#33 بيان أركان الحج
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطاهر الأمين أما بعد اعلم رحمك الله أن الحجَّ يتضمنُ أركانًا ويتضمنُ واجباتٍ ويتضمنُ سُـنَـنًا.
فأما الأركانُ فهى أجزاءُ الحجِ التى إذا تَرَكَ المرءُ واحدًا منها لا يَنْجَبِرُ ذلك بالدمِ بل لا يصحُّ حجُّهُ إلا بالإتيانِ بها.
أما الواجبات فهى الأجزاءُ التى إذا تركَهَا المرء أَثِمَ وعليه دم لكن لا يفسُدُ حجُّهُ.
وأما السُّنَنُ فهى الأجزاءُ التى إذا فَعَلَهَا المرء كان مُثابًا وإذا تركَها فليس عليه إثمٌ ولا عليه دم. ففى الحج هناك فرقٌ بين الركنِ وبينَ الواجب، ولا يُوجَدُ هذا الفرقُ فى أبواب الفقه الأخرى غيرِ الحج، إذ الركنُ والواجبُ والفرضُ بمعنىً واحدٍ فيها. فأركانُ الحجِ أى أجزاؤه التى لا يصحُّ الحجُّ بدونِهَا ولا تُجْبَرُ بالدم هى ستَةٌّ فقط.
أولُ أركانِ الحجِ الإحرامُ، ومعنى الإحرام: الإتيانُ بالنية، ليس معناهُ لُبسَ الثيابِ الخاصةِ بالحجِ أو نحوِ ذلك بل معناه الإتيانُ بالنيةِ الصحيحة. ومثالُ النيةِ الْمُجْزِئَةِ: نَويتُ الحجَّ وأحرمتُ به للهِ تعالى. وبالنسبَةِ للعُمْرَةِ يقولُ: نَويتُ العمرةَ وأَحْرَمْتُ بها للهِ تعالى. ولا بد أن تكونَ هذه النيةُ فِى أشهُرِ الحجِّ، وهى: شوَّال وذو القَعدة وذو الحِجة، يعنى العشرَ الأوائلَ من ذِى الحِجة.
أما الركنُ الثانى من أركان الحج هو الوقوفُ بعرفة، ووقتُهُ ضيّقٌ. فمن فاتَهُ الوقوفُ بعرفة فقد فاتَهُ الحج. ووقتُ الوقُوفِ بعرفة من زوالِ شمسِ يومِ عرفة أى يومِ التاسع إلى الفجرِ من يومِ العيد. فلا بدَ للحاجِّ أن يكونَ فى ضِمنِ حدودِ أرضِ عرفة لحظةً فى ذلك الوقت، فى النهار أو فى الليل. لكنَّ الأفضلَ له أن يجمعَ بين النهارِ والليل، يعنى أن يكونَ هناك من قبلِ غروبِ شمسِ يومِ عرفة إلى ما بعد الغروب.
و الركنُ الثالثُ من أركانِ الحجِ هو الطوافُ بالكعبةِ. ولا يصحُ إلا منْ بعدِ منتصَفِ ليلةِ العيدِ أى الليلة التى تسبقُ يومَ العيد. والليلُ يبدأ بالمغرب وينتهى بالفجر، فمنتصفُ ذلك الوقت هو منتصفُ الليل. ويدورُ الحاجُّ حولَ الكعبةِ سبعَ مرات، جاعلًا الكعبةَ عن يسارِهِ، مُبتدئًا بالحَجَرِ الأسود، متوجهًا إلى ناحية حِجر إسماعيل، طائفًا خارجَ الكعبةِ، يعنِى أنَّ كُلَّ بدَنِهِ لا بدّ أن يكون خارجَ الكعبَةِ، فلا يُحَاذِى بشىءٍ من بَدَنِهِ الحِجْرَ أوِ الشَاذَرْوَان.
أما الركنُ الرابع من أركان الحج: السعىُ بين الصفا والمروةِ سبعَ مراتٍ مِن العَقْدِ إلى العَقْدِ. والصفا جبلٌ والمروة جبل، وبينهما فى الأصلِ وادٍ، لكنّه الآن طُمَّ لتسهيلِ السعىِ على الحُجَّاج. فلا بدّ أنْ يَسعَى سبْعَةَ أشواط، مبتدئًا بالصفا ومنتهيًا بالمروة، لأنَّ الذهابَ يُعَدُّ شوطًا والرجوعَ يُعَدُّ شوطًا ءاخر. وهناك علامةٌ عند الصفا وأخرى عند المروة فلا بدّ أن يكون السعىُ بين هاتين العلامتين على الأقل. وليست الطهارةُ شرطًا لصحة السعى، ولا هى شرطٌ فى الوقوفِ بعرفة، لكنّها شرطٌ فى الطواف بالبيت.
أما الركنُ الخامسُ: الحلْقُ أوِ التقصيرُ. أي أنّ من أركانِ الحج أن يَحْلِقَ الحاجُّ شعرَ رأسِهِ أو يُقَصّـِرَهُ. وهذا يحصلُ بحلقِ ثلاثِ شعراتٍ على الأقل، أو قَصّـِهَا، أو حرقِهَا، أو نحوِ ذلك. ويدخلُ وقتُه كالطوافِ بمنتصفِ ليلةِ العيد. والأفضلُ أن يَحْلِقَ الرجُلُ شعرَ رأسِهِ، وأما المرأةُ فحَرامٌ عليها الحلقُ بالموسَى لغيرِ ضرورة، وإنما تُقَصّرُ، والأفضلُ أن تُقَصّـِرَ من كلِّ شعرِهَا.
والركنُ السادسُ: الترتيبُ فِى مُعظَمِ الأركانِ. فلا بدّ من تقديم الإحرام على كلِّ باقِى الأركان، ولا بدّ من تأخيرِ الطوافِ والحلقِ أو التقصيرِ عن الوقوفِ بعرفة. وأما السعىُ بينَ الصفا والمروة فلا بدّ لصحتِه من أن يكونَ بعدَ طوافٍ بالكعبةِ سواءٌ كان طوافَ الفرض أو غيرَه.
وهذه الأركانُ الستةُ باستثناءِ الوقوفِ بعرفة أركانٌ للعُمرة. يعنى أنّ أركانَ العمرةِ خمسةٌ: الإحرامُ، والطوافُ، والسعىُ، والحلقُ أو التقصيرُ، والترتيبُ. والترتيبُ في العمرة واجبٌ فى كُلِّ الأركانِ، فلا بدّ من الابتداءِ بالإحرامِ، ثم الطوافِ بعد ذلك، ثم السعىِ بعد ذلك، ثم الحلقِ أو التقصيرِ.
وليعلم أنّ كلّ ركنٍ من هذه الأركان له شروطٌ لصحتِهِ لا بدّ أن يُرَاعِيَها الحاجُّ حتى يكونَ أداؤه للركنِ صحيحًا مُجْزِئًا. ومن ذلك مثلا أنّه يُشتَرَطُ للطوافِ قطعُ مسافَةٍ من الحجرِ الأسودِ إلى الحجرِ الأسودِ سبْعَ مراتٍ. ومن شروطِه سترُ العورةِ والطهارةُ، وأن يجعلَ الكعبةَ عن يسارِهِ لا يَستقبِلُهَا ولا يستدبِرُهَا فلا بدّ لمن أراد أن يحج أن يتعلمَ ما فرضَ الله في الحج وما حرّم حتى يكونَ حجُه صحيحًا مبرورًا. يسر الله لنا ولكم الحج وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلّم في هذا العام إن الله على كلّ شيء قدير وهو أكرم الأكرمين والحمد لله رب العالمين.