#3 سيدنا محمد رسول الله ﷺ
لحمد لله مكون الأكوان الموجود أزلا وأبدا بلا مكان والصلاة والسلام على أحسنِ إنسان محمدٍ عليه الصلاة والسلام. أما بعد ليُعلم يا أحبابنا أن سيدَ القوم أجلُهم وافضلُهم وأعلاهم . وهو صلى الله عليه وسلم سيدُ الخلق كما جاء في حديث الترمذي أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر ، ولا يصح الإحتجاج بحديث السيدُ الله لمنع إطلاقِ لفظِ السيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا الحديث لا يدلُ على ذلك وإنما معناه أنّ ذا السلطان الذي لا يزول هو الله ، وأن الذي لا يحصل في مِلكه إلا ما يريد هو الله، هذا معنى السيد الله وهو حديث صحيح وليس معناه أنه لا يجوز أن يقال سيد عن غير الله. وقد جاء في القرءان والحديث الصحيح إطلاق السيد على غير الله ، قال الله تعالى في حق سيدنا يحيى وسيدًا وحصورًا . وحصورًا معناه الذى لا يأتِ النساء ليس عن عجز إنما هكذا كان شأنُ يحيى عليه السلام لا رغبة له بإتيانِ النساء، فهذا فيه إطلاقُ السيد على سيدِنا يحيى بنصِ القرءانِ الكريم. وكذلك جاءَ فى الحديثِ أن الرسولَ قال عن ابنَيْ بنته الحسن والحسين سيدا شبابِ أهل الجنة. وقد قال عليه الصلاة السلام فيما رواه البخاري عن ابن بنته الحسنِ بنِ علي رضي الله عنهما إنّ ابني هذا سيدٌ ولعلّ الله َيُصلحُ به بين َفئتين من المسلمين عظيمتين، فإذا جاز إطلاق ذلك على سيدنا يحيى وعلى الحسن والحسين جاز بالأولى إطلاقه على الرسول عليه الصلاة والسلام . فيتبين مما قلناه أنه يجوز إطلاقُ السيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال بلا شك سيدُنا محمد، صلوا عليه وسلموا تسليما. وليعلم يا أحبابنا الكرام أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسماءُ كثيرة وذَلِكُم يدُلُ على فضله. قال عليه الصلاة والسلام لي خمسةُ أسماء أنا محمد وأحمد والماحي والعاقبُ والحاشر. ومعنى ذلك أن الرسول عليه السلام اختُصت به هذه الأسماء ولكنّه عليه الصلاة والسلام سُمّي بعشرات الأسماء. من أسمائه الشريفة محمد، وهو أشهرُ أسمائه وأشرفُها لإنبائِه عن كمالِ الحمدِ الْمُنبي عن كمال ذاته، سمي به إما لكثرة خصاله الحميدة وإما لأن الله تعالى وملائكتَه حمَدوه حمدًا كثيرًا بالغًا غاية الكمال، فهو محمدٌ من حُمِدَ لكثرةِ خصاله الحميدة. وقد حمى الله هذا الاسمَ فلم يتسمَّ به أحدٌ ممن ادعى النبوةَ في الإسلام مع كثرتهم ولم يتسمَّ به أحدٌ قبله، وإنما سمّتِ العربُ محمدًا قُربَ ميلاده لَمّا أخبر الأحبارُ والكهانُ أن نبيًا يُبعثُ في ذلك الزمان يُسمى محمدًا فسمُوا أبناءَهم بذلك، وهم ستة وقيل أكثر. وهو صلى الله عليه وسلم أحمد ومعناه أحمدُ الحامدين لربه، ويقال الأنبياء حمّادون وهو أحمدُهم أي أكثرُهم حمدًا وأعظمُهم في صفةِ الحمد. ومن أسمائه عليه السلام الْمُقَفِّي أي التابعُ للأنبياء فكان ءاخِرَهم، وهو الحاشرُ أي الذي يُحشر الناس على قدمِه أي على إثرِ زمنِ نبوّته إذ لا نبي بعده، أو على إثره في الحشر لأنه أولُ من تنشق عنه الأرض. وهو العاقب أي الذي لا نبيّ بعده. وهو الماحي الذي يمحو الله به الكفرَ أي أهلَه وهذا محمولٌ على الأغلب لأن الكفرَ ما انمحى من جميع البلاد أو أنه سينمحي أولًا فأوّلًا إلى أن يضمحلَ بعد نزول عيسى عليه السلام فإنّه يَرفعُ الجزيةَ ولا يَقبلُ إلا الإسلام أو السيف. وهو نبيّ الرحمة أي والمرحمة أي نبي التراحم بين الأمة. وهو نبيُّ التوبة أي نبيٌّ مُخْبِرٌ عن الله بقَبوله التوبةَ بشروطها، أو ءامرٌ بها، أو كثيرُ التوبةِ أي الرجوعِ إلى الله تعالى. وهو نبيُّ الملحمةِ أي الحرب، سُمّي به لحرصه على الجهاد ومسارعتِه إليه، وفي الحديث: جُعِلَ رزقي تحت ظلِّ رُمحي . وقد قيل في بعض التفاسير: طه إنه يا هادي ويا طاهر، وياسين يا سيّد. وهو الرسول أي رسولُ الرحمة، ورسول الملاحم. وهو عبدُ الله، ووصفُ العبودية أشرفُ الأوصاف وقد جاء وصفُه به في التنزيل {وأنَّهُ لَمَّا قامَ عبدُ اللهِ يدْعُوهُ} وهو صلى الله عليه وسلم أفضلُ عباد الله . وهو المتوكل أي الذي يَكِلُ أمورَه إلى الله. وهو الرءوفُ الرحيم بشهادة قوله تعالى{حريصٌ عليكُم بالمؤمنينَ رءوفٌ رحيمٌ} والرأفةُ شدةُ الرحمةِ فهو شديدُ الرحمةِ على المؤمنين. وهو الشاهدُ يومَ القيامة على أُمَتِه قال تعالى: {وجِئنا بكَ على هؤلاءِ شهيدًا} وهو الْمُبَّشِرُ لأهلِ الإيمان بالرِضوانِ في هذه الدارِ وفي دارِ القرار، والْمُنذِرُ لأهلِ الكُفْر بالخِذْلانِ والهوانِ في دارِ البوار. وهو السراجُ الْمُنير قال تعالى: {وسِراجًا مُنيرًا} إذ به انجلَت ظُلُماتُ الشِركِ كما ينجلي ظلامُ اللّيلِ بالسراجِ واهتدت بنورِ نبوَّتِه البصائرُ كما تهتدي بنورِ السراجِ الأبصار، ووصفُه بالإنارةِ لأنَّ منَ السراجِ ما لا يكونُ نَيِّرًا. وهو الْمُزَّملُ أَىِ الْمُتَزَمِّلُ وَهُوَ الَّذِى تَزَمَّلَ فِى ثِيَابِهِ أَىْ تَلَفَّفَ بِهَا، كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمًا بِاللَّيْلِ مُتَزَمِّلًا فِى ثِيَابِهِ فَأُمِرَ بِالْقِيَامِ لِلصَّلاةِ. والْمُدَّثرُ أي الْمُتَلَفِّفُ بِثِيَابِهِ عِنْدَ نُزُولِ الوحي. وهو الداعي إلى الله بإذنه كما في قوله تعالى: {وداعيًا إلى اللهِ بإذنِهِ} وهو الْمُذكِّر أي الواعظ قال تعالى: {إنَّما أنتَ مُذَكِّرٌ}. وهو نعمةُ الله إذْ هو نعمةٌ على من ءامن به في الدارين. وهو الهادي إلى الصراط المستقيم بواضح الحُجَج وساطع البراهين ، وله غيرُ ذلك من الأسماء التي تَعظُم عن العد لكثرتها، ومن أسمائه المشهورة الْمُختار والمصطفى والشفيعُ والمشفَّع والصادقُ والمصدوق وغيرُ ذلك. ثمَّ إنَّ القاضي أبا بكرٍ محمدَ بنَ العربيِ المالكيَ قد جَمَعَ في كتابه الُمسمى بعارضةِ الأحْوَذي في شرح الترمذيّ للمصطفى عليه السلام سبعةً وستينَ اسمًا، كما أنّه أوصلها بعضُهم إلى تسعةٍ وتسعين موافقةً لعدد الأسماء الحسنى، وأوصلها ابنُ دحية إلى ثلاثمائة، وبعضهم إلى أربعمائة، وبعضُ الصُوفية إلى ألف، بل قال ابنُ فارس: هي ألفان وعشرون، وأكثرها من قبيل الصفات. وهو النبيُ الأميُ الذي لا يكتبُ بيده ولا يقرأُ المكتوبَ وهذا معلومٌ منتشرٌ بين المسلمين وهو حق. وأما ما تقولُه وتنشرُه بعض الفرقِ من غيرِ أهلِ السنة والجماعة من أن النبيَّ كان يقرأ ويكتب فهو باطل. فهو صلى الله عليه وسلم قد جاءَ بكلامٍ أعجزَ الشعراءَ والكتّابَ والبُلَغاءَ فكانت معجزةً من معجزاته أنه أميٌّ ملأ الدنيا علمًا وحضارةً وأحاديثُهُ عمدةٌ يُحتجُ بها وكلامُه قاعدةٌ يُلجأُ إليها في اللغةِ والنحوِ والبيانِ والخَطابةِ والكتابةِ، كيف لا وهو الذي قال الله تعالى فيه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَىٰ} . وثبتت أميتهُ عليه الصلاة والسلام بنصِ الحديث عند أولِ نزولِ الوحي لما قال له جبريل: اقرأ فقال ما أنا بقارِئ، معناه لا أعرفُ قراءةَ المكتوب. والأميةُ في حقه عليه الصلاة والسلام مدحٌ، والمدحُ فيها أنه أميٌ مُعلِّم، وأميٌّ أعجزَ بلغاءَ العربِ وتحداهم بلغتهم فعجزوا عن التحدي ولجؤوا إلى الافتراءِ والحربِ والمكيدةِ مع علمهم بأنه لا يقرأُ المكتوبَ ولا يكتبُ بيده صلى الله عليه وسلم، ولو استطاعوا أن يتحدُوه بمثل ما جاء به لَما كلّفوا أنفسهم الحربَ والموتَ وخرابَ الديار. وقد وصف الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالأمي بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ}. وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صاحبُ نسبٍ شريف، فهو محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبد المطلب بنِ هاشم بنِ عبد مناف بنِ قُصي بنِ كلابٍ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لؤي بنِ غالب بنِ فِهْر بنِ مالك بنِ النضر بنِ كنانة بنِ خزيمة بنِ مُدركة بنِ الياس بنِ مُضر بنِ نزار بنِ معدِّ بنِ عدنان أبو القاسم سيّدُ ولدِ ءادم صلى الله عليه وسلّم كلّما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. وجدّه الأعلى عدنان من سلالة إسماعيل نبيِّ الله ابنِ نبيِّ الله إبراهيم، خليلِ الرحمن صلى الله عليه وسلّم وعلى جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين. فمحمّدٌ صلى الله عليه وسلّم صاحبُ هذا النسب الشريف، نخبةُ بني هاشم وعظيمُها. روى مسلم وغيرُه عن واثلةَ بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذيّ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فهو صلى الله عليه وسلّم خيارٌ من خيار كما دلت عليه النُقولُ والآثار. أما والده عبد الله فإنه توفى فى المدينة وكان عمره خمساً وعشرين سنة والنبي حمل في بطن أمه ، وأما أمه رضي الله عنها فاسمها ءامنة بنتُ وهب بنِ عبد مناف بنِ زُهْرة وتوفيت بالأبواء بين مكة والمدينة وكان له عليه الصلاة والسلام ستُ سنوات من العمر. وهو صلى الله عليه وسلم عبدُ اللهِ ورسولُه ونبيُه وخليلُه وهذا فيه وصفُ النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية لله مع إثبات وصفه بالنبوة والرسالةِ كما قال عليه الصلاة والسلام : يا أيها الناسُ قولوا بِقَولِكُم ولا تَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشياطينُ أنا محمدُ بنُ عبدِ الله ِ، أنا عبدُ الله ِورسولُه وما أُحِبُ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلنيَ الله . رواه أحمد وفى هذا الحديث إثبات أن النبى لا يُمدح بما هو مخالف لشريعته، لا يجوز أن يصفَه الإنسانُ بما فيه مخالفةٌ لشرعه ولو كان قصدُه ومرادُه أن يمدحَ الرسول عليه الصلاة والسلام مثلُ بعضِ الناس الذين قالوا إن الرسول يعلم كلّ ما يعلمه الله فهذا مخالفةٌ للدين توقع صاحبَها فى الكفر. أو مثلُ قولِ بعض الناس إنّ أولَ خلق الله هو النبى وهذا غلط فهذا وإن كان أُريد منه مدحَ النبى ِصلى الله عليه وسلم لكنه فيه مخالفة لشرعه فلا يجوز ذلك لأن أول مخلوقات الله هو الماء والنبى عليه الصلاة والسلام نهانا عن الغلو فقد روى البخارى فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تُطْرونى (أى لا تمدحونى) كما أطْرَتِ النصارى عيسى ابنَ مريم إنما أنا عبدُ الله ِورسولُه فقولوا عبدُ الله ِورسولُه . ومعنى قولنا وخليلُه أي المنقطع إلى الله أى الذي ملأت محبتُه قلبَه فهو يوالى في الله ويعادي فيه ويلجأ فى حاجاته إلى الله تعالى. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : إن أمنّ الناسِ عليَّ في مالِه وصحبتِه أبو بكر ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذتُ أبا بكر خليلًا ولكن أُخوةُ الإسلام هذا معناه أن الرسول هو خليلُ الله ما اتخذ من البشر خليلًا نُسب اليه فقيل خليلُ فلان إنما لعلوِّ مرتبته عليه السلام هو خليلُ الله وهذه مرتبةٌ ولقب ما أُطلق إلَّا على نبيِ الله إبراهيم ونبيِنا عليهما الصلاة والسلام. وهو عليه الصلاة والسلام خيرُ الخلق أجمعين أي خيرُ خلق الله قاطبةً وأفضلُهم، أفضلُ من الملآئكة ومن كل الإنس ومن كل الجن قال العلماء : ويدل على ذلك من القرءان قولُه تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس ، فإذا كانت أمتُه خيرَ الأمم فنبيُها خيرُ الأنبياء فإنهم ما شَرُفوا إلا به ولا ارتفعت هذه الأمة على غيرها من الأمم إلَّا بفضل نبيّها عليه الصلاة والسلام، وأما من الحديث فكثير ومنه الحديث المشهور الذي رواه الترمذي وغيره أنا سيد ولد ءادم ولا فخر . قال النوويُّ : وهذا الحديث دليل على تفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلِهم . وهو صلى الله عليه وسلم قائدُ الغرّ المحجلين، الغر يعنى أصحابُ الغرة والغرة لغةً بياضٌ في جبهةِ الفرس، والتحجيلُ بياضٌ في قوائمِ الفرس ، والمعنى أن الله جعل مزيةً لهذه الأمة المحمدية أنهم بغسل ما هو زائدٌ على الحد الواجب غسلُه في الوضوء في الوجه والرجلين تُنَوّرُ لهم هذه المواضع يومَ القيامة فيَعرف رسولُ الله من كان من أمته من هذه العلامة ، قال صلى الله عليه وسلم : إن حوضيَ أبعدُ من أيْلَةَ (وهى مدينة على ساحل بلاد الشام ) من عدن لهو أشد بياضًا من الثلج وأحلى من العسل باللبن ولآنيتُه أكثرْ من عدد النجوم وإني لأصدُّ الناس عنه كما يصد الرجل إبلَ الناسِ عن حوضه. قالوا : يا رسول الله أتعرفنا يومئذٍ قال نعم لكم سِيما ليست لأحد من الأمم تردون عليَّ غرًا محجلين من أثر الوضوء . رواه مسلم ، فأمة الإجابة همُ الغرُ المحجلون وقائدُهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وليعلم أن الله أرسله صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجن مبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا .ومعنى ذلك أن رسول الله مرسل إلى الإنس كافة عربًا وعجمًا وإلى الجن كافة يدعوهم إلى الإيمان والطاعة وينهاهم عن الكفر والمعصية ، يبشر الطائعين بالجنة وينذر الكفار وأهل الكبائر عذابًا عظيمًا ، فهدى الله به من شاء فأخرجه من الظلمات إلى النور كما قال ربنا عز وجل : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا . وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا وكونُ رسالتِه عليه الصلاة والسلام عامةً للإنس والجن كافةً شيءٌ مقررٌ فى القرءان الكريم وفى الحديث الشريف وأجمعت الأمةُ على ذلك وعَرَف هذا الجاهل والعالم من المسلمين. مرة كان ركب من الناس مسافرين فتوقفوا فى موضع وناموا فيه إلَّا واحدًا لم ينم فسمع هاتفًا من الجن يتكلم سمع صوته ولم يره قال الجني: يا أيها الركب المعرس بلغوا، إذا ما بلغتمُ الحطيم وزمزما. محمدًا المبعوثَ منّا تحية، تشيعُهُ حيث سار ويمم. وقولوا له إنّا لدينك شيعة، بذلك أوصانا المسيحُ ابنُ مريَم. وهذا كان جنيًا من أتباع عيسى عليه السلام فلمّا سمع هذا الشخص ذلك ذهب إلى رسول الله وأسلم فكان إسلامه بسبب هذا الجنى الله يجزيه خيرًا . قال الله تعالى : ليكون للعالمين نذيرًا . والعالمون هم الإنس والجن ، قال سبحانه : قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا وقال عزّ وجل : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءانًا عجبًا. وقد ثبت فى الحديث أن الرسول اجتمع بالجن أكثر من مرة فعلمهم أمور الدين لذلك قال عليه الصلاة والسلام فى تعداد مزاياه فى بعض الأحاديث قيامًا بما أمره الله به من إظهار فضله لنزداد محبة له عليه الصلاة والسلام وطاعة لما جاء به، كان يبين ماذا له من المزايا ففى بعض الأحاديث قال صلى الله عليه وسلم وكان النبي يُبعثُ إلى قومه وبعثت إلى الجن والإنس كافة. رواه الإمام أحمد وغيره. ومعنى الحديث أن غيره من الأنبياء كان يسمى لهم قومَهم وليس معنى ذلك أنهم ما كانوا يأمرون من رأوه من غيرِ قومِهم بالمعروف وينهونه عن المنكر، فلينتبه. وليعلم أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم، أي أمة الإجابة وهم الذين ءامنوا به عليه الصلاة والسلام وهذه الأمة هي خير أمم الأنبياء على الإطلاق يدل على ذلك قولُ الله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس . وحديث رسول الله :نحن الآخرون أي زمانًا السابقون ، أي يوم القيامة هم أول أمة وصولًا إلى الجنة .وقد خص الله تعالى أمته بخصائص كثيرة فهي أفضلُ أممِ النبيين وأفقهُها فما كانت أمةٌ عندها الفقهُ فى الدين مثل ما عند هذه الأمة، وأحفظُها لكتابها ولحديث نبيها وأعلمُها وأكثرُها صالحين وأولياء وأورعُها وأكثرُها جهاداً وأكبرُها، وقد عصمها الله تعالى من الاجتماع على ضلالة فلا تجتمع هذه الأمة على ضلال وحفظ جمهورَها من الزيغ أى مهما كثر الضلال لا يزيغ الجمهور وإن ضلّ هنا وهناك أناس، ولا تزال طائفة منها ظاهرةٌ على الحق إلى قيام الساعة ، ءاخر الأمم زمانًا وأولها دخولًا للجنة ، ذكر عيسى عليه السلام علماءها العاملين فقال علماء حلماءُ بررة أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء أى من سِعة علمهم فى الفقه يُشبهون الأنبياء وليس معناه مرتبتُهم مثلُ مرتبة الأنبياء، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله إني لأرجو أن تكونوا شطرَ أهل الجنة . رواه مسلم .أى نصفَ أهل الجنة، وهذا فضل من الله عظيم على هذه الأمة فالحمد لله الذى جعلنا من هذه الأمة ونسأل الله أن يتوفانا على الإيمان الكامل. وليعلم أنه صلى الله عليه وسلم خاتمُ النبيين، ءاخرُهم بعثةً، ما بعث الله بعده نبيًا كما قال الله تعالى : ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين . وفي قراءة ورش : وخاتِمَ، بكسر التاء وهي أوضح في الدِلالة على المراد ، وليس معنى وخَاتم إلا الآخر لكن بعضُ الناس يسمعون أن هذا الشيء الذى يوضع فى الإصبع يقال له خاتم أيضًا فبعض المحرفين للدين مثلَ القاديانية قد يأتون إلى مسلم ليشوشوا عليه إعتقاده فيقولون له الله قال وخاتَمَ النبيين، وخاتم يعنى هذا الخاتم الذى يوضع فى الإصبع، يعنى هذا تشبيه للنبى محمد بالخاتم يعنى أنه زينةُ النبيين وليس ءاخرُهم، لكن قراءة الكسر وهى قراءة ورش لا تترك لهم مجالًا للتلاعب لأنّ الخاتِم بكسر التاء هو الآخر. وكما قال رسول الله عليه السلام : وخُتم بي النبيون . وزعيم دعوة القاديانية هو غلام أحمد ولد فى بلدة قاديان فى باكستان فادعى النبوة وإدعى أنه هو المسيح الذى يظهر قبل يوم القيامة وقال إن المسيح لا ينزل من السماء وذلك منذ حوالى مئتي سنة . وليعلم أنه صلى الله عليه وسلم إمام الأنبياء فقد ثبت أن سيدنا محمداً قد أمَّ الأنبياء جميعاً في الصلاة ليلة المعراج فى المسجد الأقصى من ءادم إلى عيسى وقف بهم إمامًا فى الصلاة، وروى النسائي مرفوعًا : ثم دخلت بيت المقدس فجُمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل حتى أمَمْتُهُم ثم صُعِدَ بي إلى السماء . وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء ، وقد قال ربنا عزّ وجلّ سبحانَ الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، قال العلماء كلّ الناس عبيدٌ لله وإنما خَص الله تعالى نبيه بوصف العبودية هنا للدلالة على أنه أفضلُ عبد لله وأعلى عبدٍ لله . وهو صلى الله عليه وسلم أفصحُ الأنبياء. علماء الدين وأهل اللغة أجمعوا على أن النبىَ عليه الصلاة والسلام هو أفصحُ العرب، أجمعوا أن أفصحَ الكلام بعد القرءان حديثُ رسول الله وقد ءاتاه الله جوامع الكلم، أى أنه فى ألفاظ قليلة يحيط بمعنىً واسعٍ كبير. روى الطبراني مرفوعًا أى عن رسول الله : أنا أعرب العرب ولدت في قريش ونشأت في بني سعد فأنى يأتيني اللحن . أي الخطأ والغلط . ولغة العرب هي لسانُ أهل الجنة وهي خيرُ لغة، كلّ أهل الجنة يتكلمون العربية . وختاما ليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ولكنه أفضل البشر. وَمِنَ الْمَفَاسِدِ الَّتِى انْتَشَرَتْ بَيْنَ الْعَوَامِّ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِىِّ وَبَعْضُ الْمُؤَذِّنِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ مُحَمَّدًا أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِنَشْرِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَكْذُوبِ «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورُ نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ نُورِهِ قَبْلَ الأَشْيَاءِ» وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ جَزْمًا وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ السُّيُوطِىُّ فِى شَرْحِ التِّرْمِذِىِّ أَنَّ حَدِيثَ أَوَّلِيَّةِ النُّورِ الْمُحَمَّدِىِّ لا يَثْبُتُ. فَهَذَا الْحَدِيثُ لا أَصْلَ لَهُ مَكْذُوبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. أَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِلْكِتَابِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ﴾ وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِلأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِىُّ وَالْبَيْهَقِىُّ عَنْ عِمْرَانَ بنِ الْحُصَيْنِ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِى وَقَرَّتْ عَيْنِى فَأَنْبِئْنِى عَنْ كُلِّ شَىْءٍ قَالَ كُلُّ شَىْءٍ خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ وَرَوَى السُّدِّىُّ فِى تَفْسِيرِهِ بِأَسَانِيدَ مُتَعَدِّدَةٍ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مِمَّا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ. فَفِى الْحَدِيثِ الأَوَّلِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ وَالْعَرْشَ هُمَا أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَمَّا أَنَّ الْمَاءَ قَبْلَ الْعَرْشِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ التَّالِيَيْنِ. والله تعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.