الأحد ديسمبر 7, 2025

 

#34

معاصي القلب

قال المؤلف رحمه الله: (فصل).

الشرح أن هذا فصل معقود لبيان معاصي القلب.

 

قال المؤلف رحمه الله: (ومن معاصي القلب الرياء بأعمال البر أي الحسنات) كالزكاة والصوم وقراءة القرءان (وهو العمل) بالطاعة (لأجل الناس أي ليمدحوه ويحبط) الرياء (ثوابها) أي ثواب الطاعة التي قارنها (وهو من الكبائر) حفظنا الله منه.

الشرح أن في هذه الجملة بيان معصية من معاصي القلب وهي الرياء وهو من الكبائر وهو أن يقصد الإنسان بأعمال البر (ولا فرق إن كان فرضا أو سنة) كالصوم والصلاة وقراءة القرءان والحج والزكاة والصدقات والإحسان إلى الناس مدح الناس وإجلالهم له فإذا زاد على ذلك قصد مبرة الناس (أي إحسان الناس) له بالهدايا والعطايا كان أسوأ حالا لأن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل. (فمن عمل رياء فإنه يحرم الثواب، ويكتب عليه ذنب، كمن يصلي أو يزكي أو يحج ليقال عنه: “صلى” أو “زكى” أو “حج”، ليثنى عليه، وليس ابتغاء مرضاة الله، فهذا ذنب كبير، ويبطل ثواب العمل. قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس﴾ أي الذي ينفق ماله رياء، يشبه الذي يتبع صدقته بالمن والأذى، فكلاهما لا ينال أجرا عند الله، لأن الأول قصد مدح الناس، والثاني أفسد صدقته بالمن والإذلال) والرياء يحبط ثواب العمل الذي قارنه فإن رجع عن ريائه وتاب أثناء العمل فما فعله بعد التوبة منه له ثوابه، فأي عمل من أعمال البر دخله الرياء فلا ثواب فيه سواء كان جرد قصده للرياء أو قرن به قصد طلب الأجر من الله تعالى، فلا يجتمع الثواب والرياء لحديث أبي داود والنسائي بالإسناد إلى أبي أمامة قال جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له، قال (لا شىء له) فأعادها ثلاثا كل ذلك يقول (لا شىء له) ثم قال له رسول الله ﷺ (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وما ابتغي به وجهه) وجود الحافظ ابن حجر إسناده في الفتح. (أي قال في إسناده جيد)

 

   قال المؤلف رحمه الله: (والعجب بطاعة الله وهو شهود العبادة) والأعمال الحسنة التي يفعلها (صادرة من النفس غائبا عن المنة) أي غافلا عن تذكر أن ذلك من فضل الله عليه ونعمته فيرى ذلك مزية له.

الشرح من معاصي القلب التي هي من الكبائر أن يشهد العبد عبادته ومحاسن أعماله (كالصلاة والصيام والصدقة وطلب العلم والدعوة إلى الله) صادرة (أي نابعة) من نفسه غائبا عن شهود أنها نعمة من الله عليه أي غافلا عن تذكر أنها نعمة من الله عليه أي أن الله هو الذي تفضل عليه بها فأقدره عليها وألهمه فيرى ذلك مزية له. (الإنسان لو تأمل في نفسه لوجد أنه لولا توفيق الله لما استطاع أن يقوم بأي عمل صالح. الله تعالى هو الذي ألهمه الطاعة، وأعانه عليها وخلق له الظروف التي جعلته يقوم بها، فعلى العبد أن يستحضر أن كل طاعة هي من فضل الله. وهنا لا نتكلم عن الفرح بالنعمة وأن هذا من فضل الله عليه، فهناك فرق بين هذا وبين أن ينسى أن هذا من فضل الله عليه، ويرى في ذلك له مزية. والعجب بطاعة الله لا يبطل الثواب إلا إذا كان مقارنا للعمل، أما إذا حصل بعد الانتهاء من العمل فلا يحبط الثواب، ولكنه حرام. فمن ترك العجب وابتعد عنه فقد نجا وسلم)

 

قال المؤلف رحمه الله: (والشك في) وجود (الله) أو في قدرته أو علمه أو وحدانيته أو في غير ذلك من صفات الله الثلاث عشرة التي تقدم ذكرها عند شرح معنى شهادة لا إله إلا الله وهو كفر.

الشرح أن من معاصي القلب الشك في الله أي في وجوده أو قدرته أو وحدانيته أو حكمته أو عدله أو في علمه أو في صفة أخرى من الصفات الثلاث عشرة فالشك هنا يضر ولو كان مجرد تردد ما لم يكن خاطرا يرد على القلب بلا إرادة. قال الله تعالى ﴿إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا﴾ دلت الآية على أن من شك في وجود الله أو قدرته أو نحو ذلك ليس بمؤمن وأن الإيمان لا يحصل إلا بالجزم وأن التردد ينافيه. (التردد يضره كما أن الشك يضره، لأن هذا بإرادة، وهذا ينافي قول الله تعالى ﴿ثم لم يرتابوا﴾. فالله أعلمنا بقوله ﴿ثم لم يرتابوا﴾ أن الإيمان لا يصح مع الارتياب، أي الشك، فلابد من الجزم. فما دام العبد جازما غير شاك، لا يضره ما يطرأ على القلب بدون إرادته، والحمد لله على ذلك. واعلم أن الإنسان وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة. الملك يأمره بخير والشيطان يأمره بشر ويوسوس له فينبغى له أن يترك وساوس الشيطان وأن يعمل بما يلقى له الملك من الكلام الطيب فقد قال رسول الله ﷺ إن أحدكم وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة. وأن من أقوى ما يتحصن به من يعانى من الوسواس هو المعوذتان كما قال الرسول عليه السلام ما تعوذ المتعوذون بمثلهما، فلا يوجد مثل المعوذتين فى القرءان فى التعويذ. فينبغى للموسوس أن يقرأهما دائما قراءة صحيحة إذا أصبح وإذا أمسى وفى كل صلاة ودبر كل صلاة فإن ذلك ينفعه لإبعاد الوسواس بكل أنواعه. ومما ينفع لإبعاد الوسوسة أن يكثر من قول الله الله ربى لا أشرك به شيئا ومن قول لا حول ولا قوة إلا بالله. وإن مما ينفع من عنده وسوسة فى الصلاة أن يقول قبل أن يدخل فى الصلاة ءامنت بالله ورسله هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم. وينبغى أن لا يسترسل مع الوسواس حتى لا تتنكد عيشته وعيشة من يساكنه كزوجة أو ولد أو غيرهما وينبغي ألا يعتزل وحده، بل يجالس الصالحين، ويشغل نفسه بذكر الله وقراءة القرءان والعمل النافع، حتى لا يكون لديه وقت فراغ للاستسلام للوساوس وينبغي أيضا أن يتذكر من ابتلي بالوسواس أن بعض الصحابة شكوا للنبي ﷺ ما يلقيه الشيطان في صدورهم من خواطر سيئة، حتى أن أحدهم قال “يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به” فقال ﷺ وقد وجدتموه؟ قالوا نعم، قال ذاك صريح الإيمان، أي كراهيتكم لهٰذه ٱلخواطر دليل علىٰ إيمانكم. فلا تسترسل مع الوساوس، يا أخي المؤمن، فهذه حرب يشنها الشيطان عليك ليحزنك ويضعف همتك عن طاعة الله، فلا تجعله ينتصر عليك. بل أعرض عنها تماما، وأشغل نفسك بما ينفعك، فإن الاسترسال معها لا يزيدها إلا قوة، ولا يجلب لك إلا الهم والأسى. تجاهلها، واستعذ بالله، وتوكل عليه، فسيذهب كما ذهب عن غيرك، وستتذكر هذه الأيام كذكرى عابرة، بإذن الله. واعلم أن الوسواس لا يزول فورا، ولكنه يضعف بالتجاهل والمقاومة، فكلما تجاهلته، أصبح أضعف، ومع الوقت سيقل تأثيره حتى يزول تماما، بإذن الله. كلما تجاهلت الوسواس، حتى لو شعرت بالخوف، فأنت تنتصر، وكلما مضيت في حياتك غير مكترث له، فأنت تتعافى، وكلما استعذت بالله وألقيت الوسواس وراء ظهرك، فأنت تزداد قوة إن شاء الله. قل لنفسك “سيذهب، سيضعف، سأنساه، وسأنتصر عليه بإذن الله. لن يهزمني، لن يضعفني، لن أستسلم وقلبي واثق بالله ومؤمن به سبحانه. سأحيا بطمأنينة إن شاء الله، وسأتخلص منه قريبا، وسأكون أقوى مما يظن الشيطان، ولا حول ولا قوة إلا بٱلله)

    

قال المؤلف رحمه الله: (والأمن من مكر الله) وهو الاسترسال في المعاصي مع الاتكال على رحمة الله (والقنوط من رحمة الله) وهو أن يسيء العبد الظن بربه فيظن أن الله لا يغفر له وأن الله لا بد سيعذبه لكثرة ذنوبه.

الشرح أن من المعاصي القلبية الأمن من مكر الله (أي من عذاب الله) والقنوط من رحمة الله أما الأمن من مكر الله (أي الأمن من عقوبة الله) فمعناه الاسترسال في المعاصي مع الاتكال على الرحمة فهذا من المعاصي الكبائر مما لا ينقل عن الملة. (معناه الأمن من مكر الله على هذا التفسير الذي ذهب إليه الشافعية، فإنه لا يخرج من الملة. أما عند الحنفية، فمعنى الأمن من مكر الله هو الاعتقاد بأن الله لا يعاقب أحدا على المعاصي بعد ثبوت الإيمان بالمرة، فإن ذلك كفر، كما قال ذلك أبو جعفر الطحاوي والنسفي وغيرهما من الحنفية. والشرع يقضي بأن المسلم الفاسق تحت مشيئة الله، إما أن يعذبه الله وإما أن يعفو الله عنه) وأما القنوط من رحمة الله فهو أن يسيء العبد الظن بالله فيعتقد أن الله لا يغفر له ألبتة وأنه لا محالة يعذبه وذلك نظرا لكثرة ذنوبه مثلا (كمن يقول في نفسه أنا عملت كذا وكذا من الذنوب، الله تعالى لا يرحمني، بل لابد أن يعذبني) فهو بهذا المعنى كبيرة من الكبائر لا ينقل عن الإسلام. (وأما عند الحنفية، فالقنوط من رحمة الله هو اعتقاد أن الله لا يغفر ذنوب العصاة مطلقا، وهو عندهم كفر ناقل عن الإيمان، كما صرح بذلك الطحاوي وغيره، وعلى هذا الأساس عدوه كفرا، لأن ذلك يعد تكذيبا للشرع، فقد ورد في السنة الصحيحة أن الرسول ﷺ قال التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وطريق النجاة الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن أن يكون خائفا راجيا يخاف عقاب الله على ذنوبه ويرجو رحمة الله أما عند الموت فيغلب الرجاء على الخوف. (المحتضر يغلب الرجاء على الخوف، أما فيما قبل ذلك، فيجعل المؤمن رجاءه وخوفه مستويين، فلا يأمن مكر الله، ولا يقنط من رحمته)

 

قال المؤلف رحمه الله: (والتكبر على عباده) أي على عباد الله (وهو) نوعان الأول (رد الحق على قائله) لكونه صغير السن مثلا مع العلم بأن الصواب معه (و) ثانيهما (استحقار الناس) أي ازدراؤهم لكونه أكثر منهم مالا أو جاها ونحو ذلك.

الشرح أن من معاصي القلب التي هي من الكبائر التكبر على عباد الله وهو نوعان أولهما رد الحق على قائله مع العلم بأن الصواب مع القائل لنحو كون القائل صغير السن فيستعظم أن يرجع إلى الحق من أجل أن قائله صغير السن وثانيهما استحقار الناس أي ازدراؤهم (وٱلتقليل من شأنهم) كأن يتكبر على الفقير وينظر إليه نظر احتقار أو يعرض عنه أو يترفع عليه في الخطاب لكونه أقل منه مالا. وقد نهى الله تعالى عباده عن التكبر قال الله تعالى ﴿ولا تصعر خدك للناس﴾ أي ولا تعرض عنهم متكبرا والمعنى أقبل على الناس بوجهك متواضعا ولا تولهم شق وجهك وصفحته كما يفعله المتكبرون ﴿ولا تمش في الأرض مرحا﴾ أي لا تمش مشية الكبر والفخر. (الرسول ﷺ ثبت عنه أنه قال في دعائه اللهم أحيني مسكينا أي متواضعا وأمتني مسكينا أي متواضعا واحشرني في زمرة المساكين. والتواضع هو ترك الترفع على الغير وهو مطلوب مع الكبار والصغار والأغنياء والفقراء لوجه الله قال رسول الله ﷺ إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة التواضع أى أن أكثر الناس لا يعملون بهذا الأمر الذى هو من أعظم العبادات أى من أفضل الحسنات عند الله وقال ﷺ من تواضع لله درجة رفعه الله درجة حتى يكون فى أعلى عليين. وقد كان النبى ﷺ سيد المتواضعين وأوصى أمته بالتواضع وترك الترفع لأن التواضع يجلب التآلف والتحاب وترك التنافر أما تركه فإنه يسبب خلاف ذلك والله تعالى يحب لعباده أن يكونوا متواضعين ولا يحب أهل الفخر والعجب والكبرياء. والتواضع يكون سببا للتحاب بين الإخوة وسببا للتواصل وسببا للتزاور وسببا للصبر على أذى الناس، الدعوة إلى الله تحتاج إلى التواضع والتوافق والتحاب أما الاستبداد والترفع فلا يناسب الدعوة إلى الله فينبغى للمؤمن أن يكون متواضعا حتى يترقى عند الله)

 

  قال المؤلف رحمه الله: (والحقد وهو إضمار العداوة) للمسلم (إذا عمل بمقتضاه ولم يكرهه) وذلك بأن يعزم في قلبه على إيذائه أو يقول قولا يؤذيه أو يفعل فعلا يؤذيه بغير حق. وينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ففي الصحيح من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت الناس بما يحب أن يؤتى إليه رواه مسلم والبيهقي وغيرهما. ويوجد شيء يسمى حسدا، ويوجد شيء يسمى حقدا، ولكن ليس كل حقد محرما، وليس كل حسد محرما، كما سيأتي.

الشرح أن من معاصي القلب الحقد وهو مصدر حقد يحقد وهو إضمار العداوة للمسلم مع العمل بمقتضاه تصميما (فإن عزم على إيذائه، يكون عاصيا بذلك، ولو لم يعمل بمقتضاه) أو قولا (أي إن أضمر ٱلعداوة لمسلم في قلبه وآذاه بقول قاله بلسانه كأن سبه مثلا) أو فعلا (أي إن أضمر العداوة لمسلم في قلبه وآذاه بفعل فعله بجوارحه كأن ضربه مثلا، وكل ذٰلك حرام)  فإذا لم يعمل بمقتضى ذلك لا يكون معصية (أي إذا أضمر العداوة في قلبه فقط، ولم يعزم على إيذاء المسلم ظلما، كضربه أو السعي في ضرره، فلا يكون حراما. فإذا وجد في قلبه بغض المسلم دون أن يعزم على إيذائه، فإن ذلك لا يكون حراما، ولكن الأولى بالمسلم أن يجاهد نفسه في إزالة ما في قلبه من ضغينة، ويستبدلها بالمودة والعفو، طلبا لمرضاة الله)

  

قال المؤلف رحمه الله: (والحسد وهو كراهية النعمة للمسلم واستثقالها) عليه (وعمل بمقتضاه) تصميما أو قولا أو فعلا، أما إذا لم يقترن به العمل فليس فيه معصية.

الشرح أن من معاصي القلب الحسد. قال الله تعالى ﴿ومن شر حاسد إذا حسد﴾ أي أستجير بالله من شر الحاسد إذا أظهره (وسعى في إزالة نعمة المحسود) أما إذا لم يظهر الحسد فلا يتأذى به إلا الحاسد لاغتمامه بنعمة غيره. والحسد هو أن يكره الشخص النعمة التي أنعم الله بها على المسلم دينية كانت أو دنيوية ويتمنى زوالها ويستثقلها له، وإنما يكون معصية إذا عمل بمقتضاه تصميما أو قولا أو فعلا أما إذا لم يقترن به العمل فليس فيه معصية. (مسئلة: لو تمنى زوال نعمة دينية غير واجبة عن المسلم من غير أن يعمل بمقتضاه، فلا يكون حسدا محرما. أما إن تمنى لغيره الوقوع في المعصية، أو تمنى له ترك واجب من الواجبات، أو تمنى له أن يكون فاسقا، فإنه يكون عاصيا بهذا التمني، وإن لم يسع في تحقيقه). (مثال الحسد الذي فيه معصية، كشخص رأى عند آخر مالا كثيرا، فتمنى زواله، وصار يذهب للناس ويقول لهم “لا تعاملوه” وذلك حتى لا يكثر ماله، فهذا عمل بمقتضى كراهيته النعمة للمسلم واستثقالها، وهو حرام. أما إذا شخص تمنى زوال النعمة الدنيوية عن المسلم، فمجرد هذا التمني ليس حراما مع كونه حسدا. كشخص مثلا رأى عند آخر سيارة، فقال “يا ليت هذه السيارة ليست له”، فتمنى زوال هذه السيارة عنه، فهذا يقال له “حسد” وهو قبيح لكن ما فيه معصية لأنه لم يؤذه. فالحسد منه ما هو محرم، ومنه ما هو ليس محرما)   

 وينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ففي الصحيح (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت الناس بما يحب أن يؤتى إليه) رواه مسلم والبيهقي وغيرهما.

 

قال المؤلف رحمه الله: (والمن بالصدقة) وهو أن يعدد نعمته على ءاخذها حتى يكسر له قلبه أو يذكرها لمن لا يحب الآخذ اطلاعه عليها فينكسر قلبه بذلك (ويبطل) أي يحبط المن (ثوابها) أي الصدقة (كأن يقول لمن تصدق عليه ألم أعطك كذا) من المال (يوم كذا وكذا) حين كنت محتاجا ليكسر قلبه أو نحو ذلك من الكلام المؤذي.

الشرح أن من معاصي القلب التي هي من الكبائر المن بالصدقة وهو أن يعدد نعمته على ءاخذها كأن يقول له ألم أفعل لك كذا وكذا حتى يكسر قلبه أو يذكرها لمن لا يحب الآخذ اطلاعه عليها وهو يحبط الثواب ويبطله (إذا أحسن شخص إلى آخر، ثم حصل بينهما خلاف، فقال له “ألا تتذكر إحساني إليك؟ أنا صرفت عليك، أنا تصدقت عليك، أنا أعطيتك سيارة، أنا أسكنتك في بيتي” ونحو ذلك ليكسر قلبه، فهذا حرام، ومن الكبائر، ويحبط الثواب، ويذهب أجر الصدقة والإحسان الذي قدمه) قال الله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى﴾. وإنما عدها من معاصي القلب لأن المن يكون أصلا في القلب لأن المان يقصد إيذاء الشخص فيتفرع من ذلك العمل البدني وهو ذكر إنعامه على الشخص بلسانه.

 

قال المؤلف رحمه الله: (والإصرار على الذنب) وهو أن تغلب سيئاته طاعاته فيصير عددها أكبر من عدد طاعاته بالنسبة لما مضى أي لكل ما مضى ليس ليوم أو لشهر وبهذا يعد واقعا في الكبيرة، وأما مجرد تكرار الذنب الذى هو من الصغائر والمداومة عليه كالنظر المحرم فلا يكون كبيرة إذا لم يغلب ذلك الذنب طاعاته.

الشرح أن من المعاصي القلبية الإصرار على الذنب (أي المداومة على الذنب كأن يقول في قلبه أنا أداوم على هذه المعصية. هذا حرام) وعد هذا من معاصي القلب لأنه يقترن به قصد النفس معاودة ذلك الذنب وعقد القلب على ذلك ثم يستتبع ذلك العمل بالجوارح. (وليس كل إصرار يعد كبيرة، ثمة إصرار كبيرة، وثمة إصرار ليس كبيرة) والإصرار الذي هو معدود من الكبائر هو أن تغلب معاصيه طاعته فيصير عدد معاصيه أكبر من عدد طاعاته أي بالنسبة لما مضى (أي تحسب معاصيه ٱلتي فعلها من حين ٱلبلوغ ليس قبل ٱلبلوغ) وليس بالنسبة ليومه فقط، فيصير بذلك واقعا في هذه الكبيرة (كأن ينظر إلى ٱلأجنبيات نظر شهوة بحيث بلغ عددها أكثر من عدد حسناته، فتكتب عليه كبيرة واحدة، وتبقى الصغائر) وأما مجرد تكرار الذنب الذي هو من نوع الصغائر والمداومة عليه (لا إلى ذلك الحد، فيبقى صغيرة، مثلا: إنسان يكذب كذبا لا يجر ضررا لمسلم، وينوي الاستمرار عليه، فإن ذلك لا يخرج إصراره عن كونه صغيرة. والقيد هو أن تغلب الذنوب الطاعات من حين البلوغ، لذلك قال رحمه الله) فليس بكبيرة إذا لم يغلب ذلك الذنب طاعاته.

 

قال المؤلف رحمه الله: (وسوء الظن بالله) وهو مثل القنوط من رحمة الله المار ذكره (و) سوء الظن (بعباد الله) بغير قرينة معتبرة كأن يسرق له مال فيظن أن السارق فلان بغير قرينة تدل على ذلك فهذا لا يجوز.

الشرح من معاصي القلب سوء الظن بالله وهو أن يظن بربه أنه لا يرحمه بل يعذبه (كأن يعتقد أن الله لا بد أن يعذبه إذا لم يتب من معاصيه فيقول أنا من المعذبين جزما، فهذا حرام. ولو كان من أهل المعاصي، فإنه لا يجوز له أن يجزم بأن الله سيعذبه، بل يكون بين الخوف والرجاء، فإن رحمة الله واسعة، وهو يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء)، و (من معاصي القلب أيضا) سوء الظن بعباد الله وهو أن يظن بعباده السوء بغير قرينة معتبرة (مثال على ذلك شخص كان ماشيا في الطريق، فرأى مسلما، فقال في نفسه أظن أن هذا من اللصوص، أو أظن أن هذا من شربة الخمر، وذلك من غير أن يرى أي قرينة تدل على ذلك، فهذا حرام، ومن الظلم الذي نهى الله عنه. أما إذا وجدت القرينة المعتبرة، فليس فيه معصية، كشخص كان في غرفة وله فى هذه الغرفة مال ومعه شخص ءاخر ثم خرج من الغرفة وعاد إليها فوجد أن المال قد فقد وكان متيقنا أنه لم يدخل هذه الغرفة غيره وغير الذى كان معه فظن بهذا الشخص أنه سرق المال فلا يحرم. هذا يسمى ظنا بقرينة وهو جائز) قال الله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا ٱجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم﴾ قال الزجاج هو ظنك بأهل الخير سوءا فأما أهل الفسق فلنا أن نظن فيهم مثل الذي ظهر منهم اهـ (قوله تعالى ﴿ٱجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم﴾ يدل على أن ليس كل ظن محرما، فإن الظن الذي يقوم على قرائن وأدلة يعتبر مشروعا، أما الظن الذي لا يستند إلى دليل، فهو محرم ويؤدي إلى الظلم والبهتان. المؤمن مأمور بحسن الظن بإخوانه وعدم التسرع في اتهامهم بلا بينة، لأن سوء الظن بلا دليل يفسد العلاقات، ويفرق بين المسلمين) والإثم المذكور في الآية (هو) الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب وقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) فالظن الذي ذمه رسول الله ﷺ هو الظن بلا قرينة معتبرة.

 

قال المؤلف رحمه الله: (والتكذيب بالقدر) وهو من معاصي القلب المعدودة من جملة المكفرات وذلك كأن يعتقد أن شيئا أو أكثر قد حصل بغير تقدير الله

الشرح أن من معاصي القلب التكذيب بالقدر وهو كفر وذلك بأن يعتقد العبد أن شيئا من الجائزات العقلية (أي من ٱلمخلوقات) يحصل بغير تقدير الله قال الله تعالى ﴿إنا كل شىء خلقناه بقدر﴾ (وقال رسول الله ﷺ كل شىء بقدر) وقد فسر القدر بالتدبير، ومعناه أن الله دبر في الأزل الأشياء فإذا وقعت تكون على حسب تقديره الأزلي. (القدر هو إيجاد الله الأشياء على حسب علمه الأزلى ومشيئته الأزلية ويقال بعبارة أخرى القدر هو جعل كل شىء على ما هو عليه)

 

قال المؤلف رحمه الله: (والفرح بالمعصية) الصادرة (منه أو من غيره) ولو لم يشهدها، كأن سمع بالمعصية ففرح بها وأما الفرح بكفر الغير فهو كفر.

الشرح أن من معاصي القلب الفرح بالمعصية الصادرة منه أو من غيره فمن علم بمعصية حصلت من غيره ولو لم يشهدها ولو في مكان بعيد ففرح بذلك فقد عصى الله (فإذا اقترف الإنسان معصية، ثم فرح بها بعد فعلها، فإنه يكون قد عصى حين ارتكبها، وإذا فرح بها عند تذكرها، فهو مرتكب لمعصية جديدة. وكذلك من فرح بمعصية غيره، فمثلا: إذا بلغه أن فلانا ظلم أحدا بالضرب، ففرح بذلك، فهذا حرام، لأن الإنسان مأمور بكراهية المعصية وإنكارها) وأما الفرح بكفر الغير فهو كفر (لأن الرضا بالكفر كفر، وإذا كان الأمر يتعلق بكفر الإنسان نفسه، فإنه يزداد كفرا)

 

قال المؤلف رحمه الله: (والغدر ولو بكافر كأن يؤمنه) فيقول له أنت في أمان لن أؤذيك (ثم) إذا تمكن منه (يقتله) فهذا لا يجوز.

الشرح أن الغدر من المعاصي المحرمة وهو من قسم الكبائر وذلك كأن يقول لشخص أنت في حمايتي ثم يفتك به هو أو يدل عليه من يفتك به. (وكذلك يحرم الغدر بالكافر، فإن قال له “أنت في أماني” فلا يجوز له أن يقتله ولا أن يرشد غيره لقتله لأنه مؤمن، وغاية الأمان تكون إلى أربعة أشهر)

ومن الغدر المحرم الذي هو من الكبائر أن يغدر بالإمام (أي بٱلخليفة) بعد أن يبايعه بأن يعود محاربا له أو يعلن تمرده على طاعته أي بعد حصول الإمامة له شرعا أي بعد أن يصير خليفة وذلك متفق على حرمته إن كان ذلك الإمام راشدا (فكما حصلت الإمامة شرعا لأبي بكر وعمر وعثمان، فإنها كذلك حصلت لعلي، ولذلك كما لا يجوز الخروج على أبي بكر وعمر وعثمان رضي ٱلله عنهم، فإنه كذلك لا يجوز الخروج على سيدنا علي رضي الله عنه). وأما الغدر بالكافر فهو أنه إذا أمن الكافر الإمام أو غيره من المسلمين (فإن الأمر ليس خاصا بالخليفة) بأن قيل له لا بأس عليك أو أنت ءامن فيحرم الغدر به بالقتل أو نحوه قال الله تعالى ﴿وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله﴾ أي إن الله تعالى أمر نبيه ﷺ بأنه إذا استجاره أحد من المشركين ليسمع القرءان، أن يؤمنه ثم بعد ذلك إن لم يسلم، يبلغه مأمنه، أي يرجعه إلى مكانه بأمان، ويعود إلى الحكم الذي كان عليه قبل الأمان، ولكن لا يفتك به وهو في حماية رسول الله ﷺ. أما إذا دخل في الإسلام، فإنه يدخل في حكم الحديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام). وقال رسول الله ﷺ (من أمن رجلا على دمه ثم قتله فأنا بريء منه ولو كان المقتول كافرا) رواه ابن حبان. ومن الغدر المحرم أن يعامل المسلم الكافر بالبيع والشراء فيخونه في الوزن أو الكيل (كأن ينقص له في الوزن أو الكيل) وأن يضيع وديعة استودعه إياها الكافر فيتلفها أو يجحدها (فإذا استودع الكافر المسلم وديعة، وجب عليه أن يحفظها كما يحفظ أمانة المسلم، وإن فرط فيها أو جحدها، فهو مستحق للعقاب في الآخرة. ويجب عليه أن يرد الوديعة إلى صاحبها، وإن لم يفعل، يستحق العذاب في الآخرة، ولو كان صاحب الوديعة على غير دين الإسلام فالمسلم مأمور بالأمانة في معاملته، كما يؤمر بذلك مع المسلمين وهذا معنى حديث النبي ﷺ “لا دين لمن لا عهد له، ولا إيمان لمن لا أمانة له” أي لا يكون كاملا عند الله إلا إذا التزم بما قاله الرسول ﷺ من حفظ العهود والأمانات) و (من الأمثلة كذلك) أن يشتري منه شيئا بثمن مؤجل ثم يجحده.

 

قال المؤلف رحمه الله: (والمكر) وهو إيقاع الضرر بالمسلم بطريقة خفية.

الشرح أن من معاصي القلب المكر، والمكر والخديعة بمعنى واحد وهو إيقاع الضرر بالمسلم بطريقة خفية (يحتاج فيها إلى استعمال بعض الحيل). روى الحاكم في المستدرك حديث (المكر والخديعة في النار) فمن مكر بأحد من المسلمين فقد وقع في كبيرة.

 

قال المؤلف رحمه الله: (وبغض الصحابة) أي كراهيتهم وكذا حكم سبهم (والذي يبغض كل الصحابة يكفر. وسبهم جملة كفر والعياذ بالله تعالى كما سيأتي إن شاء الله) (و) بغض (الآل) ويشمل ذلك أزواجه ﷺ أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأقرباءه المؤمنين كما مر (و) بغض (الصالحين) وهم الأتقياء الذين أدوا الواجبات واجتنبوا المحرمات.

الشرح أن من معاصي القلب بغض أصحاب رسول الله ﷺ. والصحابي هو من لقيه في حياته ﷺ (بطريق العادة) مع الإيمان به سواء طالت صحبته له ﷺ أو لم تطل ومات على ذلك ولو تخللت بين صحبته له وبين موته على الإسلام ردة. والذي يبغض كل الصحابة يكفر. (قال الطحاوي في عقيدته وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. المراد بذلك بغض جميع الصحابة، فمن أبغضهم جميعا فهو كافر، ولا يعني بذلك أن من أبغض واحدا منهم يكون كافرا، ولا سيما إذا كان بغضه لسبب شرعي. وقد مر معنا ذكر أحد الصحابة، وهو “أبو الغادية”، الذي قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه بيده. وكان في أيام بني أمية يطرق الأبواب، فإذا سئل “من بالباب؟” يقول “قاتل عمار بالباب” مع أن النبي ﷺ قال في حق عمار “ويح عمار تقتله الفئة الباغية“. فمثل هذا، لو أبغضه أحد لفعله، فلا يكون عليه ذنب). وأما الآل فالمراد بهم هنا أقرباؤه ﷺ المؤمنون وأزواجه (مر معنا في واجبات القلب محبة الآل، كأمثال حمزة والعباس، وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وخديجة ونحو ذلك، وتطلق “الآل” ويراد بها الأتقياء). وأما الصالحون فالمراد بهم الأتقياء الذين أدوا الواجبات واجتنبوا المحرمات (فكما تجب محبة الآل، كذلك تجب محبة الصالحين، وكما لا يجوز بغض الآل، كذلك لا يجوز بغض الصالحين. كذلك لا يجوز بغض أزواج رسول الله ﷺ، ومعلوم أن نساء الرسول ﷺ اللاتي توفي عنهن كلهن متن وليات، فلا يجوز بغضهن، لأنهن من الآل ولأنهن من الصالحات)

    

قال المؤلف رحمه الله: (والبخل بما أوجب الله) كالبخل عن أداء الزكاة (و) بمعناه (الشح) إلا أن الشح يختص بالبخل الشديد كأن امتنع عن أداء الزكاة وأيضا امتنع عن أداء نفقة الزوجة (والحرص) وهو شدة تعلق النفس لاحتواء المال وجمعه بحيث لا يراعي من أين يأتيه أمن حلال أم من حرام ويقصد بذلك التوصل به إلى الترفع على الناس والتفاخر وعدم بذله إلا في هوى النفس المحرم عصمنا الله من ذلك.

الشرح أن من معاصي القلب البخل بما أوجب الله تعالى كالبخل عن أداء الزكاة للمستحقين والبخل عن دفع نفقة الزوجة والأطفال والبخل عن نفقة الأبوين المحتاجين والبخل عن مواساة القريب مع حاجته. ويرادفه الشح وهو بمعناه إلا أن الشح يخص بالبخل. وقريب من ذلك الحرص لأن الحرص هو شدة تعلق النفس لاحتواء المال وجمعه على الوجه المذموم (أي دون النظر في مصدره، سواء كان من حلال أو من حرام) كالتوصل به إلى الترفع على الناس والتفاخر وعدم بذله إلا في هوى النفس (كما يفعل بعضهم، يجمعون المال ثم ينفقونه في المحرمات كإنفاقه على الراقصات ونحو ذلك).

 

قال المؤلف رحمه الله: (والاستهانة) أي قلة المبالاة (بما عظم الله) أي بما أخبر الله بأنه عظيم (والتصغير) أي التحقير (لما عظم الله من طاعة) كقول بعضهم ماذا تنفعك الصلاة أو قولهم أتطعمك الصلاة وتكسوك (أو) تصغير (معصية) ورد الشرع باستعظامها وكذا تجويزها كقول بعض الناس عن بعض المعاصي أفعلها لا بأس بذلك (أو قرءان) كفعل الحلاج حين رءاه بعضهم يكتب شيئا فسأله عنه فقال هذا شىء أعارض به القرءان أي أعمل مثله (أو علم) كقول سيد قطب بأن تعلم الفقه مضيعة للعمر والأجر (أو جنة) كقول بعضهم الجنة لعبة الصبيان (أو عذاب نار) كقول بعضهم جهنم مستشفى لا محل تعذيب.

الشرح أن من معاصي القلب قلة المبالاة بما عظم الله تعالى من الأمور كأن يحتقر الجنة كقول بعض الدجاجلة المتصوفة (الجنة لعبة الصبيان) وقول بعضهم (الجنة خشخاشة الصبيان) وهذا حكمه الردة. ومن ذلك قول بعضهم (جهنم مستشفى) أي محل طبابة وعلاج وتنظيف ليست محل عقاب وتعذيب وذلك إلحاد وكفر، وهذا قول جماعة أمين شيخو الدمشقي الذين زعيمهم اليوم عبد الهادي الباني فعلى زعمهم التعذيب لا يجوز وصف الله به ويقولون عن الآية ﴿شديد العقاب﴾ معناه شديد التعقب (ويدعون أن المراد ليس التعذيب، وإنما يعني  على قولهم أن الله مطلع، شديد الاطلاع على أحوال الكفار. وهذا تحريف وإخراج للنصوص عن ظاهرها بغير دليل، وهو مردود؛ لأنه يقتضي تحريف ما جاء في القرءان وما ورد عن الرسول ﷺ) ويقولون إن الأنبياء لم يقتل أحد منهم ويزعمون أن قول الله تعالى ﴿وقتلهم الأنبياء﴾ معناه (قتل الكفار دعوتهم) ويقولون (الأنبياء لا يصابون بجروح بسلاح الكفار) وينكرون أن النبي ﷺ كسرت رباعيته وشج وجهه، ويقولون (الله شاء السعادة لجميع خلقه) وهذا قول المعتزلة لا أهل السنة ويقولون (علم الدين يؤخذ من قلوب مشايخهم النقشبنديين من قلب إلى قلب وليس من الكتب) فهؤلاء يجب الحذر والتحذير منهم ومن أمثالهم.

(وحكم ٱلتصغير لما عظم ٱلله، أي ٱلتحقير لما عظم ٱلله، كفر كقول سيد قطب بأن تعلم الفقه مضيعة للعمر والأجر ذكر ذلك فى كتابه المسمى فى ظلال القرءان وقوله هذا فيه معارضة للقرءان والسنة وإجماع الأمة قال الله تعالى فى القرءان الكريم ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ وقال رسول الله ﷺ الطهور شطر الإيمان رواه مسلم، معناه العناية بالطهارة نصف الإيمان أى أمر عظيم فى الدين. بين الرسول فى هذا الحديث أن الطهور شأنه عظيم عند الله لأنه مفتاح الصلاة فمعرفة الفقه ومعرفة الأحكام المتعلقة به أمر ضرورى يحتاج إليه المسلم فى كل وقت. ومعرفة أحكام الطهارة من وضوء وغسل وإزالة نجاسة وتطبيقها على الوجه الصحيح من الأمور المهمة فى دين الله لأنه يترتب على الإخلال بها وعدم صحتها عدم صحة الصلاة التى عظم الله أمرها وجعلها أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله. قال الله عز وجل ﴿قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ أى لا يستوون وقال رسول الله ﷺ يا أيها الناس تعلموا فإنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه فمن يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين رواه البخارى، أى من أراد الله به خيرا أى رفعة فى الدرجة رزقه العلم بأمور دينه وقال الحافظ النووى الشافعى الاشتغال بالعلم أولى ما تقضى به نفائس الأوقات وقال شيخنا الهرري رحمه الله علم الدين حياة الإسلام)

ولا يجوز أن يقال عن معصية من المعاصي كبيرة أو صغيرة (معليش) وهي في اللغة العامية معناها لا بأس بذلك فمن قال عن معصية وهو يعلم أنها معصية هذه الكلمة بمعنى لا بأس فهو مكذب للدين فيكون مرتدا.

ومن جملة المعاصي القلبية تصغير ما عظم الله من القرءان أو علم الشرع أي علم الدين أو الجنة أو النار وقد ذكرنا بعض الأمثلة للاستهانة بالجنة وتصغير عذاب النار (وهذا كله كفر)، وأما الاستهانة بالقرءان فكمثل ما رواه الإمام عبد الكريم القشيري في الرسالة أن عمرو بن عثمان المكي صوفي مكة في عصره رأى الحلاج الحسين بن منصور يكتب شيئا فقال له ما هذا فقال هذا شىء أعارض به القرءان (يعني أشابه به ٱلقرآن، أي أعمل مثله، وهٰذا من جملة ٱلاستخفاف بٱلقرءان) فمقته بعد أن كان يحسن به الظن وصار يلعنه ويحذر منه حتى بعد أن غادر الحلاج مكة فإنه كان يكتب في التحذير منه إلى الناحية التي يحل بها الحلاج. (ذكر صاحب “الرسالة”، الإمام القشيري، في ترجمة عمرو بن عثمان المكي أنه كان في مكة في ذلك الزمان صوفي يدعى عمرو بن عثمان، وكان من الأكابر. في تلك الفترة، جاور الحلاج في مكة، وكان ظاهره التجويد والمجاهدة، فنظر إليه عمرو بن عثمان، وعلى حسن ظاهره، أحسن به الظن. أطال الحلاج المكث في مكة، فسعى له عمرو حتى زوجه ابنة رجل يدعى يعقوب الأقطع. ولكن بعد مدة، ظهر ليعقوب الأقطع من الحلاج خبث وسوء حال، فلام عمرو بن عثمان علىٰ تزويج ٱبنته منه، وقال له” هذا لا يستحق أن أصاهره”، واشتكى إليه لما رآه من انحرافه. ثم رأى عمرو بن عثمان الحلاج ذات يوم يكتب شيئا، فسأله “ما هذا؟” فقال الحلاج شيء أعارض به القرءان. فمنذ ذلك الحين، كرهه عمرو بن عثمان ونبذه. بعد ذلك، غادر الحلاج مكة وذهب إلى بلاد فارس. وكان عمرو بن عثمان، لشدة كراهيته له، كلما بلغه أن الحلاج قد حل ببلدة ما، أرسل رسالة إلى أهلها يحذرهم منه. وفي النهاية، آل أمر الحلاج إلى أن جاء إلى بغداد وسكنها، وأحدث فيها كثيرا من التمويه والخداع، حتى صار له أتباع هناك، فعبده بعضهم. ثم ذهب إلى سيد الصوفية الجنيد، فقال له الجنيد لقد فتحت في الإسلام ثغرة لا يسدها إلا رأسك، أي أنك ستقتل لأنك أحدثت فتنة في الدين، وجئت بأمر جديد يخالف العقيدة. قال الجنيد هذه الكلمة من باب الكرامة، وأراد بها التحذير، ولكن الحلاج لم يتب. وبعد نحو ثماني سنوات، صدر الحكم بقتله من قبل الخليفة المقتدر بالله العباسي، بعد أن حكم العلماء عليه بالكفر بسبب أقواله، ومنها قوله “أنا الحق”، ومعناه أنه يدعي الألوهية، لأن “الحق” من أسماء الله تعالى. وكان للحلاج أتباع يعرفون بـ”الحلاجية”، عبدوه وقلدوه على العمى. وبعد مقتله في بغداد، افترى أتباعه الأكاذيب، وزعموا أن دمه جرى على الأرض وكتب “لا إله إلا الله، الحلاج ولي الله”، وهذا لم يحدث، وإنما هو من كذب أتباعه. قال الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه لو كان على الحق، ما قال أنا الحق، أي لو كان الحلاج مستقيما على الحق، لما تفوه بهذه الكلمة. ولكن بعض الناس ظنوه وليا غائبا، وهذا غير صحيح، بل الصواب هو الأخذ بكلام الإمام الرفاعي والجنيد، وعدم الالتفات إلى مزاعم أتباع الحلاج. “الرسالة القشيرية” معروفة عند الصوفية، وألفها الإمام القشيري في أوائل القرن الرابع الهجري، وكان قريب العهد من زمن الحلاج والجنيد. فمن جعل الاستهانة والاستخفاف بالقرءان أمرا يسيرا، فهو على نحو ما ذكرناه عن الحلاج، ممن خرجوا عن الطريق المستقيم وحادوا عن الحق)

 وكالذي حصل من بعض التجانية في الحبشة من إظهار الاستغناء بصلاة الفاتح عن القرءان حتى قال قائلهم بكلامهم ما معناه ما لكم تحملون هذا الرغيف الثقيل يعني القرءان ونحن بغنية عنه بصلاة الفاتح، وصلاة الفاتح هي كلمة وجيزة وهي هذه الصيغة (اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى ءاله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم) وهي في الأصل من تأليف الشيخ مصطفى البكري الصوفي ثم استعملها كثير من التجانية واعتبروا المرة الواحدة منها تعدل ستة ءالاف ختمة من القرءان (وهذا كفر) وادعوا أن ذلك مما شافه به النبي ﷺ يقظة الشيخ أبا العباس التجاني الذي تنتسب إليه التجانية، على أننا لا نجزم بأن الشيخ أبا العباس هو القائل لما يدعونه لاحتمال أن يكونوا قد كذبوا عليه. (هناك أناس يقال لهم التجانية، يوجد منهم في غربي وشرقي الحبشة، وموجودون في المغرب وموريتانيا والسودان، وفي السنغال يوجد كثير منهم. بعضهم قال ما معناه “أنتم لماذا تتعبون وتشغلون أنفسكم بالقرءان، تحملون هذا الرغيف الثقيل؟ نحن مستغنون عن هذا بصلاة الفاتح” على زعمهم، هٰؤلاء يزعمون أن هناك صيغة صلاة على النبي ﷺ، إذا قالها الواحد يكون له ثواب أكثر مما لو قرأ القرءان بكثير! وهذا كفر والعياذ بالله. فمثل هذا استخفاف بكتاب الله، وهو كفر صريح، نعوذ بالله من ذلك)

وقد تكون الاستهانة بالإخلال بالتعظيم الواجب من غير أن يصل الإخلال إلى حد الكفر كمس المصحف وحمله على غير طهارة.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/6wzz3hEdOaY

للاستماع إلى الدرسhttps://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-34