السبت ديسمبر 21, 2024

#30 سيدنا محمد رسول الله ﷺ

الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان ورحمنا ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام أما بعد ليُعلم أنَّ التوبةَ واجبةٌ من الذنب الكبير فورًا وكذلك من الذنب الصغير على الفور لأنّ الله تعالى قال: {توبوا إلى الله}. وللتوبة أركانٌ منها الندم أسفًا على عدم رعاية حقّ الله، أما إذا نَدِمَ لأجل الفضيحة بين الناس مثلا أو نحوِ ذلك، فهذا ليس الندمَ الذى هو ركنُ التوبة، ولا يكونُ ذلك توبةً معتبرة صحيحة فى حكم الشرع. فالندم هو الركن الأعظم فى التوبة ولذلك قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: “الندم توبة”، معناه الركن الأعظم للتوبة هو الندم. الركن الثانى للتوبة هو الإقلاع عن الذنب فى الحال أى ترك الذنب الذى يتوب منه فى الحال. فإذا إنسانٌ ندم فى قلبه على ارتكابه الذنب لكن ما تركه إنما هو بَعْدُ منغمسٌ فيه لا يكون ندمُه هذا توبة. والركن الثالث للتوبة هو العزم فى قلبه على أن لا يعود إلى هذا الذنب بعد ذلك أبدًا، أى أن ينوى جزمًا أن لا يفعله بعد ذلك. أما إذا قال فى قلبه الآن أندم وأترك الذنب ثم بعد شهر أو بعد سنة أو بعد عشرِ سنين أرجع إلى هذا الذنب فهذه توبةٌ غيرُ صحيحة. فلا بدّ من اجتماع هذه الأركان الثلاثة لصحة التوبة. فإذا تاب الإنسانُ توبة مجزئة غُفِرَ ذنبُهُ كما صح فى حديث ابن ماجه: “التائب من الذنب كمن لا ذنب له”.إهـ. ثم إن رجع إلى ذلك الذنب بعد أن تاب توبة مجزئة لا يُكتب عليه الذنب الأول من جديد، إنما يكتب عليه الذنب الجديد فقط. ثم لو كانت المعصية تركَ فرض لا بد من أن يقضيه، كأن كان الذنب ترك فرض الصلاة فإن توبته لا تصح حتى يقضىَ هذا الفرض. وإن كان الذنب ترك زكاةٍ أو كفارة أو نذر فيجب عليه الدفع فورًا إن كان مستطيعًا فإن لم يكن مستطيعًا ينوى بقلبه جزمًا دفعَ ذلك عندما يستطيع. وإن كان الذنبُ تَبِعَةً لآدمى يقضى له هذه التبعة أو يستسمحُه. فإن غصب له مالَه مثلًا يرد عينَ المال إن كان باقيًا فى يده وإلا يرد بدلَه للمالك أو لنائب المالك أو للورثة إن كان مات، إلا إن سامحه صاحبُ الحق. وإن كان الحق الذى عليه يتضمن قِصاصًا كأن كان قد قتل مسلمًا ظلمًا، هنا صار من جملة ما عليه لتصح توبتُه أن يُمَكّـِنَ أهلَ القتيل من نفسه أى يذهبْ إلى ولىّ القتيل ويقول له ها أنا ذا أمكنُك من نفسى إن شئت أن أُقْتَلَ قِصاصًا لا أهربُ وإن شئتَ فَاعْفُ فإن لم يفعل ذلك بل هرب من القِصاص لم تصح توبتُه.  والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.  وفي ختام هذه السلسة المباركة التي تكلمنا فيها عن شمائل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة أود أن أحثكم على حسنِ الخلق وهذا شيء يحبه رسول الله لكم فإنه صلى الله عليه وسلم قال : أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حَسُنَ خلُقُه  .. معناه : أنا ضامن لمن حسُن خلقُه بيتا في أعلى الجنة .. ومعنى حُسن الخلق أن يعمل الإنسان المعروف مع الذي يعرف له ومع الذي لا يعرف له، أي مع الذي يقدّر له إحسانه ومع الذي لا يقدّر له إحسانه، وذلك لأن قصدَه رضا الله فلا يهمُه رضا الناس بعد أن يرضى الله عنه . فإذن حسن الخلق معناه أن يعمل الإنسان المعروف مع الذي يعرف له ومع الذي لا يعرف له وأن يصبر على أذى الناس وأن يكف أذاه عن الناس . هذا معنى حسن الخلق . المسلم المؤمن الذي يعمل المعروف مع الذي يعرف له ومع الذي لا يعرف له ويكف أذاه عن الآخرين ويصبر على أذى الناس هذا له عند الله تعالى  يوم القيامة  فضل كبير بحيث إنه يساوي الرجل الذي يقوم الليالي والناس نيام ويصوم النهار ، أي يكثر من صيام النفل ويتهجد في الليل ، أي يقوم في جوف الليل ليصلي تطوعا لله تعالى .. صاحب الخلق الحسن من المؤمنين هو في الدرجة سواء مع هذا الذي يقوم الليالي ويترك لذيذ المنام محتسبا الأجر من الله تعالى ويصوم أكثر السنة . هذا المؤمن ، بحسن خلقه ، يساوي ذاك الذي يقوم الليل ويصوم النهار بلا فتور . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمنَ ليُدرِكُ بحسن خلقه درجة الصائم القائم  . رواه أبو داود. وأكمل المؤمنين إيمانا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأعظَمهم اتباعا له،  المتخلقون بأخلاقه المتمسكون بسنته وهديه؛ قال صلى الله عليه وسلم إن من أحبِكم إلي وأقربِكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنَكم أخلاقا. وحسن الخلق أيها المسلمون يتطلب ترك الغضب. والغضب شره كبير. كثير من الناس بسبب الغضب يكفرون. وكثير يقطعون أرحامهم بسبب الغضب . وكثير من الناس يقدمون على القتل ظلما وعدوانا بسبب الغضب. قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، علمني شيئا ولا تكثر علي لعلي أعيه، قال: لا تغضب.. فردد ذلك مرارا كل ذلك يقول: لا تغضب معناه اكظم غيظك إذا أحسست به ولا يحملنك الغضب على معصية الله.. هذا معناه.. وليس المعنى أن الغضب نفسَه معصية.. لا، ليس هذا معناه، لأن الإنسان لا يستطيع أن يدفع عنه الغضب الذي هو حالة نفسانية . أنبياء الله يغضبون إذا انتهكت محارمُ الله. قال الله تعالى  ولما سكت عن موسى الغضب .  وكانت عائشة ، رضي الله عنها ، تقول : كان رسول الله إذا غضب يعرف الغضب في وجهه. فإذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تغضب معناه أن الإنسان عليه أن يكظم غيظه عند الغضب ولا يحملنه الغضب على معصية الله ، كما قال الله تعالى في سورة ءال عمران والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  ليس الشديدُ بالصُرَعَة أي الذي يصرع الرجال ، إنما الشديدُ الذي يملِكُ نفسَه عند الغضب    .وقال صلى الله عليه وسلم : ليسَ الشَّديدُ مَنْ غَلَبَ الناسَ ولكنَّ الشَّديدَ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ. وهذا الأمر ، أي ترك الغضب ، يحتاج إلى مخالفة النفس ، لأن النفس تحب أن تعلو على غيرها ، وتشتهي أن تنتقم ممن أساء إليها . وهذا الانتقام قد يؤدي إلى مفاسد ، وبعض مفاسد الغضب أشدُ من بعض . فقد يهون الغضبُ على الإنسان الكفر بالله . الإنسان في حال الرضى يكون هادئا ، يحفظ لسانه ، لكن حين يغضب قد يكفر أو يبطش ظلما وعدوانا والعياذ بالله . فاتقوا الله عباد الله واجتنبوا أسباب الغضب المذموم ولا تستسلموا لدواعيه ولا تنفذوا ما يدعوكم إليه وخذوا بزمام أنفسكم وكفوا ألسنتكم وأمسكوا جوارحكم عن كل سوء، وخذوا بأسباب المحبة والمودة والإخاء،  وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. ومن مظاهر حسن الخلق أن تأت إلى الناس بما تحب أن يؤتى إليك: ثبت بالاسناد المتصل في صحيح ابن حبان إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منـيـته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس بما يحب أن يؤتى إليه. هذا الحديث معناه أن من أراد النجاة من النار والفوز بالجنة فليعمل بهذه الأمور ، وهي : الإيمان بالله واليوم الآخر  وما يتـبع ذلك من أصول العقيدة ، أي ليثبت على ذلك حتى يموت ، وليأت إلى الناس بما يحب أن يؤتى إليه ، أي ليعامل الناس بما يحب أن يعامله الناس به ، أي بالصدق والأمانة والعفو والصفح عند الإساءة. هذا الحديث الشريف من الأحاديث العظيمة التي لو عمل الناس بها لقضت على كثير من المنكرات والخصومات بين الناس، ولعم المجتمع الأمن والخير والسلام. نبينا الكريم أوصانا بالحلم والعفو وأن يعامل الواحد منا أخاه بما يحب أن يعامله أخوه به من الصفح والعفو ومقابلة الإساءة بالإحسان . وهذا شرط الإيمان الكامل . وقال عليه الصلاة والسلام : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. رواه البخاري ومسلم. معناه لا ينال المسلم الإيمان الكامل حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ومن وجد في قلبه حقدا على مسلم أو عداوة له فليعمل بما أوصى به نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال: تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ… والغل أي الحقد .. والشحناء أي العداوة. ومن حسن الخلق ما جاء عن أبي ذر ، قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم :  لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجه طلق ، وفي لفظ للحديث بوجه طليق. والوجه الطليق ، هو الوجه السهل المنبسط الباسم المشرق  .وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تبسمك في وجه أخيك صدقة ». وليعلم أن التبسم وطلاقة الوجه من أول الطريق للقلوب، ونشر المودة والخير والرحمة بين الناس، بما يصبُغ المجتمع بالأمان والإخاء والأُلفة، وهذا له آثار إيجابية على المجتمع وأفراده. صاحب الوجه الطلق محبوب إلى كل من عاشره.. صاحب الوجه الطلق متخلق بخلق فاضل.. كريم .. وهو خلق الصالحين. وطلاقة الوجه تدل على سماحةِ النفس.. وسهولةِ الطبع .. وهو من اخلاق المؤمنين.. لبسمة في وجه اخيك المسلم هي من أغلى ما تهديه إليه .. وبها تدخل السرور إلى قلبه ، فإن أثر طلاقة الوجه على النفوس لا يجهلُه احد وهو أثر ملموس يحسُه كلُ احد عندما يجد البسمةَ من أخيه. فما أحوجنا إلى تبسم الأخ في وجه أخيه والجار في وجه جاره في زمن طغت فيه المادة وقلت فيه الألفة وكثرت فيه الصراعات، وما أحوجنا إلى تبسم الرجل في وجه زوجته والزوجة في وجه زوجها في زمن كثرت فيه المشاكل الاجتماعية والعبوس وتقطيب الجبين، وما أحوجنا إلى تلك الابتسامة من مدير في وجه موظفيه يُدخل بها السرور إلى قلوبهم ويرفع من عزائمهم بعيدا عن التكبر والتسلط والاستعلاء. ما أحوجنا إلى البسمة وطلاقة الوجه وانشراح الصدر ولطف العبارة ولين الجانب من عالم منصف يسعى لجمع كلمة المؤمنين ووَحدة صف المسلمين، وما أحوجنا إلى الابتسامة الصادقة من ذلك الحاكم والمسؤول في وجه من يقوم برعايتهم وخدمتهم من غير خداع أو كذب أو تزوير، فتحبُه قلوبُهم وتلهجُ بالثناء الحسن والدعاء له بألسنتُهم. أخي الكريم تبسمك في وجه اخيك صدقة ومن المعروف وسبب في نشر المودة والخير والرحمة بين الناس، بما يصبُغ المجتمع بالأمان والإخاء والألفة فاستكثر منه رحمك الله. واعلم أن الكثير من الشركات العالمية تقوم بإنفاق ملايين الدولارات من أجل تدريب موظفيها على الابتسامة في وجه الزبائن والعملاء وهم بذلك يرجون منافعا دنيوية، فكيف بالمسلم عندما يتخلق بهذا الخلق فيثاب على ذلك وينتفع في الدنيا والآخرة؟! حري بنا أن لا نهجر التبسم وطلاقة الوجه في وجوه الناس. وليعلم يا أحبابنا أنه أجريت العديد من البحوث والدراسات حول الابتسامة وفوائدها فتوصلوا إلى أن لها فوائد صِحية ونفسية وبدنية ولها آثار إيجابية كثيرة. وإلى جانب هذه الفوائد الصحية للابتسامة فإنها أيضا باب من أبواب الخير والصدقة، قال صلى الله عليه وسلم تبسمك في وجه أخيك صدقة.  وهي سبب في كسب مودة الناس ومحبتهم ورسم الابتسامة على وجوههم و فيها ترويح للنفس وذهاب للهموم والغموم وهي مظهر من مظاهر حسن الخلق التي يدعو إليها الإسلام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :  لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق. أي بوجه طليق، ومعناه سهل منبسط باسم مشرق بشوش. وفي الابتسامة الصادقة تأس بسيد الخلق وأعظمِهم خلُقا، قال جريرُ بنُ عبدِ الله البَجليُ رضي الله عنه : ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي. صلوا عليه… هنيئا لجرير يتبسم له رسول الله كلما رآه….  ومن حسن الخلق أيضا بذل الكلمة الطيبة للناس: يقول الله تعالى في القرءان الكريم: وقولوا للناسِ حُسنا . وقال عليه الصلاة والسلام: فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة. رواه الشيخان. فيا أخي الكريم من المهم اختيار الكلمات والأسلوب المناسب للحديث، تفاديا لابتعاد الأشخاص ونفورهم عما تقوله من الحق، ومن هنا تبرز أهميةُ الكلمة الطيبة وتأثيرُها الإيجابي على النفوس، ولا يمكن حصر الكلمات الطيبة التي يمكن أن يستخدمَها الإنسان في التعبير عن نفسه وعن الأشياء، وفي إبداء رأيه وتعقيبه على الأمور، وفي الحديث مع الآخرين في شتى الأمور وفي طلب الأشياء منهم، و الكلمة الطيبة تُظهر تربيةَ صاحبها وثقافتَه وأخلاقَه، وكلما ارتقى الإنسان في العلم والمعرفة والدين ارتقى قاموسُه اللغوي، وازدادت لديه مهارةُ القدرة على اختيارِ الكلمات المناسبة، ولا يخفى عليك أخي الكريم أن صاحبَ الكلمة اللينة الطيبة يجمع حوله الكثير من الأخوة والأصدقاء والأحباب، ويرغب في قربه كثير من الناس لحسن خلقه. الكلمة الطيبة تنشر مشاعر الأُلفة بين القلوب الغريبة، وتبعث طمأنينة في قلوب الأشخاص الذين نراهم لأول مرة ، وتحوّل أحيانا العدوَ إلى صديق، والخِصامَ إلى صلح، والحربَ إلى سلم، والحزنَ إلى فرح، والكآبةَ إلى بهجة، وفيها ثوابٌ وتندرج تحت الأعمال الصالحة. الكلمة الطيبة يُردُ عليها بكلمة طيبةٍ عادة، وينتقل هذا النوع من أدب الحديث بين الناس، وينتج عنه مجتمعات حضارية راقيةٍ خاليةٍ من بذيء الكلام وبذاءة اللسان والخوضِ في الباطل وتوليدِ العداوات . أخي الكريم روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت فقل خيرا يا أخي المسلم واجعل الصِدق شعارَك وردد الكلمة الطيبة لكل الناس وفقك الله وأحسن إليك وزادك الله من فضله. ومن حسن الخلق أيضا إفشاءُ السلام: قال تعالى: وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسنَ منها أو رُدوها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا (أي إيمانا كاملا) حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم رواه مسلم. وعن أبي يوسف عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام . ومن آداب السلام ما جاء  عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليلُ على الكثير والصغير على الكبير. ولإفشاء السلام ثمرات: منها: أنه سبب للسلامة من الحقد وسبب لسلامة الصدر والتحابِ في الله وتقويةِ المودة والمحبةِ والأُخوّةِ بين المؤمنين وفيه أجر وثواب. وإذا أردت أن يبارك الله لك في نفسك وأهل بيتك فسلم عليهم كلما دخلت بيتَك؛ فإنَّ ذلك من أعظم أسباب البركة. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني ، إذا دخلتَ على أهلك فسلم يكن بركةً عليك وعلى أهل بيتك. و  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى مسلمان فتصافحا وصليا علي لم يفترقا حتى يُغفرَ لهما ما تقدم من ذنبهما وما تأخر. رواه الحافظ ابن حجر العسقلاني. ومن فوائد المصافحة أنها تقوي المودة والأُلفة بين المسلمين وتُذهبُ الشحناء والبغضاء من القلوب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصافحوا يذهبِ الغل . وتهادَوا تحابوا وتذهبِ الشحناء . والغل  أي الحقد .. والشحناء أي العداوة .. ومما يقوي الألفة والمحبة بين المؤمنين عيادة المريض منهم ففي ذلك أجر كبير وخير جزيل وهي من حقوق المسلم على أخيه المسلم، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “حق المسلم على المسلم سِتٌ“: قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: “إذا لَقِيتَه فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمِدَ الله فشمّته، وإذا مَرِضَ فعُده، وإذا مات فاتَّبِعه“ والمريضُ المسلم يُزار وإن كان مسكينا فقيرا غيرَ معروف. قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه : أوصاني أي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحب المساكين والدنو منهم  أي الاقتراب منهم،  وكان رسول الله من شدة شفقته ورحمته للمؤمنين أنه إذا لم ير بعض أصحابه برهة من الزمن يتفقده، حتى إنه قيل له عن رجل غريب مؤمن فقير حين سأل عنه قيل له إنه توفي، فذهب إلى قبره وصلى عليه، سأل عن قبره أين دفن فدُل عليه فصلى عليه . إلى هذا الحد كان يحب المساكين ويعتني بهم وهذا الميت ما كان إلا رجلا مؤمنا مسكينا غريبا . وفي هذه الوصية تهذيب للنفوس بحيث إن فيه ترغيبا في محبة المساكين والفقراء والرغبة في تقريبهم إلى مجلسه، كذلك الرسول أحب أن يكون في الدنيا مع المتواضعين لأن المتكبرين يحشرهم الله تعالى أمثال الذر أي النمل الأحمر في صورة رجال، صغار أذلاء يطؤهم الناس يوم القيامة ولا يموتون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين. رواه البيهقي والحاكم والطبراني. الصالحون لا يحبون المتكبرين بل يحبون أن يكونوا مع المؤمنين المتواضعين الذين قلوبهم منكسرة لله تعالى. المؤمن الصالح لا ينظر إلى الفقراء نظرة احتقار ولا يهينهم أو يسخر منهم، فاقتدوا يا أحبابنا بالصالحين واعطِفوا على المساكين المتواضعين وجالسوهم وزوروهم لتزدادوا شكرا لله. قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه : وأوصاني أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي أي في أمور الدنيا أي لا ينظر إلى أمور الأغنياء بل ينظر إلى الفقراء، بعضهم إذا نظر إلى الأغنياء يحتقر نعمة الله التي أنعمها عليه ويصيرُ عنده جشع فلا يشكرُ الله تعالى، لأن تفكيرَه تشتت في أموال الأغنياء، يفكر كيف يصير مثل هؤلاء فينهمك في أمور الدنيا حتى يصير يجمع المال بالحرام ولا يبالي إنما همه أن يجمع، أما إذا نظر إلى من هو دونه أي أفقر منه يزداد شكرا لله تعالى ويكون ذلك أعون له على الإحسان بما يستطيع لمن هو أحوجُ منه. فقد ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سبق درهم مائةَ ألفِ درهم، قيل وكيف ذلك يا رسول الله ؟ فقال رجل له درهمان أي لا يملك غيرَهما فتصدق بأحدِهما ورجل تصدق بمائة ألف من عُرض ماله . يعني إنسان لا يملك من النقود إلا درهمين أخرج درهما واحدا ابتغاء الفضل من الله فكان ثوابُ هذا الدرهمِ الواحد أعظمَ من ثوابِ الغني الذي تصدق بمائة ألف، والمائة ألف بالنسبة لماله قليل من كثير. نسأل الله تعالى أن نكون من الشاكرين الصالحين المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.