#29 2-9 سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام
الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدًا بلا مكان أما بعد نتابع في قصةِ مؤامرةِ إخوة يوسفَ عليه السلام. أرسلَ يعقوبُ يوسفَ عليهما السلام معَ إخوتِه لئلا يشعروا أن أباهم يخشى عليه منهم فيُدَبروا له مكيدةً في غيابِه فأرسلَه معهم على كُرهٍ ومَضَض، وما إن غابوا بهِ عن عينِه انطلقوا بهِ إلى البئرِ ليَطرحوهُ فيه فخَلعوا قميصَه، فقال: يا إخوتاه، لِمَ نزعتُم قميصي؟ رُدُّوه عليّ أسترْ به عورتي ويكُنْ كفنًا لي في مماتي، فقالوا له: ادعُ الشمسَ والقمرَ والأحدَ عشرَ كوكبًا تُؤنِسُك، ثم أنزلوهُ في البئرِ حتى إذا بلغَ نِصفَها ألقوهُ إرادةَ أن يموت، فكانَ في البئرِ ماء فسقطَ فيه ثم أوى إلى صخرةٍ فيها فقامَ عليها وجعلَ يبكي، فنادَوْه فظنَ أنها رحمةٌ أدركتهم فأجابهم، فأرادوا أن يرجُموهُ بالحجارة فمنعَهم أخوه يهوذا، وبعد أن ألقى إخوةُ يوسفَ أخاهم في البئرِ أرادوا أن يُخفوا جريمَتهم، لذلك عَمَدوا إلى جَدْيٍ من الغنمِ فذبحوهُ ثم غمسوا قميصَ يوسفَ في دمِه ورَجعوا إلى أبيهم يعقوبَ في وقتِ العشاءِ يبكون، وإنما جاءوا وقتَ العَتَمَةِ ليكونوا أجرأَ في وقتِ الظلامِ على الاعتذارِ بالكذب، فلما دنَوْا منه صرخوا صُراخَ رجلٍ واحد ورفعوا أصواتَهم بالبكاءِ والعويلِ، فلما سمِع يعقوبُ عليه السلام صوتَهم قال: ما لكم يا بَنِيّ، هل أصابكم في غنَمِكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فما أصابَكم وأينَ يوسف؟ فقالوا له كاذبين: يا أبانا إنّا ذهبنا للسِباقِ والرميِ بالسِهام وتركنا يوسفَ عند مَتاعِنا فأكلَه الذئبُ وأنت لستَ بمصدِقنا ولو كنا صادقين. وعندما سمِع يعقوبُ عليه السلامُ كلامَ أبنائِه وما ادّعَوه بَكى وقالَ لهم: أينَ القميص؟ فجاءوا بالقميصِ عليه دمٌ وليس فيه خَرْقٌ، ويُروى أنّ يعقوبَ عليه السلام أخذَ القميصَ وأخذَ يُقَلِّبُهُ وقالَ لهم مُتهكمًا: ما أحلمَ هذا الذئب الذي أكلَ ابني دونَ أن يُمَزِّقَ ثوبَه!! وقال هذا الكلامَ عليه السلام تعريضًا بكذِبهم وإيذانًا لهم بأنَّ صنيعَهم ومكرَهم هذا لم يَمُرَّ عليه. أقامَ يوسفُ عليه السلامُ في البئرِ ثلاثةَ أيام وكانَ البئرُ قليلَ الماء ومرَّت قافلةٌ من القومِ أمامَ البئرِ الذي أُلقيَ فيهِ يوسفُ عليه السلام فبَعثوا مَن يَستقي لهمُ الماءَ من البئر، فلمّا أدلى دلوَه في البئرِ الذي فيه يوسفُ عليه السلام تعلَّقَ به، فلما نزَعَ الدلوَ يحسِبُها قدِ امتلأت ماءً، إذا بها غلامٌ جميلٌ حَسَنُ الوجهِ مُشرقُ الْمُحيّا فاستبشَرَ الرجلُ به وقالَ لأصحابه: يا بُشرى هذا غلام، فأقبلَ أصحابُه يسألونَه الشَرِكةَ فيه واستَخرجوهُ من البئر، فقالَ بعضُهم لبعض: اكتُموهُ عن أصحابِكم لِئلا يسألوكُمُ الشَرِكَةَ فيه، فإن قالوا: ما هذا؟ فقولوا: استَبْضَعناهُ أهلَ الماء أي وضعوهُ معنا بِضاعة لنبيعَه لهم بمصرَ. ولَمّا استشعرَ إخوة يوسفَ عليه السلام بأخذِ القافلةِ ليوسفَ عليه السلام لَحِقوهم وقالوا: هذا غلامُنا أي عبدٌ لنا أبِقَ وهَرَبَ منا فَصَدقَهم أهلُ القافلة فاشترَوْهُ منهم بثمنٍ بَخْسٍ وقليلٍ من الدراهمِ المعدودة. ولما ذهَبتِ القافلةُ ومعها يوسفُ عليه السلامُ إلى مصر، وقفوا في سوقِ مصرَ يَعرِضونَه للبيع، فأخذَ الناسُ في مصرَ يتزايدونَ في ثمنِه حتى اشتراهُ منهم عزيزُها وهو الوزيرُ المؤتمنُ على خزائِنها يُقال له “قَطفير” وكان مَلِكُ مصرَ يومئذٍ “الرَّيانَ بنَ الوليد” وهو رجُلٌ منَ العمالقة، وذهبَ الوزيرُ الذي اشترى يوسفَ عليه السلامُ بهِ إلى منزلِه فرحًا مَسرورًا بيوسف وقالَ لامرأتِه واسمُها زَليخا: أكرِمي مَثواهُ عسى أن يَنْفَعَنا أو نتَّخِذَهُ وَلدًا، وكانَ هذا الوزيرُ لا يأتي النساءَ ولا يَميلُ لهنّ وكانت امرأتُه “زليخا” امرأةً جميلةً حسناءَ ناعمةً في مُلْكٍ ودنيا. ولما رأى هذا الوزيرُ في يوسُفَ عليه السلام الذكاءَ والأمانةَ والعِلمَ والفَهمَ جعلَه صاحِبَ أمرِه ونهيِه والرئيسَ على خدمِه. نكتفي بهذا القدرِ ونُعطيكم موعِدا جديدا في الحلقة المقبلة من سلسة قصص الأنبياء بإذن الله لنحدِثَكم عن مِحنةِ يوسفَ عليه السلام معَ امرأةِ العزيزِ ونبيّنَ لكم أنّ يوسف عليه السلام ما زنى بها ولا همّ بذلك فتابعونا وإلى اللقاء.