#36 الربا حرام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأميّ الأمين وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين. أما بعد يجبُ على كلِّ مسلِمٍ مُكَلَّفٍ أنْ لا يدخُلَ فِى شىءٍ حتى يعلمَ ما أحلَّ اللهُ تعالى منهُ وما حرَّمَ لأنّ الله سبحانَهُ تَعَبَّدَنَا أَى كَلَّفَنَا بأشياءَ فلا بدَّ من مُراعاةِ ما تَعَبَّدَنَا.
يجب على العبدِ أن يُطيعَ خالقَهُ سبحانَهُ بأداءِ ما أمر به واجتنابِ ما حرَّم، لأنَّ الله سبحانه أهْلٌ لأَن يُطَاعَ. وسواءٌ فى هذا ما عَقِلْنَا الحكمةَ منه وما لم نَعْقِل، لأنّ بعضَ الأشياء التى تَعَبَّدَنَا اللهُ تعالى بهَا أى أَمَرَنَا بها أو نهانا عنها نعرف الحكمةَ منها وأشياءُ أخرى لا نعرِفُ الحكمة منها. وهذا ابتلاءٌ أى اختبارٌ من اللهِ عزّ وجلّ للعباد حتى يظهرَ العبدُ الْمُسْرِعُ بالطاعة والعبدُ الْمُبْطِىءُ فى الطاعة أى حتى يَتَمَيـَّزَا. فيجبُ علينا أن نُسَلّـِمَ لخالِقِنَا فى كلِّ ما أمر به سبحانه وما نهى عنه.
وقَد أحلَّ اللهُ تعالى البيعَ وحرَّم الرِبا. وقد قَيَّدَ الشرعُ هذا البيعَ بآلةِ التعريفِ لأنه لا يَحلُّ كُلُّ بَيْعٍ إلا ما استوفَى الشروطَ والأركانَ، فلا بُدَّ لِمَن يريدُ تَعاطِىَ البيعِ والشراء أن يتعلمَ أحكام البيع والشراء حتى لا يقعَ فى ما حرَّم الله تعالى، وإلا فإنّه يقعُ فى المحرمات شاءَ أمْ أَبـَى عَرَفَ ذلك أو لَم يَعْرِفْ. وقد كان سيدُنا عُمَر لأهمية هذا الأمر يَمُرُّ فى السوقِ فيَمْتَحِنُ التُّجَار، فإنْ وَجَدَ واحدًا منهم ليس عندَه معرفةٌ كافيةٌ بأحكامِ البيعِ والشراء أقَامَهُ مِنَ السوقِ، وكان يقول رضي الله عنه: لا يَقْعُدْ فِى سوقِنَا مَنْ لَم يَتَفَقَّهْ إهـ. يعنى لا يقعدْ فى السوق ليبيعَ الناس ويشتري منهم. وأما الإنسان الذى تَعَلَّم تلك الأحكام وطَـبَّقَهَا فاتَّقَى الله عزّ وجلّ، أى اجتنب ما حرَّم الله من أنواع المعاملات، يُحشر يومَ القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء، كما ثبتَ فى حديثِ الترمذى وغيرِهِ عن سيدنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وهذه بِشَارَة للتاجر الصدوق بأنّه يومَ القيامةِ يكون من الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، أى يكون يوم القيامة من أهل النجاة، وما ذاكَ إلا لأجلِ ما يلقَاهُ مِنْ مُجاهدةِ نفسِهِ وهواهُ وقهرِهَا على إجراءِ العُقُودِ على ما أمرَ الله تعالى.
والآن نتكلم إن شاء الله في بيان أنواعٍ محرمةٍ من البيوعِ والمعاملات. نبدؤه بذكرِ الرّبا. وأكثرُ أنواعِهِ شُيُوعًا هو رِبَا القَرض. ويَجْمَعُ مسائِلَهُ الحديثُ الذى رواه البيهقىُّ: “كُلُّ قَرْضٍ جَرّ منفعةً فهو ربا”، يعنِى أنّ كُلَّ قرضٍ كان فيه شرطُ جَرّ المنفعةِ للمُقرِضِ وَحْدَهُ أو له وللمُقتَرِضِ فهو ربا. فإذا أقرضَ الشخصُ إنسانًا ءاخرَ مالًا إلى مدةٍ معلومةٍ على أنّه إذا تأخرَ فى ردِّ المالِ عن تلك المدةِ يرُدُّهُ له مع زيادةٍ فهذا هو رِبَا القَرْضِ. وكذلك لو أقرَضَهُ مبلغًا من المال على أنّه يرُدُّهُ له وقتَ كذا معَ زيادة. وكذلك لو أقرضَهُ مبلغًا من المال على أن ينتَفِعَ بِبَـيْـتِهِ مجانًا إلى أن يرُدَّ له المال، فإنّ هذا ربا أيضًا، ولو لَم يُشْتَرَط فيه زيادةٌ لأنّ فيه شرطَ جَرِّ منفعةٍ إليه. وأما باقِى مسائلِ الرّبا فيُبَـّيِنُهَا حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه مسلمٌ وغيرُه: “الذهبُ بالذهبِ والفضةُ بالفضةِ والبُرُّ بالبرِ والشعيرُ بالشعيرِ والمِلْحُ بالمِلْحِ والتمرُ بالتمرِ رِبا إلا مِثلًا بمثل يدًا بيد سواءً بسواء. فإذا اختَلَفَت هذه الأصنافُ فَبِيعُوا كيفَ شِئْـتُم إذا كان يدًا بيدٍ”. معنى ذلك الحديث أنّ الإنسانَ إذا أراد أن يبيعَ ذَهَبًا مقابِلَ ذهب أو فضةً مقابل فضة فلا بدّ أن يكونَ القَدْرُ الصافِى من النقد متساويًا من الجانبين. ولو كان أحدُهُمَا مشغولًا والآخرُ غيرَ مشغول فلا بدّ فيهما من التساوِى. ولا بدّ أيضًا أن يَتِمّ التقابضُ فِى المجلِسِ، من غير أن يكونَ العقدُ مُتَضَمِنًا لتأجيلِ التسلِيمِ ولو لمدةٍ قَصِيَرة. فلو قال شخصٌ لآخر: بعتُكَ هذا الرِطل من الذهب بذاك الرِطل الذى معك على أن أُسَلّـِمَكَ ما معِى بعدَ نصفِ ساعة فالعقدُ فاسدٌ وهو رِبا والعياذ بالله. وكذا لو لم يشترط التأجيل بل قال له: بعتُكَ هذا الرِطل الذى معى بهذا الرطل الذى معك لكن افترقا من المجلس قبل أن يتقابضا، أو واحدٌ منهما قبض والثانى لم يقبض، فإنّ هذا أيضًا ربا. وكذلك لو قال له: بعتك هذا الرطل من الذهب غير المغشوش برطلٍ ونصف من الذهب المغشوش مما معك فهو ربا إن لم يُعْلَمْ تساوِى الصافِى من الجانبين. فالمثالُ الأخيرُ من الربا وهو بيعُ الذهبِ بالذهبِ مُتفاضلًا أى مع الزيادة فى أحد الجانبين يقال له: ربا الفَضل أى ربا الزيادة. والمثالُ الثانِى الذِى فيه الافتراقُ من غيرِ تقابضٍ يقال له: ربا اليد لأنه لم يتمَّ التقابضُ يدًا بيد. والمثالُ الثالثُ الذى فيه اشتراطُ التأجيلِ يقال له: ربا النَّسَاء (والنَّساءُ هو التأجيل). ومِثل بيعِ الذهب بالذهب والفضة بالفضة فى الحكم بيعُ المطعومِ بجنسه أى بيعُ القمحِ بالقمحِ أو الشعير بالشعير أو الذُّرَة بالذرة أو العدس بالعدس وهكذا. أما لو باعَ ذهبًا بفضة فلا يُشترطُ التماثُلُ فى الجانبين لأنّ الجنسين مختلفان. لكن يُشترَطُ أن يتمَّ التقابُضُ فى المجلسِ من غيرِ اشتراطِ التأجيلِ. ومثل ذلك بيعُ أحدِ المطعوماتِ بجنسٍ ءاخر من المطعوماتِ. أما لو باعَ مطعومًا بذهب أو فضة كشعيرٍ بذهبٍ أو فضةٍ فهُنا لا يُشترَطُ التماثل ولا يشترط التقابُضُ فى المجلس بل يجوزُ أيضًا اشتراطُ التأجيل. فيجوز بيعُ مِائَةِ رِطلٍ من القمحِ بدينارين مؤجلَين إلى شهرٍ مثلًا. وما كان يُوزَنُ فى زمنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فالعِبرةُ للتساوِى فيه الوزنُ كالذهبِ والفضّةِ. وما كان يُكَالُ فى زمنِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام فالعِبرَةُ فيه بالكيلِ كالقمحِ والشعيرِ ونحوِهِمَا. نقف هنا الآن إن شاء الله ونتابع الكلام في بيانِ أنواعٍ محرّمةٍ من البيوعِ والمعاملات في حلقة مقبلةٍ إن شاء الله تعالى فتابعونا وإلى اللقاء