(29) مَا الدَّلِيلُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لَيْسَ مَعْنَاهُ كُلَّ عَمَلٍ خَيْرِىٍّ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ وَالصَّدَقَاتُ مَعْنَاهَا الزَّكَوَاتُ بِدَلِيلِ ءَاخِرِ الآيَةِ ﴿فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ﴾. وَإِنَّمَا أَدَاةُ حَصْرٍ أَىْ تُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَذْكُورِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ فَالزَّكَوَاتُ مَحْصُورَةٌ بِهَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فَلَوْ كَانَ مَعْنَى ﴿وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ كُلَّ عَمَلٍ خَيْرِىٍّ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فَائِدَةٌ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ. وَاللَّامُ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِلْفُقَرَاءِ﴾ لامُ الْمِلْكِ فَالزَّكَاةُ تُمَلَّكُ لِلْفُقَرَاءِ وَلِلأَصْنَافِ الأُخْرَى الْمَذْكُورَةِ فَلَوْ كَانَ مَعْنَى ﴿وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ كُلَّ عَمَلٍ خَيْرِىٍّ لَجَازَ أَنْ تُدْفَعَ لِبِنَاءِ مُسْتَشْفًى أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ وَهَذِهِ الأَشْيَاءُ لا تَمْلِيكَ فِيهَا وَلَوْ كَانَ كُلُّ عَمَلٍ خَيْرِىٍّ يَدْخُلُ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لَأَخَذَ مِنْهَا الْغَنِىُّ وَالزَّكَاةُ لا تَحِلُّ لِغَنِىٍّ لِقَوْلِهِ ﷺ لَيْسَ فِيهَا حَقٌّ لِغَنِىٍّ وَلا لِقَوِىٍّ مُكْتَسِبٍ. وَلَفْظَةُ ﴿وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ عِنْدَ الإِطْلاقِ يُرَادُ بِهَا الْجِهَادُ وَلا تُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْجِهَادِ إِلَّا بِقَرِينَةٍ أَىْ دَلِيلٍ كَأَنْ يُقَالَ تَصَدَّقْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لِوَجْهِ اللَّهِ وَهُنَا فِى هَذِهِ الآيَةِ أُطْلِقَتْ فَتُحْمَلُ عَلَى الْجِهَادِ أَىِ الْغُزَاةِ الْمُتَطَوِّعِينَ لِلْجِهَادِ.