(34) ما الدليل على أن من البدع ما هو حسن.
قال الله تعالى فى سورة الحديد ﴿وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله﴾ ففى هذه الآية مدح الله المؤمنين من أمة عيسى لأنهم كانوا أهل رحمة ورأفة ولأنهم ابتدعوا الرهبانية وهى الانقطاع عن الشهوات المباحة زيادة على تجنب المحرمات حتى إنهم انقطعوا عن الزواج وتركوا اللذائذ من المطعومات والثياب الفاخرة وأقبلوا على الآخرة إقبالا تاما. فقوله تعالى ﴿ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله﴾ فيه مدح لهم على ما ابتدعوا. وقال رسول الله ﷺ من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، رواه مسلم. وروى البخارى أن عثمان بن عفان أحدث أذانا ثانيا يوم الجمعة ولم يكن هذا الأذان الثانى فى أيام رسول الله ﷺ وكذلك أحدث الصحابى الجليل خبيب بن عدى صلاة ركعتين عند القتل فقد روى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال فكان خبيب أول من سن الركعتين عند القتل. وروى البخارى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه جمع الناس على صلاة التراويح فى رمضان وكانوا فى أيام رسول الله يصلونها فرادى وقال عمر عن ذلك نعمت البدعة هذه. ومن البدع الحسنة تنقيط التابعى الجليل يحيى بن يعمر المصحف وكان من أهل العلم والتقوى توفى سنة مائة وتسع وعشرين وأقر ذلك العلماء واستحسنوه ولم يكن المصحف منقطا عندما أملى الرسول على كتبة الوحى بل كانوا يكتبون الباء والتاء ونحوهما بلا نقط قال أبو بكر بن أبى داود صاحب السنن فى كتابه المسمى كتاب المصاحف أول من نقط المصاحف يحيى بن يعمر وهو من علماء التابعين. وكذلك عمر بن عبد العزيز الإمام التقى العادل رضى الله عنه عمل المحاريب المجوفة التى تدل على اتجاه القبلة للمساجد بعد نحو تسعين سنة من وفاة الرسول ﷺ وكل هذا لم يكن فى زمان رسول الله ﷺ. أما حديث وكل بدعة ضلالة فقد قال الحافظ النووى فى شرح صحيح مسلم إنه عام مخصوص والمراد به غالب البدع اهـ. فهو كقوله تعالى عن الريح ﴿تدمر كل شىء بأمر ربها﴾ ولم تدمر هذه الريح السموات والأرض إنما دمرت كل شىء مرت عليه من رجال عاد الكافرين وأموالهم، ونظير ذلك قوله ﷺ وكل عين زانية. وليس المراد بهذا الحديث أن جميع الناس بلا استثناء حتى الأنبياء والأعمى يقع فى معصية زنى العين وهو النظر المحرم بل المراد أن أغلب الناس يقعون فى هذه المعصية.