#28
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
كِتَابُ الْمُعَامَلاتِ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فصلٌ.
الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَهَمِيَّةِ تَعَلُّمِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُعَامَلاتِ. (الْمُعَامَلَاتُ جَمْعُ مُعَامَلَةٍ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْقِرَاضَ وَالرَّهْنَ وَالْوَدِيعَةَ وَالْوَكَالَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لِيُعْلَمْ أَنَّهُ (يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (أَنْ لا يَدْخُلَ فِي شَىْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَمَا حَرَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَعَبَّدَنَا أَيْ كَلَّفَنَا) وَأَمَرَنَا (بِأَشْيَاءَ) وَنَهَانَا عَنْ أَشْيَاءَ (فَلا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا تَعَبَّدَنَا) اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِتَعَلُّمِ عِلْمِ الدِّينِ الضَّرُورِيِّ وَأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ كُلِّهَا وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ كُلِّهَا.
الشَّرْحُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُطِيعَ خَالِقَهُ بِأَدَاءِ مَا أَمَرَ بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَنْ يُطَاعَ (أَيْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُطَاعَ)، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا عُقِلَتِ الْحِكْمَةُ فِيهِ وَمَا لَمْ تُعْقَلِ الْحِكْمَةُ فِيهِ لِأَنَّ بَعْضَ مَا تَعَبَّدَنَا بِهِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لَنَا وَبَعْضًا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لَنَا، وَذَلِكَ ابْتِلاءٌ مِنْهُ لِعِبَادِهِ وَاخْتِبَارٌ (أَيِ اخْتِبَارٌ مِنهُ تَعَالَى لِلْعِبَادِ حَتَّى يَظْهَرَ الْعَبْدُ الْمُسْرِعُ بِالطَّاعَةِ وَالْعَبْدُ الْمُبْطِئُ فِي الطَّاعَةِ، أَيْ حَتَّى يَتَمَيَّزَا. فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُسَلِّمَ لِخَالِقِنَا فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ، سَوَاءٌ عَقِلْنَا الْحِكْمَةَ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَمْ نَعْقِلْ. الْحِكْمَةُ مِنْ كُلِّ الْعِبَادَاتِ إِظْهَارُ انْقِيَادِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ دُونَ التَّوَقُّفِ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ) لِأَنَّهُ مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ فِي كُلِّ شَىْءٍ فَهُوَ الْعَبْدُ الْمُطِيعُ الْمُسْرِعُ فِي الطَّاعَةِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ كَامِلَ الطَّاعَةِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَقَدْ أَحَلَّ) اللَّهُ (الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فَوَجَبَ عَلَيْنَا مُرَاعَاةُ ذَلِكَ (وَقَدْ قَيَّدَ الشَّرْعُ هَذَا الْبَيْعَ) الَّذِي وَصَفَهُ بِالْحِلِّ (بِآلَةِ التَّعْرِيفِ) أَيْ أَلْ الَّتِي يُرَادُ مِنْهَا الْعَهْدُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ هُوَ الْبَيْعُ الْمَعْهُودُ في الشَّرْعِ حِلُّهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ وَ(لِأَنَّهُ لا يَحِلُّ كُلُّ بَيْعٍ إِلَّا مَا) أَيْ بَيْعًا (اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَالأَرْكَانَ فَلا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا) حَتَّى لا يَقَعَ الشَّخْصُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَالْبَيْعُ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَىْءٍ بِشَىْءٍ، وَاصْطِلاحًا هُوَ مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
الشَّرْحُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْبَيْعَ الَّذِي أَحَلَّهُ وَعَرَّفَهُ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ وَهِيَ أَلْ الْعَهْدِيَّةِ أَيِ الَّتِي تُفِيدُ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي أَحَلَّهُ هُوَ الْبَيْعُ الْمَعْهُودُ فِي شَرْعِهِ بِالْحِلِّ (أَيِ الْبَيْعُ الَّذِي اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَالْأَرْكَانَ، وَلَيْسَ كُلَّ بَيْعٍ) وَجَبَ عَلَى مُتَعَاطِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعْرِفَةُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِدُونِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ لا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يُحِلَّهُ اللَّهُ. فَمِنْ شُرُوطِ جَوَازِ الْبَيْعِ أَيْ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ أَيِ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مُبَاحَيْنِ فِي الشَّرْعِ (وَالثَّمَنُ هُوَ مَا قَابَلْتَ بِهِ مَا تَشْتَرِيهِ، أَمَّا الْمُثْمَنُ فَهُوَ مَا قَابَلْتَ بِهِ الثَّمَنَ. فَإِنِ اشْتَرَيْتَ مُوْزًا، فَالثَّمَنُ هُوَ الْمَالُ الَّذِي تَدْفَعُهُ، وَالْمُثْمَنُ هُوَ الْمُوْزُ. وَنَعْنِي مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الَّذِي يُشْتَرَى مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَابَلَ الْمُشْتَرَى بِشَيْءٍ حَرَامٍ. يَعْنِي لَا يَجُوزُ مَثَلًا أَنْ تَشْتَرِيَ خَمْرًا) فَلا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحَرَّمِ كَبَيْعِ نَجِسِ الْعَيْنِ (كَالْخَمْرِ، وَالْبَوْلِ، وَلَحْمِ الْمَيْتَةِ، لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ بِذَاتِهَا. أَمَّا بَيْعُ شَيْءٍ طَاهِرٍ أَصْلًا وَتَنَجَّسَ بِسَبَبٍ خَارِجِيٍّ، كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ، فَهُوَ جَائِزٌ مَا دَامَ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ. فَالثَّوْبُ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ بَوْلٌ، يُقَالُ عَنْهُ مُتَنَجِّسٌ وَلَيْسَ نَجِسَ الْعَيْنِ، لِإِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ. أَمَّا نَجِسُ الْعَيْنِ كَالدَّمِ، فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ أَوْ بَيْعُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ) كَالدَّمِ وَلَحْمِ الْمَيْتَةِ (الْبَهَائِمُ الَّتِي لَا تَحِلُّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ، إِذَا مَاتَتْ دُونَ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوِ الصَّيْدِ الشَّرْعِيِّ، تُعْتَبَرُ مَيْتَةً. وَالذَّكَاةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الذَّبْحُ الْمُوَافِقُ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ. فَالخَرُوفُ الَّذِي يَمُوتُ بِسَبَبِ مَرَضٍ يُعْتَبَرُ مَيْتَةً وَنَجِسَ الْعَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا أَكْلُهُ. أَمَّا إِذَا أَطْعَمْتَهُ لِبَهِيمَةٍ أُخْرَى، فَهَذَا جَائِزٌ. فَلَوْ أَطْعَمْتَ هِرَّةً مِنْ لَحْمِ هَذَا الْخَرُوفِ فَهَذَا جَائِزٌ، لِأَنَّ الْهِرَّةَ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ. أَمَّا إِطْعَامُ الْكَافِرِ مِنْهُ فَهُوَ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُسَاعَدَتُهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ) وَ (كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ) سَائِرِ أَجْزَائِهَا (أَيْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ) مِنْ عَظْمٍ وَشَعَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ عَاجِ الْفِيلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَاجَ الْحَيَوَانَاتِ الْبَحْرِيَّةِ، بَلْ عَاجُ الْفِيلِ خَاصَّةً، لِأَنَّ الْفِيلَ لَيْسَ حَيَوَانًا مَأْكُولًا، فَكَيْفَ يُذَكَّى؟ وَلٰكِنَّ هٰذَا لَيْسَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُجِيزُونَ ذٰلِكَ، لِأَنَّ هَذَا الْعَظْمَ عِنْدَهُمْ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ. وَأَمَّا جِلْدُ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا دُبِغَ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ، فَلَمْ يَعُدْ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ جِلْدًا مُتَنَجِّسًا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ). وَمِنْهَا (أَيْ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ الْبَيْعِ أَيْ صِحَّتِهِ) أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُوَقَّتٍ أَوْ مُعَلَّقٍ فَلا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ هَذَا الْغَرَضَ لِسَنَةٍ (لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ “بِعْتُكَ هَذَا الْبَيْتَ إِلَى عِشْرِينَ سَنَةً” أَوْ “بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ إِلَى مِائَةِ سَنَةٍ” أَوْ “إِلَى تِسْعِينَ سَنَةً”، فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّكَ فِي خِلَالِ هَذِهِ السِّنِينَ تَأْخُذُهَا وَإِنْ شِئْتَ تَبِيعُهَا، وَالَّذِي يَشْتَرِيهَا مِنْكَ إِنْ شَاءَ بَاعَهَا، ثُمَّ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً تَرْجِعُ إِلَيَّ. هَذَا بَاطِلٌ، وَهَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ. يُسَمَّى هَذَا الْبَيْعُ الْمُوَقَّتُ وَهُوَ فَاسِدٌ) أَوْ أَنْ يَقُولَ لَهُ إِنْ جَاءَ أَبِي مِنْ سَفَرِهِ فَقَدْ بِعْتُكَ هَذَا الْكِتَابَ (مَعْنَاهُ إِذَا جَاءَ أَبِي يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا، وَإِذَا لَمْ يَأْتِ أَبِي يَكُونُ الْعَقْدُ غَيْرَ نَافِذٍ. هَذَا لَا يَصِحُّ، وَيُسَمَّى بَيْعًا مُعَلَّقًا. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ “بِعْتُكَ هَذِهِ الْبِضَاعَةَ إِنْ دَخَلَ زَيْدٌ” أَوْ “بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ إِنْ حَصَلْنَا عَلَى رِبْحٍ مُعَيَّنٍ مِنْ صَفْقَةٍ أُخْرَى”. فَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَجْعَلُ الْبَيْعَ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِذَلِكَ. هَذَا يُقَالُ لَهُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ وَلَا يَصِحُّ) وَمِنْهَا (أَيْ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ الْبَيْعِ أَيْ صِحَّتِهِ) أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَيْ كُلٍّ مِنَ الثَّمَنِ وَالْمُثْمَنِ طَاهِرًا وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا (فَإِنْ قَالَ لَهُ “بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ” وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ أَيَّ الثَّوْبَيْنِ أَرَادَ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ. أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ “بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ” أَيْ عَيَّنَ لَهُ أَيَّ الثَّوْبَيْنِ أَرَادَ، فَهُنَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ. وَإِنْ وُصِفَ الشَّيْءُ وَصْفًا يَنْفِي الْجَهَالَةَ عَنْهُ، بِحَيْثُ إِذَا رَآهُ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَعَ الْبَائِعِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَجْهُولًا، فَهُنَا يَصِحُّ الْبَيْعُ. كَأَنْ يَقُولَ “بِعْتُكَ حِصَانًا صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا” فَيَصِيرُ فِي ذِمَّتِهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ حِصَانًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَيَجُوزُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّمَهُ حِصَانًا يَمْلِكُهُ أَوْ يَشْتَرِيهِ لَهُ. أَمَّا إِذَا قَالَ لَهُ “بِعْتُكَ حِصَانِي الَّذِي فِي الْبَيْتِ” وَلَمْ يَكُنِ الْمُشْتَرِي قَدْ رَآهُ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ لَهُ حِصَانًا مُحَدَّدًا وَهُوَ لَمْ يَرَهُ، فَظَلَّ مَجْهُولًا) وَ (مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ الْبَيْعِ أَيْ صِحَّتِهِ) أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ (أَيْ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ. يَعْنِي لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ بَيْتًا مَغْصُوبًا بِغَيْرِ حَقٍّ، أُخِذَ ظُلْمًا، وَصَاحِبُهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنَ الْغَاصِبِ، فَبَاعَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ لَا يَقْدِرُ أَيْضًا عَلَى أَخْذِهِ مِنَ الْغَاصِبِ، فَهُنَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ، وَهُوَ الْمَبِيعُ، غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسَلُّمِهِ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَسْتَطِيعُ تَسَلُّمَهُ. فَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَقْدُورًا عَلَى تَسَلُّمِهِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ طَائِرٌ يَمْلِكُهُ، فَطَارَ وَذَهَبَ، وَلَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ أَيْنَ هُوَ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسَلُّمِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّائِرُ لَا يَزَالُ فِي مِلْكِهِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ سَمَكَةٌ، فَقَفَزَتْ فِي الْبَحْرِ وَذَهَبَتْ، وَلَا يَسْتَطِيعُ تَسْلِيمَهَا، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا) وَ (مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ الْبَيْعِ أَيْ صِحَّتِهِ) أَنْ لا يَكُونَ مَعْدُومًا كَبِنَاءٍ لَمْ يُبْنَ بَعْدُ (فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْمَعْدُومِ، فَالْمَنْزِلُ الَّذِي لَمْ يُبْنَ بَعْدُ يُعْتَبَرُ مَعْدُومًا، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وُجِدَ حَلٌّ شَرْعِيٌّ لِهَذَا الْإِشْكَالِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُومَ مَنْ يُرِيدُ الْبِنَاءَ، إِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ مِلْكًا لَهُ، بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي جُزْءًا مُشَاعًا مِنَ الْأَرْضِ، كَعُشْرِهَا أَوْ رُبُعِ عُشْرِهَا، دُونَ تَعْيِينِ جُزْءٍ مُحَدَّدٍ، بِمَعْنَى أَنْ يَقُولَ لَهُ “بَعْتُكَ عُشْرَ هَذِهِ الْأَرْضِ” أَوْ “رُبُعَ عُشْرِهَا”، وَذَلِكَ بَعْدَ تَقْسِيمِ الْأَرْضِ عَلَى عَدَدِ الشُّقَقِ الْمُزْمَعِ بِنَاؤُهَا، لِيَجُوزَ لَهُ قَبْضُ ثَمَنِ الْبَيْعِ. ثُمَّ بَعْدَ إِنْجَازِ بِنَاءِ الشُّقَّةِ، يَقُولُ الْمُشْتَرِي “اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْبَيْتَ بِحِصَّتِي مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ” فَهَذَا يَجُوزُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا).
(يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ. فَبَعْضُ الْأَشْيَاءِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا شَرْعًا أَيْ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَ ذَلِكَ، وَبَعْضُ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ حِسًّا لِخَسَاسَتِهَا أَوْ عَدَمِ فَائِدَتِهَا. وَكِلَا النَّوْعَيْنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا. فَمِثَالًا الْعُودُ وَهُوَ آلَةٌ مُوسِيقِيَّةٌ مَصْنُوعَةٌ مِنْ خَشَبٍ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْأَصْلِ لَهَا قِيمَةٌ مَادِّيَّةٌ. لَكِنْ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ شَرْعًا اسْتِعْمَالُهَا فِي الْعَزْفِ حَرُمَ بَيْعُهَا. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، الْخُبْزُ الْمُحْتَرِقُ، هَذَا لَا يَنْفَعُ فِي الْأَكْلِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، بَلْ يَكُونُ بَيْعُهُ حَرَامًا. وَكَذَلِكَ شِعَارٌ كُفْرِيٌّ مَصْنُوعٌ مِنَ الذَّهَبِ، فَمِنْ حَيْثُ الْحِسِّ، هَذَا الذَّهَبُ لَهُ قِيمَةٌ، وَلَكِنْ شَرْعًا لَا يُعَدُّ نَافِعًا، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. فَإِذَا فُكَّ الْعُودُ بِحَيْثُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَزْفِ عَلَيْهِ، أَوْ كُسِرَ الشِّعَارُ بِحَيْثُ لَمْ يَعُدْ يَحْمِلُ مَعْنَى الْكُفْرِ، جَازَ بَيْعُهُ. وَأَمَّا الْحَشَرَاتُ الصَّغِيرَةُ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، كَالْفَأْرَةِ وَالدُّودَةِ وَالْبَعُوضَةِ وَالذُّبَابَةِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يُعْتَبَرُ نَافِعًا شَرْعًا، كَـدُودَةِ الْحَرِيرِ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَلَقُ الَّذِي يَمُصُّ الدَّمَ، فَهَذَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ)
(مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْلِمُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ أَوِ الْمُصْحَفَ لِلْكَافِرِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ لَهُم كُتُبُ السُّنَنِ وَالْفِقْهِ)
(مَسْأَلَةٌ: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا يَصِيرُ صَحِيحًا بِالتَّرَاضِي. فَـالزَّانِيَةُ تَرْتَكِبُ الزِّنَا بِالتَّرَاضِي، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي شَرْعِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ شَارِي الْخَمْرِ وَبَائِعُهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ هَذَا الْعَقْدُ، لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ. فَلَا بُدَّ أَنْ يُوَافِقَ الْعَقْدُ شَرْعَ اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ صَحِيحًا وَمُبَاحًا فَلْيُنْتَبَهْ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَعَلَى مَنْ أَرَادَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ) وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْمُعَامَلاتِ (أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ) أَيْ أَرْكَانَهُ وَشُرُوطَهُ (وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا) أَيْ وَقَعَ فِيهِ (شَاءَ أَمْ أَبَى) قَصَدَ الْوُقُوعَ فِيهِ أَمْ لَمْ يَقْصِدْ (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ) وَهُوَ الَّذِي يُرَاعِي حُكْمَ اللَّهِ فِي تِجَارَتِهِ فَيَتَجَنَّبُ الْخِيَانَةَ وَالْغَشَّ وَالتَّدْلِيسَ وَغَيْرَها مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ (يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ التَّاجِرَ الصَّدُوقَ مَرْتَبَتُهُ عَالِيَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ يُحَافِظُ عَلَى الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ فِي مُعَامَلَاتِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ التَّاجِرَ الصَّدُوقَ نَادِرٌ بَيْنَ التُّجَّارِ، فَقَلِيلٌ مَنْ يَتَّصِفُ بِالصِّدْقِ الْمُطْلَقِ وَالْأَمَانَةِ فِي كُلِّ تَعَامُلَاتِهِ التِّجَارِيَّةِ (وَمَا ذَاكَ) الْفَضْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِلتَّاجِرِ الصَّدُوقِ (إِلَّا لِأَجْلِ مَا يَلْقَاهُ مِنْ مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ وَقَهْرِهَا) أَيِ النَّفْسِ (عَلَى إِجْرَاءِ الْعُقُودِ عَلَى الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ (فَلا يَخْفَى مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ مَنْ تَعَدَّى) أَيْ جَاوَزَ (الْحُدُودَ) أَيْ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ مِنَ الْعَذَابِ الأَلِيمِ.
الشَّرْحُ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِحْلالَهُ الْبَيْعَ وَتَحْريِمَهُ الرِّبَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ بَيْعٍ حَلالًا وَأَنَّ السَّبِيلَ (أَيِ الطَّرِيقَ) لِتَجَنُّبِ الْحَرَامِ وَمُوَافَقَةِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ التَّفَقُّهُ فِي دِينِهِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَقَعَ فِي الرِّبَا الَّذِي هُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُعَامَلاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (لا يَقْعُدُ فِي سُوقِنَا مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ) (وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَضُرُّ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ، فَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى التُّجَّارِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مُعَامَلَاتٍ فَاسِدَةٍ، وَحِرْصًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَأْكُلُوا الْحَرَامَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) بِشَارَةٌ لِمَنْ تَعَاطَى التِّجَارَةَ وَاتَّقَى اللَّهَ بِتَجَنُّبِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْخِيَانَةِ (فِي الْمُعَامَلَاتِ، كالتَّطْفِيفِ فِي الْوَزْنِ فِيمَا يُبَاعُ بِالْوَزْنِ، وَهَذِهِ خِيَانَةٌ وَكَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَهِيَ بِخِلَافِ الْأَمَانَةِ. فَهَنِيئًا لِمَنِ اتَّقَى اللهَ بِتَجَنُّبِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْخِيَانَةِ) وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ بِأَنْ يُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ خِلافَ الْحَقِيقَةِ (وَهُوَ حَرَامٌ، كأَنْ يَصِفَ التَّاجِرُ الْبِضَاعَةَ بِمَا لَيْسَ فِيهَا، كَأَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْبِضَاعَةُ فَاخِرَةٌ أَوْ هَذِهِ الْبِضَاعَةُ تُسَاوِي مِائَةً وَأَنَا أَبِيعُكَ بِسَبْعِينَ، فَيُوهِمُ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ يَحْصُلُ عَلَى صَفْقَةٍ جَيِّدَةٍ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَخْدُوعٌ. وَمِمَّا يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ أَنْ يَشْتَرِيَ التَّاجِرُ بِضَاعَةً بِمِائَةٍ، ثُمَّ يَهَبَهَا لِإِنْسَانٍ آخَرَ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يُسَامِحُهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِهَذَا الْمَبْلَغِ. فَإِذَا جَاءَ زَبُونٌ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ يَقُولُ لَهُ أَنَا اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ فَأَبِيعُهَا لَكَ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ، فَيُوهِمُهُ أَنَّ هَذَا هُوَ السِّعْرُ الرَّائِجُ فِي السُّوقِ، وَهَذَا مِنْ التَّدْلِيسِ الْمُحَرَّمِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي رواه مسلم. وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ بِشَارَةٌ لِمَنْ تَعَاطَى التِّجَارَةَ) وَالْتَزَمَ الصِّدْقَ فِي وَصْفِهِ لِبِضَاعَتِهِ وَسِلْعَتِهِ وَفِي إِخْبَارِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ بِضَاعَتُهُ إِنْ ذَكَرَهُ بِأَنَّهُ مِنَ الَّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌ لِلْعَذَابِ الأَلِيمِ. (وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّ مَنْ لَا يَتَجَنَّبُ الْحَرَامَ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَيُخَالِفُ الصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ، ذَمٌّ شَدِيدٌ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ التُّجَّارُ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ (كَوْمَةٍ) مِنْ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ ﷺ أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟! مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي. وَهَذَا تَحْذِيرٌ بَلِيغٌ مِنَ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ فِي التِّجَارَةِ، فَإِنَّ الْغِشَّ يُنَاقِضُ الْأَمَانَةَ وَيُؤَدِّي إِلَى خُسْرَانِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ فَلَيْسَ مِنِّي أَيْ لَيْسَ مُتَّبِعًا لِسُنَّتِي كَمَا يَجْبُ وَلَا كَامِلَ الْإِيمَانِ لأَنَّ طَرِيقَةَ الرَّسُولِ ﷺ طَريِقَةُ الكَمَالِ فَمَنْ غَشَّ لَيْسَ كَامِلًا)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ إِنَّ بَقِيَّةَ الْعُقُودِ مِنَ الإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُسَاقَاةِ كَذَلِكَ لا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا.
الشَّرْحُ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فِي وُجُوبِ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا. (فَمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي هٰذِهِ الْعُقُودِ وَفِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَجَبَ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالشُّرُوطِ حَتَّى يَسْلُكَ الطَّرِيقَ الْحَلَالَ وَيَتَجَنَّبَ أَكْلَ الْحَرَامِ، فَإِنَّ الْعُقُودَ الَّتِي لَا تَسْتَوْفِي الشُّرُوطَ الشَّرْعِيَّةَ تَكُونُ بَاطِلَةً وَيَتَرَتَّبُ عَلَىٰ ذٰلِكَ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِيهَا عَلَىٰ هٰذَا الْوَجْهِ يَكُونُ قَدِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً)
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (مِنَ الإِجَارَةِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ تَعَلُّمُ أَحْكَامِ الإِجْارَةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا فَالإِجْارَةُ مِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ فَالإِجَارَةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ الَّتِي اسْتَوْفَتِ الشُّرُوطَ وَتَعْرِيفُهَا شَرْعًا أَنَّهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ بِعِوَضٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ. وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفَعَةِ هُنَا الْمَنْفَعَةُ الْمُعْتَبَرَةُ حِسًّا وَشَرْعًا وَتُشْتَرَطُ فِيهَا الصِّيغَةُ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لا مَجْهُولَةً بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الأُجْرَةِ وَالْعَمَلِ مَعْلُومًا (كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَوْمَ يَدْخُلُونَ فِي أَعْمَالٍ تَكُونُ فِيهَا الأُجْرَةُ مَجْهُولَةً، فَيَقَعُونَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّ عَدَمَ جَهَالَةِ الأُجْرَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ عَقْدِ الإِجَارَةِ. وَمِثَالُ ذَلِكَ سَيَّارَةُ الأُجْرَةِ الَّتِي يَرْكَبُهَا الشَّخْصُ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ الأُجْرَةَ، وَيَقُولُ لَهُ صَاحِبُ السَّيَّارَةِ نَضَعُ عَدَّادًا، وَالْمَبْلَغُ الَّذِي يُظْهِرُهُ العَدَّادُ تَدْفَعُهُ، فَهَذَا عَقْدٌ فَاسِدٌ بِالإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُ لَا الرَّاكِبُ يَعْرِفُ قِيمَةَ الْأُجْرَةِ مُسْبَقًا، وَلَا صَاحِبُ السَّيَّارَةِ يَعْرِفُهَا، فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً، وَهٰذَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ. بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ الأَمْرُ يَكُونُ بِالتَّرَاضِي بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَالجَوَابُ أَنَّ التَّرَاضِي يَكُونُ لَهُ اعْتِبَارٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ. وَلْيَعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الإِجَارَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَفْسَخَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَعَاقِدِ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الإِجَارَةِ وَإِنْ وَافَقَهُ الطَّرَفُ الآخَرُ، لِأَنَّ عَقْدَ الإِجَارَةِ مُلْزِمٌ لِكِلَا الجَانِبَيْنِ بِمُجَرَّدِ انْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ، فَلَا يَحِقُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَفْسَخَهُ بِمُجَرَّدِ إِرَادَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ، وَلٰكِنْ يُمْكِنُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُفَاوِضَ صَاحِبَ الْمِلْكِ بِقَوْلِهِ لَمْ يَعُدْ يُنَاسِبُنِي أَنْ أَبْقَىٰ فِي هٰذَا الدُّكَّانِ، فَمَا رَأْيُكَ لَوْ سَامَحْتَنِي فِي بَقِيَّةِ الْأُجْرَةِ، وَأَنَا أَسْمَحُ لَكَ بِالِاسْتِفَادَةِ مِنَ الدُّكَّانِ خِلَالَ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرْتُهَا؟ فَإِنْ رَضِيَ الطَّرَفُ الآخَرُ بِذٰلِكَ، كَانَ ذٰلِكَ تَرَاضِيًا وَتَسَامُحًا، وَلَيْسَ فَسْخًا لِلْعَقْدِ بِحَدِّ ذَاتِهِ. فَمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي عَقْدِ الإِجَارَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَحْكَامَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهِ، لِأَنَّ الإِجَارَةَ مِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ حَرَامٌ. وَالإِجَارَةُ شَرْعًا هِيَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ. فَهَذَا هُوَ تَعْرِيفُ الإِجَارَةِ. تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ بِعِوَضٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ. فَإِذَا قُلْتُ أُؤَجِّرُكَ بَيْتِي لِمُدَّةِ شَهْرٍ، فَمَعْنَاهُ أَنِّي أَمْلِكُكَ مَنْفَعَةَ الْبَيْتِ لِهٰذِهِ الْمُدَّةِ، بِحَيْثُ تَكُونُ لَكَ الْحُرِّيَّةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ وَفْقَ مَا أَجَازَهُ الشَّرْعُ، وَلٰكِنْ تَبْقَىٰ عَيْنُ الْبَيْتِ كَمَا هِيَ، فَلَا تَزُولُ وَلَا تَذْهَبُ، وَذٰلِكَ مُقَابِلَ عِوَضٍ تَدْفَعُهُ لِي، وَذٰلِكَ عَلَىٰ وَجْهٍ خَاصٍّ، أَيْ عَلَىٰ الطَّرِيقَةِ الَّتِي أَجَازَهَا الشَّرْعُ، فَهٰذِهِ هِيَ حَقِيقَةُ الْإِجَارَةِ. لِذٰلِكَ مَثَلًا لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْخُبْزِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِنْهُ تَكْمُنُ فِي أَكْلِهِ، وَهٰذَا يُؤَدِّي إِلَىٰ زَوَالِ عَيْنِهِ، وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ أَنْ تَبْقَىٰ الْعَيْنُ مَوْجُودَةً بَعْدَ الِانْتِفَاعِ بِهَا. وَالْمَنْفَعَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِجَارَةِ هِيَ مَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً حِسًّا وَشَرْعًا، فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَنْفَعَةً يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي الْوَاقِعِ، وَأَنْ تَكُونَ جَائِزَةً شَرْعًا، فَمَثَلًا، لَا يَصِحُّ أَنْ أَسْتَأْجِرَ آلَةَ عُودٍ لِلْعَزْفِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ هٰذِهِ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الشَّرْعِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُغَنٍّ أَوْ مُغَنِّيَةٍ، لِأَنَّ هٰذَا لَيْسَ مِمَّا يَعْتَبِرُهُ الشَّرْعُ مَنْفَعَةً صَحِيحَةً، وَإِنْ أُعْطِيَا أُجْرَةً، فَإِنَّ ذٰلِكَ لَا يَصِحُّ. أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ الدِّينِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذٰلِكَ لِتَعْلِيمِ الْقُرْءَانِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَلَا بُدَّ أَيْضًا فِي الإِجَارَةِ مِنَ الصِّيغَةِ، فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ الرِّضَا فِي الْبَيْعِ وَفِي الإِجَارَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَالرِّضَا شَيْءٌ فِي الْقَلْبِ، وَمَا فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ لَا يُعْلَمُ، فَيُنْظَرُ إِلَى مَا يُعَبِّرُ بِهِ لِسَانُهُ عَنْ قَلْبِهِ. لِذَلِكَ لَا بُدَّ مِنَ الصِّيغَةِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الإِجَارَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَلَوْ جِئْتُ إِلَى الْبَائِعِ، وَوَجَدْتُ سِعْرَ الغرضِ مَكْتُوبًا، فَنَظَرْتُ إِلَى السِّعْرِ وَعَرَفْتُهُ، ثُمَّ أَخَذْتُ الْغَرَضَ بِيَدِي وَذَهَبْتُ إِلَى الْبَائِعِ وَأَعْطَيْتُهُ الْمَالَ، فَأَخَذَ مِنِّي الْمَالَ وَأَخَذْتُ الْغَرَضَ وَذَهَبْتُ، فَهَذَا الْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ الإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَمْ يَتِمَّ فِيهِ التَّعَاقُدُ بِشَكْلٍ صَرِيحٍ، لَمْ أَقُلْ “اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هٰذَا بِكَذَا” فَيَقُولَ الْبَائِعُ “قَبِلْتُ” أَوْ يَقُولَ هُوَ “بِعْتُكَ هٰذَا بِكَذَا” فَأَقُولَ أَنَا “قَبِلْتُ” أَوْ مَا يُشَابِهُ ذٰلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَاقُدِ. وَكَذٰلِكَ فِي الْإِجَارَةِ، فَلَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنَ الصِّيغَةِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَأْجِرُ “اسْتَأْجَرْتُ هٰذَا مِنْكَ بِكَذَا إِلَىٰ كَذَا” فَيَقُولُ الْمُؤَجِّرُ “قَبِلْتُ” وَبِذٰلِكَ يَتِمُّ الْعَقْدُ بِصُورَةٍ صَحِيحَةٍ شَرْعًا.
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ وَالإِجَارَةِ صِيغَةٌ صَرِيحَةٌ، مِثْلُ “بِعْتُكَ” وَ”اشْتَرَيْتُ” فِي الْبَيْعِ، وَ”اسْتَأْجَرْتُ” وَ”آجَرْتُ” فِي الإِجَارَةِ. وَلٰكِنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ الْآخَرِينَ قَالُوا إِنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْإِجَارَةَ يُكْتَفَىٰ فِيهِمَا بِمَا يُعْتَبَرُ فِي عُرْفِ النَّاسِ بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً وَإِنْ لَمْ تَحْصُلِ الصِّيغَةُ الْمُعَيَّنَةُ “اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ هٰذَا بِكَذَا إِلَىٰ كَذَا”، فَتَقُولُ “قَبِلْتُ”. فَمَثَلًا، إِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ “كَمْ تُرِيدُ إِيجَارَ هَذَا الْبَيْتِ لِشَهْرٍ؟” فَقَالَ “أُرِيدُ كَذَا” فَرَدَّ عَلَيْهِ “طَيِّب” ثُمَّ أَخْرَجَ الْمَالَ وَأَعْطَاهُ، وَقَامَ صَاحِبُ الْبَيْتِ بِتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ، فَهَذَا فِي عُرْفِ النَّاسِ يُعْتَبَرُ إِجَارَةً، فَقَالُوا يَكْفِي هَذَا، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ “اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ هَذَا لِشَهْرٍ بِكَذَا” وَيَرُدَّ الآخَرُ بِقَوْلِهِ “قَبِلْتُ” أَوْ “آجَرْتُكَ”. وَبَعْضُ الأَئِمَّةِ فَصَّلُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا الَّذِي قِيمَتُهُ قَلِيلَةٌ يَكْفِي فِيهِ الْمُعَاطَاةُ، أَمَّا الَّذِي قِيمَتُهُ كَبِيرَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ اللَّفْظِ.
كَذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَلَا يَكُونَ فِيهَا جَهَالَةٌ، أَيْ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُحَدَّدَةً بِمُدَّةِ الْعَمَلِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُحَدَّدَةً بِقَدْرِ الْعَمَلِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُحَدَّدَةً بِأَحَدِهِمَا، لَمْ تَصِحَّ الإِجَارَةُ وَكَانَتْ مَجْهُولَةً. فَمَثَلًا إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَأْجِرَ شَخْصًا لِيَحْرُثَ لِي قِطْعَةً مِنَ الأَرْضِ، فَهُنَاكَ طَرِيقَتَانِ صَحِيحَتَانِ. إِمَّا أَنْ أَقُولَ لَهُ “اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحْرُثَ لِي هَذِهِ الأَرْضَ، أَوْ هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، مِنْ هُنَا إِلَى هُنَا، بِكَذَا” مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ لِإِنْهَاءِ الْعَمَلِ، وَإِمَّا أَنْ أَقُولَ لَهُ “اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ فِي حِرَاثَةِ هَذِهِ الأَرْضِ طُولَ الْيَوْمِ، مُقَابِلَ كَذَا فِي الْيَوْمِ، إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ خَمْسَةٍ” مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مِقْدَارِ مَا يَحْرُثُهُ مِنَ الأَرْضِ. فَكِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ صَحِيحَةٌ، أَمَّا جَمْعُ الْأَمْرَيْنِ فِي نَفْسِ الإِجَارَةِ، فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيُفْسِدُ الْعَقْدَ. وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ عَلَىٰ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِسَبَبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْمِقْدَارِ، لَوْ قُلْتُ لِخَيَّاطٍ “اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ هٰذَا الثَّوْبَ لِي قَمِيصًا، وَتُنْهِيهِ الْيَوْمَ بِكَذَا” فَهٰذَا عَقْدٌ فَاسِدٌ، لِأَنِّي جَمَعْتُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْعَمَلِ وَمِقْدَارَ الْعَمَلِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَهٰذَا مِمَّا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ. وَكَذٰلِكَ إِنْ لَمْ يُعَيَّنِ الْوَقْتُ، وَلَمْ يُعَيَّنْ مِقْدَارُ الْعَمَلِ، فَهٰذَا أَيْضًا عَقْدٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً أَوْ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ الْعَمَلِ مَعْلُومًا.
وَلَا بُدَّ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ فَصْلِ الْأُجْرَةِ عَنْ ثَمَنِ الْبِضَاعَةِ، فَمَثَلًا إِذَا كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَدْهَنَ بَيْتِي، فَجَاءَنِي الدَّهَّانُ وَاتَّفَقْنَا، فَقَالَ لِي “أَنَا أَشْتَرِي الْبِضَاعَةَ، وَأَدْهَنُ لَكَ الْبَيْتَ بِكَذَا” مُقَابِلَ الْأَمْرَيْنِ، ثَمَنِ الْبِضَاعَةِ وَأُجْرَةِ الدِّهَانِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا هُوَ مُقَابِلُ الدِّهَانِ، وَمَا هُوَ مُقَابِلُ الْبِضَاعَةِ، فَهٰذَا عَقْدٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْأُجْرَةَ هُنَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَمِقْدَارُهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً.
ثُمَّ الإِجَارَةُ نَوْعَانِ: إِجَارَةُ عَيْنٍ وَإِجَارَةُ ذِمَّةٍ. إِجَارَةُ الْعَيْنِ هِيَ أَنْ تَسْتَأْجِرَ شَخْصًا بِعَيْنِهِ لِيُتِمَّ الْعَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ، بِمَعْنَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ عَلَى أَنْ يَقُومَ هَذَا الْمُسْتَأْجَرُ بِعَيْنِهِ بِإِنْجَازِ الْعَمَلِ، فَلَوْ أَرَدْتَ أَنْ يَعْمَلَ شَخْصٌ عِنْدَكَ فِي دُكَّانِكَ وَلا تُرِيدُ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يَقُومُ بِالْعَمَلِ عَنْهُ، فَتَقُولُ لَهُ “اسْتَأْجَرْتُكَ لِلْعَمَلِ عِنْدِي فِي بَيْعِ الْبِضَاعَةِ فِي هَذَا الدُّكَّانِ لِمُدَّةِ شَهْرٍ بِكَذَا، أَوْ لِشَهْرَيْنِ بِكَذَا، أَوْ لِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ بِكَذَا”، فَهُنَا الْعَقْدُ يَنْعَقِدُ عَلَى شَخْصِهِ بِذَاتِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ، هَذِهِ إِجَارَةُ عَيْنٍ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا دَفْعُ الأُجْرَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَيُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا بِحَسَبِ الِاتِّفَاقِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ.
أَمَّا إِجَارَةُ الذِّمَّةِ فَهِيَ أَنْ يَنْعَقِدَ عَقْدُ الإِجَارَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْعَمَلُ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجَرِ، فَيَلْتَزِمُ بِإِنْجَازِهِ، سَوَاءٌ قَامَ بِهِ بِنَفْسِهِ أَوِ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ، وَلا يُشْتَرَطُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ شَخْصًا آخَرَ لِإِنْجَازِهِ أَوْ يَطْلُبَ مِنْ غَيْرِهِ الْقِيَامَ بِهِ دُونَ مُقَابِلٍ، فَمَثَلًا إِذَا كُنْتَ تَمْلِكُ بُسْتَانًا وَتُرِيدُ قَطْفَ ثِمَارِهِ، فَيَجُوزُ لَكَ أَنْ تَتَّفِقَ مَعَ شَخْصٍ عَلَى إِنْجَازِ هَذَا الْعَمَلِ دُونَ اشْتِرَاطِ أَنْ يَقُومَ بِهِ بِنَفْسِهِ، فَتَقُولُ لَهُ مِثْلًا “أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ الْعَمَلَ فِي قَطْفِ الثِّمَارِ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ هَذَا الشَّهْرَ مُقَابِلَ كَذَا مِنَ الْمَالِ” فَإِذَا قَامَ هُوَ بِالْعَمَلِ بِنَفْسِهِ أَوِ اسْتَأْجَرَ أَشْخَاصًا آخَرِينَ لِيَقُومُوا بِهِ أَوْ أَحْضَرَ مَنْ يَعْمَلُهُ مَجَّانًا، فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ عَلَى إِنْجَازِ الْعَمَلِ وَلَيْسَ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ يُؤَدِّيهِ بِنَفْسِهِ.
وَإِجَارَةُ الذِّمَّةِ جَائِزَةٌ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهَا دَفْعُ الأُجْرَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُ دَفْعِ الأُجْرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوِ اتَّفَقَ الطَّرَفَانِ عَلَى ذَلِكَ لأَِنَّ الأُجْرَةَ تُعْتَبَرُ جُزْءًا مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَتَأْخِيرُهَا يُفْسِدُهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ إِجَارَةِ الْعَيْنِ وَإِجَارَةِ الذِّمَّةِ هُوَ أَنَّ إِجَارَةَ الْعَيْنِ تَنْعَقِدُ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ، وَيَجُوزُ فِيهَا تَأْخِيرُ دَفْعِ الأُجْرَةِ، بَيْنَمَا إِجَارَةُ الذِّمَّةِ تَنْعَقِدُ عَلَى إِنْجَازِ الْعَمَلِ دُونَ اشْتِرَاطِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لِتَنْفِيذِهِ، وَيَلْزَمُ فِيهَا دَفْعُ الأُجْرَةِ فَوْرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ.
مِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ إِنْسَانًا لِيَعْمَلَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ لِلْعَمَلِ وَلَا مِقْدَارِ الْعَمَلِ، يَعْنِي يَقُولُ لَهُ “اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ عِنْدِي فِي الدُّكَّانِ، لِتَبِيعَ عِنْدِي فِي الدُّكَّانِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا” مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ، هَلْ هِيَ إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى سَنَتَيْنِ أَوْ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ. فَهُنَا الْإِجَارَةُ لَا هِيَ مُحَدَّدَةٌ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ يَنْتَهِي بِإِنْجَازِهِ، وَلَا هِيَ مُحَدَّدَةٌ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَمِثْلُ هَذَا الْعَقْدِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنِ اسْتِئْجَارِ الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَيَنْبَغِي التَّنَبُّهُ إِلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، فَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ فَلَا يَجُوزُ لِأَيٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ)
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (وَالْقِرَاضِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَ الْقِرَاضَ مَعْرِفَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهِ. وَالْقِرَاضُ (الْمَشْرُوعُ) هُوَ تَفْوِيضُ الشَّخْصِ وَإِذْنُهُ لِشَخْصٍ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِهِ فِي نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ مِنَ التِّجَارَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُشْتَرَكًا. (كَأَنْ يُدْفَعَ لَهُ الْمَالُ وَيَقُولَ لَهُ “هَذَا الْمَالُ لِتَعْمَلَ بِهِ فِي تِجَارَةِ الثِّيَابِ أَوِ السَّيَّارَاتِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُشْتَرَكًا، لَكَ النِّصْفُ وَلِيَ النِّصْفُ” مَثَلًا، أَوْ “لَكَ الثُّلُثُ وَلِيَ الثُّلُثَانِ” أَوْ “لَكَ الثُّلُثَانِ وَلِيَ الثُّلُثُ” فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ بِالنِّصْفِ بَلْ عَلَى حَسَبِ مَا يُتَّفَقُ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ هُنَا يُوجَدُ رِبْحٌ وَخَسَارَةٌ، فَإِذَا وَقَعَتْ خَسَارَةٌ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَتَحَمَّلُ شَيْئًا مِنَ الْخَسَارَةِ. وَهُوَ أَيْضًا لَا يَحِقُّ لَهُ أُجْرَةٌ إِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ رِبْحٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رِبْحٌ، يَكُونُ الْعَامِلُ قَدْ تَعِبَ وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَإِذَا حَصَلَ رِبْحٌ اسْتَفَادَ، أَمَّا إِذَا وَقَعَتْ خَسَارَةٌ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ. وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ اليَوْمَ مِنَ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ، فَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ إِلَى شَخْصٍ وَيَقُولَ لَهُ “عِنْدِي هَذَا الْمَالُ أَضَعُهُ عِنْدَكَ وَاشْتَغِلْ فِيهِ، وَلَكِنْ أُرِيدُ مِنْكَ كُلَّ نِهَايَةِ شَهْرٍ مِائَتَيْ دُولَارٍ مِثْلًا” فَهَذَا فَاسِدٌ وَمُحَرَّمٌ. وَالحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُقَرَّرُ فِي الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ أَنَّهُ إِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ مَالَهُ إِلَى شَخْصٍ لِيُتَاجِرَ بِهِ عَلَى أَنْ يَتَقَاسَمَا الرِّبْحَ مُنَاصَفَةً، أَوْ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ صَحِيحَةٌ وَجَائِزَةٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ دَفْعُ الْمَالِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ آخِرَ السَّنَةِ مَبْلَغًا ثَابِتًا، فَهَذَا مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ الْفِقْهِيَّةِ، وَيُعْتَبَرُ مِنَ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ. وَالْقِرَاضُ فِيهِ تَفَاصِيلُ، مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُوَقَّتُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ “قَارَضْتُكَ إِلَىٰ سَنَةٍ أَوْ إِلَىٰ شَهْرٍ” وَلٰكِنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ شِرَاءِ بَضَاعَةٍ جَدِيدَةٍ بَعْدَ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَأَنْ يَقُولَ لَهُ “لَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ” فَهٰذَا لَيْسَ تَوْقِيتًا لِعَقْدِ الْقِرَاضِ، إِنَّمَا هُوَ مَنْعٌ لَهُ مِنَ الشِّرَاءِ بَعْدَ سَنَةٍ. إِذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَالِ لِلْعَامِلِ “لَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ” فَهٰذَا لَا يَعْنِي أَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ قَدِ انْتَهَىٰ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّوَسُّعِ فِي التِّجَارَةِ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَيَسْتَمِرُّ الْعَقْدُ حَتَّىٰ انْتِهَاءِ التِّجَارَةِ وَتَصْفِيَةِ الْبِضَائِعِ وَتَحْقِيقِ الْأَرْبَاحِ أَوِ الْخَسَائِرِ. وَمِنْ شُرُوطِ الْقِرَاضِ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْقِرَاضِ نَقْدًا، أَيْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْقِرَاضِ بِالْعُمْلَةِ الْوَرَقِيَّةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَىٰ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَلٰكِنْ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ الْإِمَامُ التَّابِعِيُّ الْمُجْتَهِدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَىٰ، الْقِرَاضُ عَلَىٰ الْفُلُوسِ، أَيْ قِطَعِ الْعُمْلَةِ النُّحَاسِيَّةِ، وَمِثْلُهَا عِنْدَهُ مَا يُشَابِهُهَا كَالْعُمْلَةِ الْوَرَقِيَّةِ فِي الْجَوَازِ. وَاللهُ تَعَالَىٰ أَعْلَمُ)
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (وَالرَّهْنِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَ الرَّهْنَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهِ. (وَقَبْلَ أَنْ نَشْرَحَ مَعْنَى الرَّهْنِ، اِعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي يُقْرِضُ غَيْرَهُ مَالًا يُسَمَّى “الدَّائِنَ” أَمَّا الشَّخْصُ الَّذِي يَقْتَرِضُ الْمَالَ فَيُسَمَّى “الْمَدِينَ”) وَالرَّهْنُ هُوَ جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ (كَبَيْتٍ أَوْ سَيَّارَةٍ لَهَا قِيمَةٌ مَالِيَّةٌ، أَيْ يُدْفَعُ بِمُقَابِلِهَا مَالٌ عَادَةً) وَثِيقَةً (أَيْ مَرْبُوطَةً) بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا الدَّيْنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَفَاءِ، فَمَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ الدَّائِنُ بِشَىْءٍ مِنْ مَالِ الْمَدِينِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ هَذَا حَقَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الإِيفَاءُ (أَيْ إِنَّ الْمَدِينَ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَرْهُونِ بِالْبَيْعِ أَوِ الْهِبَةِ حَتَّى يُوَفِّيَ الدَّيْنَ الْمُسْتَحَقَّ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَعْنِي وُجُوبَ حَبْسِ الرَّهْنِ عِنْدَ الدَّائِنِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ لِلطَّرَفَيْنِ الِاتِّفَاقُ عَلَى إِيدَاعِهِ عِنْدَ طَرَفٍ ثَالِثٍ مَأْمُونٍ يَتَوَلَّى حِفْظَهُ حَتَّى يُوَفَّى الدَّيْنُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ) وَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ بِطَرِيقِ الْحَاكِمِ (حَيْثُ يُقَدِّمُ الدَّائِنُ شَكْوَى إِلَى الْحَاكِمِ أَوِ الْقَاضِي، فَيُبَلِّغُهُ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَى فُلَانٍ، وَأَنَّ الْمَدِينَ قَدْ عَجَزَ عَنْ السَّدَادِ. فَيَقُومُ الْحَاكِمُ بِاسْتِدْعَاءِ الْمَدِينِ، وَيُلْزِمُهُ بِوَفَاءِ الدَّيْنِ، فَيَقُولُ لَهُ “بِعْ هَذَا الْمَرْهُونَ وَأَوْفِ الدَّيْنَ”. فَيَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ أَنْ يَبِيعَهُ بِسِعْرِ الْمِثْلِ إِنْ وُجِدَ مُشْتَرٍ. فَإِنْ قَامَ بِالْبَيْعِ وَوَفَّى الدَّيْنَ، تَرَكَهُ الْحَاكِمُ. وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ، تَدَخَّلَ الْحَاكِمُ وَقَامَ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ، وَوَفَّى الدَّائِنَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ). وَأَمَّا مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ اسْتِرْهَانًا وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الشَّخْصُ شَيْئًا يَمْلِكُهُ لِمَنْ أَقْرَضَهُ مَبْلَغًا مِنَ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الْمُقْرِضُ مَجَّانًا إِلَى أَنْ يُوَفِيَّهُ دَيْنَهُ أَوْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ أُجْرَةً مُخَفَّفَةً مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ فَذَلِكَ حَرَامٌ بِالإِجْمَاعِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَاقِعُونَ فِيهِ فَهَؤُلاءِ وَقَعُوا فِي هَلاكٍ عَظِيمٍ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ بِهَذَا الْعَمَلَ وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَفْعِ أُجْرَةِ مِثْلِ هَذَا الشَّىْءِ فَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ الَّذِي شَرَطَ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ بَيْتًا سَكَنَهُ الدَّائِنُ مَجَّانًا (أَوْ بِأُجْرَةٍ مُخَفَّفَةٍ مُقَابِلَ الدَّيْنِ) أَوْ دَابَّةً أَوْ سَيَّارَةً رَكِبَهَا مَجَّانًا (أَوْ بِأُجْرَةٍ مُخَفَّفَةٍ مُقَابِلَ الدَّيْنِ، وَقَعَ فِي مَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٍ، وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْقَدْرِ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ مُؤَلَّفَاتِ الْفُقَهَاءِ. (وَلِذٰلِكَ، مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي مُعَامَلَةِ الرَّهْنِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَهُ حَتَّىٰ لَا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ. وَمَعْنَىٰ الرَّهْنِ جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ، أَيْ شَيْءٍ مَحْسُوسٍ لَهُ قِيمَةٌ مَالِيَّةٌ يُمْكِنُ تَمَلُّكُهُ، كَالْبَيْتِ وَالسَّيَّارَةِ، وَثِيقَةً بِدَيْنٍ، أَيْ مَرْبُوطَةً بِدَيْنٍ، يُسْتَوْفَىٰ مِنْهَا هٰذَا الدَّيْنُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْوَفَاءِ، أَيْ إِذَا عَجَزَ الْمَدِينُ عَنِ الْوَفَاءِ بِالدَّيْنِ، جَازَ لِلدَّائِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنَ الْمَرْهُونِ. هٰذَا مَعْنَىٰ الرَّهْنِ. فَإِذًا لَا بُدَّ فِي الْمَرْهُونِ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا، كَمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مُقَابِلَ دَيْنٍ، وَلَيْسَ مُقَابِلَ شَيْءٍ آخَرَ، فَمَثَلًا، إِذَا اسْتَعَرْتُ شَيْئًا مِنْ شَخْصٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ أَرْهَنَ عِنْدَهُ شَيْئًا بِهَذِهِ الْإِعَارَةِ، لِأَنَّ الْإِعَارَةَ مَنْفَعَةٌ وَلَيْسَتْ دَيْنًا. وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الرَّهْنِ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ، فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ “أُرِيدُ أَنْ أَسْتَدِينَ مِنْكَ مَبْلَغًا” فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ “نَعَمْ، لَكِنِ ارْهَنْ عِنْدِي بَيْتَكَ” فَقَالَ “رَهَنْتُ بَيْتِي عِنْدَكَ” وَهُوَ لَمْ يُقْرِضْهُ الْمَالَ بَعْدُ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلَ دَيْنٍ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ الدَّيْنُ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَاقِدَيْنِ أَنْ يَكُونَا بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَرْهُونِ كَمَا قُلْنَا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا يَصِحُّ بَيْعُهَا، فَإِنْ عَجَزَ الْمَدِينُ عَنِ السَّدَادِ، قَامَ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَوَفَّى الدَّائِنَ. وَإِذَا رَهَنَ الشَّخْصُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ انْتِفَاعُهُ بِهِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا أَنْ يَهَبَهُ طَالَمَا أَنَّ الدَّيْنَ قَائِمٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ لَوْ رَهَنْتُ بَيْتِي، يَجُوزُ لِي أَنْ أَسْكُنَهُ وَأَنْ أَسْتَقْبِلَ فِيهِ النَّاسَ، وَأَنْ أَنْتَفِعَ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا أَنْ أَبِيعَهُ أَوْ أَهَبَهُ، فَلَا أَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى أُوَفِّيَ الدَّيْنَ، وَلَا يَنْفَكُّ الرَّهْنُ إِلَّا بَعْدَ سَدَادِ الدَّيْنِ بِالْكَامِلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ مُسَاوِيَةً لِقِيمَةِ الدَّيْنِ، فَقَدْ تَكُونُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلَكِنْ إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْبَرَ، وَعَجَزَ الْمَدِينُ عَنِ الْوَفَاءِ بِالدَّيْنِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُومُ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ بِسِعْرِ الْمِثْلِ، فَيُوَفِّي الدَّائِنَ دَيْنَهُ وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ إِلَى صَاحِبِ الْمَرْهُونِ، وَمِمَّا ذُكِرَ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ مَنْعِ صَاحِبِ الْمَرْهُونِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يَفِيَ بِالدَّيْنِ، فَهَذَا بَاطِلٌ.
وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، يُقْرِضُ إِنْسَانًا مَالًا، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ “مَاذَا تَضَعُ عِنْدِي كَرَهْنٍ مُقَابِلَ الدَّيْنِ؟” فَيَرُدُّ عَلَيْهِ “سَاعَتِي” فَيُعْطِيهِ إِيَّاهَا عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرُدَّ الْمَالَ، يَأْخُذُ السَّاعَةَ وَيَتَمَلَّكُهَا، فَهَذَا لَيْسَ الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ، لِأَنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ وَثِيقَةً لِسَدَادِ الدَّيْنِ أَيْ يُوضَعُ كَضَمَانٍ لِحَقِّ الدَّائِنِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ مِلْكًا لِلدَّائِنِ بِمُجَرَّدِ التَّخَلُّفِ عَنِ السَّدَادِ، وَإِنَّمَا يُسْتَوْفَى الدَّيْنُ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَرَدِّ الزَّائِدِ إِلَى صَاحِبِهِ.
وَكَذَلِكَ لا يَصِحُّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، يَقُولُ “أُقْرِضُكَ هَذَا الْمَالَ وَتَرْهَنُ عِنْدِي بَيْتَكَ، وَأَنْتَفِعُ بِهِ إِلَى أَنْ تَرُدَّ لِيَ الْمَالَ، فَأَسْكُنُهُ مَجَّانًا إِلَى ذَلِكَ الْحِينِ” فَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَمَعْدُودٌ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي مَكَثَهَا فِي الْبَيْتِ، فَهُوَ مُرْتَكِبٌ إِثْمًا عَظِيمًا مِنَ الْكَبَائِرِ وَمُلْزَمٌ بِأَنْ يَدْفَعَ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ سَيَّارَتَهُ مَجَّانًا، فَيَكُونُ الْحُكْمُ نَفْسُهُ. أَمَّا لَوْ أَقْرَضَكَ إِنْسَانٌ مَالًا، وَأَنْتَ مِنْ طِيبِ نَفْسِكَ تُرِيدُ أَنْ تُكَافِئَهُ لِأَنَّهُ أَعَانَكَ وَقْتَ الْحَاجَةِ، فَقُلْتَ لَهُ “هَذَا الْبَيْتُ عِنْدِي فَارِغٌ، فَاسْكُنْهُ مَجَّانًا إِلَى أَنْ أَرُدَّ لَكَ الدَّيْنَ” مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ هُوَ ذَلِكَ، فَهَذَا جَائِزٌ، وَهُوَ شَيْءٌ حَسَنٌ وَمِنَ الْمُرُوءَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَكَ عَشَرَةً فَرَدَدْتَهَا لَهُ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ طِيبِ نَفْسِكَ، كَأَنْ تَرُدَّ لَهُ اثْنَيْنِ زِيَادَةً، فَهَذَا جَائِزٌ وَغَيْرُ وَاجِبٍ)
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (وَالْوَكَالَةِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَ الْوَكَالَةَ مَعْرِفَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهَا وَهِيَ تَفْوِيضُ شَخْصٍ إِلَى غَيْرِهِ تَصَرُّفًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ لِيَفْعَلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ. (يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُوَكِّلَ الشَّخْصُ غَيْرَهُ لِفِعْلِ بَعْضِ الْأُمُورِ، كَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبُولِ زِوَاجِهِ أَوْ بِتَزْوِيجِ بِنْتِهِ مَثَلًا، فَهٰذَا يَصِحُّ. كُلُّ هٰذَا جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ وَيُسَمَّىٰ “الوَكَالَةَ”) وَهِيَ تَفْوِيضُ شَخْصٍ إِلَى غَيْرِهِ تَصَرُّفًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ لِيَفْعَلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ (وَقَوْلُنَا “عَلَىٰ وَجْهٍ خَاصٍّ” يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ “وَكَّلْتُكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ” أَوْ “وَكَّلْتُكَ فِي كُلِّ أُمُورِي”. أَمَّا إِذَا وَكَّلَ شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا أَوْ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَقَيَّدَ هٰذِهِ الْوَكَالَةَ بِسِعْرٍ مُعَيَّنٍ، وَجَبَ عَلَىٰ الْوَكِيلِ التَّقَيُّدُ بِهِ وَعَدَمُ الْمُخَالَفَةِ. أَمَّا إِذَا قَالَ لَهُ “بِمَا تَرَاهُ” فَيَبِيعُ كَمَا يَرَىٰ وَيَشْتَرِي كَمَا يَرَىٰ، لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ “بِالسِّعْرِ الَّذِي تَرَاهُ” وَلَمْ يُحَدِّدْ لَهُ سِعْرًا مُعَيَّنًا. وَإِذَا سَكَتَ الْمُوَكِّلُ عَنْ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ، فَالْمُوَكَّلُ يَنْظُرُ فِي مَصْلَحَةِ مُوَكِّلِهِ، فَلَا يَبِيعُ بِسِعْرٍ وَهُنَاكَ مَنْ يَرْغَبُ بِثَمَنٍ أَعْلَىٰ، وَلَا يَبِيعُ بِالتَّقْسِيطِ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُوَكِّلُ، لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فَلَا يَتَصَرَّفُ إِلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمُوَكِّلِ، وَإِلَّا يَكُونُ مُضَيِّعًا لِلْأَمَانَةِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، أَيْ إِيمَانُهُ نَاقِصٌ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ الوَكِيلُ الشَّيءَ لِنَفْسِهِ. وَلَا يَجُوزُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمُوَظَّفِينَ فِي بَعْضِ الشَّرِكَاتِ، حَيْثُ تُوَكِّلُهُ الشَّرِكَةُ بِشِرَاءِ بَضَاعَةٍ لَهَا، فَيَقُولُ لِصَاحِبِ الْبِضَاعَةِ “سَأَشْتَرِي مِنْكَ بِمِائَةٍ وَلَيْسَ بِتِسْعِينَ، وَلَكِنِ احْتَسِبْ لِيَ عَشَرَةً فِي الْمِائَةِ كَمَبْلَغٍ إِضَافِيٍّ تُعْطِينِيهِ خَارِجَ سِعْرِ الشِّرَاءِ وَدُونَ عِلْمِ الشَّرِكَةِ” فَهَذَا التَّصَرُّفُ لَا يُحَقِّقُ مَصْلَحَةَ الشَّرِكَةِ، بَلْ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَرِهَا، لِأَنَّ التَّاجِرَ أَعْطَاهُ هَذِهِ النِّسْبَةَ لِضَمَانِ الشِّرَاءِ بِهَذَا السِّعْرِ، وَلَيْسَ لِأَنَّهُ وَفَّرَ لِلشَّرِكَةِ خِيَارًا أَفْضَلَ أَوْ سِعْرًا أَنْسَبَ لِمَصْلَحَتِهَا. وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْمُوَظَّفُ قَدْ خَانَ الْأَمَانَةَ، وَأَخَذَ مَالًا لَا يَحِلُّ لَهُ، لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِخِلَافِ مَصْلَحَةِ الشَّرِكَةِ الَّتِي وَظَّفَتْهُ وَوَكَّلَتْهُ.
فَإِذًا الوَكَالَةُ هِيَ تَفْوِيضُ شَخْصٍ إِلَى غَيْرِهِ تَصَرُّفًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ لِيَفْعَلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ “حَالَ حَيَاتِهِ” يُقْصَدُ بِهِ تَمْيِيزُ الوَكَالَةِ عَنِ الوَصِيَّةِ، وَهِيَ إِسْنَادُ التَّصَرُّفِ إِلَى مَا بَعْدَ الْوَفَاةِ، فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ وَكَالَةً، بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَصِيَّةٌ، كَمَنْ يُوصِي إِلَى شَخْصٍ بِالنَّظَرِ فِي شُؤُونِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ بَعْدَ وَفَاتِهِ).
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (وَالْوَدِيعَةِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا. وَالْوَدِيعَةُ هِيَ مَا يُوضَعُ عِنْدَ غَيْرِ مَالِكِهِ لِحِفْظِهِ (وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْوَدِيعَةِ مِنْ لَفْظٍ يُشْعِرُ بِالإِيدَاعِ، كَأَنْ يَقُولَ “احْفَظْ لِي هَذَا” أَوِ “اسْتَوْدَعْتُكَ هَذَا” أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ الْمُودَعُ عِنْدَهُ “قَبِلْتُ”. وَمِنْ شُروطِهَا أنْ تَكونَ الوَديعَةُ مُحْتَرَمَةً أَيْ مِمَّا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا، فَلَا يَجُوزُ وَديعَةُ أَدَوَاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ، كَالعُودِ أَوِ الكَمَانِ أَوِ الدِّرْبَكَّةِ. كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِيدَاعُ الْمُصْحَفِ عِنْدَ كَافِرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِحِفْظِهِ وَصَوْنِهِ عَنِ الإِهَانَةِ). وَلا يَجُوزُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ مِمَّنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ حِفْظَهَا (فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى حِفْظِ الْوَدِيعَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَبِلَهَا وَأَمْسَكَهَا عِنْدَهُ، فَقَدْ أَثِمَ بِذَلِكَ. كَالشَّخْصِ الذي يَدْخُلُ فِي وَظِيفَةٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخُونُ صَاحِبَ الْعَمَلِ) وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَثَقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى حِفْظِهَا (لِقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ أدِّ الأمَانَةَ إِلَى مَنْ ائتْمَنَكَ وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. رَواهُ أبُو دَاود، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عِنْدَ الشَّخْصِ أَمَانَةٌ وَطَلَبَ صَاحِبُهَا أَنْ يَسْتَرِدَّهَا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْكِرَهَا، فَإِنْ أَنْكَرَهَا، كَانَتْ هَذِهِ خِيَانَةً بِالْقَوْلِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، كَانَتْ هَذِهِ خِيَانَةً بِالْفِعْلِ).
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (وَالْعَارِيَّةِ) (تُقَالُ مَعَ التَّشْدِيدِ العَارِيَّةِ وَتُقَالُ مِنْ غَيْرِ التَّشْدِيدِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْعَارِيَّةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا (حَتَّى لَا يَقَعَ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ). وَالْعَارِيَّةُ هِيَ إِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِشَىْءٍ مَجَّانًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُعَارِ أَنْ يُمْكِنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُبَاحًا (فَلَا تَصِحُّ إِعَارَةُ آلَةِ لَهْوٍ مُحَرَّمَةٍ كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ) وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُعَارِ أَنْ يُمْكِنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُبَاحًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ (أَيْ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُعَارُ يَفْنَى بِالِاسْتِعْمَالِ، فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ عَارِيَّةً وَلَا تَصِحُّ إِعَارَتُهُ) فَلا يَصِحُّ إِعَارَةُ مَطْعُومٍ لِلأَكْلِ (مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ أنْ يَقُولَ لَهُ أعَرْتُكَ هَذَا القَمْحَ لِتَأْكُلَهُ أوْ أَعَرْتُكَ هَذَا الشَّرَابَ لِتَشْرَبَهُ لِأَنَّ العَيْنَ تَزُولُ وَلَا تَبْقَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْعَارِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى بَقَاءِ عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُعَارِ بَعْدَ الِانْتِفَاعِ بِهِ) أَوْ (إِعَارَةُ) الشَّمْعَةِ لِلْوُقُودِ (أَيْ إِنْ كَانَ الْغَرَضُ هُوَ إِحْرَاقُهَا وَالِاسْتِفَادَةُ مِنْ ضَوْئِهَا لأنَّ عَيْنَهَا تَذْهَبُ بالاسْتِعْمَالِ وَتَذُوبُ). وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ مَا اسْتَعَارَهُ بِدُونِ إِذْنِ الْمُعِيرِ. (وَتَجُوزُ العَارِيَةُ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ، وَمُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُسْتَعِيرِ مَثَلًا “أَعَرْتُكَ هَذِهِ السَّيَّارَةَ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ هَذَا الْيَوْمِ” فَيَكُونُ لِلْمُسْتَعِيرِ الِانْتِفَاعُ بِهَا خِلَالَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا إِلَّا بِإِذْنِ الْمُعِيرِِ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَةُ مُطْلَقَةً، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعِيرُهُ الشَّيْءَ دُونَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ لِانْتِهَاءِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَفِي كُلٍّ مِنَ الحَالَتَيْنِ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنَ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَةِ وَيَفْسَخَهَا مَتَى شَاءَ، لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَهِيَ فِي هَذَا خِلَافُ عَقْدِ الإِجَارَةِ الَّذِي يُعَدُّ عَقْدًا لَازِمًا، فَالشَّخْصُ الَّذِي أَجَّرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الإِجَارَةِ قَبْلَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهَا، أَمَّا فِي العَارِيَةِ، فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَتَى شَاءَ، فَيَقُولَ لِلْمُسْتَعِيرِ “أَنَا فَسَخْتُ هَذِهِ العَارِيَةَ، وَأُرِيدُ إِرْجَاعَ مَا أَعَرْتُكَ إِيَّاهُ” فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فِي هَذِهِ الحَالَةِ أَنْ يَرُدَّ الشَّيْءَ الْمُعَارَ إِلَى صَاحِبِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعْيِينُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ “أَعَرْتُكَ أَحَدَ أَثْوَابِي” بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الشَّيْءِ الْمُعَارِ، وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ “أَعَرْتُ أَحَدَكُمْ سَيَّارَتِي” بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ. والعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ عَلى الْمُسْتَعيرِ مَعْنَاهُ العَارِيَةُ إذَا تَلِفَت في يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فيِ غَيْرِ الاسْتِعْمَالِ الْمَأذُونِ لَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا، وَيَلْزَمُهُ دَفْعُ قِيمَتِهَا يَوْمَ تَلَفِهَا لِلْمُعِيرِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ مَرَّةً اسْتَعَارَ شَيْئًا، فَقَالَ لِلْمُعِيرِ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ، وَيَعْنِي بِذَلِكَ: أَسْتَعِيرُ هَذَا مِنْكَ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيَّ إِنْ تَلِفَ. وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ: يَدُ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الشَّيْءِ الْمُعَارِ يَدُ ضَامِنٍ، أَيْ إِذَا تَلِفَ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَضْمَنُهُ، أَمَّا إِذَا كَانَ تَلَفُهُ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَإِعَارَةِ ثَوْبٍ لِلُبْسِهِ، فَإِنِ انْسَحَقَ، أَيْ نَقَصَتْ عَيْنُهُ بِسَبَبِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَشْرُوعِ وَاللُّبْسِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ)
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (وَالشَّرِكَةِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا. وَالشَّرِكَةُ هِيَ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي شَىْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ. (فَمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِيهَا لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَهَا، وَكَمْ مِنَ النَّاسِ فِي أَيَّامِنَا يَدْخُلُونَ فِي عَقْدِ شَرِكَةٍ فَاسِدٍ. الشَّرِكَةُ هِيَ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ حَقٍّ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي شَيْءٍ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ، هَذَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ. عَقْدٌ بِهِ يَصِيرُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ لَهُمَا حَقٌّ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، كُلٌّ لَهُ حِصَّةٌ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَا، وَهَذَا لَهُ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَا، وَإِنَّمَا حِصَّةٌ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِلْحِصَّةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. مَثَلًا، يَشْتَرِكُ اثْنَانِ شَرِكَةً فِي بَيْتٍ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، مَعْنَاهُ هَذَا لَهُ نِصْفُ الْحِصَّةِ وَهَذَا لَهُ النِّصْفُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ النِّصْفُ الشَّرْقِيُّ، وَهَذَا لَهُ النِّصْفُ الْغَرْبِيُّ، أَوِ الشَّمَالِيُّ أَوِ الْجَنُوبِيُّ، وَإِنَّمَا هُمَا شَرِيكَانِ مُنَاصَفَةً فِي الْبَيْتِ.
كَيْفَ تُقَامُ الشَّرِكَةُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؟ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُخْلَطَ مَالَانِ بِحَيْثُ يُصْبِحُ مَالُ الشَّرِيكَيْنِ مُشَاعًا بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فَأَنَا أَجِيءُ بِمَالِي وَالْآخَرُ يَجِيءُ بِمَالِهِ فَنَخْلِطُ الْمَالَيْنِ ثُمَّ يَأْذَنُ كُلٌّ مِنَّا لِلْآخَرِ بِالتَّصَرُّفِ، وَبِذَلِكَ تَقُومُ الشَّرِكَةُ الصَّحِيحَةُ شَرْعًا، وَبَعْدَ الْخَلْطِ وَالْإِذْنِ نُتَاجِرُ فِي الْمَالِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ وَالْخَسَارَةُ بِحَسَبِ مِقْدَارِ الْمَالِ الَّذِي وَضَعَهُ كُلُّ شَرِيكٍ. مَثَلًا أُرِيدُ أَنْ أَتَشَارَكَ أَنَا وَالْحَاجُّ أَبُو الْعِزِّ فِي تِجَارَةِ الأَلْبِسَةِ، فَيَأْتِي هُوَ بِمَالِهِ وَآتِي أَنَا بِمَالِي، فَنَخْلِطُ الْمَالَيْنِ ثُمَّ يَأْذَنُ كُلٌّ مِنَّا لِلْآخَرِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ الشَّرِكَةُ صَحِيحَةً وَيَكُونُ الرِّبْحُ وَالْخُسَارَةُ بِحَسَبِ حِصَّةِ كُلِّ شَرِيكٍ، وَأَمَّا إِذَا كُنَّا ثَلَاثَةَ شُرَكَاءَ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ أَتَيْنَا بِوَاحِدٍ رَابِعٍ لَمْ يَضَعْ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ وَقُلْنَا لَهُ “نُدْخِلُكَ شَرِيكًا فِي الْعُشْرِ عَلَى أَنْ تَقُومَ بِالْعَمَلِ وَيَكُونُ لَكَ الْعُشْرُ مِنَ الرِّبْحِ” فَهَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَرِيكٍ نِسْبَةٌ مِنَ الرِّبْحِ تَابِعَةٌ لِنِسْبَةِ مَالِهِ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَيْسَ مُجَرَّدُ الْعَمَلِ دُونَ مُسَاهَمَةٍ مَالِيَّةٍ.
وَلَا بُدَّ فِي الْمَالِ الْمَخْلُوطِ أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا، أَيْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُحَدَّدُ بِالْكَيْلِ مِثْلَ الْحُبُوبِ أَوْ بِالْوَزْنِ مِثْلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ يُضْبَطَ بِالصِّفَةِ، فَإِذَا وُصِفَ، أَخْرَجَهُ ذَلِكَ مِنَ الْجَهَالَةِ. مَثَلًا، أُرِيدُ أَنْ أَتَشَارَكَ أَنَا وَالْحَاجُّ أَبُو الْعِزِّ فِي تِجَارَةِ الْقَمْحِ، فَأَنَا أَجِيءُ بِأَلْفِ مُدٍّ مِنَ الْقَمْحِ الْبَلَدِيِّ الْمُمْتَازِ، وَهُوَ يَجِيءُ بِثَلَاثَةِ آلَافِ مُدٍّ مِنَ الْقَمْحِ الْبَلَدِيِّ الْمُمْتَازِ، فَنَخْلِطُهُمَا، ثُمَّ يَأْذَنُ كُلٌّ مِنَّا لِلْآخَرِ بِالتَّصَرُّفِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ الشَّرِكَةُ صَحِيحَةً، وَيَكُونُ الرِّبْحُ وَالْخَسَارَةُ بِحَسَبِ حِصَّةِ كُلِّ شَرِيكٍ؛ فَأَنَا أَحْصُلُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِالْمِئَةِ مِنَ الْأَرْبَاحِ، وَهُوَ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ بِالْمِئَةِ مِنَ الْأَرْبَاحِ.
وَإِذَا تَمَّتِ الشَّرِكَةُ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِ الْمِثْلِ إِلَّا بِرِضَا شَرِيكِهِ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ فَسْخُ الشَّرِكَةِ مَتَى شَاءَ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَتِ الشَّرِكَةُ، وَكَذَلِكَ إِذَا جُنَّ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ)
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (وَالْمُسَاقَاةِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا. وَالْمُسَاقَاةُ هِيَ مُعَامَلَةُ شَخْصٍ عَلَى شَجَرٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِنَحْوِ سَقْيٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ نَخْلًا أَوْ عِنَبًا مَغْرُوسًا مُعَيَّنًا. (فِي الْأَصْلِ، الْمُسَاقَاةُ مَعْنَاهَا أَنْ يُعَامِلَ مَالِكُ الشَّجَرِ شَخْصًا يَعْتَنِي هُوَ بِالشَّجَرِ، مُقَابِلَ جُزْءٍ مِنَ الثَّمَرِ الَّذِي يُخْرِجُهُ هَذَا الشَّجَرُ، فَيَتَعَهَّدُهُ بِالسَّقْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مُقَابِلَ جُزْءٍ مِنَ الثَّمَرَةِ، وَهَذَا يُقَالُ لَهُ الْمُسَاقَاةُ. وَلَيْسَتْ جَائِزَةً فِي كُلِّ شَجَرٍ، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ فَقَطْ فِي شَجَرِ النَّخْلِ وَشَجَرِ الْعِنَبِ، أَمَّا فِي غَيْرِ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الشَّجَرِ، كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالْمِشْمِشِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالْإِجَّاصِ، فَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ. وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي شَجَرُ نَخْلٍ، فَأَقُولَ لِشَخْصٍ “سَاقَيْتُكَ عَلَى هَذَا النَّخْلِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لَكَ رُبْعُ الثَّمَرِ، أَوْ ثُلُثُ الثَّمَرِ، أَوْ نِصْفُ الثَّمَرِ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِيَ الْبَاقِي” وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ اسْتِقْلَالُ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْعَامِلُ لِلْمَالِكِ “عَلَى أَنْ تُعِينَنِي فِي ذَلِكَ”، أَوْ اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يُسَاعِدَهُ الْمَالِكُ فِي الْعَمَلِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْتَقِلًّا بِالْعَمَلِ فِيهِ.
الِاعْتِنَاءُ بِالشَّجَرِ فِيهِ نَوْعَانِ مِنَ الْعَمَلِ. نَوْعٌ لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ، مِثْلُ بِنَاءِ السُّورِ، أَوْ حَفْرِ النَّهْرِ لِيَجْرِيَ الْمَاءُ إِلَى الْبُسْتَانِ، فَهَذَا عَلَى الْمَالِكِ وَلَيْسَ مَطْلُوبًا مِنَ الْعَامِلِ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، فَلَوِ اشْتَرَطَ الْمَالِكُ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ، كَبِنَاءِ الْجِدَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ. وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي، فَهُوَ مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ، مِثْلُ إِزَالَةِ الْعُشْبِ الضَّارِّ، وَقَطْعِ الْأَغْصَانِ الْيَابِسَةِ، وَقَطْفِ الثَّمَرِ، وَتَجْفِيفِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُجْرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ سَنَوِيًّا، فَهَذَا عَلَى الْعَامِلِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يُعِينَهُ فِيهِ، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ.
وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُسَاقَاةِ بِزَمَنٍ مُحَدَّدٍ يُثْمِرُ فِيهِ الشَّجَرُ غَالِبًا، فَلَا تَصِحُّ مُطْلَقَةً، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهَا بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَسَنَةٍ مَثَلًا، فَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ لَهَا وَقْتٌ لَمْ تَصِحَّ الْمُسَاقَاةُ. وَكَذَلِكَ لَوْ عُيِّنَ زَمَنٌ لَا يُثْمِرُ فِيهِ الشَّجَرُ فِي الْغَالِبِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ بَاطِلَةً، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعَقْدِ هُوَ الثَّمَرُ.
وَلَا بُدَّ فِي الْعَقْدِ مِنْ تَعْيِينِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ، كَأَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ نِصْفُ الثَّمَرِ، وَلِلْعَامِلِ نِصْفُهُ، أَوْ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ لِلْعَامِلِ “بَعْدَ هَذَا نَتَقَاسَمُ الثَّمَرَ” مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِحِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِلَّا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا. فَإِذَا عُقِدَتِ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ فَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ مِثْلُ الْإِجَارَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ فَسْخَهُ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّجَرِ أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا، فَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ إِذَا كَانَ الشَّجَرُ غَيْرَ مَغْرُوسٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ “سَاقَيْتُكَ عَلَى أَنْ تَغْرِسَ لِي هَذَا الشَّجَرَ، ثُمَّ تَعْتَنِيَ بِهِ إِلَى خَمْسِ سِنِينَ، وَالثَّمَرَةُ بَيْنَنَا” لِأَنَّ الْغَرْسَ عَمَلٌ مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْمُسَاقَاةِ)
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/iwBB86YYEqA
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-28