السبت أكتوبر 19, 2024

(311) اذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ زِيَارَةِ قَبْرِ الرَّسُولِ ﷺ لِلتَّبَرُّكِ.

        اعْلَمْ أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِ الرَّسُولِ ﷺ سُنَّةٌ بِالإِجْمَاعِ لِحَدِيثِ مَنْ زَارَ قَبْرِى وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِى رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِىُّ وَقَوَّاهُ الْحَافِظُ السُّبْكِىُّ، أَىْ مَنْ زَارَهُ لِلَّهِ وَهُوَ عَلَى عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ بُشْرَى لَهُ أَنْ يَمُوتَ عَلَى الإِيمَانِ وَيَنَالَ شَفَاعَةَ الرَّسُولِ إِنْ كَانَ مُذْنِبًا. وَلَيْسَ مَعْنَى الزِّيَارَةِ لِلتَّبَرُّكِ أَنَّ الرَّسُولَ يَخْلُقُ لَهُمُ الْبَرَكَةَ كَمَا تَعْتَقِدُ الْوَهَّابِيَّةُ بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُمُ الْبَرَكَةَ بِزِيَارَتِهِمْ لِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ ﷺ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِىُّ فِى دَلائِلِ النُّبُوَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ صَحَّحَ إِسْنَادَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِى الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِىُّ فِى فَتْحِ الْبَارِى عَنْ مَالِكِ الدَّارِ وَكَانَ خَازِنَ عُمَرَ (أَىِ الَّذِى يَتَوَلَّى حِفْظَ الْمَالِ) أَنَّهُ قَالَ أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِى زَمَانِ عُمَرَ (أَىْ وَقَعَتْ مَجَاعَةٌ وَانْقَطَعَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فِى خِلافَةِ عُمَرَ) فَجَاءَ رَجُلٌ (أَىْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ بِلالُ بنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِىُّ) إِلَى قَبْرِ الرَّسُولِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ (أَىِ اطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الْمَطَرَ لِأُمَّتِكَ) فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا فَأُتِىَ الرَّجُلُ فِى الْمَنَامِ (أَىْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِى الْمَنَامِ يُكَلِّمُهُ) فَقِيلَ لَهُ أَقْرِئْ عُمَرَ السَّلامَ (أَىْ سَلِّمْ لِى عَلَيْهِ) وَأَخْبِرْهُ أَنَّهُمْ يُسْقَوْنَ (أَىْ سَيَأْتِيهِمُ الْمَطَرُ فَسَقَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى سُمِّىَ ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الْفَتْقِ لِكَثْرَةِ مَا نَبَتَ مِنَ الْعُشْبِ فَسَمِنَتِ الْمَوَاشِى بِرَعْيِهِ حَتَّى تَفَتَّقَتْ بِالشَّحْمِ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ) وَقُلْ لَهُ (أَىْ لِعُمَرَ) عَلَيْكَ الْكَيْسَ الْكَيْسَ (أَىْ تَفَكَّرْ فِى مَا يَنْبَغِى فِعْلُهُ مِمَّا لَمْ تَفْعَلْ لِتَزُولَ هَذِهِ النَّازِلَةُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ) فَأَتَى الرَّجُلُ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ يَا رَبُّ مَا ءَالُو إِلَّا مَا عَجَزْتُ (أَىْ لا أَتْرُكُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ) ثُمَّ جَمَعَ سَيِّدُنَا عُمَرُ النَّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا رَأَى بِلالُ بنُ الْحَارِثِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِسْقَاءِ فَجَمَعَ النَّاسَ وَاسْتَسْقَى فَنَزَلَ الْمَطَرُ وَقَدْ جَاءَ فِى تَفْسِيرِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى قَصَدَ قَبْرَ الرَّسُولِ ﷺ وَرَأَى الرُّؤْيَا أَنَّهُ بِلالُ بنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِىُّ رَوَاهُ سَيْفٌ فِى الْفُتُوحِ كَمَا فِى فَتْحِ الْبَارِى لِابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِىِّ. وَقَوْلُ بَعْضِ الْوَهَّابِيَّةِ إِنَّ مَالِكَ الدَّارِ مَجْهُولٌ يَرُدُّهُ أَنَّ عُمَرَ لا يَتَّخِذُ خَازِنًا إِلَّا خَازِنًا ثِقَةً وَمُحَاوَلَتُهُمْ لِتَضْعِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَمَا صَحَّحَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ لَغْوٌ لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. فَمَا حَصَلَ مِنْ هَذَا الصَّحَابِىِّ هُوَ اسْتِغَاثَةٌ وَتَوَسُّلٌ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبِهَذَا الأَثَرِ يَبْطُلُ قَوْلُ الْوَهَّابِيَّةِ إِنَّ الِاسْتِغَاثَةَ بِالرَّسُولِ بَعْدَ وَفَاتِهِ شِرْكٌ فَهَذَا الصَّحَابِىُّ قَصَدَ قَبْرَ الرَّسُولِ لِلتَّبَرُّكِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ عُمَرُ وَلا غَيْرُهُ فَبَطَلَ دَعْوَى ابْنِ تَيْمِيَةَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَارَةَ شِرْكِيَّةٌ.