَذِّبُونَ لَهُ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ. أَمَّا كَيْفَ عَرَفْنَا بِهَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ فَنَقُولُ بَلَغَنَا خَبَرُهَا بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ أَىِ انْتَقَلَ إِلَيْنَا خَبَرُهَا بِوَاسِطَةِ عَدَدٍ كَبِيرٍ يَنْقُلُ عَنْ عَدَدٍ كَبِيرٍ شَهِدَ الْمُعْجِزَةَ وَهَكَذَا إِلَى أَنْ وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَيْنَا. فَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّكَ صَدَّقْتَ بِوُجُودِ أُنَاسٍ كَانُوا فِى الزَّمَنِ الْمَاضِى مَعَ أَنَّكَ لَمْ تَرَهُمْ فَنَحْنُ أَيْضًا صَدَّقْنَا بِوُجُودِ هَؤُلاءِ الأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُمْ دَعَوُا النَّاسِ إِلَى الإِسْلامِ فَالإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَلا دِينَ صَحِيحٌ إِلَّا الإِسْلامُ فَالإِنْسَانُ الْمُكَلَّفُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِى الإِسْلامِ أَمَّا إِنْ بَقِىَ عَلَى غَيْرِ الإِسْلامِ إِلَى أَنْ مَاتَ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ فِى نَارِ جَهَّنَمَ عَذَابًا أَبَدِيًّا. وَالدُّخُولُ فِى الإِسْلامِ يَكُونُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاللِّسَانِ مَعَ اعْتِقَادِ مَعْنَاهُمَا بِالْقَلْبِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه.