الأحد ديسمبر 7, 2025

#33

الواجبات القلبية

قال المؤلف رحمه الله: فصل.

الشرح أنه هذا فصل معقود لبيان الواجبات القلبية. أي أعمال القلب التي فرضها الله. وقد سمي القلب بذلك لكثرة تقلبه فهو أسرع تقلبا من الماء في القدر عندما يغلي. فينبغي على الشخص أن يراقب قلبه في تقلباته حتى يستمر قلبه على الحال التي ترضي الله تبارك وتعالى. فإن الأمر هو كما قال النبي ﷺ إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، والحديث رواه مسلم

 

قال المؤلف رحمه الله: (من الواجبات القلبية الإيـمان بالله) أي الإيـمان الجازم بوجوده تعالى على ما يليق به وهو إثبات وجوده بلا كيفية ولا كمية ولا مكان وهو مع الإيـمان برسول الله ﷺ الآتي ذكره أصل الواجبات (و) الإيـمان (بما جاء عن الله) من الأوامر والنواهي والأخبار بأنها حق فيجب الإيمان بالقرءان الكريم (والإيـمان برسول الله) ﷺ أنه رسول الله حقا (وبما جاء عن رسول الله ﷺ) من الأحكام والأخبار.

الشرح أن مما يجب على المكلفين من أعمال القلوب الإيمان بالله وهو أصل الواجبات (القلبية وأفضلها وأهمها، لأن الرسول ﷺ قال أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله، رواه البخاري. والإيمان بالله) أي الاعتقاد الجازم بوجوده تعالى على ما يليق به وهو إثبات وجوده بلا كيفية (أي بلا شكل) ولا كمية (أي بلا حجم) ولا مكان. ووجوب هذا لمن بلغته الدعوة مما اتفق عليه بلا خلاف، ويقرن بذلك الإيمان بما جاء به سيدنا محمد ﷺ عن الله تعالى من الإيمان به أنه رسول الله والإيمان بحقية ما جاء به عن الله تعالى.

 

قال المؤلف رحمه الله: والإخلاص وهو العمل بالطاعة لله وحده

الشرح أن من أعمال القلوب الواجبة الإخلاص (لله تبارك وتعالى في العمل) وهو إخلاص النية من أن يقصد بها عند العمل الصالح محمدة الناس والنظر إليه بعين الاحترام والتعظيم والإجلال. (فالإخلاص معناه أن يعمل الطاعة لله من غير أن ينوي بها أن يحبه الناس، أو أن يمدحوه، أو أن ينظروا إليه بعين الإكرام. فإنه إن عمل عملا من أعمال الخير ليمدحه الناس، وقع في ذنب كبير هو الرياء، وليس له ثواب. النية تقلب العمل المباح إلى عمل فيه ثواب، فالنية هي إكسير العمل، والإكسير شيء يوضع في النحاس فينقلب ذهبا، كذلك النية تقلب العمل المباح إلى طاعة) قال تعالى ﴿فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ ففي الآية نهي عن الرياء لأنه الشرك الأصغر. ومعنى قوله تعالى: ﴿ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾، أي أن لا يرائي، وأن لا يقصد بعبادته محمدة الناس. هنا ليس المقصود بالشرك الشرك الأكبر، إنما المقصود الرياء، لأن الرسول ﷺ بين لنا ذلك في الحديث القدسي، في قوله ﷺ إخبارا عن الله تعالى من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. أي لا يكون له أجر بالمرة) وقد روى الحاكم في المستدرك أن النبي ﷺ قال (اتقوا الرياء فإنه الشرك الأصغر) صححه الحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه. (من عظم هذا الذنب، شبهه الرسول ﷺ بالشرك، وسمي الشرك الأصغر لأن فاعله لا يكون مشركا خارجا عن الإسلام، بل لأنه أشبه المشرك الحقيقي من حيث قصده غير مرضاة الله بالعبادة. فشبهه الرسول ﷺ به، وسمى الرياء شركا أصغر، لأن الذي يقصد بفعل الطاعة غير رضا الله، وإنما رضا إنسان من البشر، فعله يكون شبيها بالذي يعبد غير الله. لذلك شبهه رسول الله ﷺ بالشرك، وليس المقصود أنه كفر)

 

قال المؤلف رحمه الله: (والندم على المعاصي) أي أن يستشعر في قلبه الندم لأنه عصى الله وهذا واجب في المعاصي كلها سواء كانت المعصية صغيرة أم كبيرة، ويجب أن يكون الندم لأجل أنه عصى ربه فإنه لو كان ندمه لأجل الفضيحة بين الناس أو خسارة ماله فى القمار لم يكن ذلك توبة.

الشرح من الواجبات القلبية التوبة من المعاصي إن كانت كبيرة وإن كانت صغيرة وركنها الأكبر الندم (ندم القلب أي استشعاره بالندم على ما حصل منه من المعصية هو الركن الأعظم من أركان التوبة. لذلك جاء في الحديث الندم توبة. وليس معناه أن الندم وحده كاف لحصول التوبة، إنما معناه أن الركن الأعظم في التوبة هو الندم على المعصية. والحديث رواه ابن حجر)، ويجب أن يكون الندم لأجل أنه عصى ربه فإنه لو كان ندمه لأجل الفضيحة بين الناس لم يكن ذلك توبة. (كثير من الناس إذا فضح بين الناس يندم، هذا لا يكون ندما معتبرا في التوبة)  

 

قال المؤلف رحمه الله: والتوكل على الله.

الشرح قال الله تعالى ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ التوكل هو الاعتماد فيجب على العبد أن يكون اعتماده على الله لأنه خالق كل شىء من المنافع والمضار وسائر ما يدخل في الوجود، فلا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله (أي لا أحد يضرك بشيء لم يرده الله، ولا أحد ينفعك بشيء لم يكتبه الله لك) فإذا اعتقد العبد ذلك ووطن قلبه عليه كان اعتماده على الله في أمور الرزق والسلامة من المضار فجملة التوكل (أي حقيقة التوكل وتفسيره الكامل هو) تفويض الأمر (كله) إلى الله تعالى (أي الاعتماد على الله بالقلب) والثقة به (أي بحسن تدبيره وقضائه وقدره) مع ما قدر للعبد من التسبب أي مباشرة الأسباب (أي مع ما شاء الله للعبد من الأخذ بالأسباب المشروعة، فمن أراد الرزق يسعى في طلبه، ومن أراد الشفاء يتداوى، ومن أراد النجاح يجتهد ويتعلم، لكنه يعتقد أن الرزق والتوفيق والنجاح من عند الله وحده ويرضى بما قسمه الله له. والعبد يأخذ بالأسباب من باب الحكمة، لا من باب الاستغناء عن الله، فجميع المخلوقات لا تستغني عن الله طرفة عين، ولا يحصل شيء في هذا العالم إلا بخلق الله ومشيئته وقضائه وقدره سبحانه. وقال رسول الله ﷺ لو تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا، أى تذهب فى أول النهار جائعة ليس فى بطنها شىء وتعود ممتلئة ءاخر النهار. ومن يتوكل على الله لا يلجأ إلى معصية الله فلا يلجأ إلى السرقة إن قل ماله ولا يسأل العرافين عن ماله المسروق أو الضائع بل يتوكل على الله ويعتقد أن رزقه لا يأكله غيره. قال رسول الله ﷺ إن روح القدس أي روح الطهر وهو جبريل، نفث فى روعى أى فى قلبى إن نفسا لن تموت حتى تستوفى رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب، أى اطلبوا الرزق من طريق حلال. وقال الله تعالى فى سورة الطلاق ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾. ذكر التقوى أولا ثم قال ﴿يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ والتقوى هى أداء جميع الواجبات واجتناب جميع المحرمات ومن جملة الواجبات تعلم العلم الدينى الواجب. ومن لزم الاستغفار أى داوم عليه كأن قال فى كل يوم ثلاثمائة أو أكثر رب اغفر لى أو أستغفر الله رزقه الله من حيث لا يحتسب كما قال رسول الله ﷺ من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب، أى يأتيه الرزق من طريق هو ما كان يظن أنه يأتيه منه. وكذلك ينبغى للطالب عند الدخول إلى الامتحان أن يتوكل على الله ويقرأ الفاتحة ويقول اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا ﴿قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾ و﴿رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى﴾ وأن يقول اللهم يا ميسرا كل أمر عسير سهل مرادى بفضلك الواسع، اللهم أنجحنى فى امتحانى هذا)

 

قال المؤلف رحمه الله: (والمراقبة لله) وهي استحضار أن الله مطلع عليه مما يدفعه إلى تجنب ما حرمه الله وتجنب الغفلة عن أداء ما أوجبه عليه.

الشرح من واجبات القلب المراقبة لله. ومعنى المراقبة استدامة خوف الله تعالى بالقلب بتجنب ما حرمه وتجنب الغفلة عن أداء ما أوجبه (أي استحضار أن الله مطلع عليه مما يدفعه إلى تجنب ما حرمه الله وتجنب الغفلة عن أداء ما أوجبه عليه) ولذلك يجب على المكلف أول ما يدخل في التكليف أن ينوي ويعزم أن يأتي بكل ما فرض الله عليه من أداء الواجبات واجتناب المحرمات. (ومما يساعد على هذا أن يستحضر الشخص في كل حال أن الله يراه، وأن الله عالم به. قال بعض أكابر السلف، وهو سهل بن عبد الله التستري، الولي العارف بالله كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، فقال لي يوما ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت كيف أذكره؟ فقال قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك الله معي (أي عالم بي)، الله ناظر إلي (أي الله يراني)، الله شاهد. فقلت ذلك ليال، ثم أعلمته، فقال قل في كل ليلة سبع مرات. فقلت ذلك، ثم أعلمته، فقال قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة، فقلته، فوقع في قلبي حلاوته. فلما كان بعد سنة، قال لي خالي احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة. فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سري. ثم قال لي خالي يوما يا سهل، من كان الله معه وناظرا إليه، أيعصيه؟ إياك والمعصية. ثم بعثوا بي إلى الكتاب، فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر، وقوتي من خبز الشعير بغير الملح ولا أدمن أي لا أكل مع الخبز إداما. ثم أسيح في الأرض سنين، ثم رجعت إلى تستر، وكنت أقوم الليل كله ما شاء الله تعالى اهـ. فهذا الإنسان تربى تربية صالحة، ولذلك يجب أن نعمل على تربية أولادنا على ما يرضي الله تبارك وتعالى. والذي يساعدنا على إتيان الواجبات واجتناب المحرمات هو استحضار أن الله تعالى مطلع علينا) قال الله تعالى ﴿فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين﴾.

 

قال المؤلف رحمه الله: (والرضا عن) تقدير (الله بمعنى التسليم له وترك الاعتراض) عليه في شىء مما قدره وقضاه أي وخلقه سواء كان حلوا أم مرا.

الشرح يجب على المكلف أن يرضى عن الله أي أن لا يعترض على الله لا اعتقادا ولا لفظا لا باطنا ولا ظاهرا في قضائه وقدره فيرضى عن الله تبارك وتعالى في تقديره الخير والشر والحلو والمر والرضا والحزن والراحة والألم (فلا يعترض على الله في أي شأن من ذلك. والذي يجب أن يرضى به العبد تقدير الله. أما المقدور، أي ما يحصل بتقدير الله من الشرور، فلا يجب أن يرضى به، بل ينكره. ولذٰلك قال ٱلمؤلف رحمه ٱلله) مع التمييز في المقدور والمقضي فإن المقدور (وهو ما قدره ٱلله في ٱلأزل) والمقضي (وهو ما خلقه ٱلله) إما أن يكون مما يحبه الله (كالطاعة) وإما أن يكون مما يكرهه الله (كالمعصية) فالمقضي (أي ٱلمخلوق) الذي هو محبوب لله (كٱلطاعات، يجب) على العبد أن يحبه و (أما) المقضي (أي ٱلمخلوق) الذي هو مكروه لله تعالى كالمحرمات فــ (يجب) على العبد أن يكرهه (ولكن) من غير أن يكره تقدير الله وقضاءه لذلك المقدور (لأن الله تعالى هو الخالق، وخلقه للقبيح من الأجسام والأعمال لا يعد قبيحا منه، فإن الجسم القبيح كإبليس والعمل القبيح كالمعاصي، ومنها الكفر، كلها مخلوقة لله، ولكنه لا يلام على خلقها، لأنه لا يتوجه إليه أمر ولا نهي، فهو الآمر الناهي، ولا يوصف بالظلم، لأنه يتصرف في ملكه، وكل شيء ملكه. فلا يوصف بالظلم) فالمعاصي (والشرور) من جملة مقدورات الله تعالى ومقضياته (فلا يجب على الشخص أن يرضى بها بل يجب على العبد كراهيتها، لأن الله تعالى يكرهها ونهى عباده عنها ولذٰلك قال ٱلمؤلف رحمه ٱلله) فيجب على العبد كراهيتها من حيث إن الله تعالى يكرهها ونهى عباده عنها (والذي يجب على العبد أن يرضى عنه هو تقدير الله تعالى، ففرق كبير بين الرضا والتسليم بتقدير الله تبارك وتعالى وبين محبة المعاصي والشرور) فليس بين الإيمان بالقضاء والقدر وبين كراهية بعض المقدورات والمقضيات تناف لأن الذي يجب الرضا به هو القدر الذي هو تقدير الله الذي هو صفته، والقضاء الذي هو صفته (وهو الذي لا يوصف بالشر) وأما الذي يجب كراهيته فـ (هو) ما كان من المقدورات والمقضيات محرما بحكم الشرع. (فإذا الرضى عن الله هو التسليم له وترك الاعتراض فيجب على العبد أن يرضى بما جاء عن الله ولا يعترض عليه وأن يقبل ما جاء فى الشرع من العقائد والأحكام. بعض الناس تصيبهم المصائب فيعترضون على الله فيكفرون بخالقهم. كان فى العرب قبل سيدنا محمد بآلاف من السنين رجل من قوم عاد يقال له حمار بن مالك. كان بأرض فى الجزيرة العربية يقال لها الجوف وكان يعيش فى واد فيه شجر وفيه ماء ثم الله تبارك وتعالى أرسل صاعقة فقتلت أبناءه فغضب غضبا شديدا وكفر كفرا شنيعا قال لا أعبده لأنه قتل أبنائى ثم ما اكتفى بهذا الكفر بل كان إذا مر إنسان بالوادى الذى فيه يقول له اكفر بالله وإلا قتلتك فإن كفر تركه وإن لم يكفر قتله ثم الله تبارك وتعالى زاده مصيبة، أرسل الله نارا فى أسفل الوادى فأهلكت الوادى وما فيه، لم يبق فيه شجر ولا ماء، صار الوادى أسود ومأوى للشياطين. هذا كان عاش قبل أن يكفر أربعين سنة على الإسلام لو صبر على تلك المصيبة التى نزلت به بموت أولاده ولم يعترض على الله كان كسب أجرا كبيرا. هذا الرجل ضر نفسه. الله عز وجل لا ينضر بكفر الكافرين ولا بمعصية العصاة. هو ضر نفسه باعتراضه على الله ونسبة الظلم إلى الله تبارك وتعالى)

 

قال المؤلف رحمه الله: (وتعظيم شعائر الله) بأن ينزلها المنزلة التي أمر الله بها لا دونها ولا يستهين بها بإنزالها دون المنزلة التي أمر الله بها

الشرح يجب تعظيم شعائر الله (وشعائر الله هى معالم دينه أى ما كان مشهورا من أمور الدين كالصلاة والحج والأذان والمساجد) فيحرم الإخلال بذلك والاستهانة بها (ومعنى ذلك أنه لا يجوز أن ننزل هذه الشعائر دون المنزلة التي أمر الله تبارك وتعالى بها). ومن شعائر الله المساجد، وتبخيرها من تعظيمها (فقد جرت العادة في المدينة المنورة بتبخير مسجد الرسول ﷺ بالعود كل جمعة، وذلك من القربات إلى الله تعالى). قال أبو يعلى في مسنده حدثنا عبيد الله حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله ﷺ كل جمعة اهـ. (وكذلك حفظ المساجد من النجاسة والأوساخ من تعظيم شعائر الله). قال الله تعالى ﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب (وهذه الشعائر التي ذكرها الله تعالى في كتابه، تشمل كل شعيرة من شعائر دينه، كالسعي بين الصفا والمروة والطواف بالكعبة والصلاة والزكاة والصوم في رمضان وما شابه ذلك. فيحرم على الشخص أن يستهين بشيء منها وذلك كمن يعتبر الصوم لا فائدة فيه، أو يقول عن الحج: “وثنية”، وهذا كفر)

 

قال المؤلف رحمه الله: (والشكر على نعم الله) الشكر الواجب (بمعنى عدم استعمالها في معصية) المنعم.

الشرح الشكر قسمان شكر واجب وشكر مندوب، فالشكر الواجب هو ما على العبد من العمل الذي يدل على تعظيم المنعم الذي أنعم عليه وعلى غيره بترك العصيان لله تبارك وتعالى في ذلك هذا هو الشكر المفروض على العبد (كما قال الجنيد رضي الله عنه: الشكر هو أن لا يستعين العبد بنعمة الله تعالى على معصيته. ليس الشكر الواجب مجرد أن يقول الإنسان بلسانه: “الشكر لله” أو “الحمد لله”. فلو قال بلسانه عشرة آلاف مرة في اليوم: “الشكر لله”، ثم هو يستعمل يده في معصية الله، ورجله في معصية الله، ولسانه في معصية الله، فهذا لا يكون شاكرا لله عز وجل الشكر الواجب. إنما الشكر الواجب أن لا تستعمل نعمة الله في معصية ربك. أما الشكر المسنون، فهو مثل أن تدعو لمن أحسن إليك، لقول رسول الله ﷺ: “من لم يشكر الناس لم يشكر الله”.ومعناه: أنه من كمال الشكر لله تعالى أن تشكر من أحسن إليك)، فمن حفظ قلبه وجوارحه وما أنعم الله به عليه من استعمال شىء من ذلك في معصية الله فهو العبد الشاكر، (أما الكافر، فمهما عمل من الإحسان للناس، فلا يكون عبدا شاكرا، لأنه ليس فقط لم يحفظ جوارحه، بل لم يحفظ قلبه مما نهى الله تبارك وتعالى عنه من المعتقدات الكفرية، أو الأفعال الكفرية، أو الأقوال الكفرية. فالكافر مهما عمل من الإحسان للناس، لا يكون شاكرا، وإنما المسلم الذي أدى الواجبات واجتنب المحرمات، فهو العبد الشاكر حقا. فالعبد الشاكر هو العبد التقي)، ثم إذا تمكن في ذلك سمي عبدا شكورا، قال الله تعالى ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾ (فالشكور هو الذي وصل إلى درجة الولي والأولياء قلة بالنسبة لعوام المسلمين) فالشكور أقل وجودا من الشاكر الذي هو دونه. والشكر المندوب هو الثناء على الله تعالى الدال على أنه هو المتفضل على العباد بالنعم التي أنعم بها عليهم مما لا يدخل تحت إحصائنا (فالشكر المندوب هو كأن يقول الشكر لله بلسانه) ويطلق الشكر شرعا أيضا على القيام بالمكافأة لمن أسدى معروفا من العباد بعضهم لبعض. (قال الله تعالى﴿ ولا تنسوا الفضل بينكم﴾. وكمال الشكر لله تعالى أن تشكر من أحسن إليك)

 

قال المؤلف رحمه الله: (والصبر) وهو حبس النفس وقهرها على مكروه تتحمله أو لذيذ تفارقه وواجبه ثلاثة أقسام أولها الصبر (على أداء ما أوجب الله) كالصلاة، والصيام، والزكاة، وسائر الواجبات (و) ثانيها (الصبر عن ما حرم الله تعالى) كالصبر عن النظر إلى ما حرم الله، وعن الزنى، وعن كل ما نهى الله عنه (و) ثالثها (الصبر على ما ابتلاك الله به) من المصائب والبلايا بمعنى عدم الاعتراض على الله أو الدخول فيما حرمه الله بسبب ذلك.

الشرح الصبر هو حبس النفس وقهرها على مكروه تتحمله أو لذيذ تفارقه، (المقصود بالمكروه هنا ليس الشيء القبيح، بل ما تستصعبه النفس من شدائد ومصائب، كتحمل مشقة الوضوء في البرد الشديد. أما اللذيذ، فقد يكون محبوبا للنفس، لكنه غير حسن، فيحتاج العبد إلى الصبر على مفارقته، مثل ترك الشهوات المحرمة. فالمؤمن يجاهد نفسه ليطيع ربه، وهذا هو الصبر الحقيقي الذي وعد الله عليه بالبشرى، كما قال تعالى ﴿واصبروا إن الله مع الصابرين﴾ والمعية المذكورة في هذه الآية هي معية النصرة والحفظ، أي أن الله ينصرهم ويؤيدهم. وقال الله تعالى ﴿والله مع الصابرين﴾ وقال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين﴾ المؤمن يؤدي كثيرا من الطاعات، ولكن من هذه الطاعات ما هو واجب، ومنها ما ليس واجبا، مثل أنه يجاهد نفسه لأداء رواتب الصلوات، ويجاهد نفسه لأداء أنواع كثيرة من النوافل، فهذا ليس من الصبر الواجب. لذلك قال المؤلف رحمه الله) فالصبر الواجب على المكلف هو الصبر على أداء ما أوجب الله من الطاعات والصبر عما حرم الله أي كف النفس عما حرم الله (وهذا أشد أنواع الصبر)، والصبر على تحمل ما ابتلاه الله به (من المكاره والشدائد والمصائب)  بمعنى عدم الاعتراض على الله أو الدخول فيما حرمه بسبب المصيبة فإن كثيرا من الخلق يقعون في المعاصي بتركهم الصبر على المصائب وهم في ذلك على مراتب مختلفة فمنهم من يقع في الردة عند المصيبة، ومنهم من يقع فيما دون ذلك من المعاصي كمحاولة جلب المال بطريق محرم باكتساب المكاسب المحرمة ومحاولة الوصول إلى المال بالكذب ونحوه كما يحصل لكثير من الناس بسبب الفقر. (وليتذكر المؤمن قول الله تعالى فى سورة البقرة ﴿ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون﴾. الله تعالى أخبرنا فى هذه الآية عما يحصل لنا فى الدنيا فقال تعالى ﴿ولنبلونكم﴾ أى أن الله تعالى يبتلى عباده ﴿بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين﴾ أى المؤمنين الصابرين الراضين عن الله فلا يتسخطون عليه ولا يعترضون وإن كانت المصائب تقلقهم وتحزنهم وتؤذيهم فى أجسادهم ﴿الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله﴾ أى نحن خلق لله وملك له يفعل بنا ما يشاء هو الذى أحيانا وهو الذى يميتنا. ﴿وإنا إليه راجعون﴾ أى إننا صائرون إليه للجزاء. هؤلاء بشرهم الله تعالى بأنه تنالهم صلوات من الله أى رحمات مقرونة بالتعظيم أى الرحمات الخاصة لأن الرحمات العامة فى الدنيا يشترك بها المؤمن والكافر والبر والفاجر كالانتفاع بالهواء العليل والصحة والمال الوافر وغير ذلك من أنواع النعم الدنيوية، أما الرحمات الخاصة فلا ينالها إلا المؤمنون الصابرون المسلمون لله تسليما. فالصبر مع الإيمان درجة عالية فقد قال رسول الله ﷺ من يرد الله به خيرا يصب منه أى إذا أراد الله بعبده المؤمن خيرا أى رفعة فى الدرجة يبتليه بمصائب الدنيا ويحفظه من مصائب الدين. والمسلم الذى تكثر عليه المصائب مع سلامة الدين أفضل عند الله من المسلم الذى يعيش متقلبا فى الراحة ولا تصيبه المصائب إلا فيما ندر. وقد جاء عن الرسول ﷺ أنه قال عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، رواه مسلم. فالمؤمن فى الحالين على خير إن أصابته نعمة بسط ورخاء فى الرزق يشكر الله وإن أصابته ضراء أى بلية ومصيبة يصبر ولا يتسخط على ربه بل يرضى بقضاء الله فيكون له أجر بهذه المصيبة. وحكى أن رجلا من الصالحين كان مقطوع اليدين والرجلين مصابا بالعمى وزيادة على ذلك أصيب بمرض الآكلة وهو مرض يصيب الأطراف فيسود العضو المصاب ويهترئ ثم يتساقط، وكان شديد الفقر لا أحد يهتم به حتى رءاه الناس على الطريق والدبابير تأكل من رأسه، وكان رضى الله عنه مقطوع اليدين فلا يقدر على دفعها عنه ومقطوع الرجلين فلا يقدر على الهرب منها فمر من أمامه أناس فلما رأوه قالوا سبحان الله كم يتحمل هذا الرجل فسمعهم فقال الحمد لله الذى جعل قلبى خاشعا ولسانى ذاكرا وبدنى على البلاء صابرا إلهى لو صببت على البلاء صبا ما ازددت فيك إلا حبا. هكذا يكون الصالحون هكذا يكون طلاب الآخرة الذين عرفوا الله فأدوا حقه.

     واعلم رحمك الله أن الصبر عند الغضب من أعظم أنواع الصبر، فهو يمكن الإنسان من ضبط نفسه وكظم غيظه لأن الغضب هلاك كبير يفسد على الشخص دينه ودنياه يخرج الإنسان من دينه أحيانا، وأحيانا يعكر عليه أمر معيشته. كثير من الناس يكفرون عند الغضب يسبون خالقهم أو يسبون شعائر الإسلام كالصلاة ونحو ذلك. وقد يوصل الغضب إلى القتل ظلما أو إلى قطيعة الرحم وكثير من المشاجرات بين الأهل وبين الأصدقاء تحصل فى حال الغضب. من ملك نفسه عند الاستشعار بالغضب سلم ونجا من الهلاك سلم من مهالك الدنيا والآخرة أما من اتبع الغضب لا بد أن يهلك والشديد هو الذى يملك نفسه عند الغضب كما قال رسول الله ﷺ ليس الشديد من غلب الناس ولكن الشديد من ملك نفسه عند الغضب وقال موصيا من استوصاه لا تغضب ثلاثا. فلا ينبغى للمؤمن أن ينساق وراء الغضب بل يعود نفسه على ترك الغضب فينبغى أن يكون بطىء الغضب سريع الرضا قال رسول الله ﷺ من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء. وترك الغضب يحتاج إلى مخالفة النفس لأن النفس تحب أن تعلو على الغير بحيث إذا إنسان سبه يريد أن ينتقم منه بأكثر مما سبه أو بدل السب يضربه أو يقتله. الإنسان فى حال الغضب ليشفى غيظه قد يتكلم بما يضره فى دينه ودنياه أو فى دينه فقط. فضبط النفس عند الغضب من أكبر الوسائل للنجاة، فيه حفظ الدين وحفظ البدن. لو كنا نعمل بحديث رسول الله ﷺ لا تغضب كنا سلمنا من مهالك كثيرة. وليعلم أن الغضب ليس عذرا. إذا واحد غضبان سب له أباه أو أمه هل يقول هذا معذور، أكثر الناس كيف يضرب بعضهم ظلما ويقتل بعضهم ظلما أليس بسبب الغضب هل يكون عذرا. وعلاج الغضب كما بين رسول الله ﷺ بقوله إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ، رواه أبو داود. وروى ابن السنى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت دخل على النبى ﷺ وأنا غضبى ثم قال يا عويش قولى اللهم اغفر لى ذنبى وأذهب غيظ قلبى وأجرنى من الشيطان. وروى البخارى عن سليمان بن صرد أنه قال كنت جالسا مع النبى ﷺ ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبى ﷺ إنى لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد.

     ومما ينفع لتفريج الكرب عن المسلم أن يقول يا ذا المعروف الذى لا ينقطع أبدا ولا يحصيه غيرك فرج عنى ما أهمنى وهذا مما علمه سيدنا عزرائيل عليه السلام لنبى الله يعقوب عليه السلام لما غاب عنه ابنه يوسف عليه السلام. وأن يقول الله الله ربى لا أشرك به شيئا معناه يا الله يا الله فرج عنى ما بى من الكرب فأنت ربى ولا أشرك بك شيئا، وهو ينفع لأمور كثيرة منها طرد الوسواس والهم وتيسير الرزق ويقال مرتين لدفع ظلم الظالم فمن أراد أن يواجه ظالما يخاف شره يقولها فى وجهه مرتين ليكفيه الله شره. وأن يقول اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. ومن وقع فى ضيق وقال يا حى يا قيوم يا حى يا قيوم الله يفرج عنه. ومما ينفع المسلم إذا أصابه كرب أو شدة أن يقول سبع مرات يا قوى يا متين وسبع مرات لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وسبع مرات لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين فقد ورد أن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب طلبه الحجاج بن يوسف وكان يريد قتله فقال الحسن قبل أن يدخل عليه لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين ثم دخل عليه فقال الناس اليوم يقتل لكن الحجاج تغير خاطره فبدل أن يقتله أكرمه وقضى له حاجة، قال له قبل أن تأتى كنت أبغض الناس إلى والآن صرت أحب الناس إلى.

 

قال المؤلف رحمه الله: (وبغض الشيطان) أي كراهيته والشيطان هو الكافر من الجن وقد يطلق ويراد به أبوهم الأكبر إبليس.

الشرح يجب على المكلفين بغض الشيطان أي كراهيته لأن الله تعالى حذرنا في كتابه منه تحذيرا بالغا قال الله تعالى ﴿فاتخذوه عدوا﴾ والشيطان هو الكافر من كفار الجن، ويطلق الشيطان ويراد به إبليس الذي هو جدهم الأعلى. (يجب على المكلفين بغض الشيطان وكراهيته لأن الله تعالى حذرنا منه في كتابه تحذيرا بالغا، فقال ﴿إن ٱلشيطٰن لكم عدو فٱتخذوه عدوا﴾، والشيطان هو الكافر من كفار الجن، ويطلق على إبليس، جدهم الأعلى ورئيسهم. ولا يقصد بهذا الكلام بغض كل الجن، بل بغض الشياطين، وهم كفار الجن. الجن ليسوا جميعا كفارا، بل منهم المؤمن والكافر، والمؤمنون منهم صنفان: أتقياء وغير أتقياء، كما في البشر، فمنهم الفاسق ومنهم الصالح، والأتقياء قلة في الإنس والجن. فالجني الكافر يقال له “شيطان”، وأما الجني المؤمن فيقال له “جني مؤمن”، فإن كان تقيا فهو “جني تقي”، وإن كان فاسقا فهو “جني فاسق”. والله تعالى خلق الجن من النار، وأبوهم الأول وجدهم الأعلى هو إبليس، رئيس الشياطين. وخلقهم الله من مارج من نار، أي من اللهب الصافي الذي يكون في أعلى النار. وكان إبليس يعبد الله ويخالط الملائكة في الجنة، واسمه الأول “عزازيل”، فلما كفر سمي “إبليس”، وأصلها “أبلس” أي “أبعد من الخير”، فمعنى “إبليس” أي “المبعد من الخير”)

والآن أذكر لكم بعض أوراد التحصين من أذى الجن، وأحثكم على المداومة عليها، فمن أهمها قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة وعند النوم، فقد قال النبي ﷺ “من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح” رواه البخاري. وكذلك قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص ثلاث مرات صباحا ومساء وبعد كل صلاة وقبل النوم فهي حصن من الشياطين، وقد قال رسول الله ﷺ “ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، لم يضره شيء” رواه الترمذي، ومن الأوراد العظيمة قول “حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم” سبع مرات في كل يوم حين يصبح وحين يمسي، فقد قال النبي ﷺ “من قالها كفاه الله تعالى ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة“، ومن قال “أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخيـر يا رحمٰن“، فإنه لو دخل إلى وكر الجن لا يستطيعون إيذاءه بإذن الله، وقال رسول الله ﷺ عن المعوذتين “ما تعوذ المتعوذون بمثلهما“، فلا يوجد مثل المعوذتين في القرءان في التعويذ، وكذلك من الأذكار العظيمة التي تحفظ المسلم من الشياطين وأذاهم الإكثار من قول “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” مئة مرة يوميا فهي حرز من الشيطان طول اليوم، وقراءة سورة البقرة؛ لقول النبي ﷺ: “إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة” رواه مسلم، وأيضا الدعاء عند دخول البيت والخروج وقول “بسم الله” عند تناول الطعام والشراب وعند النوم، فإن ذلك يمنع الشياطين من التسلط على الإنسان، فالمداومة على هذه الأذكار والأوراد تحمي المسلم بإذن الله من أذى الجن والشياطين، وتجلب له السكينة والطمأنينة.

 

قال المؤلف رحمه الله: (وبغض المعاصي) لأن الله ذمها وحرم علينا فعلها.

الشرح يجب كراهية المعاصي من حيث إن الله تبارك وتعالى حرم على المكلفين اقترافها فيجب كراهية المعاصي وإنكارها بالقلب من نفسه أو من غيره (في حضرته أو في غيبته، أي إذا علم بمعصية من المعاصي فلا بد أن يكرهها بقلبه)

 

قال المؤلف رحمه الله: (ومحبة الله) بتعظيمه أقصى غاية التعظيم (ومحبة كلامه) أي القرءان بالإيـمان به (و) محبة (رسوله) محمد ﷺ بتعظيمه التعظيم اللازم ومحبة سائر إخوانه النبيين عليهم الصلاة والسلام ) محبة (الصحابة) من حيث الإجمال بمعنى تعظيمهم فإنهم أنصار دين الله ولا سيما السابقون الأولون (و) محبة (الآل) وهم أزواجه وأقرباؤه المؤمنون وذلك لما خصوا به من الفضل وقرابة أفضل خلق الله ﷺ (و) محبة (الصالحين) لأنهم أحباب الله لما لهم من القرب إليه بطاعته الكاملة.

الشرح يجب على المكلف محبة الله تعالى على ما يليق به بتعظيمه (أي محبة التعظيم التي تليق بالله عز وجل ويجب أن تكون محبة الله هي أعلى محبة في قلب المسلم) ومحبة كلامه بالإيمان به (أي تعظيم القرآن تعظيما لائقا به) ومحبة رسوله محمد ﷺ بتعظيمه كما يجب) وكذلك يجب محبة كلام الرسول ﷺ لأن ذلك تابع لتعظيمه ﷺ وقال الله تعالى ﴿وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى﴾ وقال النبي ﷺ إن جبريل ينزل علي بالسنة كما ينزل علي بالقرءان. وقد بلغ بعض الناس في ذلك درجة عالية، فيروى عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه كان إذا جاءه طلاب الحديث لتعلمه وسماعه يتوضأ ويلبس من أحسن الثياب ويتطيب ويأمر بتبخير المجلس بالعود، ثم يجلس على وسادة فيقعد عليها بوقار وهيبة، فلا يتحرك ولا يتنحنح ما دام يقرأ عليه حديث رسول الله ﷺ، إجلالا لكلامه ﷺ. يجب محبة الرسول ﷺ أي تعظيمه على ما يليق به، بالإيمان به واعتقاد أنه ﷺ أفضل رسل الله، وبتعظيمه تعظيما لائقا به، ولكن دون غلو أو مجاوزة الحد المطلوب شرعا، فلا يوصف بما لا يليق به، كما فعل بعض الناس، فإنهم بالغوا في تعظيم النبي ﷺ حتى قالوا إنه يعلم كل ما يعلمه الله عز وجل، وهذا كفر) و (يجب) محبة سائر إخوانه الأنبياء كذلك، وكمال هذه المحبة يكون بالانقياد لشرع الله تعالى باتباع أوامره واجتناب نواهيه قال الله تعالى ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾. وأما معنى محبة الصحابة فهو تعظيمهم لأنهم أنصار دين الله ولا سيما السابقون الأولون منهم من المهاجرين والأنصار. والمعنى أنه يجب محبتهم من حيث الإجمال وليس المعنى أنه يجب محبة كل فرد منهم (فليس كل الصحابة أولياء ولا كلهم أتقياء، بل منهم من بلغ تلك الدرجة، ومنهم من أقيم عليه الحد، ومنهم من قال فيهم النبي ﷺ إنه في النار، فلذلك مراد المؤلف رحمه الله محبتهم إجمالا. والصحابي هو من لقي النبي ﷺ مؤمنا به في حياته على الوجه المتعارف، ثم مات على الإيمان، وقولنا “على الوجه المتعارف” يعني أن الأنبياء الذين اجتمعوا به ليلة الإسراء في المسجد الأقصى لا يعتبرون من الصحابة لأن ذلك كان بطريق خرق العادة. فيجب على كل مكلف أن يحب الصحابة المحبة الإجمالية لأنهم أنصار دين الله ونقلوا إلينا دينه، نحن عرفنا الدين والقرءان والحديث من طريق واحد وهو طريق الصحابة، فإذا تجب محبة أصحاب الرسول المحبة الإجمالية ولاسيما السابقون الأولون منهم. وهو ما أكده الإمام الطحاوي في عقيدته عن الصحابة بقوله “ولا نفرط في حب أحد منهم” أي لا نتجاوز الحد في محبة أحد منهم وقال “ولا نتبرء من أحد منهم” أي لا نكفر منهم أحدا وقال أيضا “ولا نذكرهم إلا بخير” أي من حيث الإجمال أما من حيث التفصيل فنمدح ونذم على حسب ما يقتضيه الشرع. فيما مضى كان أحد الصحابة يقال له “أبو الغادية”، وهو الذي قتل عمار بن ياسر الذي قال فيه الرسول ﷺ “ويح عمار تقتله الفئة الباغية“. وكان أبو الغادية يطرق الأبواب، فإذا سئل “من؟” قال “قاتل عمار بالباب”. فمثل هذا لا تجب محبته) وأما الآل فإن أريد به مطلق أتباع النبي الأتقياء فتجب محبتهم لأنهم أحباب الله تبارك وتعالى لما لهم من القرب إليه بطاعته الكاملة وإن أريد به أزواجه وأقرباؤه المؤمنون فوجوب محبتهم لما خصوا به من الفضل. ويجب محبة عموم الصالحين من عباد الله. (الآل يطلق على أكثر من معنى؛ فإن أريد بالآل الأتباع الأتقياء، فتجب محبتهم، لأننا مأمورون بمحبة الصالحين، ودليل ذلك قولنا في الصلاة “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين” فهذا إشارة إلى تعظيمهم ووجوب محبتهم. وإن أريد بالآل أقارب الرسول ﷺ، فهؤلاء أيضا تجب محبتهم، فأزواجه وأقاربه المؤمنون تجب محبتهم لما خصوا به من الفضل) قال الله تعالى ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ (بعض العلماء قال “الرجس معناه الشرك”، وبعضهم قال “معناه العذاب”)

وفي ختام هذا الدرس أوصيكم وأذكركم بالتحاب في الله تعالى، فهو من أعظم القربات وأسباب المغفرة، وقد قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى المتحابون بجلالى أظلهم فى ظلى يوم لا ظل إلا ظله (أى ظل العرش) رواه الإمام مالك فى الموطإ. فمن أعظم ما يكتسبه الإنسان فى الحياة الدنيا وأنفعه فى الآخرة محبة المسلم لأخيه المسلم، المحبة التى فيها التعاون على ما يرضى الله، ليس المراد التحاب على الهوى، فهذه المحبة التى يكون صاحبها فى ظل العرش يوم القيامة، ذلك اليوم الذى ليس فيه بيت ولا جبل ولا شجر ولا كهف إنما يظل المؤمن فى ذلك اليوم عمله الصالح. ومن جملة العمل الصالح الذى يظل صاحبه فى ذلك اليوم التحاب فى الله، محبة المسلم لأخيه فى ما يرضى الله تبارك وتعالى. فهذه المحبة هى التى تجعل صاحبها فى الآخرة فى ظل العرش لا يصيبه حر شمس يوم القيامة، حر شمس يوم القيامة أشد بكثير من حرها فى الدنيا لأنها تدنو من رؤوس الناس قدر ميل، وأشد ما يكون الحر ذلك اليوم على الكفار، الكفار لو كان فى يوم القيامة موت لماتوا من حرها لكن لا يوجد موت هناك، مهما تألم الشخص لا يموت يبقى حيا لا تفارقه روحه، فمن أنفع ما ينفع الناس فى ذلك اليوم للسلامة من حر الشمس التحاب فى الله، ومعنى التحاب فى الله أن المسلم يتعاون مع أخيه على ما يحب الله ولا يغش أحدهما الآخر أى لا يزين له المعصية ولا يغشه فى المعاملة بل يبذل له النصح، يحب له ما يحب لنفسه أى الخير الذى يحبه لنفسه يحبه لأخيه، والشىء الذى يكرهه لنفسه مما هو شر فى شرع الله يكرهه لأخيه وهذا الأمر هو الكمال للمسلم، المسلم لا يكون مؤمنا كاملا أى فى الدرجة العليا إلا إذا كان بهذه الصفة أى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير. اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، وطهر صدورنا من الحقد والحسد، واجعلنا من الصادقين في المحبة والإخلاص، ووفقنا للعفو والصفح وحسن الظن بعبادك، وارزقنا قلبا سليما ونفسا مطمئنة، يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث والحمد لله رب العالمين.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/kkHLcBH8DYk

للاستماع إلى الدرس:     https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-33