الأحد ديسمبر 7, 2025

 

#32

فصل في النفقة

قال المؤلف رحمه الله: (فصل):

الشرح أن هذا فصل معقود لبيان أحكام النفقة. (والنفقة تشمل القوت والكسوة والسكنى)

 

 قال المؤلف رحمه الله: يجب على الموسر نفقة أصوله المعسرين، أي الآباء والأمهات الفقراء، وإن قدروا على الكسب (ولا فرق في وجوب النفقة على الأصول المعسرين بين الذكر والأنثى، سواء كانت الأنثى متزوجة أو غير متزوجة)

   الشرح يجب على من استطاع أن ينفق على أصوله أي الأب والجد وإن علا والأم والجدة وإن علت إن كانوا معسرين (أي إذا كان والداه فقيرين أو كان أجداده فقراء وليس لهم أولاد يستطيعون إعالتهم، فيجب على ولد الولد أن يتولى ذلك، بمعنى أن ينفق عليهم بقدر الحاجة. ويكون ذلك الإنفاق) بالمعروف بلا تقدير بحد معين (لأن مقدار الحاجة يتغير من شخص إلى آخر). وإن كان لا يملك أملاكا تكفيهم (أي كافية لينفق عليهم) وجب عليه أن يعمل ويكسب في تحصيل نفقتهم (وليس له أن يلجئ والديه إلى العمل، ولو كانا قادرين عليه) ولا فرق بين أن يكونوا قادرين على الكسب أو عاجزين. (وهذه مزية خاصة للأصول. أما الفرع، فإن كان فقيرا ولكن بلغ، فلا تجب على الأب نفقته، خلافا للأصول، فإن لهم مزية في ذلك. وكلامنا هذا يتعلق بالأصول إذا كانوا مسلمين، أما إذا كانوا على غير الإسلام، فيحسن إليهم من باب الإحسان. فإذا كان الأبوان كافرين أصليين، فإن الله تعالى أمر بالإحسان إليهما، ولكن لا يطيعهما في كفرهما ولا في معاصيهما، وهذا معنى قول الله تعالى ﴿وصاحبهما في الدنيا معروفا﴾. وإن كان الأبوان مسلمين فقيرين محتاجين، فيجب على الابن أن ينفق عليهما ويكسوهما ويسكنهما. ولا طاعة لهما في معصية الله. ويجب على الابن المسلم، ذكرا كان أو أنثى، أن يزوج أباه المسلم الفقير إن كان محتاجا إلى الزواج)

 

قال المؤلف رحمه الله: (و) يجب عليه أيضا (نفقة) أي الإنفاق على (فروعه أي أولاده وأولاد أولاده) من الذكور والإناث (إذا أعسروا) عما يكفيهم (وعجزوا عن الكسب لصغر أو زمانة أي مرض مانع من الكسب) فإن كان الفرع قادرا على الكسب، جاز للولي أن يلزمه بالعمل وينفق عليه منه. بمعنى إذا كان الولد غير بالغ، ولكنه يقدر على الكسب، جاز للأب أن يلزمه بالعمل ويصرف عليه مما يكسب. أما إذا ترك العمل، فتكون نفقته على أبيه. ومثال ذلك أن أباه أرسله ليعمل عند أحد، فصار يكسب من هذا العمل، فللأب أن ينفق عليه من كسبه. فإذا ترك الولد العمل، وجب على أبيه أن ينفق عليه ما دام لم يبلغ بعد. والنفقة الواجبة في حق الأصول والفروع تشمل الكسوة، والسكنى اللائقة بهم، والقوت، والإدام المناسب لهم. ولا يلزمه إطعامهم إلى حد المبالغة في الشبع، ولكن أصل الإشباع واجب).

الشرح تجب نفقة الفروع من الذكور والإناث (إن كانوا دون البلوغ) إن أعسروا عما يكفيهم وعجزوا عن الكسب لصغر أو زمانة (أي مرض يمنعهم من الكسب) وكذلك إن كان عجزهم عن كفاية أنفسهم لجنون أو عمى أو مرض ومن ثم لو أطاق صغير الكسب أو أطاق تعلمه وكان لائقا به جاز للولي أن يحمله عليه (أي جاز للولي أن يلزمه بذلك، أي يجوز له أن يكلفه بعمل يناسبه) وينفق عليه منه (أي من ماله الذي اكتسبه)، فإن امتنع أو هرب لزم الولي الإنفاق عليه، (ما دام لم يبلغ بعد)، وأما البالغ غير العاجز عن الكسب لزمانة أو نحوها فلا يجب على الأصل الإنفاق عليه وهذا هو مذهب الشافعي رضي الله عنه لا فرق فيه بين الفرع الذكر والأنثى (أما عند بعض الفقهاء، فإن نفقة الأنثى تكون على وليها إلى أن تتزوج). والنفقة التي تجب في حق الأصول والفروع هي الكسوة (التي تقيهم ألم البرد وألم الحر) والسكنى اللائقة بهم والقوت (وهو ما يقوم به البدن) والإدام اللائق بهم (والإدام هو ما يؤكل مع الخبز، كالزيت والجبن والخل، وقد قال النبي ﷺ نعم الإدام الخل، نعم الإدام الخل، نعم الإدام الخل. وتكون هذه النفقة بما يدفع الضرر عنهم من الجوع والعطش، دون تقدير بحد معين) ولا يجب عليه إطعامهم إلى حد المبالغة في الشبع لكن أصل الإشباع واجب (بمعنى أن يوفر لهم ما يمنع عنهم الهلاك. فلا يجوز للأب أن يترك أولاده عرضة للموت بسبب البرد أو الحر، أو للهلاك بسبب الجوع والعطش، ولكنه لا يكلف بإطعامهم إلى التخمة. وإذا مات الأب، وجب على الجد أن ينفق على ولد ولده حسب ما يتطلبه حالهم مما تقتضيه النفقة الشرعية)

 

قال المؤلف رحمه الله: (ويجب على الزوج نفقة الزوجة) إذا كانت ممكنة نفسها له.

الشرح يجب على الزوج نفقة زوجته الممكنة نفسها له (سواء دخل بها أم لم يدخل، فإن مكنته من نفسها، أي عرضت نفسها عليه، وجبت نفقتها عليه، ولو كانت لا تزال في بيت والدها ولم يدخل بها بعد. فلو عقد الرجل على امرأة، فهي بذلك صارت زوجته، ولكن مجرد العقد لا يوجب النفقة. فإن مكنته من نفسها، أي عرضت نفسها عليه، وإن لم يستلمها بعد، وجبت نفقتها، سواء نقلها إلى بيته أم لم ينقله، دخل بها أو لم يدخل. وتشمل النفقة الطعام والكسوة وغيرهما، وقد فصل الفقهاء في قدرها وشروطها. فإذا يجب على الزوج نفقة زوجته الممكنة نفسها له) ولو كانت أمة مملوكة أو كافرة وكذلك العاجزة عن التمكين لمرض. (الآن، لا يوجد أمة مملوكة ولا رق، ولكن في الماضي كان ذلك حاصلا. والأمة المملوكة كان يجوز زواجها بشروط، منها عجز الرجل عن الزواج بالحرة، مثل عجزه عن دفع مهرها مثلا. ويجوز للمسلم الزواج بالكتابية كاليهودية أو النصرانية، ولكن مع الكراهة الشديدة، لأنه يخشى أن تهود الولد أو تنصره)

وهذه النفقة هي في المذهب (الشافعي) مدا طعام لكل يوم على موسر حر (أي المكتفي) ومد (واحد) على معسر (أي الفقير) ومد ونصف على متوسط (أي الذي لا هو موسر ولا هو معسر)، وعليه طحنه وعجنه وخبزه (وهذا في الأصل، ولكن إن أتى به جاهزا كفى، كأن يأتي لها بالخبز) وأدم غالب البلد ويختلف بالفصول، ويقدر الأدم القاضي باجتهاده عند الاختلاف (أي اختلاف الزوج مع الزوجة في تقديره) ويتفاوت بين موسر وغيره. ويجب لها كسوة تكفيها (ويجب من الكسوة ما جرت به العادة، فيلزم لامرأة الموسر من الثياب الظاهرة ما يلبسه نساء البلد من قطن أو غزل أو حرير، ولامرأة المعسر دون ذلك، ولامرأة المتوسط ما بينهما. وأقل ما يجب من الكسوة قميص، وسروال (بنطلون)، وما تغطي به المرأة رأسها (خمار). وإن كان في الشتاء، يضاف إليه جبة لأنه في بعض البلاد يكفي ثوب واحد، وفي بعضها لا يكفي. ويجب لامرأة المتوسط ملحفة في الصيف، وكساء تتغطى به في الشتاء، ووسادة، ونحو لبد وهو نوع من الفرش السميكة التي توضع على الأرض للجلوس فتجلس عليه بالنهار. ولامرأة المعسر يلزمها كساء، ووسادة وشيء تتغطى به وما تنام عليه ونحو لبد تجلس عليه بالنهار) وءالة تنظيف (أي ما تنظف به نفسها، مثل الصابون وما شابهه).

ويجب عليه تسليم النفقة أول النهار حتى إذا جاعت تأكل، وتسليم الكسوة أول الفصل ويجوز لها أن تتصرف فيما أخذته من الكسوة ببيع أو غيره، فإن آثرت القديم على الجديد، فباعت الجديد، أو تصدقت به، فلها ذلك، لأنه أصبح ملكا لها بعد التسليم، ولا يملك الزوج منعها من التصرف فيه. إلى الآن تكلمنا عن الكسوة والقوت والإدام، أما السكنى، فإنه لا يلزمه أن يملك بيتا، ولا يلزمه أيضا دفع أجرة سكن، فلو أن شخصا أعاره بيتا فسكن فيه، جاز ذلك، ولو كان الزوج موسرا.

 أما الناشزة فتسقط نفقتها بالإجماع والناشزة هى التى تخرج من بيت زوجها بدون إذنه بلا ضرورة أو تمنعه حقه من الاستمتاع بها أو تخشن له الكلام، أما إذا كانت تتصرف فى ماله بدون إذنه بلا حق فلا يقال عنها ناشزة بل يقال عنها عاصية. والنشوز معصية كبيرة والمرأة الناشز يسقط قسمها أى دورها فى المبيت ونفقتها ولا تقبل صلاتها أى لا ثواب لها فى صلاتها ما دامت قائمة على النشوز وتكون ملعونة تلعنها الملائكة قال رسول الله ﷺ ثلاثة لا ترفع صلواتهم فوق رؤوسهم شبرا إمام قوم وهم له كارهون والعبد الآبق والمرأة الناشز. لا ترفع صلواتهم فوق رؤوسهم شبرا أى لا ثواب لهم فى صلاتهم لأن الصلاة المقبولة أى التى فيها ثواب ترفعها الملائكة إلى السماء. فالعبد الآبق أى الهارب من سيده طالما هو ءابق لا ثواب له فى صلاته وكذلك المرأة الناشز إن صلت لا ثواب لها فى صلاتها طالما هى قائمة على النشوز. والناشز هى كالتى تخرج من بيت زوجها بدون إذنه بلا ضرورة أو تمنعه حقه من الاستمتاع بها ولا عذر لها أو تخشن له الكلام أى ترفع عليه صوتها بما يقلقه كأن تقول له أنت واحد بلا فهم وتصرخ فى وجهه. وتعد المرأة ناشزا إذا جرت زوجها إلى المحكمة حتى يطلقها بلا سبب شرعى أما مجرد طلب الطلاق فلا يعد نشوزا لكن لا يجوز لها أن تؤذيه بطلب الطلاق بلا سبب شرعى. فإن رجعت المرأة عن نشوزها فلها ثواب فى صلاتها أما إذا حصل منها إيذاء لزوجها فيجب عليها أن تستسمحه.

 

     قال المؤلف رحمه الله: (و) يجب على الزوج أيضا لزوجته (مهرها) والمهر عند الإمام الشافعي، إن لم يؤجل إلى أجل معين يكون حالا، فمتى ما استلم الرجل المرأة يحق لها أن تطالبه بالمهر. فإن لم يعطها يجوز لها أن تمتنع منه، أي لا تـمكنه من نفسها حتى يؤدي إليها المهر. أما إن مكنته من نفسها، فليس لها بعد ذلك أن تمتنع منه بسبب تأخير المهر. وقد يكون المهر حالا ومؤجلا في نفس الوقت، بمعنى أن بعضه يدفع فورا، وبعضه يؤجل إلى زمن محدد، ويكون الزوج ملتزما بأداء كل منهما في وقته (و) يجب (عليه) أي الزوج (لها) أي لزوجته (متعة) وهو مقدار من المال يدفعه لها زيادة على المهر (إن وقع الفراق بينهما بغير سبب منها) كأن طلقها لسوء خلقها، فهنا يجب عليه أن يدفع لها متعة، لأن الفرقة بسببه، هو الذي طلقها. وأما السبب منها فكأن ارتدت وبقيت على الردة إلى انقضاء العدة. طالما أن الفرقة ليست بسببها يدفع لها متعة، فإذا هو طلقها فهذا بسببه، ليس معنى بسببها أنها أتعبته فطلقها، لا. والمتعة أن يعطيها شيئا من المال لتطييب خاطرها مرة واحدة لأنه بسببه وقعت الفرقة بينهما.

الشرح أنه يجب على الزوج أداء مهر زوجته، فإن كان حالا فمتى طلبت وإن كان مؤجلا فعند حلول الأجل لا قبله. ويشترط في المهر أن يكون مما يصح جعله مبيعا (كبيت أو عقار أو سيارة أو ذهب أو فضة) أو ما يصح أن يكون منفعة مقصودة كتعليم القرءان أو سورة منه فيصح جعل المهر تعليم أقصر سورة من القرءان أو تعليم حرفة كخياطة. ويجب للزوجة التي وقع الفراق بينها وبين زوجها بغير سبب منها متعة على الزوج (والمقصود بالسبب الذي يكون منها، مثل أن ترتد وتبقى على الردة إلى انقضاء العدة فيبطل النكاح بسببها، فلا تستحق المتعة. أما إذا طلقها قبل الدخول، وإن كان الطلاق بسبب منه فلا متعة لها، لأنها تستحق نصف المهر. أما إذا طلقها بعد الدخول، فإن كان الطلاق بسبب منه، وجبت المتعة إضافة إلى مهرها. فإذا متى لا تجب لها المتعة؟ إذا وقع الفراق بسبب منها، كأن ترتد وتبقى على ذلك إلى انقضاء العدة، أو إذا طلقها قبل الدخول ولو بغير سبب منها لأنها تستحق نصف المهر) وليست (المتعة) مقدارا معينا ولكن يستحب أن تكون ثلاثين درهما وأن لا تبلغ نصف مهر المثل (أي مهر مثيلاتها) ويجزئ ما يتراضيان عليه ولو أقل متمول (أي شيئا قليلا) فإن تنازعا قدره القاضي باجتهاده معتبرا حالهما. (هذا المال الذي تعطاه يقال له متعة، وذلك لإيناسها ولتخفيف ما يلحقها من وحشة بسبب الطلاق)

 

قال المؤلف رحمه الله: (و) يجب (على مالك العبيد) والإماء (والبهائم نفقتهم) من طعام وكسوة ونحو ذلك أي يطعمهم ويسقيهم. والدليل على إطعام البهيمة وسقيها وأن لا يكلفها من العمل ما لا تطيق حادثة الجمل الذي اشتكى للرسول ﷺ أن صاحبه يتعبه ويجيعه فأمره الرسول ﷺ أن يحسن إليه. (و) يجب على مالك العبيد والإماء والبهائم (أن لا يكلفهم من العمل ما لا يطيقونه) أي ما لا يتحملونه (و) أن (لا يضربهم بغير حق) أي لا يجوز ضرب العبيد والبهائم بلا سبب.

الشرح (من كان يملك عبيدا أو يملك بهائم، يجب عليه الإنفاق عليهم. ولو كان العبد كافرا، فليس له أن يكلف عبده ما لا يطيق. وحتى البهائم، ليس له أن يكلفها من العمل ما لا تطيق، مثل أن يحمل البهيمة أكثر مما تطيق، فإن هذا حرام. ولا يجوز له أن يضرب عبده بغير حق، ولا يضرب البهيمة إلا إذا أساءت، فالحمار مثلا لا يضرب إلا إذا أساء، وحتى لو ضرب الحمار، لا يضرب في وجهه. وقد جاء في الحديث أن من فعل ذلك أصابته اللعنة) روى البخاري في الصحيح أنه ﷺ قال (إخوانكم (أي في الدين) خولكم (أي خدمكم) ملككم الله إياهم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل ما يغلبه فإن كلفتموهم فأعينوهم). وروى مالك في الموطإ قال رسول الله ﷺ (للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف) أي بلا إسراف ولا تقتير (أي بلا مبالغة ولا تضييق يسبب الضرر وبلا تقدير بحد معين. السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، في يوم من الأيام، أهدي إليها سبعون ألف درهم، فوضعتها في طبق، ثم بدأت توزعها على الفقراء. وفي آخر النهار، كانت صائمة، فقالت لجاريتها “لو صنعت لنا شيئا من الطعام نفطر عليه” فقالت الجارية “لو أبقيت لنا شيئا نفطر عليه” فلجبر خاطرها، كانت تأكل معها أي مع جاريتها بكل تواضع وكرم، ضاربة أروع الأمثلة في السخاء والإيثار. رضي الله عنها).

 

قال المؤلف رحمه الله: (ويجب على الزوجة طاعته) أي طاعة زوجها وليس المراد بذلك أنها ملزمة بطاعته في كل ما يطلب، بل المقصود طاعته (في نفسها) أي في الوطء والاستمتاع، فيجب عليها أن تطيعه في ذلك، وإذا طلب منها أن تتزين له وجب عليها ذلك، وأن تتجنب ما يعكر عليه الاستمتاع، كالروائح الكريهة من ثوم وبصل وسيجارة، إن كان يتأذى منها. يجب على الزوجة طاعة زوجها في نفسها (إلا في ما لا يحل) فإن طلب منها أمرا محرما، كالوطء في فترة الحيض والنفاس، فلا يجوز لها طاعته في ذلك (و) يجب عليها (أن لا تصوم النفل) وهو حاضر أي في البلد إلا بإذنه. لا يجوز أن تصوم النفل وزوجها حاضر إلا بإذنه، فإن كان لا يرضى بصيامها للنفل، فليس لها أن تصوم (و) يجب عليها أن (لا تخرج من بيته إلا بإذنه) إلا إذا كان خروجها لضرورة، كأن تخاف انهدام البيت عليها أو اقتحام فجرة عليها. وليس المراد بذلك أنها ملزمة بالاستئذان في كل مرة، ولكن على معنى أن لا تخرج إلا بما يغلب على الظن أنه يرضى به. وإن كان البيت للزوجة فلها الخروج متى شاءت، وإن كان لهما معا، ففي ذلك تفصيل، فإن كانت حصته من البيت تكفيها كمسكن يناسبها شرعا، فله أن يمنعها من الخروج إلا بإذنه. هذا ليس معناه كلما خرجت تستأذن إنما على معنى لا تخرج إلا على مظنة الرضا).

الشرح يجب على الزوجة طاعة الزوج فيما هو حق له عليها من الاستمتاع وما يتعلق به إلا فيما حرمه الشرع من أمور الاستمتاع فلا يجب عليها أن تطيعه في الاستمتاع المحرم كأن كانت حائضا أو نفساء وأراد أن يجامعها بل يحرم عليها، ولا يجب عليها أيضا طاعته في الجماع إذا كانت لا تطيق الوطىء لمرض (فإن كان الجماع يضرها، فيحرم عليها أن تمكنه منه). ويجب عليها أن تتزين إن طلب منها ذلك (وكلامنا هنا عن الزينة الجائزة فإنه ليس كل زينة جائزة بل من الزينة ما يدخل في التشبه بالكافرات والفاجرات ومن ذلك، ما يسمى بـ”المناكير”، فإنه إذا وضعته المرأة، سواء في أيام الحيض أو في غيرها لا يجوز) و (يجب عليها) أن تترك ما يعكر عليه الاستمتاع من الروائح الكريهة كرائحة الثوم والبصل والسيجارة إن كان يتأذى بها.

ويجب عليها أن لا تصوم النفل وهو حاضر إلا بإذنه، أما الواجب كرمضان فإنها تصومه رضي أو لم يرض لأن الله أحق أن يطاع وقد قال رسول الله ﷺ (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) رواه الترمذي. ويجب عليها أن لا تأذن لأحد في دخول بيته إلا بإذنه، ولا يجوز لها أن تخرج من بيته من غير ضرورة إلا بإذنه، فأما الخروج لضرورة فهو جائز وذلك كأن أرادت أن تستفتي أهل العلم فيما لا تستغني عنه وكان الزوج لا يكفيها ذلك فإنها تخرج بدون رضاه، وهذا شامل لمعرفة ما هو من أصول العقيدة وما هو من الأحكام كأمور الطهارة كمسائل الحيض فإن لها تشعبا. ومن الضرورة أن تخشى اقتحام فجرة في المنـزل الذي أسكنها فيه أو انهدامه (أو شبوب حريق في البناء).

فائدة طاعة المرأة لزوجها على ضربين. طاعة واجبة وطاعة مستحبة، فالطاعة الواجبة أن تطيعه في نفسها في أمر الاستمتاع فلا تمنعه منه إذا طلبها فيما يحل، وأما الطاعة المستحبة فهي فيما لا يجب عليها، كالتبسم في وجهه، وطبخ ما يحب، وخدمته فيما لا معصية فيه، وإجابة طلبه، فهذه أمور مستحبة لا تلزمها، ولكن المرأة لا تترقى إلى المعالي إلا إذا كانت ملتزمة بذلك، فمن أرادت الرقي في الدنيا والآخرة فلتأت بالطاعة المستحبة ولا تقتصر على الطاعة الواجبة، وقد ورد في الحديث لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق، فإذا كان هذا في عامة المسلمين فكيف بالزوج؟ وكم يكون لها من الثواب إن فعلت ذلك؟ وقد قال رسول الله ﷺ لو كنت آمر أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، وقال ﷺ في خطبة العيد للنساء يا معشر النساء، تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة: لماذا يا رسول الله؟ فقال ﷺ لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير، أي تنكرن إحسان الزوج، وما أكثر من تفعل ذلك من النساء، لسيما في عصرنا هذا.

 

فائدة: إذا فارق الرجل زوجته وكان له منها ولد، فإن الأم أحق بحضانته، أي: بتربيته والاعتناء به بما يصلحه، من تعهد طعامه وشرابه، وغسل بدنه وثوبه، وتمريضه، وغير ذلك من مصالحه، وتكون مؤنة الحضانة على من تجب عليه نفقة الطفل. فإذا امتنعت الأم من الحضانة أو لم تكن أهلا لها، انتقلت الحضانة إلى أمها أي جدة الطفل، وتستمر حضانة الأم إلى أن يبلغ الطفل سن التمييز. فإذا وصل الطفل إلى سن التمييز، يخير بين أبويه، فأيهما اختاره سلم إليه، بشرط أن يكون المختار أهلا للتربية والحفاظ على مصالح الطفل. أما إذا كان في أحد الأبوين نقص يمنعه من الحضانة، كالجنون أو الفسق المبين أو الكفر، فيسلم الطفل إلى الآخر ما دام ذلك النقص قائما به. وإذا لم يكن الأب موجودا، فيخير الطفل بين أمه وجده من جهة الأب، فإن اختار أحدهما، سلم إليه، مع مراعاة مصلحته.

وشرائط الحضانة سبعة أحدها العقل، فلا حضانة لمجنونة إذا كان جنونها مطبقا أو متقطعا بشكل يفقدها أهليتها، أما إذا كان يحدث نادرا كيوم في السنة فلا يسقط حقها في الحضانة. والثاني: الحرية، فلا حضانة للرقيقة وإن أذن لها سيدها في الحضانة. والثالث: الدين، فلا حضانة لكافرة على مسلم. والرابع والخامس: العفة والأمانة، فلا حضانة لفاسقة. والسادس: الإقامة في بلد المميز، فيشترط أن يكون أبواه مقيمين في نفس البلد، فإن أراد أحدهما سفر حاجة كالحج أو التجارة، طال السفر أو قصر، فإن الولد يبقى مع المقيم حتى يعود المسافر، أما إذا أراد أحدهما سفر نقلة أي الانتقال الدائم، فالأب أولى بحضانة الولد وينزعه من الأم. ومن شروط الحضانة أيضا الخلو من زوج ليس من محارم الطفل، فإن تزوجت الأم رجلا أجنبيا عن الطفل، سقطت حضانتها، وأما إذا كان الزوج من محارم الطفل كعمه أو ابن عمه ورضي بالحضانة، فلا تسقط حضانتها بذلك. فإن اختل أحد هذه الشروط في الأم، سقطت حضانتها وانتقلت إلى من بعدها في الترتيب.

فائدة: الفقير الذي لا مال له إذا تزوج فإن زواجه صحيح وليس فيه معصية، ولكن إن ترك النفقة الواجبة مع الاستطاعة فإن ذلك حرام.

 

ونختم شرحنا لباب المعاملات بذكر بعض الأوراد لتيسير الرزق، وبذكر وصية رسول الله ﷺ لصاحبه أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.

    من أراد أن ييسر الله له الرزق فليكثر من قول سبحان الله وبحمده ومن قول الله الله ربى لا أشرك به شيئا وليقرأ مائة مرة يا وهاب بعد صلاة الضحى وليقرأ سورة الواقعة بعد صلاة المغرب. ومن كان يشكو الضيق فى المال فليكثر من الاستغفار كأن يستغفر الله كل يوم ثلاثمائة مرة فقد ورد فى حديث صحيح من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب رواه أبو داود وابن ماجه. ومن قرأ هذا الدعاء فى اليوم عشرين مرة لم ير قلة أبدا بإذن الله بسم الله الرحمٰن الرحيم يا عظيم الجلال يا بديع الكمال يا كثير النوال يا دائم الإفضال يا حسن الفعال يا قائم بلا زوال وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم. ومما ينفع لتيسير الرزق أن تكتب البسملة خمسا وثلاثين مرة بخط المصحف ثم تحمل أو تعلق على باب البيت أو الدكان، فيها سر عظيم.

وإليكم الآن وصية رسول الله ﷺ لصاحبه أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.

قال رسول الله ﷺ لأبى ذر الغفارى رضى الله عنه بعد أن ذكر له أشياء أوصاه بها ولا تنظر إلى من هو فوقك وانظر إلى من هو دونك. معناه ينبغى للمسلم أن ينظر إلى من هو دونه فى المال والرزق وصحة الجسم أى إلى من هو أقل منه فى ذلك لأنه إذا نظر إلى من هو فوقه فى المال والغنى يزيده طمعا فى الدنيا وبعدا عن الآخرة ونسيانا لها لأن قلبه ينشغل بالسعى ليكون مثله فينسى شكر الله تعالى وقد يجره ذلك إلى أن يسعى فى تكثير المال بطريق الحرام حتى يبلغ مرتبة ذلك الإنسان الذى هو أكثر منه مالا فيهلك. أما فى أمور الدين فالمطلوب من المسلم أن ينظر إلى من هو أقوى منه فى الدين حتى يترقى عند الله ويكون له درجة عالية. كان فى بنى إسرائيل رجل غنى له مال كثير وله ابن أخ، هذا ابن أخيه قلبه متعلق بالمال فأراد أن يصل إلى مال عمه ليتنعم به فقتله ثم وضعه على باب أناس ليس لهم علاقة بهذه الجريمة وقال هؤلاء قتلوا عمى فثاروا وعشيرة هذا أيضا ثاروا لأنهم لم يعلموا بحاله فحصل القتال بينهم ثم قال بعضهم فينا نبى الله موسى نرجع إليه ولا نتقاتل فأخبروا موسى عليه السلام بالقصة فأوحى الله إليه أن يأمرهم بذبح بقرة، قال لهم تذبحون هذه البقرة فتضربون هذا القتيل بجزء منها ففعلوا فأحيى الله هذا القتيل الميت فنطق قال قتلنى ابن أخى. إلى هذا الحد يوصل حب المال لذلك الرسول ﷺ أوصى بأن ينظر المسلم إلى من هو أسفل منه فى أمور المعيشة وأن لا ينظر إلى من هو فوقه. الأنبياء والأولياء لا يتنعمون لأن ترك التنعم يساعد على الاستعداد للآخرة. ترك التنعم من خصال الأنبياء والأولياء. والتنعم هو التوسع فى الملذات من أكل وشرب ولبس الثياب الفاخرة واتخاذ الأثاث الجميل. والتنعم يؤدى إلى ترك مواساة المحتاجين وقد يؤدى إلى مد اليد إلى المال الحرام أو ترك الواجبات. أما ترك التنعم فإنه يساعد على الاستعداد للآخرة ويقوى القلب للعطف على الفقراء لذلك أوصى رسول الله ﷺ معاذ بن جبل بترك التنعم فقال له إياك والتنعم فإن عباد الله (يعنى الصالحين) ليسوا بالمتنعمين، رواه أحمد فى مسنده أى إن خير عباد الله ليسوا متنعمين.

 وقال ﷺ لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس، رواه الترمذى أى حتى يصير العبد تقيا لا بد أن يترك بعض المباحات خشية الوقوع فى الحرام. أما الذى لا يقلل من التنعم فإنه يقع فى أحد أمرين إما فى الحرام وإما فى الغفلة والغفلة هى عدم إشغال الوقت بما هو نافع وهى سبب المعاصى والمكروهات. فينبغى للمؤمن أن يكتفى بالقليل من الرزق فقد ورد فى الحديث ما قل وكفى خير مما كثر وألهى رواه ابن حبان، معناه الرزق القليل الحلال الذى يكفى الشخص خير من الكثير الذى يلهى عن طاعة الله. وليعلم أن كثرة الأكل ليس مستحبا فى الشرع فقد كان الأنبياء يحرصون على قلة الأكل أى بحيث لا تنضر أجسادهم لأن قلة الأكل المؤدية إلى ضرر الجسم حرام، أما القدر الذى لا يؤدى إلى ضرر الجسم فهو محمود عند الله. قال رسول الله ﷺ بحسب ابن ءادم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس رواه الترمذى. فينبغى تعويد الولد على تقليل الأكل ولا ينبغى الإكثار من أنواع الطعام فإنه مكروه إلا إذا أكثر الأصناف لضيف دعاه ليأكل عنده ليدخل السرور إلى قلبه أو كان ضيفا فأكثروا له الأصناف فأكل ليدخل السرور إلى قلوبهم فله ثواب. ورسول الله ﷺ كان يمضى عليه الشهر والشهران ولا يوجد فى بيته شىء ساخن، تمر وماء تمر وماء وسيدنا عيسى عليه السلام كان أكله الشجر ولباسه الشعر. فينبغى الاقتداء بالأنبياء فإنهم سادات الخلق وعاداتهم سادات العادات. اللهم اجعلنا من العاملين بوصايا رسول الله ﷺ.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/c-ooRzadq0g

للاستماع إلى الدرس:     https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-32