#32 صوم رمضان
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله أمّا بعد صيامُ رمضان مِنْ أعظمِ أمورِ الإسلامِ الخمسة، كما جاء فِى الحديث: “بُنِىَ الإسلامُ على خمس” وَعَدَّ منها صومَ رمضان. ورمضانُ هو أفضلُ شهورِ السَّنَةِ، يجبُ صومُهُ على كلِّ مسلمٍ مكلّف. ولا يجبُ على الكافِرِ وجوبَ مُطالبةٍ فِى الدنيا وإن كان يعاقَبُ على تركِهِ فِى الآخرة. ولا يصحُّ صومُ رمضانَ من حائضٍ ولا نُفساء، وإن كان لا يجبُ عليهِمَا تَعَاطِى مُفَطّـِرٍ فى خلال نهارِ رمضان، لكن حرام أن يُمسِكَا بنيةِ الصّيام، فلو تَرَكَا الأكلَ والشربَ لا بنيةِ الصومِ فلا إِثْمَ عليهما. ويجبُ عليهما القضاءُ بعدَ ذلك. وهكذا أيضًا حكمُ من أفطرَ فِى رمضانَ لِعُذْرٍ، إلا من أَفْطَرَ لِكِبَر أو مرضٍ لا يُرجَى بُرْؤهُ فإنه لا يجب عليه أن يقضِىَ بعد ذلك، وذلك كالمصابِ بالفالِجِ فإنه لا يُرجَى بُرْؤه أي شفاؤه.
وإنما يجبُ صومُ رمضانَ بأحدِ أمرين برؤيةِ الهلال أو باستكمالِ شعبانَ ثلاثين، فإذا شَهِدَ عَدْلٌ أنّه رأى هلالَ رمضانَ، أى شاهد هلالَ رمضانَ بعدَ غروبِ شمسِ التاسِعِ والعشرينَ من شعبان، كان اليومُ التالِى أولَ أيامِ رمضان. فإن لَم يَحصل ذلك فاليومُ التالى هو الثلاثونَ من شعبان والذى بعدَه أولُ أيّامِ رمضان.
وليعلم أنّ المسافرَ إذا كان يَقصِدُ مسافةَ قصرٍ بسفره، وهى مرحلتان، يجوزُ له الفِطْرُ فى رمضان. والمرحلةُ ثمانيةُ فَرَاسِخ، والفرسخُ ثلاثَةُ أميال، فمرحلتانِ تكونانِ ثمانِيَةً وأربعينَ ميلًا، والميلُ ستةُ ءالافِ ذراع فتكون مسافة القصر مائتين وثمانية وثمانين ألف ذراع. فإذا كان إنسانٌ مسافرًا سفرًا غيرَ قصيرٍ أى مرحلتينِ فأكثرَ يجوزُ له الفطرُ بسبب ذلك فى رمضان ولو لم يشقّ عليه الصوم، بشرط أن يكون سفرُهُ فِى غيرِ معصيةٍ، وبشرطِ أن يكونَ خَرَجَ من بلدِهِ قبْلَ الفجرِ.
وليعلم أنّ المريضَ يجوز له أن يُفطرَ إذا كان مرضُهُ شديدًا، يعنِى إذا كان بسببِ الصومِ تَطُولُ مدةُ مرَضِهِ، أو يَهْلَكُ، أو يَتْلَفُ عضوُهُ، أو نحوُ ذلك. فإذا كان يضرُهُ الصيام يجوزُ له أن يُفْطِر. ويجوزُ الفطرُ للحامِلِ والمرضِعِ إنْ شقَّ عليهما الصومُ، يعنِى إذا خافَتَا على نفسيهِمَا أو خافتا على ولديهِمَا أو خافتا على نفسيهما وعلى ولدَيهِمَا، مثلُ أن تخافَ الحامِلُ أن يُجْهَضَ الولدُ، أو خافَت الْمُرضِع أن ينقطِعَ لبَنُهَا أو يخِفَ بحيثُ يتضَرَّرُ الولد. فى هذه الأحوال يجوزُ للحامل والمرضع الفِطرُ، وعليهما القضاءُ. وإن أفطرتا فقط خوفًا على الولدِ فعليهما معَ القضاءِ الفدية. والفديةُ هِى مُدٌّ مِنْ غالِبِ قُوتِ البلَدِ عن كُلِّ يوم.
و يُشترَطُ لصحةِ الصومِ إيقاعُ نية صيام يوم رمضان فى الليل أى فى الليلة التى تسبق نهار الصوم. والليلُ ابتداؤُه من الغروبِ وانتهاؤه بالفجرِ. فلو لم ينوِ فى الليل بالمرّة ثم نوى بعدَ الفجر صومَ ذلك اليوم من رمضان لم يصحَّ منه، وهذا فى الصومِ الواجب. وأمّا النفلُ فيصحُ أن ينوِىَ الصيامَ فيهِ قبلَ الزوال أي قبل دخول وقت الظهر. ولو أنّ الإنسان أَكَلَ عندَ السَّحُورِ لأجلِ أنّه يريد أن يصومَ اليومَ التالِى من رمضان فهذِه نية، فنسيانُ النيّةِ فِى رمضانَ لا يحصُلُ حقيقةً إلا نادرًا.
و لا بدّ أن يُعَـيّنَ الصومَ الذى يُعَلّقُ نيَّتَهُ به، يعنى لا بدّ أن يعيّن أنّه يصوم غدًا من رمضان أو أنّه يصوم عن نَذر أو أنّه يصومُ عن كفّارة، فلا بدّ من تعيينِ ذلك وإن كان لا يُشتَرَطُ أن يُعَيـّنَ سَبَبَ الكفّارة أو نوعَهَا.
ومِنْ شروطِ صحةِ الصيامِ الإمساك فِى نهار رمضان عن الاستمناءِ وهوَ استخراجُ المنِىِّ بنحوِ اليدِ وعن الجماعِ. فإن جامع فى النهار فَسَدَ صومُهُ، إلا إذا كان ناسيًا، أو كان جاهلًا بحرمَةِ ذلك لكونهِ مثلا قريبَ عهدٍ بالإسلام أو نحوَ ذلك فإنَّ صومَه لا يفسُدُ فى هذِهِ الحال. وليعلم أنّ الاستمناء فِى نهارِ رمضان مُفَطّـِرٌ أيضا.
و مِنْ شروطِ صحةِ الصيامِ الإمساك فِى نهار رمضان عن الاستقاءَةِ. فمن تَعَمَّدَ الاستقاءةَ أى مَن طلبَ القىءَ بنحوِ إدخالِ إصبعِهِ وما شابه فاستقاء فإنّه يُفْطِرُ بذلك. وأمّا إنْ غَلَبَهُ القَىءُ من غيرِ طلب منه فلا يُفْطِر، طَالَمَا لَم يَبْلَع شيئًا من القىء الخارج.
وليعلم يا أحبابنا أنّ مَنِ ارتَدَّ فَسَدَ صيامُهُ، فيجبُ عليه أن يرجِعَ فورًا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين، وأن يَكُفَّ باقِىَ النهار عنِ المفطراتِ، ثم يَقضِى هذا اليوم فورًا بعدَ العيد، سواءٌ كان كفرُهُ بالقلبِ كاعتقادِ أنّ الله يلد أو يولد أو بالجوارحِ كالدوس عمدًا على لفظ الجلالة الله أو باللسانِ كسبّ الله والعياذ بالله تعالى.