الأحد ديسمبر 7, 2025

 

#27

   قال المؤلف رحمه الله: (و) يجب مبيته (بمنى) ونعني بالمبيت هنا أن يحضر أرض منى معظم ليل أيام التشريق الثلاث إن لم ينفر من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق وإلا سقط عنه مبيت اليوم الثالث، أي لا يجب عليه أن يبيت بمنى الليلة الثالثة. هذا (على قول) عند الإمام الشافعي رضي الله عنه وعلى قول له، المبيت بمنى سنة فلا إثم بتركه ولا دم.

   الشرح أن من واجبات الحج المبيت بمنى، وليس المراد جميع الليل بل المراد أن يكون هناك معظم الليل أي ليلة اليوم الأول من أيام التشريق (وهي الأيام التي كانوا يضعون فيها اللحوم التي تذبح للهدي، وكانوا ينشرونها في جهة الشرق حتى تقدد، أي تجفف لتستعمل في الأيام القادمة. فإنه لم يكن عندهم برادات أو وسائل تبريد لحفظ اللحم، فكانوا إذا أرادوا أن يحفظوا اللحم لاستعماله، يقددونه، أي يضعونه في جهة الشرق حتى يجف، فيستعملوه دون أن يفسد. فإذا من واجبات الحج المبيت بمنى، وليس المراد جميع الليل بل المراد أن يكون هناك معظم الليل أي ليلة اليوم الأول من أيام التشريق) والثاني فإن خرج من منى في اليوم الثاني قبل الغروب سقط مبيت ورمي اليوم الثالث أما من لم يخرج منها فأدركه غروب ليلة ثالث التشريق وهو بمنى وجب عليه المبيت بها ورمي اليوم الثالث، ويشترط أن يكون هذا النفر أي مغادرة منى بعد الزوال وقبل المغرب.

   وهذا المبيت فيه قول للإمام الشافعي أنه سنة ليس واجبا فعلى قول عدم الوجوب لا إثم على من ترك المبيت ولا دم.

 

   قال المؤلف رحمه الله: (و) يجب (رمي جمرة العقبة يوم النحر أي يوم عيد الأضحى) وهي أقرب الثلاث إلى مكة، بسبع حصيات، ويدخل وقته بنصف الليل ويمتد إلى ءاخر أيام التشريق. (و) يجب (رمي الجمرات الثلاث) كل واحدة بسبع حصيات في كل يوم من (أيام التشريق) بعد الزوال مرتبا فيبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف ثم التي تليها ثم التي تليها وله تأخير رمي اليوم الأول والثاني إلى الثالث.

   الشرح من واجبات الحج رمي جمرة العقبة وحدها يوم النحر بسبع حصيات وهي أقرب الثلاث إلى مكة (أي أقرب جمرة إلى مكة، ويقال لها جمرة العقبة، وهذه يجب على الحاج أن يرميها بسبع حصيات) ويدخل وقت هذا الرمي بنصف الليل (أي بنصف ليلة النحر) ويبقى (وقت الجواز) إلى ءاخر (يوم من) أيام التشريق، ويجب رمي الجمرات الثلاث جمرة العقبة واللتين قبلها أيام التشريق. (يرمي ثلاث جمرات بسبع حصيات لكل جمرة، وهذه الجمرات الثلاث هي جمرة الصغرى وجمرة الوسطى وجمرة العقبة ويبدأ وقت الرمي) بعد الزوال (أي بزوال شمس أول يوم من أيام التشريق) كل واحدة (أي كل جمرة من الجمرات الثلاث) سبعا (ويجوز عند الحنفية الرمي قبل الزوال في أيام التشريق). والرمي لا خلاف في وجوبه. ويشترط لصحة الرمي ترتيب الجمرات في أيام التشريق فيبدأ بالجمرة (الأولى) التي تلي مسجد الخيف ثم يرمي التي تليها وهي (الجمرة) الوسطى ثم يختم بجمرة العقبة (التي هي أقرب الجمرات إلى مكة) التي رماها الحاج يوم العيد. ويشترط كون المرمي به حجرا ولو ياقوتا (فلا يصح الرمي بنحو النعال أو الخشب)، وأن يسمى رميا فلا يكفي الوضع (فلو وضع الحصى في المرمى بدون رمي، لم يصح)، وكونه باليد لا بنحو رجل وقوس مع القدرة على الرمي باليد، وعدم الصارف أي أن لا ينوي بهذا الرمي غيره (فلو رمى بقصد تمرين يده، لم يصح رميه) وقصد المرمى فلو قصد غيره كأن قصد رمي حية لم يصح (وكذٰلك لو قصد صديقا له فأصابته ووقعت في مجتمع الحصى لا يصح، أما لو وقعت في مجتمع الحصى ثم خرجت صح الرمي. كذٰلك لو قصد المرمى فأصابت غيره ثم وقعت فيه صح. ومعنى الرمي إظهار مخالفة الشيطان، فقد جاء في الأثر أن الشيطان ظهر لإبراهيم عليه السلام ليوسوس له عند كل واحدة منها ويصده عما أمره الله به، فرماه بالحصى إهانة له. ونحن معاشر أمة محمد ﷺ أمرنا بهٰذا الرمي إحياء لسنة إبراهيم عليه السلام، وفي ذٰلك رمز لمشروعية مخالفة الشيطان وإهانته، وما يظنه بعض الجهال أن هٰذه الأماكن مسكن الشيطان فهو غير صحيح)

 

   قال المؤلف رحمه الله: (و) يجب (طواف الوداع على قول في المذهب) ويسن على قول. وعليه فلا إثم على تاركه ولا دم.

   الشرح هذا مما يجب على المعتمر والحاج إذا أراد مفارقة منى عقب النفر إلى مسافة قصر أو إلى وطنه أو ما يريد توطنه (توطن المكان أي سكنه ليكون مسكنه إلى الموت. ولو كان يتردد إلى غير هذه البقعة كثيرا، أو يمكث كثيرا خارجها، لكن هو في نفسه يرى أن مقره في النهاية تلك البقعة) وللشافعي قول بعدم وجوبه وعليه (أي على هذا القول) فلا إثم على تاركه ولا دم) فمن أنهى الحج ونفر من منى، إن أراد العمرة، يخرج إلى أدنى الحل، ولا يجب عليه الآن أن يطوف الوداع، لأنه يخرج ويعود إلى مكة لأجل العمرة (

فائدة: من أراد الحج وخاف أن يحول بينه وبين إتمامه مانع، فليقل في النية “نويت الحج وأحرمت به لله تعالى، ومحلي إذا حبسني حابس حيث حبسني” فإن حال بينه وبين إتمام الحج حائل، يتحلل بحلق شعره أو تقصيره، ولا يلزمه ذبح. ففي البخاري ومسلم أن امرأة قالت للرسول ﷺ إني أريد الحج وأنا شاكية (أي مريضة)، فقال النبي ﷺ حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، ويجوز هذا الاشتراط للعمرة أيضا.

 

   قال المؤلف رحمه الله: (وهذه الأمور الستة) هي من الواجبات لا من الأركان ولذا (من لم يأت بها لا يفسد حجه إنما يكون عليه إثم وفدية بخلاف) من ترك شيئا من (الأركان التي مر ذكرها فإن الحج لا يحصل بدونها ومن تركها) أي ترك الأركان (لا يجبره دم، أي ذبح شاة). (معناه أن واجبات الحج لو تركت كلها أو بعضها لا يفسد الحج، ولكن يأثم بتركها وتلزمه الفدية، أما الأركان فلا يجبر تركها بالفدية ولا يصح الحج بدونها)

   الشرح يجب بترك الإحرام من الميقات وما بعد ذلك من الواجبات دم وهو ) على الترتيب، ومعناه إن استطاع يفعل كذا، وإن لم يستطع يفعل الذي بعده. والدم هو) شاة فإن عجز فصيام عشرة أيام ثلاثة في الحج أي في إحرام الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله (ليس أيام التشريق ولا يوم العيد، وإنما قبل ذلك، فإن لم يصم قبل ذلك، يصوم بعد ذلك. فإذا لم يصم في الحج بالمرة، ثم رجع إلى وطنه، يصوم عشرة أيام، لكن يفرق بين الثلاثة أيام والسبعة أيام بأربعة أيام، فيصوم ثلاثة أيام، ثم يفطر أربعة أيام، ثم بعد ذلك يصوم سبعة أيام، فيكون المجموع عشرة أيام). (وهذا الدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب يختص ذبحه بالحرم، ويجب صرف لحمه إلى مساكين الحرم، ولا فرق في المساكين بين المقيمين والطارئين)

 

   قال المؤلف رحمه الله: (ويحرم صيد الحرمين) حرم مكة والمدينة والصيد أي الحيوان الذي من شأنه أن يكون في البرية ويصطاد، كالحمام، وبقر الوحش، والغزال، فهذا كله يقال له “صيد”. وليس المقصود بذلك الدجاج الذي يكون في البيت، أو الخروف الذي يكون عند الشخص، فهذا يجوز ذبحه وأكله في حالة الإحرام وفي غير حالة الإحرام، في الحرم وخارج الحرم أما الصيد فلا يتعرض له في الحرم المكي، ولا في الحرم المدني الذي عينه رسول الله ﷺ بين جبلي عير وثور. في تلك البقعة ممنوع الصيد، ليس معنى ذٰلك فقط رميه بالسهم، إنما كمشه وحبسه أيضا حرام لأنه تعرض له، وضربه كذٰلك، وكذٰلك أخذه وذبحه. هٰذا ممنوع في الحرمين إن كان الشخص محرما أو لا، يعني إن كان حلالا أو محرما، لا فرق. فإذا يحرم صيد الحرمين) ونباتهما (معناه إن كانت شجرة فلا يقلعها، ولا يكسر عرقها. ليس معنى ذٰلك أنه لا يأكل من الثمر في مكة والمدينة، لا، إنما يأكل الثمار، ويأكل ما زرع مثل النعنع مثلا، وليس معنى ذٰلك أنه لا يزيل ما يؤذي من الشجر كالشوك مثلا. أما ما زرع ليؤكل، فيأكل منه الشخص. فإذا يحرم صيد الحرمين ونباتهما) (على محرم وحلال) وهو غير المحرم (وتزيد مكة) على المدينة (بوجوب الفدية) في الصيد والنبات (فلا فدية في صيد حرم المدينة وقطع نباتها (وهو الذي ينبت بنفسه، فهٰذا يحرم التعرض له بالقطع والقلع، وخرج ما يستنبت عادة مثل الحنطة والشعير والخضروات، فيجوز قطعها. والمراد بالنبات الأخضر، ليس اليابس، أما اليابس فيجوز التعرض له، معناه يجوز قلعه وقطعه) و (حد) (حرم المدينة ما بين جبل عير وجبل ثور).

   الشرح من أحكام الحرمين الحرم المكي والحرم المدني (أي حرم مكة والمدينة) حرمة الصيد (أي لا يجوز أن يصطاد شيئا من صيدها، ولا أن يعين على صيده، ولا أن يأكل منه) وحرمة قطع الشجر أو قلعه (أي لا يجوز أن يقطع الشجر الذي في حرم مكة والذي في حرم المدينة، أما الثمر الذي يؤكل فيجوز قطعه للأكل كالتفاح والإجاص وما أشبه ذلك من الخضروات كالبندورة والخيار، إلخ… وكذٰلك ما كان علفا للبهائم، أو قطع ليعمل منه دواء، ويجوز قطع النبات المؤذي كالشوك) ووجوب الفدية في الصيد والشجر، لكن وجوب الفدية خاص بحرم مكة أما حرم المدينة فيحرم صيده وشجره لكن بلا فدية، وكذلك (حرم الرسول ﷺ) وج الطائف وهو واد بالطائف (يحرم التعرض لنباته وصيده) فلا فدية في صيده وشجره مع حرمة ذلك لورود حديث فيه.

   أما بيت المقدس فليس له هذا الحكم ولا يسمى حرما كما شاع على أفواه الناس وإنما هو مسجد له الأفضلية بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي لأن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة وغيره من المساجد سوى حرم مكة والمسجد النبوي ليس له هذه المزية أي مضاعفة ثواب الصلاة فيه.

   وأما صيد مكة وشجرها ففيه فدية أي ضمان فمن قتل صيدا من صيد حرم مكة إن كان له مثل أي شبه في الإبل والبقر والغنم فعليه أن يذبح ذلك المثل (فمثلا إذا قتل نعامة فمثلها الإبل فيذبح إبلا، وإذا اصطاد بقرة الوحش فيذبح بقرة، وإذا اصطاد غزالة فمثلها الماعز وهكذا، والشيء الذي لا مثل له فيما نقل في الأثر يحكم بمثله عدلان من أهل الخبرة) ويوزعه لفقراء الحرم (أي للفقراء الموجودين في الحرم المكي، الغير منسوبين. ولا يكفي توزيع لحم الذبيحة على غير مساكين الحرم، ويستوي في ذٰلك المستوطنون بأرض الحرم والغرباء) أو يطعم بقيمة المثل أو يصوم عن كل مد يوما (ينظر كم يقدر بالأمداد من الرز، فمثلا إذا كان مقداره مائة مد، فإذن يصوم مائة يوم)، ولا يكفي ذبحه بغير أرض الحرم الشامل لمكة وما يليها من جميع جوانبها من كل ما دخل في حدود الحرم.

   وأما حكم قطع شجرة الحرم ففي الكبيرة بدنة (يعني من الإبل)، وفي الصغيرة التي تقارب سبع الكبيرة (أي واحد على سبعة منها) شاة، وفي ما دون ذلك قيمتها. (أما في صيد حرم المدينة وقطع نباتها، فمعصية فقط ولا فدية فيه).

 

تكلم عن كيفية الحج الموافق للسنة.

        يسن للمسلم إذا أراد أن يحرم للحج أن يغتسل ويتطيب وأفضل الطيب المسك المخلوط بماء الورد وتطييب البدن سنة للنساء أيضا للإحرام. ويسن أن يصلى ركعتين يقرأ فيهما سورة الكافرون والإخلاص ثم يحرم من الميقات فيقول بقلبه نويت الحج وأحرمت به لله تعالى ويصح أن يقول نويت الحج وأحرمت به لله تعالى وجعلت حلى إن حبسنى حابس حيث حبسنى، فإنه إن حبسه حابس أى منعه مانع من أن يكمل فإنه يتحلل بقص شعره حيث منع. وميقات المكى للحج مكة أى يحرم منها للحج ثم يقول بلسانه بصوت خفيف لبيك اللهم بحج ثم يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ويكرر ذلك. ويسن للرجل أن يجهر بالتلبية أى يرفع صوته رفعا قويا أما النساء فلا يرفعن أصواتهن بالتلبية ثم يصلى ويسلم على النبى ﷺ ويسأل الله رضوانه ودخول الجنة. ثم يذهب إلى أرض عرفة فى يوم التاسع من ذى الحجة يصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم ويبقى فيها إلى أن يدخل وقت المغرب لأن الجمع بين الليل والنهار سنة فإن تركه كان مكروها ويسن أن يستقبل القبلة ويكثر من التهليل والتسبيح والتكبير والاستغفار والدعاء وتلاوة القرءان والصلاة والسلام على النبى ﷺ. ثم يرحل من أرض عرفة إلى مزدلفة يصلى فيها المغرب والعشاء جمع تقديم ويجمع منها سبعين حصاة ثم يرجع إلى مكة للطواف حول الكعبة سبع مرات ويدخل وقته بعد منتصف الليل ثم يسعى بين الصفا والمروة سبع مرات فى المسعى القديم فيبدأ بالصفا وينتهى بالمروة. والسعى بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج عند الشافعى وسنة عند بعض المجتهدين فمن أخذ بقول هؤلاء على أنه سنة فعمل الحج بدون سعى فله ثواب بحجه عند هؤلاء. ولا يشترط فى السعى الطهارة ويسن أن يقول فى أثناء السعى رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم. ثم الحلق أو التقصير لشعر الرأس للذكر والتقصير فقط للأنثى ويكفى إزالة ثلاث شعرات ويسن حلق جميعه للذكر وتقصير جميعه للأنثى والتكبير بعد الانتهاء من الحلق أو التقصير، وبهذا يكون تحلل التحلل الأول الذى يحل به ما حرم على المحرم سوى أمور النساء أما رمى جمرة العقبة يوم العيد ورمى الجمرات الثلاث أيام التشريق الثلاثة فيجوز أن يؤخره إلى اليوم الثالث من أيام التشريق فيرمى جمرة العقبة قبل الزوال أى قبل دخول وقت الظهر بسبع حصيات ثم بعد دخول وقت الظهر يرمى الجمرات الثلاث فيبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى فيرمى عن اليوم الأول من أيام التشريق كل واحدة بسبع حصيات ثم عن اليوم الثانى ثم عن اليوم الثالث فيكون بذلك تحلل تحللا كاملا فيحل له كل ما حرم عليه بالإحرام حتى الجماع. والجمرة هى موضع رمى الحصى بمنى. ويستحب لمن دخل مكة إن كان محرما بالحج أو بالعمرة أن يطوف حول الكعبة سبع مرات، بالنسبة للحاج يكون طواف القدوم وبالنسبة للمعتمر يكون طواف العمرة. ويحب على قول أن يطوف طواف الوداع وعلى قول هو سنة بعد الانتهاء من المناسك.

 

تكلم عن كيفية العمرة الموافقة للسنة.

        يسن للمسلم إذا أراد العمرة أن يغتسل ويتطيب ويصلى ركعتين يقرأ فيهما سورة الكافرون والإخلاص. ثم يحرم من الميقات فيقول بقلبه نويت العمرة وأحرمت بها لله تعالى ويصح أن يقول نويت العمرة وأحرمت بها لله تعالى وجعلت حلى إن حبسنى حابس حيث حبسنى ومعناه أنه إن حبسه حابس أى منعه مانع من أن يكمل فإنه يتحلل بقص شعره حيث منع. والميقات لمن كان فى حرم مكة هو ما كان خارج حدود الحرم كالتنعيم. والحرم مساحته واسعة نحو عشرين كيلو مترا. ثم يقول بلسانه بصوت خفيف لبيك اللهم بعمرة ثم يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ويكرر ذلك ويسن للرجل أن يجهر بالتلبية أى يرفع صوته رفعا قويا، ثم يصلى ويسلم على النبى ﷺ ويسأل الله رضوانه ودخول الجنة. ثم يطوف حول الكعبة سبع مرات فيبدأ بالحجر الأسود ويجعل الكعبة عن يساره لا يستقبلها ولا يستدبرها ويشترط أن يكون طاهرا عن الحدثين وعن النجاسة غير المعفو عنها. ويسن أن يمشى حافيا وأن يستلم الحجر الأسود ويقبله بلا صوت ويضع جبهته عليه وأن يكرر ذلك ثلاثا فى كل طوفة ويسن أن يدعو بالأدعية المأثورة عن النبى ﷺ ومن المأثور ربنا ءاتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ويسن أن يصلى بعد الطواف ركعتين ينوى بهما سنة الطواف. ثم يسعى بين الصفا والمروة سبع مرات فى المسعى القديم فيبدأ بالصفا وينتهى بالمروة ولا يشترط فيه الطهارة ويسن أن يقول فى أثناء السعى رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم. ثم الحلق أو التقصير لشعر الرأس للذكر والتقصير فقط للأنثى ويكفى إزالة ثلاث شعرات ويسن حلق جميعه للذكر وتقصير جميعه للأنثى والتكبير بعد الانتهاء من الحلق أو التقصير. ويشترط الترتيب بين أركان العمرة.

 

تكلم عن فضل العشر الأول من ذى الحجة.

        اعلم أن العشر الأول من ذى الحجة لها فضل عظيم عند الله ويدل على فضلها أن الله تعالى أقسم بها فى القرءان قال الله تعالى ﴿والفجر وليال عشر﴾ وقال رسول الله ﷺ ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذى الحجة رواه ابن حبان. والعمل الصالح فيها أفضل وأحب إلى الله من العمل فى غيرها لقوله ﷺ ما من أيام العمل فيهن أفضل من أيام العشر فأكثروا فيهن التسبيح والتهليل والتكبير رواه الحافظ الطبرانى، فينبغى الإكثار فيها من الطاعات والعبادات كالصلاة والذكر وصلة الأرحام لقوله تعالى ﴿وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾. ويستحب الصيام فى الأيام التسع من ذى الحجة لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة. ويوم عرفة هو أفضل أيام العام لحديث ابن حبان أفضل الأيام يوم عرفة، وهو يوم عيد للمسلمين فيه نزل قول الله تعالى ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا﴾. ويوم عرفة يستحب فيه الغسل قال سيدنا على رضى الله عنه يستحب الغسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم الجمعة ويوم عرفة. ويوم عرفة هو يوم يغفر الله فيه الذنوب ويعتق من النار من شاء لقوله ﷺ ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة. وصيامه سنة لغير الحاج وسبب لتكفير ذنوب عامين لقوله ﷺ أحتسب على الله عز وجل أن يكفر السنة الماضية والباقية. أما من كان فى الحج فلا يسن له صوم يوم عرفة لأن المطلوب منه الاجتهاد فى العبادات والصيام قد يضعفه عن ذلك. قال الحافظ النووى فى شرح مسلم إن صيام الأيام التسعة من أول ذى الحجة مستحب استحبابا شديدا. والأصل فى صوم يوم عرفة أنه مستحب إلا لمن كان بعرفات حاجا فلا يستحب له لأن الصيام يضعفه عن اغتنام وقت الوقوف بعرفة قال الخطابى وهذا نهى استحباب لا نهى إيجاب فإنما نهى المحرم عن ذلك خوفا عليه أن يضعف عن الدعاء والابتهال فى ذلك المقام. وإذا صامت المرأة يوم عرفة وكان عليها قضاء أيام فاتتها بعذر فلها ثواب. ولا يجمع الشخص بين صوم يوم عرفة وصوم القضاء بنية واحدة. والدعاء فى يوم عرفة ليس كالدعاء فى غيره لحديث الترمذى خير الدعاء دعاء يوم عرفة. لذلك ينبغى للمسلم أن يجتهد فى عمل الخير فى هذا اليوم وأن يحرص على صيامه وأن يكثر فيه من التهليل والتكبير والتحميد فعن سيدنا على رضى الله عنه أنه قال قال رسول الله ﷺ أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير وقد أحدث العلماء فى الماضى بدعة حسنة فكانوا يجتمعون فى المساجد فى يوم عرفة ويذكرون الله كثيرا بنية أن يكسبوا أجرا بعمل شبيه بعمل الحجاج فى عرفات.

 

ما هو حديث النزول فى يوم عرفة.

        روى ابن حبان فى صحيحه وغيره عن جابر رضى الله عنه أنه قال قال رسول الله ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهى بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادى شعثا غبرا ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتى ولم يروا عذابى فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة. نقل القاضى عياض والحافظ النووى والطيبى والمازرى والملا على القارى وغيرهم فى تفسير ينزل الله إلى السماء الدنيا معنيين الأول أن ءاثار رحمته وكرامته عز وجل تدنو من العباد والثانى أنه تعالى يأمر الملائكة بالدنو إلى الأرض وينزل معهم ما يشاء من الرحمة وعلى التفسيرين فإنه يجب تنزيه الله عز وجل عن الحركة والسكون والاتصال والانفصال والقرب والبعد بالحس والمسافة والتحول والانتقال والزوال والحلول ﴿ليس كمثله شىء وهو السميع البصير﴾. ومن اعتقد النزول الحسى فى حق الله أو الحركة فقد كذب القرءان ومن كذب القرءان خارج من الملة. الله تعالى خالق الأحجام فليس حجما بالمرة وخالق صفات المخلوقات فلا تشبه صفاته صفات خلقه ألبتة. والله لا يتغير لأن التغير أقوى علامات الحدوث. ومعنى فيباهى بأهل الأرض أهل السماء يظهر للملائكة فضل بعض عباده وأما قوله شعثا غبرا ضاحين فالشعث جمع أشعث وهو من تفرق شعر رأسه من عدم غسله ودهنه، والغبر جمع أغبر وهو من التصق الغبار بأعضائه كما هو عادة المسافرين على الدواب ومشيا، وضاحين جمع ضاح وهو البارز للشمس يصيبه حرها، والمراد أنهم جاؤوا متقشفين متذللين لله تعالى.

 

تكلم عن صلاة عيد الأضحى.

        صلاة عيد الأضحى سنة مؤكدة وقيل فرض كفاية وهى ركعتان كركعتى صلاة عيد الفطر يكبر ندبا فى الأولى بعد دعاء الافتتاح وقبل التعوذ سبع تكبيرات ويكبر فى الثانية بعد تكبيرة القيام وقبل قراءة الفاتحة خمس تكبيرات يرفع يديه فى جميع التكبيرات حذو منكبيه ويقرأ بعد الفاتحة فى الركعة الأولى سورة ق وفى الثانية سورة القمر. ووقتها من شروق شمس يوم العيد إلى ما قبل دخول وقت الظهر ويسن تأخيرها عن الشروق إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح أى بعد نحو ثلث ساعة من الشروق. ويسن أن تصلى جماعة ولا يؤذن لها ولا يقام بل ينادى لها الصلاة جامعة. وتسن خطبتان بعد الصلاة كخطبتى الجمعة فى الأركان والسنن ولا يشترط القيام فيهما ولا الجلوس بينهما بل يستحب إلا أنه يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع تكبيرات. ويسن الكلام عن أحكام الأضحية أثناء الخطبة. ويستحب للمسلم أن يغتسل ليوم العيد بعد الفجر وأن يلبس لباسا حسنا نظيفا وأن يتطيب وأن يبكر للصلاة وأن يخرج إليها ماشيا وأن يمسك عن الأكل إلى أن يصلى.

 

تكلم عن الأضحية.

        الأضحية سنة مؤكدة وهى سنة على الكفاية إذا فعلها واحد من أهل البيت كفى عن الجميع وإن تركوها كره لهم قال رسول الله ﷺ أمرت بالنحر وهو سنة لكم. والأضحية هى ما يذبح من الإبل أو البقر أو الغنم يوم عيد الأضحى وأيام التشريق ويدخل وقتها بعد دخول وقت صلاة العيد بقدر ركعتين وخطبتين ويخرج وقتها بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق التى تلى يوم العيد. والرجل له أن يذبح عن نفسه وعن زوجته وأولاده الذين هم دون البلوغ ولو شاة واحدة وإذا أراد أن يذبح عن ولده البالغ فيشترط أن يستأذنه ويذبح شاة أخرى. ويجزئ فى الأضحية جذع من الضأن أى الغنم والثنية من المعز والبقر والإبل. والجذع من الضأن هو الذى استكمل سنة والثنى من المعز هو الذى استكمل سنتين والثنى من البقر هو الذى استكمل سنتين ودخل فى الثالثة والثنى من الإبل هو الذى استكمل خمس سنين. وتجزئ الشاة عن واحد والبدنة من الإبل عن سبعة والبقرة عن سبعة يشتركون فيها. ويستحب للرجل أن يذبح بنفسه ويستحب للمرأة أن توكل رجلا يذبح عنها. ويسن للذابح أن ينوى أنه يذبح عن نفسه أو عن غيره تقربا إلى الله ويسن فى البقر والغنم الذبح مضجعة على جنبها الأيسر وأن يستقبل بها القبلة ويستحب أن يسمى الله عند الذبح ويكبر ويصلى على النبى ﷺ فيقول بسم الله والله أكبر وصلى الله على رسوله محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم اللهم منك وإليك فتقبل منى أو تقبل من فلان صاحبها إن كان يذبح عن غيره ويستحب أن يحضر صاحبها عند الذبح. ويأكل المضحى ثلث الأضحية ويهدى الثلث ويتصدق بالثلث ومحل التضحية حيث يكون المضحى. ولا يجوز بيع شىء من الأضحية ولا إعطاء شىء منها أجرة للجزار. ويستحب لمن أراد أن يضحى ودخل عليه العشر من ذى الحجة أن يمسك عن قص ظفره وإزالة شعره إلى أن يذبح.

 

 

خاتمة في زيارة قبر رسول الله ﷺ

 

تسن زيارة قبر الرسول ﷺ بالإجماع أي إجماع أئمة الاجتهاد الأربعة وغيرهم للمقيم بالمدينة ولأهل الآفاق القاصدين بسفرهم زيارة قبره الشريف. وهي من القرب العظيمة فمن خص مشروعية زيارة قبره لغير القاصد بالسفر وحرم السفر لزيارة قبره ﷺ فلا يجوز العمل بكلامه بل يجب نبذه والإعراض عنه. (ويحسن أن تكون الزيارة بعد صلاة ركعتي تحية المسجد، وتحصل بالسلام عليه ﷺ عند قبره الشريف، والأدب في ذلك أن يقابل الزائر الجدار متنحيا نحو أربعة أذرع غاضا طرفه ممتلىء القلب بالإجلال لرسول الله ﷺ فيقول بصوت متوسط: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين، السلام عليك يا خير الخلق أجمعين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى ءالك وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك الطيبين الطاهرين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

   ولا ينبغي أن يخلي موقفه ذلك من الصلاة عليه ﷺ، ومن اقتصر على قوله (السلام عليك يا رسول الله) ثم تنحى إلى اليمين مقدار ذراع فسلم على الصديق رضي الله عنه، ثم تنحى قدر ذلك وسلم على الفاروق رضي الله عنه، ثم عاد إلى موقفه الأول فقد أدى السلام كما ينبغي، ثم يتوسل بالمصطفى في نفسه ويتشفع به إلى ربه، ثم يستقبل القبلة ويدعو لنفسه ولمن شاء، وإن أوصاه أحد بالسلام فليقل السلام عليك يا رسول الله من فلان أو يقول فلان يسلم عليك يا رسول الله) وقد روى الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال (ليهبطن عيسى ابن مريم حكما مقسطا وليسلكن فجا حاجا أو معتمرا وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه) صححه الحاكم ووافقه الذهبي ورواه أبو داود الطيالسي بلفظ (وليسلكن فج الروحاء) (قال الرسول ﷺ “وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه“، ما قال “وليأتين مسجدي” كما يقول بعضهم أنه شرط أن يقصد الرجل من بلده إلى المدينة الصلاة في مسجد الرسول مدعيا أنه لا يجوز أن ينوي زيارة قبر الرسول، فمن أين أتى بهٰذا الشرع؟ هٰذا الحديث صححه الحاكم نفسه، والحديث الصحيح أعلى مراتب الحديث. يقال لهم: كيف تقولون لا يجوز السفر لزيارة الرسول ﷺ؟ هٰذا الحديث حجة عليكم، ثم هٰذا الحديث أيضا فيه دليل على أن الرسول ﷺ يسمع من يسلم عليه عند قبره، وفيه دليل على أن الميت يعمل بعض الأعمال، أليس الرسول ﷺ يرد السلام على عيسى؟ هٰذا عمل). وليس للمانعين من السفر لزيارة قبره ﷺ متمسك في حديث (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا) واستدلالهم بهٰذا الحديث لتحريم السفر لزيارة قبر النبي ﷺ جوابه أن أحدا من السلف لم يفهم ما فهمه هٰؤلاء، بل زيارة قبر الرسول ﷺ سنة سواء كانت بسفر أو بغير سفر كسكان المدينة، والحنابلة قد نصوا كغيرهم على كون زيارة قبر النبي سنة سواء قصدت بالسفر لأجلها أو لم تقصد بالسفر لأجلها) لأن هذا الحديث مخصوص بالمساجد أي لا مزية في السفر إلى مسجد للصلاة فيه إلا في السفر إلى أحد هذه المساجد الثلاثة لأن تلك المضاعفة إلى مائة ألف وألف وخمسمائة خاصة بها فمن سافر للصلاة إلى أحدها حصل على المضاعفة التي لا تحصل في مسجد بلده فلا مزية في السفر إلى مسجد غيرها (المعنى أن الصلاة في المدينة بخمسمائة ألف صلاة، وفي المسجد الحرام مع ضربها بألف، فتكون المضاعفة بلغت خمسين ألف مليون. فمضاعفة الثواب تحصل لمن صلى في جميع الحرم الذي حدده إبراهيم عليه السلام، وهو مساحة واسعة) كما يؤخذ ذلك من رواية الإمام أحمد في مسنده من طريق شهر بن حوشب أنه قال ذكرت عند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الصلاة في الطور (أي جبل الطور، طور سيناء) فقال أبو سعيد إني سمعت رسول الله ﷺ يقول (لا ينبغي للمطي أن تعمل إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي) فبهذا الحديث يفسر حديث (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) (ورواية الإمام أحمد بن حنبل أوضحت معنى الحديث الذي في الصحيح “لا تشد الرحال”، وهو أن السفر لغير هٰذه المساجد الثلاثة لا فائدة فيه، لماذا؟ لأنه ليس هناك تلك المضاعفة التي تكون في المسجد الحرام، والتي تكون في المسجد الأقصى، والتي تكون في مسجد الرسول ﷺ) لا بقول ابن تيمية فإنه احتج بهذا الحديث على تحريم السفر لزيارة قبر النبي ﷺ، قال الحافظ ابن حجر (وهذا من أبشع المسائل المنقولة عنه) أي ابن تيمية. وخير ما يفسر به الحديث الحديث قال الحافظ العراقي في ألفيته من الرجز

(وخير ما فسرته بالوارد) (أي أحسن ما يفسر به الحديث الوارد هو الحديث الوارد)

(وأما قول مالك (أكره أن يقول زرت قبر النبي) فقد حمله أصحابه أي أهل مذهبه على أنه كره هذا اللفظ أدبا، فلا حجة فيه لابن تيمية لأن مالكا رأى أن قول الزائر زرت النبي أولى بالأدب من أن يقول زرت قبر النبي ﷺ وهذا توجيه وجيه .

فائدة: حديث “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد“، الحديث ظاهره على أي شيء يحمل؟ إما أن يقال هو عام، وإما أن يقال هو مخصوص. إذا قلنا هو عام في كل شيء، معناه لا تشد الرحال إلى أي مكان بالمرة إلا إلى هٰذه الثلاثة مساجد، وليس هٰذا هو مراد الرسول ﷺ، فالصحابة كانوا يسافرون، والناس الآن يسافرون للتجارة وللزيارة، ولا أحد يعترض عليهم، حتى هٰؤلاء المشبهة لا يعترضون عليهم ولا يقولون إن هٰذا حرام، فإذا هٰذا الحديث ليس عاما بل هو مخصوص، فإن “إلا” هٰذه أداة استثناء إلى ثلاثة مساجد، والمعنى لا مزية في السفر لقصد مسجد للصلاة فيه إلا إلى هٰذه المساجد الثلاثة، فإن الصلاة في هٰذه المساجد الثلاثة أجرها مضاعف، هٰذا معنى الحديث.

   ويسن للحاج شرب ماء زمزم وأن يتضلع منه أي يمتلىء منه شبعا وريا وأن يستقبل القبلة عند شربه وقد روى البخاري أن رسول الله ﷺ قال (لولا أن هاجر زمزمت بيدها لكان عينا معينا)  أخرجه البخاري في صحيحه.

   ومن أراد شرب ماء زمزم فليقل عند شربه اللهم إنه بلغني أن نبيك ﷺ قال (ماء زمزم لما شرب له) وإني أشربه مستشفيا به فاشفني واغفر لي اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء ونحو ذلك من الدعاء بالخير.

 

ما الرد على ابن تيمية فى استدلاله بحديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا لتحريم زيارة قبر النبى ﷺ.

        اعلم أن زيارة قبر النبى ﷺ سنة بالإجماع لقوله ﷺ من زار قبرى وجبت له شفاعتى رواه الدارقطنى وقواه الحافظ السبكى، أى من زاره لله وهو على عقيدة صحيحة بشرى له أن يموت على الإيمان وينال شفاعة الرسول ﷺ إن كان مذنبا. ولا عبرة باستدلال ابن تيمية بحديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا لتحريم زيارة قبره الشريف ﷺ لأن الحديث يتكلم عن مزية هذه المساجد الثلاث ولا يتكلم عن زيارة قبر النبى ﷺ فهذه المساجد الثلاث لها مزية على غيرها من مساجد الدنيا وهى أن ثواب الصلاة يضاعف فيها، فى المسجد الحرام إلى مائة ألف وفى المسجد النبوى إلى ألف وفى المسجد الأقصى إلى خمسمائة بخلاف غيرها من المساجد. ولم يرد النبى ﷺ بقوله لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مطلق السفر أى السفر لطلب العلم أو لصلة الرحم أو لتجارة أو نزهة أو غير ذلك. ولفظ إلا فى هذا الحديث أداة استثناء والمستثنى منه شىء مقدر تقديره مسجد لأن المستثنى هنا من جنس المستثنى منه ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد فى مسنده أن رسول الله ﷺ قال لا ينبغى للمطى أن تعمل إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى. والمطى جمع مطية والمطية ما يركب من الدواب ويمتطى كالبعير والمعنى لا ينبغى للدابة أن تسير إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة إلا إلى هذه المساجد الثلاثة. والمستثنى منه فى هذا الحديث ظاهر أما فى الحديث الأول فمقدر وبهذا الحديث يفسر حديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد لا بقول ابن تيمية فإنه احتج بهذا الحديث على تحريم السفر لزيارة قبر النبى ﷺ. قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى وهى من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/GSp1MVeS4tc

للاستماع إلى الدرس:  https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-27