السبت سبتمبر 7, 2024

#28 سيدنا محمد رسول الله ﷺ

اعلم رحمك الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق في جميع ما أخبر به وبلغه عن الله، وقد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر. ومن المنكر الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم معاصي اللسان التي منها أنّه يحرم إذا قَرَأَ الشخصُ القرءان أن يَلْحَنَ فيه أى أَن يُغَيّر فى القرءان بأن يغير لفظَ الكلمة عمّا أُنزلت عليه، سواء كان هذا اللَّحن يُغيّر المعنى أو لا يغير المعنى. ولذلك ينبغى للشخص أن يقرأَ القرءانَ على معلّم يُحْسِنُ القراءةَ قبلَ أن يقرأ وحدَه. ومن معاصى اللسان أن يَشْحَذَ الإنسانُ المكتَفِى. وفى صحيح البخارى أنّ الذى يفعلُ ذلك يأتِى يومَ القيامةِ وليسَ على وجهِه مَزْعَةُ لَحْم، وذلك لأنّه أَرَاقَ ماءَ وجْهِهِ فِى الدُّنيا بالشّـِحاذَةِ فكان عقابُه يومَ القيامة مناسبًا لذلك. يومَ القيامة هذا الوجه الذى قابلَ به الناس ليشحذَ منهم موهمًا إياهم أنّه محتاج مع كونِه عنده الكفاية لا يكونُ عليه مزعةُ لحم. أمّا مَن كان من أَهْلِ الفَقْرِ وليس له سبيل ليكفىَ حاجاتِهِ إلا بالسؤال فسأل فلا إثم عليه. وإن صبرَ وتَعَفَّفَ فهو خيرٌ له.  ومن معاصى اللسان أن ينذُرَ الرجلُ نذرًا يقصد به أن يَحرِم وارثه. كأن ينذر ماله قبل الوفاة لشخص غيرِ الوارثِ ويُشْهِدَ على ذلك ليطالبَ هذا الشخصُ بالمال عند وفاة صاحب المال مستعينًا بالشهود ليحكمَ له القاضى بذلك، ويكون قصدُ صاحب المال من هذا الأمر حرمان الوارث. فلو وقع ذلك من شخص لم يصحَّ ذلك النذر. ومثله أن ينذر أموالَه لبناته لأنه ليس له أولادٌ ذكور حتى لا يرث إخوتُه من هذا المال مثلًا، فإنّ هذا حرام والنذر غير ثابت. ومن معاصى اللسان أن يخطِبَ الرجل على خِطبة أخيه أى أخيه فى الإسلام. وإنما يحرم ذلك بعد الإجابة ممن تُعتبر منه من وَلِىٍّ مُجْبِر أو غير مجبر بدون إذن الأول، أى لو أجاب الولىّ أو مَن تُعتَبر منه الإجابة بقبولِ الخطبة يحرم أن يخطِبَ شخصٌ ءاخر يعلم بهذا الأمر نفسَ المرأة بدون إذن الخاطب الأول. فأما إن أذن الأول فلا حرمة فى ذلك. وكذلك إن أعرض الأول أى غيَّرَ رأيَهُ ولم يَعُد يريد الزواج منها فهنا تزول الحرمة. وإنما حرّمت الخِطبة على خِطبة أخيه لِمَا فى ذلك من الإيذاء والقطيعة. و من معاصى اللسان أن يُفتىَ الشخص بفتوى بغير علم. فمن أفتى فإن كان مجتهدًا أفتى على حسب اجتهاده، أى إن تَحَلَّى بصفات المجتهد، ومنها أن يكون حافظًا لآيات الأحكام، وأحاديث الأحكام، عارفًا بلغة العرب والمطلق والمقيّد والعام والخاصّ والناسخ والمنسوخ، وأن يكون مسلمًا مجتنبًا للكبائر غيرَ مُصِرٍّ على الصغائر محافظًا على مروءة أمثاله، وأن يكون وَقّاد القريحة. فمثلُ هذا إن أفتى يُفتِى على حسب اجتهاده. فإذا لم يكن الشخص مجتهدًا اعتمد على فتوى إمام مجتهد. فمن سُـئِلَ عن مسألة ولم يكن عنده علم بحكمها فلا يُغْفِلْ كلمة لا أدرى، فقد جاء عن مالك رضى الله عنه أنه سُئِلَ ثمانية وأربعين سؤالًا، فأجاب عن ستة وقال عن البقية: لا أدرى، روى ذلك عنه صاحبه هيثم بنُ جميل. ورُوِىَ عن سيدنا عَلِىّ أنه سُئِلَ عن شىء فقال: وابَرْدُهَا على الكبدِ أن أُسْأَلَ عن شىءٍ لا علم لى به فأقول لا أدرى، رواه الحافظ ابن حجر فى تخريجه على مختصر ابن الحاجب الأصلىّ. وقد رَوى إمامُنا الشافعىّ رضى الله عنه عن مالك عن محمد بن عجلان قال: إذا أغفَلَ العالِمُ لا أدرِى أُصيبت مقاتِلُه إهـ. ولا عبرةَ بفتاوى كثيرٍ من الناس بقولهم “رأيُنا كذا وكذا” وهم لم يصلوا إلى درجةِ الاجتهاد المطلق ولا إلى درجة أصحاب الوجوه فى المذهب. فإنه إذا كان بعضُ أقوال بعضِ المجتهدين لا تُعتبر لمخالفَتِها النصوصَ الصريحة فكيف بقولِ ورأَىِ من لم يبلُغ درجة الاجتهاد ممن تَسَوَّرَ مرتَبَةً ليس هو أهلًا لها. نسأل الله أن يحفظَنا من ذلك. و من معاصى اللسان تعليمَ الشخصِ لغيره كلَّ علم مضر شرعًا كالسحر وما شابه ذلك، كعلم التنجيم الذى فيه الحكمُ على الأمور التى تحصلُ مستقبلًا بناءً على النظر فى النجوم، فإنه أيضًا حرام.  و من معاصى اللسانِ أن يحكم الحاكمُ بحكمٍ مخالفٍ لشرعِ الله تعالى وهو من كبائر الذنوب. ولا يصل إلى حدّ الكفر إلّا إذا زَعَمَ فاعِلُهُ إنّ هذا الحكمَ أفضلُ من حُكْمِ الله أو مساوٍ له. ومن هنا يُعلَم أنّ ما قالَه سيدُ قُطبٍ من تكفيره الحكّامَ فى بلاد المسلمين لأنهم يحكمون بغير الشرع ومن تكفير الرَّعيّة لأنهم لا يثورون على هؤلاء الحكّام هو باطلٌ مخالفٌ لدين الله تعالى. ولم يوافق سيدُ قطب فى هذا الكلام أحدًا من أئمةِ أهل السُّنة، إنما سَلَفُهُ طائفةٌ من طوائفِ الخوارج يقال لها البَيْهَسِيَّة، وكفى بالمرء خُسرانًا أن يكون ذَنَبًا للخوارج والعياذ بالله. ومن معاصى اللسانِ النّدب. والندب معناهُ ذكْرُ محاسن الميت برَفْعِ الصوت مع الصُّراخ مثل وَاكَهْفَاه (يعنِى يا مَلْجَئِى) وما شابه ذلك. خطاب الميت بهذه الطريقة التى فيها رفع الصوت مع ذكر محاسنِه هو الندب وهو حرام. والنياحةُ هى الصّياح على صورةِ الجَزَع أى فُقدان الصبر لأجل مصيبة الموت هذا هو النياحة. فإذا زيد على ذلك نَشْرُ الشعرِ وتمزيقُ الثّياب كان زيادةً فى الإثم أى إن كان عنِ اختيارٍ لا عن غَلَبة. ومن معاصي اللسان كلُّ قول يحثُّ على مُحرَّمٍ أو يُفَتّـِرُ عن واجب، وكلُّ كلامٍ يقدح فى الدِّين أو فى أحدٍ من الأنبياء أو فى العلماء أو القرءان أو فى شىءٍ من شعائر الله. ومن معاصى الفم التزميرُ أى الضربُ بالمزمار بكافة أنواعه، ما يُستعملُ فى الحروب وما يُستعمل فى البوادى وما يُستعمل فى الأعراس وغيرُ ذلك، قال القرطُبِىُّ: لم أسمع عن أحد ممن يُعْتَبرُ قولُه أنه يُبيحُ الْمِزْمَار إهـ. فما قاله بعضُ الشافعيةِ وبعضُ الحنفيةِ فى حِلِّ ذلك هو قولٌ شاذٌ لا يُلتفتُ إليه. ومن معاصى اللسان السكوتُ عن الأمرِ بالمعروف والنهىِ عن المنكر بلا عذر شرعىّ. يعنى أن يسكت عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو ءامِنٌ على نفسه ونحو ماله معَ قدرته على الأمرِ أو الإنكارِ. فإذا تعـيَّن الأمرُ والنهىُ عليه ثم لم يأمُر ولم ينهَ فهو ءاثم. فإن كان فرضَ كفايةٍ وقام به غيرُه بحيث سُدَّت الكفاية فلا إثم عليه. وهنا ينبغى الانتباهُ إلى أمرٍ مهمٍ وهو أنه يُنْكَرُ الْمُجْمَعُ على كونه منكرًا. وأما المختلفُ بين أهلِ الاجتهاد فى كونه منكرًا فلا يُنكر على من يعتَقِدُ حِلَّهُ، إنما يجوز أن يُقَالَ له “خيرٌ لك أن لا تفعل هذا الأمر”، لكن لا يُقَالُ له “أنت ءاثم بما تفعل” لأنّ الأمر مختلفٌ فيه فيجوز له أن يقلّدَ هذا المجتهد كما يجوز له أن يقلّدَ ذاك المجتهد. إنما يُنكَر المنكرُ الْمُخْتَلَفُ فيه على من يفعلُه وهو يعتَقِدُ حُرمَتَهُ. وتركُ الأمرِ بالمعروف والنهىِ عن المنكر كبيرةٌ من الكبائر. ومن معاصى اللسان أن تعرِفَ طالبًا يطلُبُ منك أن تدرّسه الفرضَ العينىَّ من علم الدين ثم مع ذلك تهمل هذا الأمر، لا تطلب من غيرك أن يُدَرِّسَهُ ولا أنت تُدَرِّسُهُ. هذا ذنبٌ من معاصى اللسان.  ومن معاصى الفَم الضَحكُ على مسلم إذا أخرج الريح، أى إذا لم يكن الضاحكُ مغلوبًا أى إذا لم يخرج منه الضحكُ بغير إرادته. لأنّ الضحك على المسلم لأجل أنه أخرج الريح يكسِرُ قَلْبَهُ فهو حرام. ومثله أَىُّ ضَحِكٍ فيه إيذاء للمسلم، كما لو ضحك استحقارًا له. وليعلم أنَّ من جملةِ معاصى اللسان كتمَ الشهادةِ الواجبةِ التي فيها إحقاقُ حق أو إبطالُ باطل. وذلك فيما إذا طَلَبَهُ القاضى للشهادَةِ، فأمّا إِنْ لم يطلُبْه القاضى للشهادة فليس له أن يُبادرَ ليشهد، وذلك لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَمَّ الذين يشهدون قَبْلَ أن يُسْتَشْهَدُوا كما روى الترمذىُّ وغيره. وهذا فى غيرِ شهادَةِ الحِسْـبَة، مثلَمَا إذا عرَفَ شخص أنّ رجلًا ءاخر طَلَّقَ زوجَتَهُ طلاقًا بائنًا بالثلاث بحيث لا تَحِلُّ له بعد ذلك وهو مع ذلك ما زال يعاشرُها. فى هذه الحال لو لم يُرْفَع عند القاضى دعوى يجوز له أن يذهبَ إلى القاضى فيشهد و يقول له الحال كذا وكذا أنا أشهدُ على ذلك. هذا يقال له شهادةُ الحِسْبَة. أما فى غيرِ نحو ذلك فلا يفعل إلا إذا طلبَه أحدُ الخصمين فيشهد عند ذلك . ومن معاصى اللسان تركُ ردِّ السلام الواجب عليك عَيْنِـيًا ردُّه، وذلك بأن يصدُرَ ابتداءُ السّلام من مسلمٍ مكلف على مسلمٍ بعينه، ففى هذه الحال لا بدّ من رد السلام عليه. وبقولنا مسلم أخرجنا الكافر فلا يجبُ ردُّ السلام عليه بل يَحْرُمُ. فإذا قال الكافر السلام عليكم يحرم أن يقال له: وعليكم السلام. وبقولنا المكلف أخرجنا غيرَ المكلّف فلا يجب ردُّ السّلام على المجنون مثلا، ولا يجبُ ردُّ السلام على الطفل الذى لم يبلغ بعد. أما لو صَدَرَ السّلامُ من مسلمٍ على جماعةٍ مكلفين فرَدُّه فرضُ كفاية فلو ردّ البعضُ منهم سقط الحرجُ عن الباقين. ولو سلَّمت شابةٌ على أجنبىّ لم يجب الردُّ عند ذلك، وإن كان جائزًا ليس حرامًا. وما ذكره بعض المتأخرين من إطلاق تحريم ابتداء الرجلِ المرأةَ بالسلام أو بالعكس فليس بجيدٍ أى أنّ إطلاقَهُم هذا الأمرَ ليس بجيد. وقد ثبت أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سَلّمَ على بعضِ النسوَةِ، كما روى ذلك أبو داود وغيره. ومن المعاصي التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو متعلق بالأذن، ومن ذلك: الاستماعُ إلى كلامِ قومٍ أَخْفَوْهُ عنه. فمن استمع إلى كلامِ قومٍ أَخْفَوْهُ عنه بغير عذرٍ شرعىٍّ فهو ءاثم لأنّ هذا نوعٌ من التجسُّسِ المحرَّم، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنِ استَمَعَ إلى حديثِ قومٍ وهم له كارهون صُبَّ فى أُذُنيهِ الآنُكُ يوم القيامة”. والآنُك يعنى الرصاص الْمُذَاب، والحديث رواه البخارى. و من معاصى الأذنِ أن يتعمَّدَ الشخصُ الاستماعَ إلى ءالات اللّهوِ المحرمة كالعود والمزمار وما شابه ذلك. والمقصودُ بذلك كلُّ ءالةٍ تُطْرِبُ بمفردِها أى تُحدث خِفَّةً فى الشخص، فلا يدخل فى ذلك الدُّفُ والطّبلُ والصُّنجُ وما شابَهَها. وأمّا لو دخل السَّماعُ قهرًا على الشخص ولم يتعمد هو الإصغاءَ فليس عليه ذنب. ويُفهمُ مما سبق أنّ الدُّف ولو كان فيه جلاجل لا يحرُمُ استعمالُهُ كما ذكر ذلك الإمامُ النووىُّ وقبلَه إمامُ الحرمين الجوينِىُّ وغيرُهُمَا، خِلافًا لما قالَه بعضُ الناس، فإن الدُّفَّ والطبلَ وما شابَهَهُمَا يحركان القلب ولا يَنْشَأُ عنهما فى النفسِ طربٌ. وقد ضُرِبَ الدُّفُّ بحضرة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فلم يُنْكِر. وما قاله بعضُ الناس بأنّ استعمالَه خاصٌّ بالنساء فليس للرجلِ أن يستعملَهُ لأنّه عندئذٍ يكون فيه تَشَبُّهٌ بهنَّ قولٌ غيرُ صحيح. فإنّ من جال فى بلاد المسلمين عَرَفَ كم وكم من الرجالِ يستعملونَ الدُّفَّ. ولم يأتِ فى الحديث ما يُخَصّصُهُ بالنساء. روى ابن مَاجَهْ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ فى بعضِ طُرق المدينة فسمع صوتَ جوارٍ من بنى النجار من الأنصار ينشدن ويقلن: نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمدٌ من جار. فقال عليه الصلاة والسلام: “واللهِ إِنّـِى لأُحِبُّكُن”. ففى هذا الحديثِ دليلٌ على أنّ استعمال الدف جائز وعلى أنّ صوت المرأة ليس بعورة. وما قاله بعضُ الناس من أنّ المقصودَ بالجوارى البنات الصغار غيرُ البالغات هو جهلٌ باللغة، لأنّ الجاريةَ فى لغةِ العرب معناها المرأةُ بالغةً كانت أو غيرَ بالغة. ومن معاصي الأذن الاستماعُ إلى الغيبة والنميمة ونحوِهما، بخلاف ما إذا دخل عليه السماعُ قهرًا وكرهه. ولزمه الإنكارُ إن قدر. معناه أنّ الشخصَ إذا استمع إلى الغيبة والنميمة فهو ءاثم مثلَ الذى يَغْتَابُ أو يَنُمُّ، وسبيل الخلاص أن يُنْكِرَ على فاعلِ ذلك إن استطاع، فإن لم يستطع كره بقلبِهِ وفارق ذلك المجلس. ويجب عليه مع ذلك أن يكرَه هذا الأمرَ بقلبه، وهذا أقلّ ما يلزَمُهُ عند العجز. ومن المعاصي التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو متعلق باليدين. ومن ذلك : التطفيفُ فى الكَيل والوَزن والذَّرْع. بعضُ الناس لَمّا يشترِى بِضَاعَةً من غيره يَستوفِى الكيلَ أو الوزنَ أو العدّ أو القياسَ بالأذرع. فيأخذ ما جرَى عليه العقد كاملًا، لكن لَمّا يَبيع يوهمُ المشترِى أنّه أعطَاه كلَّ ما يستحق وفى الحقيقة يكون أنقص من ذلك، فهذا هو التطفيف. ولفعله طرق عديدة من الاحتيال لكن كلُّها من كبائر الذنوب. قال ربُّنا عزّ وجلّ: {وَيْلٌ للمطففين}، يعنى أَنّ المطففين يَسْتَحِقُونَ العذابَ الأليم. والويل هو شدّة الهلاك. ومن معاصي اليدين السَّرِقةُ وهي ذنبٌ مجمعٌ على تحريمه، حرمَتُهُ معلومةٌ من الدِين بالضّرورة. وأصلُ معناها أخذُ مالِ الغير خُفْيَةً، ليس اعتمادًا على القوة. فحدُّ السّرِقَةِ إذا سَرَقَ الشخصُ ما يُساوى ربُعَ دينارٍ ذهبًا من حرزِه، أى من المكان الذى يُحفظُ فيه مثلُ هذا الشىء، أن تُقطعَ يدُه اليمنى، ثم إن عاد إلى السرقة بعد ذلك تقطع رجلُه اليسرى، ثم إن عاد فيَدُهُ اليسرى، ثم إن عاد فرجلُه اليمنى، ثم إن عاد يُعَزَّرُ ولا قَطْعَ عليه. وأما إن سرقَ أقلَّ من ربعِ دينار فإنّه يُعَزَّرُ ولا يُقْطَع. وكذلك لو سَرَقَ مالًا من غيرِ حِرْزِهِ أى من غير المكان الذى يُحفَظُ فيه ذلك المالُ عادةً، فإنّ السارق لا يقطَعُ بذلك وإنما يعزر. كأن يسرِق كيسًا فيه خمسمائة دولاد وضعه صاحبه على ظهر سيارته في الشارع العام ففي هذه الحالة يُعزّر السارق ولا يُقطع لأنّه ما سرق من حرز المثل فإنّ حرز مثل الخمسمائة دولار صندوق مقفل في البيت مثلًا. ومن معاصى اليدِ أخذُ المال بطريقةٍ حرَّمَها الشرع، سواءٌ كانت هذه الطريقة أخذَ مال الغير بغير حق اعتمادًا على الهرب، أو كان ذلك اعتمادًا على القوة، أو كان ذلك بالمكسِ الذى يُؤخَذُ من التجار بغير وجه حقّ على بضائِعِهِم، أو كان ذلك بأخذ ما لا يحلُّ للشخصِ من مال الغنيمة، كأن يأخُذَ الشخص من مال الغنيمة شيئًا لنفسه قبل أن تُقْسَم الغنائِم القسمة الشرعية. وهذا الأخير يقال له الغلول وهو من الكبائر.  ومن معاصى اليدين قتلُ مسلمٍ عمدًا بغير حق. وهذا أكبرُ الذنوبِ بعد الكفرِ بالله عزّ وجلّ. فإنْ قَتَلَهُ لإسلامِهِ أى قتله لأنّه مسلم فهو كافر. فإن لم يرجع إلى الإسلام ومات على ذلك خُلِّدَ فى نار جهنَّم. وهذا معنى قولِ الله تعالى: {ومن يَقْتُلْ مؤمِنًا مُتَعَمّـِدًا فجزاؤه جهنّمُ خالِدًا فيها} يعنِى إذا تعمّدَ قتلَه لإيمانه أى قتله لأنّه مسلم. وأما قَتْلُ المسلم لأجل الدنيا فهو ذنبٌ كبير لكن لا يصلُ إلى حدّ الكفر. ومن معاصى اليد ضربَ المسلمِ بغيرِ حق. وقد روى أبو داود وغيرُه فى الحديث الصحيح: “إنَّ الله يُعَذّبُ الذينَ يُعَذِّبـُونَ الناسَ فى الدنيا”، يعنى الذين يعذبون الناسَ بغير حقّ فى الدنيا يستحقون فى الآخرة عذابَ الله عزّ وجلّ. وَمِثْلُ الضَّرْبِ تَرْوِيعُ الْمُسْلِمِ وَالإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِنَحْوِ سِلاحٍ فَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ [فِي صَحِيحِهِ]. هَذَا إِنْ قَصَدَ تَرْوِيعَهُ أَمَّا إِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَرْوِيعَهُ وَكَانَ الآخَرُ لا يَتَرَوَّعُ فَرَفَعَ عَلَيْهِ نَحْوَ حَدِيدَةٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم. و معاصى اليد أن يأخذ الإنسان رِشوةً وكذا أن يُعْطِيَها. والرِّشوة هى المال الذى يُعْطَى لإنسان لإبطال حقّ أو لإحقاق باطل. ففى هذه الحال الآخذُ والْمُعطِى عاصيان. أما لو منعك إنسان ما هو حق لك ولا تستطيع أن تصل إليه إلا إذا دفعتَ له مالًا ففعلتَ لأخذ حقك، فهذا ليس معصية منك، وأما هو فآثم. ومن معاصى اليد إحراقُ الحيوان أى ما فيه روح ولو كان مؤذيًا، إلا إذا كنت لا تستطيعُ أن تَحْمِىَ نفسك من أذاهُ إلا بالحرق، وذلك لحديث: “لا يُعَذِّبُ بالنارِ إلا ربُّها”. رواه أبو داود. ومن معاصى اليد التمثيلُ بالحيوان، أى أن يُقْطَعَ أنفُهُ وتُشْرَمَ أُذُنُهُ ونحوَ ذلك من التشويه، هذا حرام.