الأحد ديسمبر 22, 2024

#28  1-9 سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام

الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الأَشْكالَ والألوانَ ولا شَكْلَ ولا لَوْنَ لَه، والذي خَلَقَ الجِهَةَ والْمكانَ ولا جِهَةَ ولا مَكانَ لَه، سُبحانَهُ الأعلى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، والأكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَظَمَةً وَعِزَةً وَعِزًّا، سُبْحانَهُ غَنِيٌّ عَنِ العالَمين وَلا يُشْبِهُ الْمَخْلوقين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ وَأَفْضَلِ الأنْبِياءِ وَالْمُرْسَلين، سَيِدِنا مُحَمَّدٍ الصّادِقِ الأَمين، الذي جاءَ بِدينِ الإسْلامِ كَسَائِرِ إِخْوَانِهِ النَّبِيّين. أما بعد سنتكلم باختصار عن قصة سيدنا يوسف عليه السلام. هو يوسف ابنُ نبيِ اللهِ يعقوب بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيم. وقد أثنى الله عليه ووصفَه بالعِفّةِ والنزاهةِ والصبرِ والاستِقامة قالَ الله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}. كما أثنى عليه سيدُنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: “إنّ الكريمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريمِ يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيم” رواه البخاري. وذُكر اسمُ يوسفَ عليه السلام في القرءانِ الكريم في سِتٍ وعِشرينَ ءاية. وهو من أشهرِ أنبياءِ بني إسرائيل، وقد ذُكرت قصةُ سيدِنا يوسفَ عليه السلام في سورةِ يوسف مُفصّلة، وفيها بيانٌ لحياتِه ومحنتِه معَ إخوتِه ومحنتِه مع امرأةِ العزيز، ودخولِه السجنَ ودعوتِه فيه إلى الله تعالى، ثم خروجِه من السجنِ وفيها تفسيرُه الرؤيا للملِكِ واستلامُه لخزائنِ الأرض أي أرضِ مصر، ثم مجيءُ إخوتِه إلى مِصرَ بسببِ القحط، وإبقاؤه لأخيهِ بنيامينَ عندَه، ثم اجتماعُه بأبيه وإخوتِه ودخولُهم عليه وسجودُهم له على وجهِ التحيةِ والتعظيم وكان ذلك جائزًا في شريعتهم، إلى غيرِ ذلك من إشاراتٍ دقيقةٍ وعِظاتٍ بالغةٍ يُستفادُ بها من حياةِ هذا النبيِ الكريم. واعلموا رحمكم الله أنّ يعقوبَ عليه السلام تزوجَ ابنتي خالِه “لَيّا” و”راحيل” وجمَع بينهما وكان ذلكَ جائزًا في شريعتِهم، ثم نُسِخَ في شريعةِ التوراة، وأنهما وَلدتا له عددًا من الأولاد. وليُعلم أنّ الأسباطَ هم ذريةُ إخوةِ يوسفَ عليه السلام وهم شعوبُ بني إسرائيل، وكان يوجدُ فيهم أنبياءُ نزلَ عليهمُ الوحي، ولم يكن من أولادِ يعقوبَ نبيٌ غيرُ يوسفَ عليه السلام إلا أنّ هناك احتمالًا أن يكونَ بنيامينُ نبيًّا، وأمّا ما ذَهَبَ البعضُ إليه من القولِ بنبوةِ إخوتِه فمردودٌ لأنّ النبوةَ لا تصِحَ لإخوةِ يوسف الذين فعلوا تلكَ الأفاعيلَ الخسيسة وهم مَن سوى بنيامين، فالأسباطُ الذين أُنزِلَ عليهم الوحيُ هم من نُبّئ من ذريتهم. وكان يعقوبُ عليه السلام يحبُ ابنَه يوسف وبنيامين كثيرًا ويُؤثِرُهما بزيادةِ المحبةِ على إخوتِهما لما لهما من المحاسن كحُسنِ الخلُقِ وكان ذلك سببًا في حِقدِ إخوتِهما عليهما، وسببًا في محنةِ يوسفَ التي ابتُلِيَ بها ونالَ بها الدرجاتِ العُلى عندَ الله تعالى. فقد رأى يوسفُ عليه السلام في المنام وهو صغيرٌ لم يحتلم أنّ أحدَ عشرَ كوكبًا والشمسَ والقمرَ تسجدُ له، قال المفسرون: كانت الكواكبُ في التأويلِ إخوتَه، والشمسُ أمَه، والقمرُ أباه، فقصَّ يوسفُ عليه السلام هذه الرؤيا على أبيه. قيل: كان عمُرُهُ وقتئذٍ اثنتي عشْرَةَ سنة، فأشفقَ عليهِ أبوه يعقوب من حسدِ إخوتِه له، ولقد علِم يعقوبُ عليهِ السلام أنه سيكونُ لابنِه يوسفَ شأنٌ عظيمٌ وسينالُ رُتبةً عاليةً ورِفْعَةً سامية في الدنيا والآخرة، لذلك أمرَهُ بكِتمانِ ما رأى في المنام وألا يَقُصَها على إخوتِهِ خوفًا عليه من كيدِهم وحَسَدِهم. كانَ بقيةُ أبناءِ يعقوبَ عليه السلام يحسُدونَ يوسفَ وشقيقَه بنيامين على هذه المحبةِ والخصوصيّة لهما وهم يَعتبرونَ أنفسَهم جماعةً أقوياءَ نافعين ليعقوب وأحقَّ بمحبّته، وازدادَ كُرهُ إخوتِه وحسدُهم ليوسف خاصةً لَمّا علِموا بأمرِ الرؤيا، ولذلك تآمروا فيما بينهم على أن يُفرّقوا بينَه وبينَ أبيه، وتشاوروا فيما بينَهم على قتلِ يوسفَ أو إبعادِه إلى أرضٍ لا يرجِعُ منها ليخلُوَ لهم وجهُ أبيهم أي لتَتَمَحَضَ محبّتُه لهم عن شغلِهِ بيوسف، وقالوا سنتوبُ بعدَ ذلك لنكونَ من الصالحين، ولكن قائلًا منهم قيلَ هو أخوهُ يهوذا وقيلَ غيرُه، قالَ لهم: لا تقتلوا يوسف، وأمرَهم أن يُلقوهُ في قعرِ البئر فيلتَقِطَهُ بعضُ المارةِ من المسافرين فيأخذونَه وبذلك يتخلّصونَ منه، وأخذَ عليهم أخوهم يهوذا العهودَ أنهم لا يقتلونَه، فأجمعوا عندَ ذلكَ على أن يَدخلوا على يَعقوبَ ويُكلِّموهُ في إرسالِ يوسفَ معَهم إلى البريةِ ليلعبَ معَهم ويأكل، لذلك دَخلوا على أبيهم وطلبوا منه أن يَسمحَ لهم باصطِحابِ يوسفَ إلى الصحراء وتعهدوا له أن يُحافِظوا عليه، وكان يعقوبُ عليه السلام قد خطرَ له ما يُضمِرُهُ بنوهُ لأخيهم يوسف، وكان يَعِزُّ عليه أن يذهبوا به لأنّه كان يخشى عليه منهم، لذلك أرادَ أن يُثنِيَهم عن هذا الأمر بقوله: إنِّي لَيَحزُنُني أن تذهبوا بهِ وأخافُ أن يأكُلَهُ الذئبُ وأنتم عنهُ غافلون. وهو كان يتخوّفُ على يوسفَ من عُدوانِهم أكثرَ مما يتخوفُ عليه عُدوانَ الذئبِ ولكنّهم كانوا بارعين في الدَهاء، فقالوا لئن أكلَهُ الذئبُ ونحنُ جماعةٌ كثيرون نكونُ إذًا عاجزينَ هالكين. والله أعلم وأحكم. ترقبوا في الحلْقة القادمة من سلسلة قصص الأنبياء إن شاء الله تعالى تفصيلَ مؤامرة إخوة يوسف عليه السلام وماذا فعلوا به فتابعونا وإلى اللقاء.