الأحد ديسمبر 22, 2024

#32 5-9 سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام

حلقةُ اليوم تدورُ عن رؤيا الملِك وخروجِ يوسفَ من السجن. قدَّرَ الله تبارك وتعالى بتقديرِه الأزليّ أسبابًا لخروجِ نبيِه يوسفَ عليه السلام من السجنِ على وجهِ الاحتِرامِ والإكرامِ، وذلكَ أنّ ملِكَ مِصرَ رأى في منامِهِ سبعَ بَقراتٍ سِمانٍ خرجْنَ من البحرِ وخرجَت في ءاثارِهِنّ سبعُ بقراتٍ هُزالٍ ضِعاف فأقبلَت على البَقراتِ السِمان فأكلَتهُن، فاستيقظَ الملكُ من نومِه مَذعورًا، ثم نامَ ثانيةً فرأى سبعَ سنبُلاتٍ خُضْرٍ وقد أقبلَ عليهِن سَبعٌ يابسات فأكلتْهنّ حتى أتَيْنَ عليهنّ، فدعا أشرافَ قومِه فقَصَها عليهم وطلَبَ منهم أن يُفتوهُ في رُؤياهُ هذه، فلم يَكن فيهم من يُحسِنُ تعبيرَها، ولَمّا سَمِعَ الناجي من السجنِ وهو ساقي الملِك برؤيا الملِك ورأى عَجزَ الناسِ عن تعبيرِها تذَكّرَ أمرَ يوسفَ عليه السلام وما وَصّاهُ به، فأرسَلوه إلى يوسفَ عليه السلام فلمّا جاءَه وقصّ عليه رؤيا الملِك أجابَه يوسفُ عليه السلام قائلا: قل للمَلِكِ هذهِ سَبعُ سنينَ مُخصِبات ومن بَعدِهِن سبعُ سنينَ شِداد إلا أن يَحتالَ لهن، ففَسَّرَ عليه السلام البَقراتِ السِمان بالسنينِ التي يكونُ فيها خَصبٌ، والبقراتِ العِجاف بالسنينِ التي يكونُ فيها قَحطٌ وجَدبٌ، وكذلك السُنبلاتُ الخُضْرُ والسُنبلاتُ اليابِسات. فانطلقَ الساقي إلى الملِكِ فأخبرَه، فقالَ له الملِك: ارجِع إليه فقل له: كيفَ نَصنَع؟ فدلهم يوسف على الخيرِ وأرشدَهم إلى ما يعتَمِدونَه في حالتي خصبِهم وجَدبهم، وما يفعلونَه من ادِّخارِ الحبوبِ في السنينِ السبعِ الأولى التي يكون فيها الخَصبُ في سُنْبُلِه إلا ما يُرصَدُ بسببِ الأكل، لأنّ ادخارَ الحبِ في سَنابِله أبقى له وأبعدُ من الفساد، ثم يأتي بعدَها سبعُ سنينَ مُجْدِبَةٍ يحصلُ فيها الجدبُ والقحطُ فتأتي على المخزونِ من السنينَ السبعِ التي تقدمَتها يعني نصَحَهم عليه السلام أن يدّخِروا الحبوبَ في سنابِله إلا ما يُرصَدُ للأكل حتى إذا حَلّ الجَدبُ والقَحطُ وجدوا في مَخازنِهم ما يَسُدُّ الرمَقَ ويُمسِكُ عنهمُ الضيق، حتى يأتِيَ الله بالخَصبِ والغَيثِ، ولَمّا رَجَعَ الساقي إلى الملِكِ وأخبرَه بتأويلِ رؤياهُ التي سمِعها من يوسفَ عليه السلام وقعَ في نفسِه صِحةُ ما قالَ عليه السلام، وأدرَكَ ما عندَ يوسف من علمٍ وعقلٍ تامٍ ورأيٍ سَديد فقال: ائتوني بالذي عبَّرَ رؤياي، وأمرَ بإحضارِه إليه ليكونَ من جُملةِ خاصتِه ومن المقرّبينَ إليه، فلما جاءَ رسولُ الملِك إلى يوسفَ عليه السلام أبى يوسفُ أن يخرجَ من السجنِ حتى يَتَبَيّنَ لكلِ واحدٍ أنه حُبسَ ظُلمًا وعُدوانًا وأنه بَرىءُ الساحةِ مما نَسبوهُ إليه في شأنِ امرأةِ العزيز. وإنما أشفَقَ يوسفُ أن يراهُ الملِكُ بعينِ الشاكِ في أمرِه أو مُتَّهَمٍ بفاحِشَةٍ وأحَبَّ أن يراهُ بعدَ استقرارِ براءتِه عندَه، فرجَعَ رسولُ الملِكِ إلى الملِك وأخبرَه بما قالَه يوسف، فدعا الملِكُ النِسوةَ اللاتي قَطَّعنَ أيدِيَهُن ومعَهُنَّ امرأةُ العزيزِ وقالَ لهن: {مَا خَطْبُكُنَّ} أي ما كانَ شأنُكُنَّ وقِصتُكُنَّ إذ راوَدْتُنَّ يوسفَ عن نفسِه؟ فأجبنَه وقلنَ للملِك: {حَاشَا للهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ} وأنكرنَ أن يكُنَّ علِمنَ عليه سوءًا، وأعلمَ النسوةُ الملكَ براءةَ يوسفَ من السوءِ الذي نُسِبَ إليهِ كذِبًا وبُهتانًا. ولما رأتِ امرأةُ العزيزِ أنّ يوسفَ عليه السلام الذي زَجَّت بهِ في السجنِ ظُلمًا وعُدوانًا قد أكرمَه الله تعالى لعِصمتِه وطهارتِه حتى صارَ منِ اهتِمامِ الملِكِ به أنّه يَستدعيهِ ليستَخلِصَه لنفسه اعترفت بما اقترفَته وقالت: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} وبذلك ظهرَ الحقُ وصارَ واضحًا جَليًّا والحمد لله رب العالمين. تابعوا معنا في الحلقة القادمةِ إن شاء الله خروجَ يوسفَ من السجن وقدومَ إخوتِه عليه فتابعونا وإلى اللقاء.