السبت أكتوبر 19, 2024

(290) مَا مَعْنَى الْعِقَابِ.

        الْعِقَابُ هُو الْجَزَاءُ الَّذِى يُجَازَاهُ الْعَبْدُ فِى الآخِرَةِ مِمَّا يَسُوؤُهُ عَلَى مَا عَمِلَ مِنْ سَيِّئَاتٍ كَأَذَى حَرِّ الشَّمْسِ فَإِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو مِنَ الأَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تَكُونَ بِمِقْدَارِ مِيلٍ أَىْ أَلْفَىْ ذِرَاعٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الأَرْضِ فَيَعْرَقُ النَّاسُ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى الْعَجُزِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى الْخَاصِرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ (أَىْ فَمِهِ) وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ. وَالْكَافِرُ مِنْ شِدَّةِ مَا يُقَاسِى مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ يَقُولُ رَبِّ أَرِحْنِى (أَىْ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ) وَلَوْ إِلَى النَّارِ أَمَّا أَهْلُ الْكَبَائِرِ منَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ قِسْمًا مِنْهُمْ يُعَاقَبُونَ بِحَرِّ الشَّمْسِ لَكِنْ عِقَابًا أَقَلَّ مِمَّا يُقَاسِيهِ الْكُفَّارُ. فَمَنْ عَاقَبَهُ اللَّهُ فَبِعَدْلِهِ وَلا يَظْلِمُ اللَّهُ أَحَدًا لِأَنَّهُ الْمَالِكُ الْحَقِيقِىُّ لِكُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ يَفْعَلُ فِى مِلْكِهِ مَا يَشَاءُ فَلا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الظُّلْمُ لِأَنَّ الظُّلْمَ يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لَهُ ءَامِرٌ وَنَاهٍ كَالْعِبَادِ إِذِ الظُّلْمُ هُوَ مُخَالَفَةُ أَمْرِ وَنَهْىِ مَنْ لَهُ الأَمْرُ وَالنَّهْىُ وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ءَامِرٌ وَلا نَاهٍ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ فُصِّلَتْ ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ لَكِنْ بَعْضُ النَّاسِ تُصِيبُهُمُ الْمَصَائِبُ فَيَعْتَرِضُونَ عَلَى اللَّهِ فَيَكْفُرُونَ بِخَالِقِهِمْ. كَانَ فِى الْعَرَبِ قَبْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ بِآلافٍ مِنَ السِّنِينَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِ عَادٍ يُقَالُ لَهُ حِمَارُ بنُ مَالِكٍ. كَانَ بِأَرْضٍ فِى الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ لَهَا الْجَوْف وَكَانَ يَعِيشُ فِى وَادٍ فِيهِ شَجَرٌ وَفِيهِ مَاءٌ ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرَسَلَ صَاعِقَةً فَقَتَلَتْ أَبْنَاءَهُ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَكَفَرَ كُفْرًا شَنِيعًا قَالَ لا أَعْبُدُهُ لِأَنَّهُ قَتَلَ أَبْنَائِى ثُمَّ مَا اكْتَفَى بِهَذَا الْكُفْرِ بَلْ كَانَ إِذَا مَرَّ إِنْسَانٌ بِالْوَادِى الَّذِى فِيهِ يَقُولُ لَهُ اكْفُرْ بِاللَّهِ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ فَإِنْ كَفَرَ تَرَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ قَتَلَهُ ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى زَادَهُ مُصِيبَةً، أَرْسَلَ اللَّهُ نَارًا فِى أَسْفَلِ الْوَادِى فَأَهْلَكَتِ الْوَادِىَ وَمَا فِيهِ، لَمْ يَبْقَ فِيهِ شَجَرٌ وَلا مَاءٌ، صَارَ الْوَادِى أَسْوَدَ وَمَأْوًى لِلشَّيَاطِينِ. هَذَا كَانَ عَاشَ قَبْلَ أَنْ يَكْفُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى الإِسْلامِ لَوْ صَبَرَ عَلَى تِلْكَ الْمُصِيبَةِ الَّتِى نَزَلَتْ بِهِ بِمَوْتِ أَوْلادِهِ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى اللَّهِ كَانَ كَسَبَ أَجْرًا كَبِيرًا. هَذَا الرَّجُلُ ضَرَّ نَفْسَهُ، اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنْضَرُّ بِكُفْرِ الْكَافِرِينَ وَلا بِمَعْصِيَةِ الْعُصَاةِ. هُوَ ضَرَّ نَفْسَهُ بِاعْتِرَاضِهِ عَلَى اللَّهِ وَنِسْبَةِ الظُّلْمِ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.