#28 زكاة الإبل والبقر والغنم
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الداعي إلى الرَشَد وعلى آله وأصحابه أولي الفضلِ والمدد، وبعد ليعلم أنّ أولَ نصابِ الإبلِ خَمْسٌ. فمن مَلَكَ أقلَّ من خمسٍ من الإبل لا زكاةَ فى إبلِهِ هذه، فإذا بَلَغَت إبِلُهُ خَمْسًا ففيها الزكاة. هذا هو أوّل النصاب. فمَنْ كان عندَه خَمسٌ من الإبل فالزكاةُ الواجبةُ فيها شاةٌ جَذَعَةُ ضأنٍ، يعنِى أجْذَعَت أى أسقطت مُقدَّمَ أسنانِهَا أى أُنْثَى تَمَّ لها سنةٌ. ويجزِئُ أن يُخْرِجَ أيضًا ثَنِيَّةً منَ الْمَعَز، يعنِى أُنْـثَى من الـمَعَز أتّمت سنتين. ومن زادت إبِلُهُ على النصاب الذى ذكرناه لا بد أن يتعلَّم ماذا يكون حكم الزكاة فى هذه الزيادة ثم على حسبِ ذلك يُؤَدِّى الزكاة. لأنّ بعد النصاب الأول أنْصِبَةٌ أخرى وهي عشرةٌ، ثم خمسَ عَشْرة، ثم عشرون، ثم خمسٌ وعشرون، ثم ستٌ وثلاثون، ثم ستٌ وأربعون، ثم إحدى وستون، ثم ستٌ وسبعون، ثم إحدى وتسعون، ثم مائةٌ وإحدى وعشرون، ثم فى كل أربعين بنتُ لبون وفى كل خمسين حِقَّة.
وليعلم أنّ أولَ نصابِ البقرِ ثلاثونَ. فمن كان عنده دون الثلاثينَ من البقر فلا زكاةَ فى بقَرِهِ. فأوّل النصاب ثلاثون، ففى كلِّ ثلاثينَ من البقرِ يجبُ أن يُخْرِجَ تَبِيعًا على أنّه زكاةٌ. والتبيعُ هو الذكر من البقر الذى أتـمَّ سنةً وصار يَتْبَعُ أمَّهُ فى المرعى (لذلك يُسمونَه تبيعًا). من زادت بقرُهُ على النصاب الذى ذكرناه لا بد أن يتعلَّم ماذا يكون حكم الزكاة فى هذه الزيادة ثم على حسبِ ذلك يُؤَدِّى الزكاة لأنّ بعد النصاب الأوّل أنْصِبَةٌ أخرى وهي أربعون، ثم بعد ذلك فى كلّ ثلاثين تَبيعٌ وفى كلّ أربعين مُسِنَّة.
وليعلم أنّ أولَ نصابِ الغنمِ أربعون. فالأغنام لا زكاةَ فيها حتى تبلُغَ الأربعين. والغنم جنسٌ يشمَلُ الضأن والْمَعَز على أنواعِهِمَا. فأول نصابها أربعون، وفيها شاةُ ضأنٍ أو ثنية معز. ومن زادت غنمُه على النصاب الذى ذكرناه لا بد أن يتعلَّم ماذا يكون حكم الزكاة فى هذه الزيادة ثم على حسبِ ذلك يُؤَدِّى الزكاة لأنّ بعد النصاب الأوّل أنْصِبَةٌ أخرى وهي مِائةٌ وإحدى وعشرون، ثم مائتان وواحدة، ثم أربعُ مائة، ثم فى كلّ مائة شاة.
وليعلم أنّ الزكاة لا تجب على من كان عنده دون النصاب من الأنعام. والأنعامُ اسمٌ يَشمل هذه الأصناف الثلاثة التى ذكرناها، الإبل والبقر والغنم. ولا بدّ أن يمرَّ عليها فى مِلْكِهِ سَنَةٌ كاملةٌ حتى تجبَ الزكاةُ فيها. فإن باعَ مواشِيَهُ قبلَ اكتِمالَ السنةِ القمريةِ فلا زكاةَ فيها، ولو باعها قبلَ مرورِ الحولِ بيومٍ.
ولا بدّ حتى تجبَ الزكاةُ فيها من السَّومِ فِى كَلأٍ مباحٍ أى أنْ يرعاهَا مالكُهَا أو مَنْ أَذِنَ له فِى كلأٍ مباحٍ أى مرعًى لا مالكَ لَهُ. فإذا كانت المواشى تخرج بنفسها فترعَى من غير أن يُسِيمَهَا المالكُ ولا وكيلُهُ فلا زكاة فيها، ولو كانت ءالافًا. وكذلك لو أنّ مالِكَهَا كان يَعْلِفُهَا بمالٍ أى يَشْتَرِى لها الأكلَ فَيَعْلفُهَا ولا يُسِيمُهَا فى كلأٍ مباح فلا زكاة فيها.
ولا بد حتى تجبَ الزكاةُ فيها أَنْ لا تكونَ عاملةً، فالعاملةُ فِى نحوِ الحَرْثِ لاَ زكاةَ فيهَا. فالجمل مثلًا إذا كان عاملًا يستَعْمِلُهُ مالكُه لنقلِ الماءِ للناسِ بأجرة، أو كان يستعملُ الثيرانَ التى عندَه ليحرُثَ أرضَه أو أرضَ غيرِه بأجرة، أو يستعملُ الجاموس لإخراجِ الماء من البئر فهذه كلّها مواشٍ عاملةٌ لا زكاة فيها.
و لا بُدَّ لصحة أداء الزكاة أن تكون نيتُهُ أنَّ هذا المال الذى يدفعُهُ يدفَعُهُ زكاةً واجبةً. مثلًا يقول فى قلبه هذا زكاةُ مالِى. أما لو مَرَّ بفقيرٍ فدفعَ له مالًا على أنّه صدقَةُ تَطوع لا يجوزُ له بعد ذلك أن يَحْسِبَ هذا القَدْر من الزكاةِ الواجبة، لأنّه لما دفعَ له هذا المال لم تكن نيتُهُ الصدقةَ الواجبة. والله تعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.