#35 8-9 سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام
الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدًا بلا مكان أما بعد رجَع إخوةُ يوسفَ عليه السلام إلى بلدِهم فِلسطين وهم مهمومونَ في ضيقٍ وغَمٍ حيث أخوهم الصغيرُ بنيامين الذي ائتمنَهم عليه أبوهم مَحبوسٌ عند عزيزِ مصر، وأخوهم الكبيرُ روبيل مُتَخَلّفٌ هناك في بلادِ مصر لأجلِ أخيه بنيامين. ودخلوا على أبيهم يعقوبَ عليه السلام فأخبروهُ خبرَ أخيهمُ الصغير بنيامينَ وأخيهم روبيل كما طلبَ منهم أخوهم الكبير، فلم يدخُل عليه هذا القول ولم يُصدقْهم وقال لهم والحُزن يملأ قلبَه: بل زيّنت لكم أنفسُكم أمرًا هممتم بهِ وأردتموه، فصَبري على ما نالني من فقدِ وَلدَيّ صبرٌ جميلٌ لا جَزعَ فيه ولا شِكاية، عسى الله أن يأتيَني بأولادي جميعًا فيرُدَهم إليّ انّه هو العليم الذي لا يَخفى عليه شيء الحكيمُ في أفعاله، وتولّى وأعرضَ نبيُ اللهِ يعقوبُ عليه السلام حزينًا على أولادِه وهَيّجَ حزنُه الجديدُ على بنيامينَ وأخيه روبيل حزنَه القديم على فِلذِةِ كبدِه يوسفَ عليه السلام وحرَكَ ما كان كامِنًا، وقال: يا حُزني على يوسف ويا أسفي الشديدُ عليه وأخذَ يبكي بُكاءً شديدًا على يوسف حتى ابيضت عيناه مِن شِدةِ الحُزنِ والبكاءِ وذهبَ بصرُه وصارَ كاظِمًا لغيظِه ممسِكًا على حزنِه لا يُظهرُه لأحدٍ من أهلِه من شدةِ الأسفِ والشوقِ إلى يوسفَ عليه السلام الذي فارقَه ما يقارِبُ الأربعينَ سنة، وظلَّ نبيُّ الله صابرًا شاكرًا لربِه غيرَ مُعترض، فهذا من جُملة البلاءِ الذي يُصابِ به الأنبياءُ لرفعِ درجاتهم وعُلُوِ مقامِهم. ولَمّا رأى يعقوبُ عليه السلام الغِلظةَ والجفاءَ من أولادِه في مُخاطبتِهم له قالَ لهم: إنّما أشكوا بَثّي وحُزني إلى الله، وأعلمُ من اللهِ ما لا تعلمون، ثم طلبَ من أولادِه أن يذهبوا إلى المكانِ الذي جاءوا منه في مصر وخلّفوا فيه أخوَيْهم ويتحَسّسوا ويلتَمسوا أخبارَ يوسفَ وأخيهِ بنيامين ولا يَقْنَطوا من رحمةِ الله وفَرَجِه. رجَعَ إخوةُ يوسفَ عليه السلام إلى مصر كما أمرَهم أبوهم يعقوبُ عليه السلام وقَصدوا يوسفَ عليه السلام في مِصرَ في مُلكِه، فلمّا دَخلوا عليه قالوا له مُتَعَطِفين مُتَرَحِمين: يا أيّها العزيز لقد مَسَّنا وأهلَنا الحاجةُ والفقرُ وضيقُ الحالِ من الجدبِ والقحطِ وجئنا لجلبِ الطعامِ ببِضاعةٍ ضعيفةٍ قليلةٍ رديئةٍ نُبادِلُها بالطعامِ وهي لا يُقبَلُ مثلُها إلا أن تتجاوزَ عنا وتقبَلَها منا، وطلبوا منه أن يُوَفِيَ لهمُ الكيلَ ويتصدّقَ عليهم بردِّ أخيهِم بنيامينَ عليهم، ولَمّا سمعَ يوسفُ عليه السلام هذا الكلامَ من إخوتِه ورأى ما وصلوا إليه من سوءِ الحالِ رقَّ قلبُه وحَنَّ عليهم ورحِمَهُم وبكى وباحَ لهم بما كان يَكْتُمُهُم من شأنه، كاشفًا عن سرّه حاسِرًا عن جبينِه الشريف وبيّن لهم أنّ الله لا يُضَيِّعُ أجرَ هؤلاءِ المتقينَ المحسنين، وأنَ الله تبارك وتعالى قد مَنّ عليه وعلى أخيهِ بما أسلَفا من طاعةِ الله وتقواهُ وصبرِهما على الأذى من جانبِ إخوتِهما. وعندما سمعَ إخوةُ يوسفَ عليه السلامُ كلامَ أخيهم وعظيمَ موعظَتِه اعترفوا له بالفضلِ وعظيمِ القَدرِ والمنزلة، وأنّ الله تعالى قد اختارَهُ وفضّلَهُ عليهم بالعلمِ والحلمِ والفضلِ والمنزلةِ وما أعطاهُ وحَباهُ من سائرِ الفضائلِ والمواهب، واعتَرفوا له بأنهم كانوا ءاثِمينَ خاطِئين بما ارتكبوا من تلكَ الأفاعيلِ الخسيسة. وعندما اعترفَ إخوةُ يوسفَ عليه السلام بإثْمِهم وخَطئِهم ووقفوا بينَ يديّ أخيهم يوسفَ عليه السلامُ مَلِكِ مِصرَ والحاكِمِ النافِذِ الكلمة على بلادِ مصرَ وخزائِنها، وهم ينتظرونَ حُكمَ أخيهم عليهم {قَالَ لا تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} أي لستُ أعاتِبُكُم ولا أُعَيِّرُكُم بعدَ هذا اليومِ أبدا بما صنعتُم. والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم. وهكذا تنتهي حلْقةُ اليوم لنَستكمِلَ القصةَ إن شاء الله في الحلْقةِ الْمُقبلَةِ من سلسلة قصصِ الأنبياء فتابعونا وإلى اللقاء.