#29
فصل في النكاح
النكاح يعني التزوج، مستحب لمن تتوق نفسه إلى الوطء ويجد أهبته أي كلفة النكاح، أي يكون قادرا على مؤن النكاح، مثل القدر الحال من المهر ونفقة يوم النكاح وليلته، والمسكن المناسب لزوجته، وكسوة فصل التمكين. فإذا كانت نفسه تتوق إلى الوطء وهو قادر على الأهبة، استحب له التزوج، سواء كان مشتغلا بالعبادة أم لا. أما من لم يكن فيه اشتياق للوطء وفقد أهبته، فلا يستحب له النكاح، بل يكره له، خشية أن لا يؤدي ما يلزمه من حقوق النكاح. وكذلك إن كانت نفسه تتوق إلى النكاح ولكنه فقد أهبته، لم يستحب له الزواج وإنما يستحب له كسر شهوته بالصوم. وإن لم تتق نفسه للنكاح ووجد الأهبة، فالأفضل له أن يتفرغ للعبادة. أما من كانت نفسه تتوق إلى الوطء ووجد أهبة النكاح، وخشي على نفسه من الزنا، وجب عليه أن يتزوج، صونا لدينه وحفاظا على عفته.
|
قال المؤلف رحمه الله: وعقد النكاح يحتاج إلى مزيد احتياط وتثبت (لأنه يحتاط للنكاح زيادة عما يحتاط لغيره) حذرا مما يترتب (ويتفرع) على فقد ذلك (من فساد العقد المؤدي إلى كثير من المفاسد التي لا تخفى)
الشرح النكاح أشد حاجة إلى معرفة أحكامه الشرعية من كثير من الأمور (ويكون ذلك بتعلم أحكامه بالتلقي من معلم عارف بها، وتطبيقها على وجهها الصحيح) فإن من جهل أحكامه قد يظن ما ليس بنكاح نكاحا فيتفرع من ذلك مفاسد (ومفاسد النكاح أشد من غيرها لأنه إذا فسد عقد النكاح فإن الجماع يكون زنا والولد الذي يولد يكون ابن زنا لا ينسب إلى أبيه ولا يرثه، إلى ما هنالك من الأحكام المتعلقة بهذا الأمر) فهو جدير بمزيد احتياط وتثبت لأن حفظ النسب من الكليات الخمس (أي من القواعد الأساسية) التي اتفقت عليها الشرائع وهي حفظ النفس والمال والعرض والعقل والنسب. (الكليات الخمس لم تختلف فيها شرائع الأنبياء، وهي حفظ المال، فلا يجوز أن يأخذ مال غيره بغير حق، والنسب، فلا يجوز أن يزني، والعقل، فليس له أن يتعاطى ما يفسد عقله، والدين، فليس له أن يكفر، والنفس، فليس له أن يقتل نفسا بغير حق. فحفظ المال واجب، وحفظ النفس واجب، وحفظ العقل واجب، وحفظ النسب واجب، وحفظ الدين أوجب من الكل)
(والنكاح شرعا يطلق على عقد يتضمن إباحة الوطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو بترجمة ذلك إلى غير اللغة العربية. فلا يصح مثلا في عقد النكاح “وهبت بنتي لك”) ولصحة النكاح شروط أحدهما الصيغة (أي الإيجاب كأن يقول الولي “زوجتك فلانة” والقبول كأن يقول الذي يريد الزواج “قبلت زواجها”. ولا يضر في الصيغة تقديم القبول على الإيجاب، فلا يشترط تقديم الإيجاب على القبول، إنما يشترط وجود الإيجاب والقبول، وأيهما تقدم على الآخر لا يضر. فلو قال الخاطب أولا “قبلت زواج بنتك فلانة لي” فقال الولي “زوجتها لك” أو “زوجتك إياها” صح العقد. ومثال ذلك أيضا لو قال الخاطب “زوجني بنتك فلانة” فرد الولي قائلا “زوجتك إياها” صح العقد. وأولى الولاة، يعني أحق الأولياء بتزويج الحرة، هو الأب، فإذا كان الأب موجودا وكان أهلا للولاية، لا يصح أن يعقد غيره. ثم يلي الأب الجد، أبو الأب، أما أبو الأم فلا ولاية له. ثم يليه الأخ للأب والأم، يعني الأخ الشقيق، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ الشقيق، وهذا يشمل ابن ابن ابن ابن الأخ، ثم ابن الأخ للأب، ثم العم الشقيق، ثم العم للأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم للأب، وهذا يشمل ابن العم وإن تباعد، يعني ابن ابن ابن العم، أو ابن عم الأب، كل هذا داخل. فإن لم يكن أحد من هؤلاء كلهم، فالحاكم، سواء كان حاكما عاما كالخليفة أو خاصا مثل القاضي. ويعلم من ذلك أن الابن لا يكون وليا على أمه في الزواج، فلا يزوج أمه بالبنوة.
تنۡبيه: يشترط في الولي والشاهدين أن يكونوا عدولا غير فساق، فلا تصح ولاية الفاسق على المرأة في النكاح، فإذا كان الولي فاسقا انعزل بالفسق وانتقلت الولاية إلى من بعده، ومعنى انعزل أي سقطت ولايته، ولكن يستثنى من ذلك الخليفة، فإنه لا ينعزل بالفسق، فإذا كان هو الولي وكان فاسقا، لا تسقط ولايته بالفسق، وعند الشافعية خلاف في اشتراط العدالة في الولي، فقد قال بعضهم يشترط في الولي أن يكون عدلا، وقال بعضهم لا يشترط في الولي العدالة، ولكن اتفقوا على أنه لا بد من عدالة الشاهدين، كما اتفقوا أيضا على أنه لا بد أن يكون الولي مسلما إذا كانت البنت مسلمة. والمقصود بالعدل، المسلم البالغ العاقل المجتنب للكبائر الذي لا يصر على الصغائر والمتخلق بأخلاق أمثاله، الذي يتصرف كما يتصرف أهل الفضل من أمثاله، وليس من أراذل الناس. فإن كان تاجرا، يراعي أخلاق التجار من أهل الفضل، وإن كان عالما، يراعي أخلاق العلماء من أهل الفضل، وإن كان حاكما، يراعي أخلاق الحكام من أهل الفضل، وإن كان قاضيا، يراعي أخلاق القضاة من أهل الفضل، وإن كان طالبا، يراعي أخلاق الطلاب من أهل الفضل، وهكذا. ويكفي في ذلك العدالة الظاهرة، فلا يشترط في عقد النكاح أن تثبت عدالته عند القاضي، أو أن يبحث القاضي في عدالته ويثبتها كما في مواضع أخرى، بل العدالة المعتبرة في النكاح هي العدالة الظاهرة، فيما يظهر ممن يعرفونه. فلو تاب الآن من الذنوب التي عملها، يكفي ذلك، ولا يشترط أن ينتظر له سنة كما في حالات أخرى. وكذلك الولي تكفي فيه العدالة الظاهرة، فإن لم يكن عدلا، فلا يكون ولي البنت، ولو كان أباها، فإن تاب، نعم يكون وليها، وإلا فلا، وتنتقل الولاية إلى من بعده. والصيغة) كأن يقول الولي زوجتك فلانة (أو يقول زوجتك ابنتي فلانة ويسميها، أو يقول ابنتي هذه ويشير إليها) فيقول الزوج (أي الذي يريد الزواج) قبلت زواجها (ولو لم يذكر المهر صح النكاح، لأنه ليس شرطا لصحة العقد أن يذكر فيه المهر، وإنما ذكره سنة). الثاني (من شروط صحة النكاح) لفظ زوجت أو أنكحت أو ترجمتهما عند الإمام الشافعي، و (أما) في بعض المذاهب (الأخرى كالمذهب الحنفي فـــ) يصح (العقد) بكل لفظ يدل على المقصود (أي ما دام القصد منه هو النكاح). الثالث (من شروط صحة النكاح) كون الزوج مسلما بالنسبة للمسلمة فلا يجوز تزوج الكافر بمسلمة إن كان كتابيا وإن كان غير ذلك (وهذا بالإجماع بلا خلاف) لقوله تعالى ﴿فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن﴾ (في البداية، كان يجوز للمسلمة أن تكون تحت غير المسلم، أي أن تكون زوجة لغير مسلم، ثم حرم هذا الأمر، بعد نزول هذه الآية على الرسول ﷺ) فلا يجوز تزويج مسلمة من المسلم الذي ارتد بسبب من أسباب الردة كسب الله أو سب الرسول أو الطعن في شريعة الله أو إنكار ما هو معلوم من الدين علما ظاهرا بين الخواص والعوام (مما لا يخفى عليه) من كل ما هو عائد إلى تكذيب الدين.
الرابع (من شروط صحة النكاح) كون الزوجة مسلمة أو كتابية (يهودية أو نصرانية) بالنسبة للمسلم (وهذا من باب التوسعة على المسلمين، فإن الله تعالى وسع عليهم فأذن لهم بالزواج من نساء أهل الكتاب وبأكل ذبائحهم إذا كانت مستوفية للشروط، وليس في ذلك دلالة على أنهم على حق، وإنما هو من باب التوسعة والتخفيف على المسلمين. قال الله تعالى ﴿وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم﴾، ومعناه أن طعام اليهود والنصارى يجوز للمسلم أن يأكله إذا كانت الذبيحة مستوفية للشروط الشرعية. وليس المراد من الآية أن كل ما عندهم من طعام يؤكل، فلو كان لحم خنزير، فهو محرم بالإجماع، وكذلك لو كانت عندهم بهيمة ميتة، فلا يجوز أكلها، بل المراد من الطعام ما كان مباحا في أصله وذبح بالطريقة الشرعية)
تنبيه: إذا أراد المسلم أن يتزوج مسلمة، فلا بد أن يكون الولي والشهود مسلمين، فإذا كان أبوها كافرا، فلا تصح ولايته عليها، لأن الكفر يمنع الولاية في هذه الحالة، وتنتقل الولاية إلى من بعده من الأولياء إن كان مسلما. أما إذا أراد المسلم أن يتزوج كافرة كنصرانية مثلا، فيصح العقد ولو كان وليها كافرا، لأن ولاية الكافر على الكافرة في النكاح صحيحة. أما الشهود، فلا بد أن يكونوا مسلمين في جميع الأحوال، سواء كانت الزوجة مسلمة أو كتابية.
الخامس (من شروط صحة النكاح) كون الزوجة خلية من عدة لغير الزوج فلا يصح عقد النكاح على معتدة وفاة أو معتدة طلاق أو فسخ (كخلع) إلا بعد انتهاء العدة (وعدة الفسخ والطلاق واحدة، فإن كانت المرأة من ذوات الحيض، فعدتها ثلاثة أطهار، وتنتهي عدتها بانتهاء الطهر الثالث، فإن كانت قد طلقت في الطهر، فإن عدتها تنتهي ببداية الحيضة الثالثة، وإن كانت قد طلقت في الحيض، فإن عدتها تنتهي ببداية الحيضة الرابعة. وأما غير ذوات الحيض، فعدتهن ثلاثة أشهر هلالية، فإن وقع الطلاق في أول الشهر، تنتهي عدتها بانتهاء الشهر الثالث، وإن وقع الطلاق في أثناء الشهر، فإن عدتها تكون هلالين بعده، ويكمل المنكسر من الشهر الرابع حتى يتم ثلاثين يوما. وإن طلقت قبل الدخول بها، فلا عدة عليها، سواء كانت ممن تحيض أو لا تحيض. وأما الحامل، فعدتها تنتهي بوضع الحمل. وعدة المرأة المتوفى عنها زوجها وهي غير حامل، فأربعة أشهر وعشرة أيام).
السادس (من شروط صحة النكاح) عدم التأقيت فلو قال الولي زوجتك بنتي إلى سنة مثلا فهو فاسد، أما من نوى في قلبه أن يتزوج امرأة ويعاشرها سنة ثم يطلقها ولم يدخل ذلك في صلب العقد فهو نكاح صحيح (بالإجماع) وقد نص الشافعي رحمه الله على جواز ذلك في كتاب الأم فليس هذا من المتعة المحرمة. (يشترط في عقد النكاح أن لا يكون مؤقتا، فمثلا زوجتك ابنتي إلى سنة أو إلى يوم أو إلى شهرين، فهذا لا يصح. أما إذا كانت نية الزوج عند الزواج أن يطلق بعد مدة كبعد شهر أو يوم أو سنة ولم يذكر ذلك في العقد، فالعقد صحيح، وحتى لو قال ذلك بلسانه قبل العقد، كأن يقول أنا سأتزوجها ثم أطلقها بعد شهر، فإن لم يشترط ذلك في العقد، صح العقد. وكذلك لو تزوجت المرأة وفي نيتها أن تفترق عنه بعد مدة من غير أن يذكر ذلك في العقد، صح النكاح.
فلو تزوج رجل امرأة ثم طلقها بعد مدة قريبة، ثم تزوج غيرها وطلقها بعد مدة قريبة، وظل على هذا الحال، فإن الزواج صحيح، حتى ولو كان في نيته ذلك. ولكن من يتزوج بهذه النية ليطلق، ثم يتزوج بهذه النية ثم يطلق، ويستمر في ذلك، فإن فعله مذموم في الشرع، لأنه جاء في الحديث: إن الله يكره الذواقين والذواقات. ومعناه الرجل الذي يتزوج وفي نيته أن يطلق بعد مدة قصيرة، ثم يتزوج، ثم يطلق، حتى يتنقل من امرأة إلى أخرى، وكذلك المرأة التي تفعل ذلك، فإن الله تعالى لا يحب هذا الفعل. وهو ليس شيئا حسنا ولا يستحسن، بل هو أمر مذموم قبيح، وقد روى هذا الحديث الطبراني)
|
قال المؤلف رحمه الله: (وقد أشار القرءان الكريم إلى ذلك) كله. أي أن تتعلم قبل أن تدخل في المعاملة (بقوله تعالى) في سورة التحريم (﴿يآ أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة﴾) الآية. قال سيدنا علي كرم الله وجهه علموا أنفسكم وأهليكم الخير اهـ رواه الحاكم في المستدرك. وذلك يكون بتعليم نفسه وأهله علم الدين. و(قال) التابعي الجليل (عطاء) بن أبي رباح (رضي الله عنه) في بيان مجالس الذكر الممدوحة في بعض الأحاديث هي مجالس الحلال والحرام اهـ وفي رواية زيادة (أن تتعلم كيف تصلي وكيف تصوم وكيف تبيع و) كيف (تشتري وكيف تنكح وكيف تطلق) أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه.
الشرح أن من أهمل ذلك (أي تعلم علم الدين) لم يحفظ نفسه ولا أهله من النار التي عظم الله أمرها (أي التي وصف الله عذابها بأنه شديد، وليس معنى ذلك أن جهنم عظيمة عند الله، بل نقول عنها إنها قبيحة ومنتنة، والله لا يحبها، ونحن لا نحبها. وقد خلقها الله مكانا للعذاب، ليستقر فيها الكفار إلى ما لا نهاية له، ويتعذب بها بعض عصاة المسلمين برهة من الزمن. ويجوز سب جهنم بما فيها من قبح ونتن، ولكن لا يجوز أن يقال عن عذابها إنه خفيف، أو سهل، أو هين، أو غدا نتدفأ فيها، فإن هذا كلام كفر والعياذ بالله. واعلم رحمك الله أن العبد يسأل يوم القيامة هل تعلم علم الدين الذي فرضه الله عليه. فمن تعلم القدر الواجب وعمل به، سعد ونجا، أما من لم يتعلم أو أهمل العمل بعد أن تعلم، فهذا خسر وخاب وهلك واستحق دخول النار) وهذا عطاء بن أبي رباح هو الإمام المجتهد الذي تلقى العلم من عبد الله بن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة.
من هى المحرم التى لا يجوز الزواج بها.
المحرم هى من حرم نكاحها على التأبيد لأجل نسب أو رضاع أو مصاهرة. والمحرمات بالنسب سبع الأم وإن علت والبنت وإن سفلت والأخت والخالة وتشمل خالة الأب أو الأم والعمة وتشمل عمة الأب أو الأم وبنت الأخ وإن سفلت وبنت الأخت وإن سفلت قال تعالى ﴿حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وﺑﻨﺎت ﺍﻟﺄﺥ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة﴾. أما المحرمات بالمصاهرة فهى أربع أم الزوجة وإن علت من نسب أو رضاع فتحرم على الزوج بالعقد على التأبيد سواء دخل الزوج بالزوجة أم لا، والربيبة وهى بنت الزوجة من النسب أو الرضاع إذا دخل بالأم فإن بانت الأم منه قبل الدخول بها لم تحرم البنت عليه، وزوجة الأب من نسب أو رضاع مهما علا وإن لم يدخل بها الأب، وزوجة الابن من نسب أو رضاع مهما سفل وإن لم يدخل بها الابن. والمحرمات بالرضاع أى بسببه الأم المرضعة وهى من أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو أرضعت أبا من رضاع أو أرضعت من ولدك أى أرضعت أمك أو أباك، والأخت من الرضاع فمن ارتضع من امرأة صار جميع بناتها أخوات له من الرضاع، وبنت ابن المرأة التى أرضعتك، وبنت بنت المرأة التى أرضعتك، وأخت المرأة التى أرضعتك، وخالة المرأة التى أرضعتك، وعمة المرأة التى أرضعتك. فالسبع المحرمة بالنسب تحرم بالرضاع أيضا. ويحرم الجمع بين الزوجة وأختها بنسب أو رضاع أما إن بانت الأولى منه أو ماتت حلت الثانية له. وكذا يحرم الجمع بين الزوجة وعمتها أو بين الزوجة وخالتها بنسب أو رضاع.
ما هو حق الزوج على زوجته.
من حقوق الزوج على زوجته أن تطيعه فى نفسها ولا يجوز لها أن تمنعه من الاستمتاع بها بلا عذر شرعى لحديث البخارى ومسلم إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجىء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح. ولا يجوز لها طاعته فيما حرم الله كأن أراد أن يجامعها وهى حائض أو نفساء. ويجب عليها أن تتزين إن طلب منها ذلك. ويجب عليها أن لا تصوم النفل وهو حاضر إلا بإذنه وأن لا تأذن لأحد فى دخول بيته إلا بإذنه لقوله ﷺ لا يحل للمرأة أن تصوم (أى النفل) وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن فى بيته إلا بإذنه رواه البخارى ومسلم. ولا يجوز لها أن تخشن له الكلام أو تعبس فى وجهه. ولا يجوز لها أن تخرج من بيته من غير ضرورة إلا بإذنه. ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من صلة أرحامها بلا عذر إما أن يأذن لهم بزيارتها أو يأذن لها بزيارتهم.
ما هو حق الزوجة على زوجها.
اعلم أن الإسلام جعل لكل من الزوجين حقا على الآخر قال تعالى ﴿ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف﴾ معناه للنساء على الرجال من الحقوق والواجبات مثل ما للرجال على النساء من الحقوق والواجبات بالمعروف الذى شرعه الله عز وجل. فمن حقوق الزوجة على زوجها الإنفاق عليها النفقة الواجبة وعلى أولاده الذين دون البلوغ. أما إذا بلغ الولد الذكر سقطت نفقته عن أبيه بالإجماع أى لا يلزمه أن ينفق عليه. والنفقة لا تكون بالطعام والشراب فقط بل تشمل المسكن والملبس فقد ورد أن صحابيا قال يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال أن تطعمها إذا طعمت وتلبسها إذا لبست ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا فى البيت، رواه أبو داود. نهى النبى ﷺ عن الضرب بغير حق أما على الوجه فحرام مطلقا ونهى عن التقبيح وهو أن يسمعها كلاما قبيحا محرما كالشتم واللعن أو لعن الوالدين والأهل وإذا غضب عليها وهجرها لأمر فينبغى أن يكون الهجر داخل البيت ولا يتعدى حدوده حتى لا يتحدث الناس عما يسىء لسمعتها ولا يزداد النفور إن علم الأهل والجيران بهجرها. ومن حق الزوجة على زوجها أن لا يمنعها مالها الذى تملكه ولا يجوز له أن يتعرض لمالها الخاص إلا عن طيب نفس منها، ولها التصرف بأموالها التى اكتسبتها من عمل يدها أو ورثتها عن قريب لها أو المال الذى هو مهر لها فإذا كان المهر مؤجلا فهو فى ذمته. والرسول ﷺ أوصى بمداراة المرأة وتحمل ما يقع منها وعلمنا ءاداب العشرة الزوجية من ملاطفة ومزاح واستشارة فى بعض الأمور والأحيان قال تعالى ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾ أى بلا إيذاء ولا تقصير فى الحقوق وطيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم معهن وقال رسول الله ﷺ استوصوا بالنساء خيرا وقال خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى رواه ابن حبان.
فصل في الطلاق
(الطلاق مكروه إلا إذا كان لسبب شرعي مثل كون الزوجة لا تصلي أو كونها زانية أو كانت تؤذي والديه فهذه طلاقها فيه ثواب ولا يجب، وقال الإمام أحمد بحرمة الطلاق إذا لم يكن سبب شرعي. وأما الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم وهو (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) فمعناه إذا لم يكن الطلاق محرما ولا له سبب تزول به الكراهة أو سبب يوجبه فهو مكروه)
الطلاق معرفة أحكامه مهمة جدا لأن كثيرين من الناس يحصل منهم الطلاق على زوجاتهم ولا يدرون أنهن طلقن فيعاشرونهن بالحرام. (يجب على من أراد الزواج أن يتعلم أحكام النكاح والطلاق أما من لا نية له في الزواج، فليس عليه إثم إن لم يتعلم هذه الأحكام. ومن يقدم على الزواج، ففرض عليه أن يتعلم كيف يكون النكاح شرعيا، وكيف ينفسخ، وكيف يثبت الطلاق. فمن أقدم على الزواج دون أن يتعلم أحكامه، كان عاصيا لله، لأنه قد يقع في محرم وهو لا يدري، فيظن النكاح الفاسد نكاحا صحيحا، ويعيش عليه وهو في الحقيقة زنا محرم. وكذلك إن لم يتعلم أحكام الطلاق، فقد تصدر منه كلمة في حال المزح أو الغضب، وهو لا يعلم أنها تفسد النكاح، فيظل في المعاشرة غير الشرعية، فيكسب إثما عظيما).
والطلاق قسمان أي إن ألفاظ الطلاق نوعان) صريح (وهو اللفظ الذي لا يحتمل معنى آخر إلا الطلاق) وكناية (وهو اللفظ الذي يحتمل معنى الطلاق كما يحتمل معنى غيره) فالصريح ما لا يحتاج إلى نية فيقع الطلاق به سواء نوى (الطلاق) أو لم ينو (الطلاق) وهو خمسة ألفاظ الطلاق (كأن يقول لزوجته طلقتك، أو أنت طالق، أو زوجتي طالق) والفراق (كأن يقول لزوجته فارقتك) والسراح (كأن يقول لزوجته سرحتك. فإذا قال الرجل لزوجته طلقتك، أو قال لها فارقتك، أو قال لها سرحتك، فهو صريح في الطلاق. وترجمة الطلاق إلى غير العربية تعد صريحا، أما الفراق والسراح فلا تعد ترجمتهما إلى غير العربية صريحة، لأن دلالتهما على الطلاق في غير العربية ضعيفة، وليست كما هي في العربية. ومثل قوله فارقتك، يصح أن يقول أنت مفارقة، ومثل قوله سرحتك، يصح أن يقول أنت مسرحة. وليس من الصريح أن يقول أنت طلاق، وإنما يصح أن يقول طلقتك، أو أنت طالق، أما قوله أنت فراق أو أنت سراح أو نحو ذلك، فليس من الصريح) و (من الصريح أيضا) الخلع (والمفاداة، إن ذكر الزوج معهما المال أو نواه، كأن يقول خالعتك على ألف دولار كندي، أو فاديتك بخمسة آلاف دولار أسترالي. فإن لم يذكر المال، ولم ينوه، فلم يكونا صريحين، بل كنايتين) ولفظ المفاداة من (ألفاظ) الخلع. واللفظ الخامس قول الشخص نعم في جواب من أراد منه أن يطلق زوجته الآن (كأن قال له أحد طالبا منه إنشاء الطلاق: أطلقت زوجتك؟ أي طلقها الآن، فقال نعم، وقع الطلاق، لأنه إنشاء له. أما إذا قال له أحد مريدا الاستخبار عن الماضي: طلقت زوجتك؟ أي هل طلقتها من قبل؟ فقال “نعم”، فلا يعد ذلك إيقاعا لطلاق جديد، إنما هو إخبار عما وقع في الماضي. فإذا، لفظ الطلاق الصريح هو الذي يفيد الطلاق صراحة، فلا يحتمل إلا معنى الطلاق، ويقع الطلاق به سواء نوى الزوج أو لم ينو، وسواء كان جادا أو مازحا. ولا يشترط في اللفظ الصريح النية، ولكن لا بد لوقوعه من التلفظ به، فلا تكفي الإشارة، ولو كان الشخص يقصد بها الطلاق، طالما كان قادرا على النطق. ولا بد أن يسمع نفسه على الأقل عند التلفظ، ولو بالقوة، ولو تقديرا، بمعنى أنه لو كان هناك ضجيج، فتلفظ بالطلاق ولم يسمع نفسه، ولكن لو كان هناك هدوء لسمع، فيقع الطلاق؛ لأنه في هذه الحالة يقدر كأنه سمع)
و (أما) الكناية فهو ما لا يكون طلاقا إلا بنية (لأنه لفظ له أكثر من معنى) كقوله اعتدي (هنا يسأل هل أردت الطلاق أم لم ترد؟ فإن قال أردت الطلاق يحسب طلاقا. ومن ألفاظ الكناية) اخرجي (من البيت فإن أراد به الطلاق فهو طلاق، وإن لم يقصد به الطلاق فليس بطلاق. ومن ألفاظ الكناية) سافري، تستري، لا حاجة لي فيك، أنت وشأنك، سلام عليك، لأن هذه الألفاظ تحتمل الطلاق وغيره احتمالا قريبا (أما لو قال لها كيف حالك؟ ونوى الطلاق، فإن الطلاق لا يقع، لأن هذا اللفظ لا يحتمل الطلاق. فحتى يسمى اللفظ كناية، يحتاج أن يكون لفظا يحتمل الطلاق وغيره احتمالا قريبا). فإن أتى بالصريح وقع الطلاق نوى به الطلاق أم لم ينو، ومن أتى بألفاظ الكناية فلا يقع الطلاق إلا أن ينوي باللفظ الطلاق وتكون النية مقرونة بأول الكناية (معناه عندما قال اللفظ كان ناويا ذلك، أما إن قال اللفظ ثم نوى بعد ذلك فلا يقع الطلاق. يعني لو قال لها “سلام عليك”، ثم بعد أن قال “سلام عليك” نوى الطلاق، فلا يكون طلاقا).
مسائل في الطلاق:
مسألة: لو قالت الزوجة لزوجها “طلقني”، فقال لها “طالق”، وقع الطلاق، أما إن قال الزوج لزوجته ابتداء “طالق”، من غير أن يقول “أنت”، ولا قال “زوجتي فلانة طالق”، ولا قال ذلك لزوجته بعد أن طلبت منه الطلاق، وإنما قال ابتداء “طالق”، فإن الطلاق لا يقع بالإجماع، ولو نواه، فلا يتسرع أحد في الحكم
مسألة: بالنسبة للألفاظ العامية، إذا قال لزوجته “أنت طالىء” بالهمزة بدل القاف، فهنا إن نوى الطلاق وقع الطلاق، وإن لم ينو لم تطلق، لأن كلمة “طالىء” ليست من الألفاظ الصريحة، ونفس الحكم إن قال لها “طلأتك” بالهمزة، أو قال “أنت طالىء بالثلاث” أي بالهمزة، فإنها تعتبر فيها النية، لأنها ليست ألفاظا صريحة بالطلاق.
مسألة: لو قال “أنت علي حرام” أو “حرمتك” أي امتنعت منك، ونوى طلاقا أو ظهارا، حصل ما نواه، وإذا نواهما تخير، يعني: إذا قيل له ماذا نويت حين قلت “أنت علي حرام” أو “حرمتك”، فقال “نويت الطلاق والظهار”، يقال له اختر طلاقا أو ظهارا، فيثبت ما اختاره، فإن قال “أنا اخترت الطلاق”، يحكم عليه بالطلاق، وإن قال “أنا اخترت الظهار”، فيحكم عليه بالظهار، وإن قال “ما نويت شيئا”، فعليه كفارة يمين، مع أنه ما قال “والله”، وما حلف، ولكن هذا هو الحكم في شرع الله تعالى، وكفارة اليمين هي عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يستطع، فصيام ثلاثة أيام.
مسألة: إن علق الطلاق على شيء، يقال عنه حلف بالطلاق، ولو لم يقل “والله”
مسألة: إن قال الزوج في قلبه “أنت طالق” وما أجرى هذا الكلام على لسانه، لا يقع الطلاق.
مسألة: الشخص الناطق إذا كتب طلاقا ولم ينو الطلاق، فهو لغو، أي لا أثر له، كأن يكتب بالقلم؛ وهو يستطيع النطق، “زوجتي طالق”، ولم ينو الطلاق، فلم تطلق، لأن الكتابة يحتمل منها أنه أراد إيقاع معنى هذا اللفظ، ويحتمل من هذا الفعل أشياء أخرى، كأن يريد الكاتب أن يرى جودة خطه بكتابة هذه الجملة مثلا، أما إن نوى الطلاق، طلقت، وإن لم ينو، فهو لغو، أي لا أثر له، وذلك ولو كانت هذه الكتابة بغير اللغة العربية.
مسألة: لو سبق لسانه بطلاق بلا قصد، فهو لغو، أي لا أثر له.
والطلاق إن كان ثلاثا بلفظ واحد (كأن يقول لها “أنت طالق بالثلاث” فهنا يقع الطلاق ثلاثا، ولو قال “أنا ما نويت ثلاثا”) أو في أوقات متفرقة حتى لو قال أنت طالق ونوى به الثلاث فهو طلاق ثلاث لا تحل له بعده حتى تنكح زوجا غيره بعد عدة منه ويدخل بها ثم يطلقها (إذا أراد) وتنقضي العدة منه. فمن قال لزوجته أنت طالق ثلاثا طلقت ثلاثا وإن قال (أنت طالق أنت طالق أنت طالق) ولم ينو بتكرار اللفظ تأكيد الطلقة الواحدة فهو طلاق ثلاث، وإن نوى بتكرار اللفظ تأكيد الطلقة الواحدة وهي الأولى فلا يعد طلاقا ثلاثا بل يعد طلاقا واحدا (إن قال “أنت طالق” ونوى به الثلاث، فهو طلاق ثلاثا، وإن قال “أنت طالق ثلاثا” طلقت ثلاثا، وإن قال “أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق” ونوى الثلاث، وقع ثلاثا، وإن قال “أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق” ولم ينو شيئا، وقع ثلاثا. عبد الله بن عباس رضي الله عنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة تطليقة، فقال عبد الله بن عباس “بانت منه بالثلاث، وسبع وتسعون أحموقة ارتكبها”، كما ثبت عنه بالإسناد المتصل الصحيح. كذلك سئل عن رجل طلق عدد النجوم، فقال “بانت منه بالثلاث”. بعض هذه الروايات رواها الحافظ البيهقي بالإسناد الصحيح عن ستة من تلاميذ عبد الله بن عباس الثقات). وكثير من الناس يجهلون هذا فيرجعون إلى زوجاتهم إذا أوقعوا طلاقا ثلاثا بلفظ واحد يظنون أنه طلاق واحد وأنه يجوز لهم أن يرتجعوهن قبل مضي العدة بلا عقد جديد أو أنه بعد مضي العدة بتجديد العقد فهؤلاء يعاشرون (من كن) أزواجهم بالحرام.
ولا فرق في الطلاق بين أن يكون منجزا (أي في الحال، كأن يقول لها “أنت طالق”) وبين أن يكون معلقا على شىء فإذا قال أنت طالق إن دخلت دار فلان أو إن فعلت كذا فدخلت أو فعلت ذلك الشىء وقع الطلاق، فإن كان قال إن دخلت دار فلان فأنت طالق بالثلاث فدخلت كان ثلاثا (أي وقع الطلاق ثلاثا) فتحرم عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. ولا يجوز إلغاء هذا الطلاق، ولا عبرة برأي (الفيلسوف المجسم) أحمد بن تيمية الذي خرق به الإجماع في قوله إن الطلاق المعلق المحلوف به (أي الذي يعلقه الزوج على حصول أمر معين في المستقبل، مثل أن يقول إن دخلت البيت فأنت طالق) لا يقع مع الحنث (أي إذا تحقق الشرط وهو هنا دخول الزوجة البيت، لم يقع الطلاق) وليس عليه إلا كفارة اليمين (أي أن الزوج لا يلزم بالطلاق، بل عليه كفارة يمين فقط. ليس شرطا أن يكون حلف بالله، بل المراد بالمحلوف به أي المعلق، وليس شرطا أن يقول مثلا “والله إن دخلت دار أبيك فأنت طالق”، ليس شرطا أن يكون فيه لفظ الحلف، ولذا فإنهم عندما يقولون “الحنث” في مسألة الطلاق، يعنون به أنها فعلت الشيء الذي كان الطلاق معلقا عليه، فمثلا إذا قال لزوجته “إن دخلت دار أبيك فأنت طالق”، ثم دخلت الزوجة دار أبيها، فقد وقع الحنث، أي وقع ما كان يرغب في منعه، وهو دخولها إلى تلك الدار، وبذلك يكون الطلاق قد وقع. فالحنث في الطلاق مختلف عن الحنث في اليمين، فلا يترتب عليه كفارة يمين، وإنما يقع الطلاق بتحقق الشرط. وقد التبس هذا الأمر على ابن تيمية فخالف الإجماع، وشذ بقوله إن الطلاق المعلق المحلوف به لا يقع، وإنما تجب فيه كفارة يمين فقط) فرأي ابن تيمية هذا خلاف الإجماع، وقد نقل الإجماع على هذا الحكم الفقيه المحدث الحافظ الثقة الجليل محمد بن نصر المروزي وجماعة غيره.
ثم الطلاق إما جائز سني (معناه أنه وافق الطريقة التي ذكرها النبي ﷺ، كمن طلق في طهر لم يجامعها فيه، وليس معنى “سني” أن فيه ثوابا على الإطلاق، بل في أحيان يكون فيه ثواب، وفي أحيان لا يكون فيه ثواب) وإما بدعي (معناه طلاق يقع ولكن مع المعصية، كمن طلق زوجته وهي في الحيض) وإما لا ولا (أي لا سني ولا بدعي، فليس حراما). فالطلاق السني هو ما خلا عن الندم (أي لا يستعقب الندم، لأنه يكون قد عرف أنها ليست حاملا، لأنها قبل ذلك كانت قد حاضت، فاستدل بالحيض على عدم الحمل، وهو لم يجامعها في الحيض، ثم في الطهر الذي بعده أي الذي هي فيه الآن لم يجامعها، ثم طلقها، فيستدل بذلك على أنها ليست حاملا، فلذلك لا يعقبه ندم. والإنسان قد يطلق من ليست في الحمل، ولا يطلق نفس الزوجة إن كانت في الحمل، فبهذا الطلاق السني يسلم من الندم من هذه الحيثية. فالطلاق السني هو ما خلا عن الندم) واستعقب الشروع في العدة (أي تبدأ العدة فورا بعد الطلاق، فلا تطول عليها فترة العدة، لأن عدتها ثلاثة أطهار، فإذا طلقها في الطهر، فورا بدأت عدتها، فيحسب هذا الطهر كواحد، ثم يلزمها طهران آخران، فإذا انتهى الطهر الثالث انتهت عدتها. أما لو طلقها في الحيض، فإن كل مدة الحيض ليست من الأطهار الثلاثة، بل تكون زائدة على الأطهار الثلاثة، فتطول عليها مدة العدة) وكان (الطلاق) بعد الدخول (لأنه إن لم يدخل بها فليست عليها عدة) وهي ممن عدتها بالأقراء (أي بالأطهار، لأن النساء اللواتي يكون طلاقهن سنيا أو بدعيا هن ذوات الحيض المدخول بهن، اللواتي لسن في الحمل ولسن مختلعات، وقد استثنينا المختلعات لأن الخلع فرقة، فسخ بغير طلاق، فليس فيه سنة ولا بدعة. فإذا الطلاق السني أي الطلاق الذي ليس فيه معصية يكون بعد الدخول بالزوجة التي عدتها بالأطهار) فكان (الطلاق) في طهر (وهو الفترة التي تكون بين حيضتين) لم يطأها فيه (أي لم يجامعها فيه) ولا في حيض قبله (ومعلوم أن جماع الزوجة في الحيض حرام، ومن الكبائر). وأما البدعي (أي الطلاق المحرم) فهو أن يطلق (زوجته) بعد الدخول (بها) في (فترة) حيض أو نفاس أو في طهر وطئها فيه ولم يظهر بها حمل. وهذا الطلاق حرام ومع حرمته فإنه يقع. وإنما كان طلاق الحائض والنفساء بدعيا لأنها تتضرر بطول مدة الانتظار. وأما الطلاق في طهر وطئ فيه فإنه يؤدي إلى الندم عند ظهور الحمل لأن الإنسان قد يطلق الحائل (أي التي ليست حاملا) دون الحامل وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر هو والولد. وأما طلاق لا ولا أي (الطلاق) الذي لا يسمى سنيا ولا بدعيا فهو أن يطلقها قبل الدخول (بها، أي طلقها بعد العقد وقبل أن يجامعها) أو (طلقها وكانت صغيرة) غير بالغة (لم تحض بعد) أو ءايسة (وهي التي انقطع حيضها بعد أن بلغت سن اليأس، لأن عدتها تكون بالأشهر) أو حاملا منه (وقد ظهر حملها، لأن عدتها تكون بوضع الحمل).
تنبيه: (يجوز زواج غير البالغة، لكن لا يجامعها إذا كان الجماع يؤذيها)
(قال المؤلف رحمه الله) ولا فرق بين طلاق الجد وطلاق الهزل لقوله ﷺ (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة) رواه أبو داود في السنن فإذا حصل النكاح بشروطه (أي وبأركانه. وأركان النكاح زوجة وزوج وولي وشاهدان وصيغة. ومن شروط الولي والشاهدين الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والعدالة. فإذا حصل النكاح بشروطه وبأركانه) وكان الولي والزوج مازحين ثبت النكاح، وكذلك الطلاق، فإن كان الزوج والزوجة مازحين أو جادين أو أحدهما جادا والآخر مازحا كأن طلبت الزوجة الطلاق بجد وهو أوقعه بمزح فقد ثبت الطلاق. والجد خلاف الهزل وهو بكسر الجيم.
وإن كان الطلاق واحدا أو اثنين تصح الرجعة قبل انتهاء العدة بقول أرجعتك إلى نكاحي ونحوه (الإرجاع لا يشترط فيه الإشهاد ولكن الإشهاد أحسن، وكذلك الطلاق يقع من غير شهود، فمن قال “إذا لم يوجد شهود فلا يقع الطلاق” فهذا قول لا يلتفت إليه) فإن انتهت العدة قبل أن يرتجعها لا تحل له إلا بعقد جديد بوليها وشاهدين مسلمين.
(مسألة متعلقة بالنكاح: لو تزوج مسلم بنصرانية أو يهودية في غير دار الإسلام، ثم سافر وحده إلى بلاد الإسلام بدونها، ينفسخ نكاحهما عند الإمام أبي حنيفة. فمن عقد عقده على ما يوافق مذهب أبي حنيفة ولا يوافق مذهب الشافعي، كمن عقد بدون ولي أو بشهادة رجل وامرأتين بدل رجلين أو نحو ذلك، فلينتبه إلى هذه المسألة. فإذا عقد على غير مسلمة في غير دار الإسلام أي في كندا مثلا، ثم سافر إلى دار الإسلام وحده بدونها، ينفسخ نكاحه منها، فإذا رجع، فلا بد إذا أراد الرجوع إليها من عقد جديد)
هل يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها.
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق أو الخلع من زوجها بلا سبب فإذا جرته إلى المحكمة حتى يطلقها بلا سبب شرعى وقعت فى معصية كبيرة وتكون ناشزة والناشزة يسقط حقها فى النفقة والمبيت ولا تقبل صلاتها أى لا ثواب لها فى صلاتها ما دامت ناشزة فقد قال رسول الله ﷺ لا تؤذى امرأة زوجها فى الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا. أما إن كان زوجها يضرها فى دينها كأن كان يمنعها من تعلم ما فرض الله عليها من علم الدين أو يريد منها أن تشرب الخمر معه أو أن تترك الصلاة المفروضة أو كان لا ينفق عليها ولا تجد حاكما يحصل لها النفقة منه أو كرهته بحيث تخشى أن تعصى ربها إن بقيت معه فيجوز لها أن تطلب الطلاق منه دون إيذاء له.
فصل في الخلع
الخلع بضم الخاء من الخلع بفتحها وهو لغة النزع لأن كلا من الزوجين لباس الآخر فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه (فإذا حصل الفراق بينهما، فكأن الإنسان خلع ثوبه، ولذلك سمي “الخلع” أخذا من “الخلع” ومعناه أن تشتري المرأة نفسها من الزوج بمال، وليس شراء حقيقيا لأن الحر لا يباع ولا يشترى، إنما معناه أنها تحصل الفراق من زوجها مقابل أن تدفع له مالا، لأن الزوج له حق على المرأة كالاستمتاع بها وأن لا تخرج من بيته إلا بإذنه بغير ضرورة، فهي بعمل الخلع تكون قد “اشترت” نفسها بمعنى أنها دفعت مقابلا لفك هذا الارتباط، ولذلك سمي “الخلع” نسبة إلى “الخلع” الذي هو النزع. ويقع الخلع بقول الزوجة لزوجها مثلا “خالعني على مهري”، ومعناه “أترك لك مهري على أن تحل العصمة” أو تقول له “خالعني على مائة دينار” فيقول “خالعتك على ذلك” ثم تدفع له المائة دينار، وليس شرطا أن تدفعها على الفور). وهو (أي الخلع) ثابت قبل الإجماع وبقوله تعالى ﴿فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا﴾ وبقوله ﷺ في امرأة ثابت بن قيس (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) رواه البخاري والنسائي (ومعناه اقبل هذا المهر كبدل حتى تحل هذا الرباط الذي بينك وبينها، ومن هنا أخذت أحكام الخلع. وأتت امرأة ثابت بن قيس النبي ﷺ فقالت “يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام” أي: أخاف أن أقع في المعصية لعدم أداء حقه، فقال رسول الله ﷺ “أتردين عليه حديقته؟” أي: أتقبلين بذلك؟ فقالت “نعم”، لأنه لا بد من قبولها وإلا لا يصير الخلع، فقال رسول الله ﷺ “اقبل الحديقة وطلقها تطليقة“. وفي رواية “وأمره بطلاقها”، وكانت هذه المرأة الصحابية متزوجة برجل تقي دين ولكنه كان دميم الوجه، فلم تطب نفسها بالبقاء معه، فجاءت إلى النبي ﷺ وقالت “يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام” أي أخشى أن أنجر إلى معصية أو أمر قبيح، فأشار النبي ﷺ عليها بالخلع، وعرض عليها أن يطلقها مقابل أن ترد له مهرها، وكان قد أعطاها بستانا مهرا، ففرق بينهما الرسول ﷺ، فكان هذا أول خلع في الإسلام، ومن كانت في مثل هذه الحال، تخشى على دينها إن بقيت مع زوجها أن تقع في ذنب كبير أو كفر، فلها عذر في طلب فسخ عقد النكاح، فهذا الدليل الحديثي والذي منه أخذت أحكام الخلع التي بنى عليها أهل العلم). واختلف في الخلع هل هو طلاق أو (هو فرقة) فسخ (لعقد النكاح بين الزوجين)، ومشهور مذهب الشافعي الجديد أنه طلاق، وفي كتاب أحكام القرءان للشافعي وهو من كتبه الجديدة أنه فسخ وهو مذهبه القديم. وهو مكروه إلا عند الشقاق (أي الخلاف والعداوة بينهما) أو خوف تقصير من أحدهما في حق الآخر (أي خوف الوقوع في المعصية) أو كراهة الزوجة للزوج (فمن هذه الكراهية تخشى أن تقع في المعصية، فهنا يكون سببا شرعيا) أو كراهته إياها لزناها أو نحوه كترك الصلاة أو للتخلص من وقوع الثلاث أو الثنتين بالفعل فيما لو حلف بالطلاق ثلاثا أو اثنتين على فعل ما لا بد منه. (كأن قال لزوجته “إن خرجت من البيت فأنت طالق ثلاثا” أو “فأنت طالق طلقتين”، وهي لا بد أن تخرج من البيت، فهنا إن عمل الخلع للخلاص من الثنتين أو الثلاث فلا بأس، ولا كراهة في ذلك)
وتعريفه (أي الخلع) شرعا أنه فرقة (بين الزوج والزوجة) بعوض مقصود (مثل المال، أو الدنانير، أو أثاث البيت، أو مهرها) راجع لجهة الزوج (أي أن الزوج صار هو المستحق لهذا المال بعد إيقاع الخلع). وأركانه خمسة أحدها ملتزم للعوض إن كان زوجة أو غيرها (فإما أن تقول الزوجة “خالعني على كذا” أو يأتي شخص ثالث ويقول للزوج “خالع زوجتك على كذا، وأنا ألتزم بذلك” ومعناه أن هذا الثالث هو الذي يدفع العوض للزوج مقابل فسخ عصمة النكاح) والثاني (من أركان الخلع) البضع (أي حق الاستمتاع بالزوجة، فالبضع في الأصل يعني الفرج، والمقصود هنا أن للزوج حق الاستمتاع بها، إما لأنها تحت عصمته، أو في حال الطلاق الرجعي، حيث لا تزال في العدة، ويحق له إرجاعها والاستمتاع بها، فهي هنا في حكم الزوجة، وبالتالي إذا أرادت أن تخلع نفسها في وقت العدة، فإن الخلع يقع صحيحا. أما لو كانت بائنا، كأن كان قد طلقها ثلاثا مثلا، فلا يعمل عليها خلع لأن الزوج ليس له حق الاستمتاع بها، فهي ليست زوجته ولا هي في عدة رجعية. وكذلك لو طلق زوجته طلاقا واحدا، ثم مضت عدتها، فليس له عليها شيء، فلا يستطيع أن يجري عليها الخلع) والثالث (من أركان الخلع) العوض (أي عوض مخصوص يبذل للزوج مقابل حل العصمة، إن كان دنانير أو كان أثاث بيت أو نحو ذلك، يعني ليس شرطا أن يكون عملة فقد يكون بيتا وقد يكون مهرا وقد يكون بستانا وهكذا) والرابع (من أركان الخلع) الصيغة (أي الإيجاب والقبول، كقول الزوجة “خالعني على كذا” أو قول أبيها أو أخيها مثلا “خالع زوجتك على كذا”، وهو يقول “خالعتها على ذلك”) والخامس الزوج (أو من يقوم مقامه، كما في عقد النكاح، فالوكيل ينوب عنه، وكذلك في الخلع ينوب عنه من أوكله).
ثم على القول بأنه الخلع فسخ يصلح لمن يريد الخلاص من وقوع الطلاق المعلق إن كان ثلاثا. فإذا كان الزوج لا يريد أن يقع الطلاق المعلق خالعها بغير قصد الطلاق بل بقصد الفسخ أي حل النكاح فتصير الزوجة بالخلع بائنا (أي ليست في حكم الرجعية، فلا يستطيع أن يرتجعها إلا بعقد جديد ولو كان ذلك ضمن العدة، وما كان قد علقه قبل ذلك انتهى ولا يعود يؤثر. والكلام هنا عن صاحب العدة، أما غير صاحب العدة، فلا بد أن ينتظر انتهاء العدة ليتزوجها) فلو فعلت بعد (الخلع) ذلك المحلوف عليه (أي الطلاق المعلق) لم يقع الطلاق به، ثم يعمل (صاحب العدة) عقدا جديدا بطريق وليها أي الولي الخاص (كوالدها) أو غيره إن لم يتيسر العقد من طريق الولي الخاص كأن يجري الحاكم العقد فيكون في حكم الولي الخاص الأصلي (ومعناه إن لم يكن هناك أحد من أوليائها يجري العقد، فيجريه الحاكم، والمقصود بالحاكم القاضي الشرعي، أو المحكم الذي يحكمه الزوجان، أي يجعلانه حاكما في قضية تزويجهما عند فقد القاضي المسلم، فيكون المحكم في حكم الولي الخاص الأصلي، وشرط هذا المحكم أن يكون عدلا، ويشترط لصحة إجرائه العقد أن يكون تحكيمه من قبل الرجل والمرأة، فتقول المرأة له “حكمتك في زواجي” ويقول الرجل أيضا “حكمتك في زواجي” ومعنى حكمناك في زواجنا أي جعلناك قاضيا في هذا الزواج، ثم يقول هذا المحكم للخاطب “زوجتك محكمتي فلانة”، ويشهد على ذلك اثنان من العدول). وهذا المخلص المذكور لا يتأتى على مشهور مذهب الشافعي لكن يصح على القول القديم وعلى قول قاله الشافعي في كتاب أحكام القرءان كما تقدم فلا بأس بالعمل به، (إذا كان هناك قول معتبر لمجتهد معتبر، فيجوز إرشاد الناس إليه، خصوصا إذا كان ذلك للخلاص من الوقوع في الحرام، لأن بعض الرجال وبعض النساء لا يصبرون، فيقعون في المعاشرة بالحرام، فيكون هذا إرشادا لهم لئلا يقعوا في المعصية) فينبغي إرشاد من يخشى منه أن يعاشر المرأة بالحرام بعد وقوع المعلق به إلى هذا المخلص لأن كثيرين يعدلون إلى المعاشرة بالحرام بعد وقوع الطلاق المعلق الذي هو ثلاث من دون أن يتزوجها زوج غيره. وبعضهم يعدلون إلى طريق لا ينفعهم وهو أنهم يتفقون مع شخص يجرى له عليها العقد بعد وقوع الثلاث ثم يشترطون عليه أن لا يجامعها ويحتجون بأن بعض المجتهدين من التابعين يجيز ذلك، وذلك المجتهد يشترط أن لا يكون الزوج الثاني يقصد بذلك إحلالها للأول (حاصل المسألة الصحيحة أن الإنسان إذا طلق زوجته ثلاث تطليقات، فلا بد أن تنقضي عدتها ثم تتزوج غيره لأنه لا يصح أن تتزوجه مباشرة. ثم يجامعها الزوج الثاني، فإن شاء بعد ذلك طلقها، فإذا مضت عدتها وأرادت أن ترجع للزوج الأول جاز ذلك. ولا يوجد أي طريقة أخرى لرجوعها إليه، فلا يجوز أن يتفقوا مع الزوج الثاني على أن يعقد عليها النكاح ثم لا يجامعها، وبعد ذلك يطلقها) فهؤلاء الذين يرشدون الناس إلى هذا الأمر الفاسد يغشون الناس الذين يقصدونهم للاستفتاء لأنهم لم يوافقوا ذلك المجتهد بل كان عملهم هذا حراما عند جميع المجتهدين فلا وافقوا الجمهور ولا وافقوا هذا المجتهد الذي شذ. (لأنه هو اشترط أن لا يكون الزوج الثاني يقصد بذلك إحلالها للزوج الأول، فهم لم يوافقوه في ذلك، وقوله هذا أيضا ليس معتبرا). قال بعض أكابر الحنفية وهو صدر الشريعة فيمن أخذ بقول ذلك المجتهد (من فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وإنما لم يعتبر قول هذا المجتهد لأنه خالف حديثا صحيحا باتفاق علماء الحديث وهو قوله ﷺ (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا تحلين له حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) أي لا يحل لك أن ترجعي للزوج الأول (وهو رفاعة) إلا بعد أن يجامعك هذا الثاني (وهو عبد الرحمن بن الزبير)، وهو حديث صحيح ثابت مشهور رواه البخاري فالفتوى بخلافه لا عبرة بها لأن المجتهد إذا خالف قوله نصا قرءانيا أو حديثيا يعد دليلا (أي باطلا) باتفاق لا يقلد في اجتهاده (أي لا يجوز لأحد أن يتبع هذا الاجتهاد الباطل) ولو كان قاضيا قضى بذلك وجب على غيره من القضاة أن ينقض حكمه (أي إذا أصدر قاض حكما يخالف نصا واضحا من القرءان أو الحديث، فإن أي قاض آخر يطلع على هذا الحكم يجب عليه إبطاله ونقضه). نسأل الله أن يثبتنا على سبيل وسنة.
والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين
لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/-74e18e9C4c
للاستماع إلى الدرس: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-29