#30 زكاة التجارة والذهب والفضة
الحمد لله اللطيف بعباده المجيب والصلاة والسلام على نبيّه الحبيب وعلى آله وأصحابه إلى يوم الحساب العصيب أمّا بعد فإنّ نصاب الذهب عشرون دينارًا أو مثقالًا (هما بمعنـًى واحد). والمثقالُ هو ما كان مساويًا لوزنِ اثنتينِ وسبعين حبةَ شعير متوسطةً باعتبارِ شَعيرِ الحِجَاز من غير قَشْرٍ (أى بِقِشْرِها) يُقْطَعُ مِن طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وطَال. وأما الفضةُ فنصابُها مِائَتَا درهم. والدرهم خَمسونَ حبةِ شعيرٍ متوسطةٍ وخُمُسَا حَبّةٍ باعتبار شعير الحجاز من غير قَشْرٍ ويُقْطَعُ من أطرافها ما دقَّ وطال. يعني أنّ نصابَ الذهَبِ هو أَرْبَعَةٌ وثمانونَ غِرامًا وتِسْعَة أعشار الغرام تقريبًا. وهذا الوزن فى الذهبِ الخالص. فأمّا إن كان عيار الذهب أربعةً وعشرين فيكون النصاب تقريبًا سِتَةً وثمانينَ غرامًا. فإن كان من عيار واحد وعشرين فيكونُ تقريبًا سبعةً وتسعينَ غرامًا. فإن كان من عيار ثمانيةَ عشرَ فهو مِائة وأربعةَ عشرَ غرامًا. وذلك لأنّ هذه العِيارات تَحتَوِى غِشًّا غيرَ الذهب الخالص، يعنى تحتوى معادن من غير الذهب بِنِسَبٍ معينة. والعبرة فى النصاب بالذهب الخالص، يعني لا بد أن يكون ما فيه من الذهب الخالص مُساويًا للنصاب. وأما الفضةُ فنصابها قريب من خَمْسِمِائَة وأربَعةٍ وتسعين غرامًا وعُشْرِ الغرام.
والزكاةُ فِى الذهبِ والفضةِ رُبعُ العُشرِ، وما زاد عن النصاب ففيه كذلك هذا المقدارُ من الزكاةِ. ولا تجبُ الزكاةُ فى الذهبِ والفضةِ إلا بعد مرورِ الحَولِ إلا فى حالين: فى حال المعدِن وفِى حال الرِّكاز. فإذا اسْتُخْرِجَ الذهبُ أو الفضةُ من المكان الذى خَلَقَهُمَا الله فيه، فإنهما يُزَكَّيان حالًا بعد التنقيةِ من الترابِ ونحوِهِ إذا بلغ المقدارُ الصافى المستخرَجُ نصابًا. وكذلك إذا وَجدَ الإنسانُ دفينًا من الذهب أو الفضة وكان هذا الدفينُ من أيام الجاهلية ليس دفينًا إسلاميًا، ووجدَه فى أرضٍ مَشاع ليست مملوكةً لإنسان معين، فإنه فى هذه الحال يُخْرِجُ الخُمُسَ زكاةً ويأكُلُ الباقى. أمّا ما وُجِدَ عليه اسمُ مَلِكٍ من ملوك الإسلام أو وُجِدَ فى أرضٍ لإنسانٍ ءاخر فحُكْمُهُ حُكْمُ اللُّقَطَة. وحُكْمُهَا أن يُعَرِّفَهَا صاحِبُهَا سَنَةً ثم إن شاءَ يتملَّكُهَا بنيةِ أن يَغْرَمَ لصاحِبِهَا إذا ظهر أو يحفَظُهَا إلى أن يَظْهَرَ صاحِبُهَا.
وأما زكاةُ التجارَةِ فنصابُها نصابُ ما اشْتُرِيَتْ بهِ مِنَ النقدينِ. والنقدانِ هما الذهبُ والفضةُ. ولا يُعتَبَرُ إلا ءاخرَ الحولِ. ويجبُ فيها رُبْعُ عُشْرِ القيمةِ. شرح ذلك أنّ الإنسانَ إذا ابتدأ تجارَتَه فى الأول من مُحَرَّم مثلًا أى اشترى فيه أشياء بنية التجارة، ثم استمرّ فى التجارةِ حتى دخل الأولَ من محرّم من السنةِ القابلة، أى مضت عليه سَنَةٌ قمرية كاملة، فإنّه عند ذلك يُقَوِّمُ كلَّ البِضَاعَة التى عندَهُ للتجارة، أى وكُلَّ العُمْلةِ الناتِجَةِ من التجارة والتى ما زال يستخدِمُهَا فى التجارة، يُقَوِّمُ كلَّ ذلك بالذهب أو بالفضة، على حسب النقد الذى ابتدأ به تجارته، أى إذا ابتدأ تجارَتَهُ بشراء أعراض التجارة بالذهب يقوّمُ بضاعَتَهُ بالذهب، وإن كان ابتدأ تجارتَهُ بالفضة يقوّمُها بالفضة. وإن اشترى البضاعة بغيرِ الذهب والفضة يُقَوّمُهَا بالنقد الغالب منهما فى البلد. فإن لم يكن يُسْتَعْمَل نقدُ الذهبِ ولا نقدُ الفضةِ فى البلد يقوّمُهُ بآخرِهِمَا استعمالًا-ثم يُخْرِجُ رُبع عشرِ القيمة إما ذهبًا وإما فضة، أى يُخرِج الزكاة عينَ ذهبٍ أو عينَ فضةٍ على حسب النقد الذى قَوَّمَ تجارته به.
و لا بُدَّ لصحة أداء الزكاة أن تكون نيتُهُ أنَّ هذا المال الذى يدفعُهُ يدفَعُهُ زكاةً واجبةً. مثلًا يقول فى قلبه هذا زكاةُ مالِى. أما لو مَرَّ بفقيرٍ فدفعَ له مالًا على أنّه صدقَةُ تَطوع لا يجوزُ له بعد ذلك أن يَحْسِبَ هذا القَدْر من الزكاةِ الواجبة، لأنّه لما دفعَ له هذا المال لم تكن نيتُهُ الصدقةَ الواجبة. والله أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.