#26
قال المؤلف رحمه الله: )والركن( السادس الترتيب في معظم الأركان )فيجب تقديم الإحرام على الكل وتأخير الطواف والحلق أو التقصير عن الوقوف في عرفة أما السعي فيجوز فعله قبل طواف الفرض إذا كان الحاج طاف طواف القدوم ويجوز تأخيره إلى ما بعد طواف الفرض(
الشرح إنما قيل الترتيب في معظم الأركان لأنه لا بد من تقديم الإحرام (أي نية الحج) على الكل و (يشترط) تأخير الطواف (أي طواف الإفاضة) والحلق أو التقصير عن الوقوف (في عرفة، لأنه لا يكون إلا بعد منتصف ليلة العيد). أما السعي فيجوز فعله قبل طواف الفرض إن كان طاف طواف القدوم (أي إذا سعى الشخص بعد طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة، يكون سعيه صحيحا) ويجوز تأخيره إلى ما بعد طواف الفرض.
فائدة: اعلم رحمك الله أنه يوجد في الحج تحللان. تحلل أول، وهو الإتيان باثنين من ثلاثة أعمال: طواف الإفاضة المتبوع بسعي إن لم يكن قد سعى قبل ذلك، ورمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، ويدخل وقت هذه الأعمال الثلاثة بعد منتصف ليلة العيد، ويحل بالتحلل الأول كل ما حرم على المحرم سوى أمور النساء. وتحلل ثان، ويحصل بالإتيان بالأعمال الثلاثة، ويحل للمحرم بذلك كل ما حرم عليه بالإحرام، حتى الجماع، ولو لم يكن قد أتم رمي الجمرات كلها بعد. أما العمرة، فليس لها إلا تحلل واحد، لأن الحج يطول زمنه وتكثر أعماله، فأبيح بعض محرماته في وقت، وبعضها في وقت آخر، بخلاف العمرة)
قال المؤلف رحمه الله: (وهي) أي الأركان المذكورة (إلا الوقوف) بعرفة (أركان للعمرة) فيعلم من ذلك أن أركان العمرة خمسة وهي الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير والترتيب.
الشرح هذه الستة التي هي أركان الحج هي أركان العمرة إلا الوقوف بعرفة فليس من أركان العمرة بل ولا يشرع للعمرة الوقوف بعرفة، فإذا تلخص أن أركان العمرة خمسة الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير والترتيب، فالترتيب هنا واجب في جميع أركان العمرة بخلاف الحج ويكون بالابتداء بالإحرام ثم الطواف ثم السعي ثم الحلق أو التقصير.
ثم كل أركان الحج والعمرة تصح مع الحدث ومع النجاسة إلا الطواف فهو فقط لا يجوز مع الحدث أي انتقاض الوضوء ولا مع الجنابة ولا مع الحيض ولا مع النفاس وكذلك لا يصح مع النجس.
قال المؤلف رحمه الله: (ولهذه الأركان فروض وشروط لا بد) للحاج والمعتمر (من مراعاتها) حتى يكون عمله صحيحا (و) من ذلك أنه (يشترط للطواف قطع مسافة) حددها الشرع (وهي) أن يطوف (من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود سبع مرات ومن شروطه ستر العورة والطهارة) عن الحدثين كما في الصلاة (وأن يجعل الكعبة عن يساره) عند طوافه (لا يستقبلها ولا يستدبرها) بل يمشي إلى الأمام.
فائدة: لو أن شخصا دفع بحيث صار صدره إلى الكعبة أو ظهره، فلا يؤثر ذلك عند أبي حنيفة على صحة الطواف.
تنبيه: السعي بين الصفا والمروة هو ركن أساسي من أركان الحج والعمرة، ويشترط لصحته أن يكون ضمن الحدود الشرعية التي حددها رسول الله ﷺ. فـــــ) لا يصح السعي في المسعى الجديد الذي يخرج عن الحدود (الشرعية) التي حدها رسول الله ﷺ للسعي قال النووي في باب صفة الحج والعمرة من كتاب الحج من المجموع فرع قال الشافعي والأصحاب لا يجوز السعي في غير موضع السعي فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف اهـ.
الشرح أن لكل من الأركان فروضا ككون الطوفات سبعة أشواط (أي على اليقين يبتدئ من الحجر الأسود وينتهي عند الحجر الأسود) ويشترط لها (أي لهذه الطوفات) شروط كالستر (أي ستر العورة وهو بالنسبة للرجل: ما بين السرة والركبة وبالنسبة للمرأة تستر كل جسمها ما عدا الوجه والكفين) والطهارة من الحدثين (الأصغر والأكبر) والنجاسة (في الثوب والبدن) وكون الطواف في المسجد فلا بد من مراعاتها لأنه لا يصح النسك إن فقد شىء منها. (فلو أحدث بعدما طاف شوطا أو شوطين يتوضأ ثم يعود فيكمل وكذلك إذا انكشفت عورته في أثناء الطواف يعيد الستر ويكمل من حيث انكشفت عورته)
والفرق بين الفرض والشرط أن الفرض ما كان جزءا من النسك تتوقف عليه صحة النسك وأما الشرط فهو ما ليس جزءا من النسك لكن تتوقف صحة النسك عليه.
ثم بعد أن أنهى الكلام على أركان الحج والعمرة شرع في الكلام على محرمات الإحرام فقال رحمه الله (وحرم على من أحرم) بحج أو عمرة ثمانية أشياء وكل هذه من الصغائر إلا الجماع المفسد للحج وقتل الصيد فهما من الكبائر، الأول (طيب) أي استعمال ما تقصد منه رائحته غالبا أي ما يقصد لأجل رائحته في الغالب كالمسك في ملبوس أو بدن سواء كان ذكرا أم أنثى وفيه فدية.
الشرح مما يحرم بالإحرام على من أحرم بحج أو عمرة ثمانية أشياء، وكل هذه من الصغائر إلا الجماع المفسد للحج (وهو الجماع قبل التحلل الأول، أما بعد التحلل الأول فهو حرام، ولكن لا يفسد الحج) وقتل الصيد فهما من الكبائر، وإنما حرمت هذه الأشياء على المحرم لحكم بعضها معلوم لنا وبعضها غير معلوم لنا.
الأول من الثمانية الطيب أي يحرم على المحرم بالحج أو العمرة أو إحراما مطلقا التطيب في ملبوس أو بدن ولو لأخشم (وهو الذي لا يشم. ولا أن يأكل ما فيه طيب، كماء الورد، إن كان ريحه ظاهرا). وتجب الفدية بالتطيب في بدنه أو ملبوسه قصدا بما تقصد منه رائحته غالبا كالمسك والعود والورد ودهنه والورس (وهو نبات يستخدم لصبغ الثياب ذو رائحة طيبة) لا ما يقصد به الأكل أو التداوي وإن كان له رائحة طيبة كالتفاح، وحرمة ذلك بشرط القصد والاختيار (أي تعمد الفعل بإرادته) والعلم بالتحريم وهذه الثلاثة شرط في سائر محرمات الإحرام. والتطيب بالورد أن يشمه مع اتصاله بأنفه، والتطيب بمائه أن يمسه كالعادة بأن يصبه على بدنه أو ملبوسه فلا يكفي شمه (وإن حمل مسكا ونحوه في خرقة مشدودة لم يضر) ولا فدية على المتطيب الناسي للإحرام والمكره على التطيب والجاهل بالتحريم. أما قبل الإحرام فقد مر ذكر سنية التطيب للإحرام وذلك لقول عائشة رضي الله عنها (كنت أطيب رسول الله ﷺ لإحرامه (أي قبل الإحرام) ولحله) وهذا للنسك (لكن هذا الاستحباب في البدن، ليس في الثوب).
تنبيه التطيب للمرأة عند الخروج من البيت مكروه تنزيها وليس بحرام إلا أن قصدت التعرض للرجال (أي قصدت أن تفتن الرجال كأن قصدت أن تثير شهوتهم) فيحرم وقد ورد في ذلك حديث صحيح وهو قوله ﷺ (أيما امرأة خرجت من بيتها متعطرة فمرت بقوم ليجدوا ريحها (أي بقصد أن يجدوا ريحها) فهي زانية) (أي وقعت في مقدمة من مقدمات الزنا) رواه ابن حبان فقوله ﷺ (ليجدوا ريحها) بيان منه أنه لا يحرم على المرأة خروجها متطيبة إلا إذا كان قصدها ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: (و) الثاني من محرمات الإحرام (دهن رأس ولحية) للمحرم (بزيت) أي بزيت الزيتون أو دهن أو سمن أو زبد (أو شحم أو شمع عسل ذائبين) وأما استخدامه فيما سوى ذلك كالأكل فلا يحرم ما لم يكن مطيبا
الشرح الثاني من محرمات الإحرام دهن الرأس واللحية بما يسمى دهنا ولو غير مطيب (أي ولو لم يكن فيه طيب) سواء كان بالزيت (والزيت يطلق على زيت الزيتون، أما الأشياء الأخرى التي نسميها نحن “زيتا”، فتسمى في لغة العرب “أدهانا”، ويقال “دهن”. فالزيت عند العرب هو زيت الزيتون أما الزيت النباتي فيقال له “دهن” من حيث لغة العرب) أو السمن أو الزبدة أو بشحم أو شمع عسل ذائبين أما غير ذلك كاستعمال الدهن غير المطيب في غير شعر الرأس واللحية أو أكله فلا يحرم (يعني إذا لم يكن المحرم قد استعمل هذا الزيت أو هذا الشحم أو هذا السمن في دهن الرأس أو اللحية، وإنما استعمله في دهن شيء آخر من جسده، فليس حراما. وكذلك إن أكله، فليس حراما. فالمحرم إذا أكل الزيت، أو الشحم، أو السمن، فهذا جائز وليس حراما. وكذلك لو دهن المحرم أو دهنت المحرمة بدهن آخر غير مطيب، كـالفازلين ونحوه، فإنه يجوز).
قال المؤلف رحمه الله: (و) الثالث من محرمات الإحرام (إزالة ظفر) سواء كان بالكسر أو القص من يد أو رجل. أما إزالة الظفر المنكسر ليس فيه معصية ولا فدية سواء كان انكسر كله أو بعضه إن كان يتأذى بباقيه (و) من محرمات الإحرام كذلك إزالة (شعر) من رأسه أو غيره.
الشرح الثالث من محرمات الإحرام إزالة الظفر (أثناء الإحرام وقبل التحلل الأول) لكنه لا يحرم إزالة الظفر المنكسر. ليس فيه معصية ولا فدية سواء كان انكسر كله أو بعضه إن كان يتأذى بباقيه (فيجوز له إزالته أما إن كان لا يتأذى به، فلا يزيله)، ووجوب الفدية فيما لو أزاله بدون المنبت أما لو أزاله مع المنبت (أي مع أصله) فليس عليه فدية لكنه يحرم إن كان فيه إضرار بنفسه.
ثم إنما تجب الفدية على من انتتف شىء من شعر رأسه أو غيره إن علم أنه انتتف بفعله (إن كان نتفا أو قصا، فلا يجوز، ويشمل ذلك كل شعر الجسم) أما إن شك هل انتتف بفعله أم كان منتتفا قبلا فسقط مع المشط فليس عليه فدية
مسألة: إن تعمد نتف الشعر، فعليه معصية وفدية. أما إذا فعل فعلا متعمدا، فاعتقد أن الشعر انتتف بفعله، ولو لم يقصد هو بهذا الفعل الذي تعمده أن ينتف الشعر، يكون عليه فدية، ولكن ليس عليه معصية، لأنه ما قصد ذلك. ويجوز للمحرم أن يغسل شعره بنحو سدر أو صابون غير مطيب والأولى ترك ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: (و) الرابع من محرمات الإحرام (جماع) في قبل أو دبر (ومقدماته) أي ومقدمات الجماع من تقبيل بشهوة ونظر بشهوة ولمس بشهوة ولو بحائل.
الشرح الرابع من محرمات الإحرام الجماع في قبل أو دبر ولو لبهيمة. ويحرم على غير المحرمة تمكين زوجها المحرم من الجماع أو من مقدماته (كأن يمسكها بشهوة، أما لو أمسكها بدون شهوة أو قبلها بدون شهوة، فيجوز)، وكذلك يحرم على الحلال أي الرجل الذي هو غير محرم وطء حليلته المحرمة.
وأما المقدمات (أي مقدمات الجماع) كالقبلة والنظر واللمس والمعانقة بشهوة ولو بحائل فهي محرمة على المحرم ويأثم وعليه فيها دم وإن لم ينزل المني (أي عليه فدية وهي ذبح خروف في الحرم، ويوزع على فقراء الحرم. يملك لثلاثة فقراء على الأقل، موجودين في الحرم، ولا يكون نسبهم إلى رسول الله ﷺ) إلا النظر والقبلة فلا فدية فيهما (ولكن فيهما معصية). والشهوة (أي التلذذ و) اشتياق النفس إلى تلك المحرمات (وميلها إليها).
قال المؤلف رحمه الله: (و) الخامس من محرمات الإحرام (عقد النكاح) له أو لغيره كبنته، ولا يصح. وليس فيه فدية، لأنه كالعدم.
الشرح الخامس من محرمات الإحرام عقد النكاح بنفسه أو وكيله ولا يصح ذلك، فلو عقد المحرم نكاحا له (أي لنفسه) أو لغيره كموليته أو وكل شخصا بأن يعقد كان ذلك حراما ولا ينعقد ذلك النكاح ولا يثبت (فإذا عقد شخص على امرأة أثناء الإحرام، لم يصح العقد، وعليه معصية، وليس فيه فدية، لأنه ما وقع العقد بشكل صحيح. وكذلك يحرم على المحرم أن يكون وكيلا في تزويج غيره. وهذا الحكم يتعلق بالمحرم سواء كان حاجا أو معتمرا)
قال المؤلف رحمه الله: (و) السادس من محرمات الإحرام (صيد مأكول بري وحشي) أي التعرض له ولو بشراء حتى إنه لا يجوز له أن يروعه أو ينفره ولا يتعرض لبيضه ولا لحليبه ولا لريشه فإذا كان عنده شىء منه في قفص مثلا إما أن يطلقه أو يعطيه لغيره لا يتركه تحت قبضته وهو محرم بخلاف غير المأكول كالسباع والحيات والعقارب والبحري كالسمك وغيره من حيوانات البحر والإنسي كـالدجاج، والأنعام كالإبل والبقر والغنم.
الشرح السادس من محرمات الإحرام الاصطياد أي التعرض لصيد مأكول بري وحشي (كأن يحبسه، أو يلقطه، أو يربطه، أو يضعه في قفص، أو يقتله. كالحمام والغزال ونحو ذلك، سواء كان في بلده أو في الحرم، والمقصود بذلك كل صيد البر، لا صيد البحر. أما ذبح غير الصيد فيجوز للمحرم كالبقر، والماعز، والضأن، والدجاجة. فإذا يحرم على المحرم التعرض لصيد مأكول بري وحشي) والمتولد منه ولو مع غير المأكول (كولد الضبع من الذئب، فهذا يتولد من مأكول وغيره، والضبع مأكول).
ولا يحرم على المحرم بحج أو عمرة اصطياد غير المأكول والمتولد منه (كذئب وأسد هجما عليه)، كذلك لا يحرم اصطياد كل حيوان مؤذ طبعا أي الذي هو من طبيعته الإيذاء بل يندب قتله كالفأرة والعقرب والحية والحدأة (وهو طير يشبه الصقر من عادته أنه ينقض على حامل اللحم من الجو فيخطفه من يده وقد يجرحه) والكلب العقور (ويدخل في ذلك الأسد والنمر وما أشبههما من السباع المفترسة. هذه الأشياء الرسول ﷺ رخص في قتلها في الحل والحرم أي في حال الإحرام وفي غير حال الإحرام وفي قتلها ثواب). أما الشىء الذي فيه نفع وفيه ضرر كالفهد هذا لا يسن قتله ولا يكره. أما الحيوان الذي لا يظهر منه نفع ولا ضرر كالسرطان فقتله مكروه. (ويحرم قتل النحل والنمل السليماني وهو أحمر كبير لا يؤذي فقد نهى الرسول ﷺ عن قتل أربعة أشياء النملة والنحلة والهدهد والصرد. أخرجه أبو داود في سننه. والصرد طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير ليس من الصقور، هؤلاء الأربعة قتلهن لا يجوز لكن النحلة إذا هي توجهت إليك للأذى يجوز دفعها عنك ولو قتلت في سبيل الدفع. أما النمل الأحمر الكبير فسموه السليماني لأن ذلك الصنف هو الذي قال في سليمان ﴿يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾ أما النمل الصغير فيجوز قتله لأنه مؤذ) وكذلك لا يحرم على المحرم التعرض للحيوان المأكول البحري وهو ما لا يعيش في غير الماء ولو نحو بئر ولو كان في الحرم.
(فائدة: لا تتشكل الملائكة بأشكال تلك البهائم التي يسن قتلها، كالفأرة والثعبان ونحوهما)
وكما يحرم التعرض له أي للمأكول البري الوحشي يحرم التعرض لنحو بيضه ولبنه وسائر أجزائه كشعره وريشه. وإذا أتلف الحيوان يدفع المثل إن كان له مثل (من النعم، أي من الإبل، أو البقر، أو الغنم. مثلا البقر الوحشي مثله البقرة الأهلية. والغزال مثله الكبش. والكبش هو فحل الضأن) فمن قتل نعامة يدفع مثلها أي ما يشبهها من الأنعام الثلاثة الإبل والبقر والغنم فمثل النعامة من بين هؤلاء الثلاثة الإبل فيذبحه ويدفعه لثلاثة من فقراء الحرم فأكثر ثم هم إن شاؤوا يأكلونه وإن شاؤوا يبيعونه وينتفعون بالثمن. والضبع مأكول فمن قتله وهو محرم يدفع كبشا لأنه مثله من الأنعام.
قال المؤلف رحمه الله: (و) السابع من محرمات الإحرام أنه يحرم (على الرجل) المحرم (ستر رأسه) بما يعد ساترا عرفا كقلنسوة أما سقف السيارة مثلا فلا يعد ساترا فهو ليس ملبوسا إنما المراد ما يعد في العرف ساترا (و) يحرم عليه (لبس محيط) للبدن كله أو بعضه (بخياطة) أي ما تحصل به الإحاطة بسبب خياطة كقميص (أو لبد) وهو مثل الخياطة يجمع قطعا قطعا حتى يصير قطعة واحدة يأتون بصوف ويضغطوه فيصير قلنسوة مثلا كالشاشية التونسية (أو نحوه) مسألة: إن نسي أنه محرم فلبس السروال فلا فدية عليه.
الشرح السابع من محرمات الإحرام على الرجل المحرم بالحج أو العمرة أو إحراما مطلقا إن كان عامدا عالما بحرمته مختارا (غير مكره) ستر شىء من رأسه (ولو بالمنشفة، أو نحو القلنسوة) وإن قل (أي لو لم يستر كل رأسه، بل ستر جزءا منه، فهو أيضا حرام ولا يجوز) كالبياض المحاذي لأعلى الأذن لا المحاذي لشحمة الأذن بما يعد ساترا عرفا بخلاف نحو خيط دقيق وما كان قريبا منه. ولا يحرم على المحرم وضع يده على رأسه (وكذلك حمل المظلة (الشمسية) فوق الرأس، أو التظلل بنحو خيمة، دون أن تلصق برأسه، فلا يؤثر) ومما يحرم على المحرم (الرجل) لبس محيط بخياطة أو لبد أو نحوه أي ما يحيط بالبدن كله أو بعضه بذلك ويجوز له أن يربط خيطا على إزاره وأن يعقد هذا الخيط على الإزار. (وأما استعمال ما عرف بالدبوس الإفرنجي في الرداء أو لربط الإزار للرجل المحرم واستعمال ما يسمى أزرار الكبسون فحرام عند الشافعي)
قال المؤلف رحمه الله: (و) الثامن من محرمات الإحرام أنه يحرم (على) المرأة (المحرمة ستر وجهها) بما يعد ساترا (وقفاز) أي لبسه وهو شىء يعمل للكف والأصابع ليقيها من البرد.
الشرح الثامن من محرمات الإحرام أنه يحرم على المرأة المحرمة أن تغطي وجهها بما يعد ساترا (ملاصقا لوجهها. فلا يجوز للمحرمة أن تغطي وجهها بالمنشفة لتنشيفه، ولكن يجوز لها أن تضع كفيها على وجهها في الوضوء، لأن ذلك لا يعد ساترا) لا بقية بدنها بل يجب فيما عدا الكفين ستره ولو بمحيط لكن لا يحرم أن تستر وجهها في حال الإحرام بثوب متجاف عن الوجه (أي لا يلتصق به) بنحو خشبة أي بحيث يمنع لصوق الساتر بالوجه ولو بلا حاجة (كما يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس النظارات فإنه لا يسمى سترا للوجه) كما يجوز ستر رأس الرجل بالمظلة، وكانت أزواج الرسول ﷺ في سفر الحج إذا حاذين الركب أي الرجال يسترن مع المجافاة أي من غير أن يلصق هذا الساتر بالوجه لأن ستر الوجه بالنسبة لهن فرض على الدوام بحضرة الأجانب (والحضرة هنا معناها المكان الذي فيه أجانب)، أما على غيرهن (من النساء) فليس فرضا إنما الفرض ستر الرأس.
أمهات المؤمنين رضي الله عنهن لهن أحكام خصهن الله بها دون سائر المؤمنات فلا يقاس غيرهن عليهن فيها وبعض من ادعى العلم أراد أن يجعل نساء المؤمنين جميعهن كأزواج الرسول ﷺ في وجوب تغطية الوجه بعد نزول ءاية الحجاب، وهذا غاب عنه أن هذا الحكم خاص بأزواج الرسول ﷺ كما قاله أبو داود في سننه فلا يقال إنه يجب على كل مسلمة تغطية الوجه (إنما المسلمة الحرة إذا غطت وجهها، فلها ثواب، ويستحب لها ذلك). الرسول ﷺ في حجة الوداع التي ما عاش بعدها إلا نحو ثمانين يوما جاءته امرأة يوم العيد وكانت شابة جميلة فجعلت تسأله عن مسألة في الحج قالت يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج وهو شيخ كبير (أي في السن) لا يثبت على الراحلة (أي عند المسير، وهذا من ضعف بدنه وكبر سنه) أفأحج عنه قال (نعم) ما قال لها غطي وجهك أنت شابة جميلة لا يجوز لك (وكان خلف الرسول ﷺ ابن عمه، وكان شابا جميلا، فصارت تنظر إليه، وهو ينظر إليها فصرف الرسول ﷺ عنق ابن عمه إلى الشق الآخر فقال العباس للرسول ﷺ “لم لويت عنق ابن عمك إلى الشق الآخر؟” فقال ﷺ “شاب وشابة، خشيت عليهما الشيطان“)، وهذا بعد نزول ءاية الحجاب بنحو خمس سنوات فليس لقائل أن يقول ما كان نزل الأمر بالحجاب بعد فلذلك ما أمرها بستر وجهها. هؤلاء الناس الذين يتشددون في غير محل التشدد فيحرمون ما لم يحرم الله ويفرضون ما لم يفرض الله على خلقه لا تحمد عاقبة أمرهم.
قال بعض الأئمة المالكيين كالقاضي عياض وغيره (للمرأة كشف وجهها إجماعا وعلى الرجال غض البصر). وقد نقل ابن حجر الهيتمي كلام القاضي وأقره في حاشيته على إيضاح النووي. وأما استحباب ستر الوجه من غير وجوب فمحل اتفاق (يعني بالإجماع، يستحب للمرأة أن تستر وجهها، من غير أن يكون ذلك واجبا عليها).
ومما يحرم على المرأة المحرمة لبس قفاز ولو في كف واحدة، والقفاز شىء يعمل للكف والأصابع يحشى بقطن وقد يكون له أزرار تزر على الساعد من أجل البرد، ولا يحرم عليها ستر الكف بغير القفاز ككمها وخرقة ولو عقدتها عليه. (ولا يحرم عليها وضع يدها في جيبها لتخرج المال مثلا. وأما من كانت جاهلة بحرمة ستر الوجه وسترت فليس عليها معصية ولا فدية، ولا يجوز للمرأة المحرمة وضع ما يسمونه بالكمامة التي تغطي الأنف والفم، أما الرجل فيجوز له، ولا يحرم على المحرمة أن تضع يدها على وجهها ولكن يحرم عليها أن تغطي وجهها بالمنشفة أو بالبطانية عند النوم مثلا وأما إن نشفت وجهها بطرف المنشفة بحيث لا يعد سترا فيجوز، ويجوز لها أن تضع كفيها على وجهها في الوضوء، ولا يجوز لها أن تلف خرقة عريضة على جبهتها أما الخيط الدقيق فيجوز.
ولو سترت المرأة وجهها أثناء لبسها لقميصها بقميصها فإن كان حصل بإرادتها فعليها فدية أما إن كان بدون إرادتها فليس عليها فدية، فإذا أرادت لبسه فلتضعه وهي تمسك أطرافه مجافية عن الوجه حتى يتجاوز وجهها بلا ستر له)
قال المؤلف رحمه الله: (فمن) كان محرما ثم (فعل شيئا من هذه المحرمات فعليه الإثم والفدية) إن كان قاصدا مختارا عالما بالتحريم.
الشرح في الفدية تفصيل فالفدية في الطيب والدهن ولبس المحيط وإزالة الشعر والأظفار ومقدمات الجماع كالتقبيل بشهوة وفي الجماع الذي لا يفسد الحج وهو ما بعد فعل اثنين من طواف فرض وحلق أو تقصير ورمي جمرة العقبة أي بعد التحلل الأول شاة أو التصدق بثلاثة ءاصع لستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام ويسمى هذا دم تخيير وتقدير (ومعنى التخيير أنه يجوز له العدول عنه إلى غيره مع القدرة عليه، ثم إن الدم قد يجب على سبيل التقدير بمعنى أن الشرع قدر البدل المعدول إليه. وهذا الدم في إزالة الظفر والشعر إنما هو في إزالة ثلاث شعرات متوالية) أما لو أزال شعرة واحدة أو ظفرا واحدا فعليه مد (من غالب قوت البلد، وهناك في الحجاز غالب قوت البلد الرز) وفي شعرتين أو ظفرين مدان، وفي ثلاثة فأكثر دم وأما فدية الصيد فإن كان هذا الصيد له مثل من الأنعام الثلاثة فعليه ذلك المثل مع تخييره بين ذبحه وتوزيعه لفقراء الحرم وبين إعطائهم طعاما بقيمته أو صومه عن كل مد يوما (فلو قتل مأكولا بريا وحشيا، كأن قتل نعامة مثلا، فعليه إبل، وهذه الإبل يذبحها ويوزعها على فقراء الحرم، أو يعطيهم بقيمتها طعاما، أو يصوم عن كل مد يوما. يقوم هذه الأمداد، ثم يصوم عن كل مد يوما، فإذا قومت بألف مد، يصوم ألف يوم)، ويسمى ذلك دم تخيير (لأنه يخير إما أن يذبحه، وإما أن يعطيهم بقيمته طعاما، وإما أن يصوم عن كل مد يوما، فهذا تخيير) وتعديل لأن فيه اعتبار القيمة. (ومعنى التعديل أنه أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة)
قال المؤلف رحمه الله: (ويزيد الجماع) على ما ذكر إن كان قبل التحلل الأول (بالإفساد) للنسك الذي هو فيه (ووجوب القضاء) أي إعادة ما أفسده (فورا أي في السنة القابلة وإتمام) النسك (الفاسد سواء كان حجا أو عمرة فمن أفسد حجه) مثلا (بالجماع يمضي فيه ولا يقطعه ثم يقضي في السنة القابلة) هذه الأحكام خاصة بالإفساد بالجماع قبل التحللين أي قبل فعل اثنين من الثلاثة المذكورة، وشرط ذلك أن يكون عالما بحرمة ذلك ومختارا أي غير مكره ومتعمدا أي غير ناس للإحرام فأما الجاهل بحرمة الجماع في الإحرام لكونه بعيدا من العلماء مثلا فلا يفسد حجه وأما مفسد العمرة فيمضي فيها حتى إذا أنهى أفعالها، شرع في القضاء بلا تأخير.
الشرح أن ثبوت فساد الحج ووجوب القضاء فورا (أي في العام القادم) ولزوم إتمام هذا النسك الفاسد (أي هذا الحج الذي أفسده يتمه، فمن أفسد حجه بالجماع يمضي فيه ولا يقطعه، ثم يقضي في السنة القابلة) هذه الأحكام خاصة بالإفساد بالجماع قبل التحللين (في الحج) أي قبل فعل اثنين من الثلاثة المذكورة، وشرط ذلك أن يكون عالما بحرمة ذلك (معناه إن لم يكن عالما بالتحريم فلا يفسد حجه) ومختارا أي غير مكره ومتعمدا أي غير ناس للإحرام فأما الجاهل بحرمة الجماع في الإحرام لكونه بعيدا من العلماء مثلا فلا يفسد حجه (وهذا الحكم أي وجوب القضاء فورا وإتمام الفاسد، يثبت ولو كان ذلك النسك تطوعا عن غيره. ولو كان حجه الذي أفسده بالجماع نفلا، فيجب عليه إتمامه والقضاء في السنة القابلة)، وهذا الحكم (حكم الإفساد بالجماع) يثبت ولو كان ذلك النسك تطوعا عن الغير. ولا فرق في وجوب القضاء على هذا المفسد بين الحر والعبد والبالغ والصغير (الصغير قد يحصل منه جماع قبل البلوغ، وهذا من المفسدات للحج ولكن ليس عليه معصية، وإذا بلغ وكان لم يأت بحج بدل الحج الذي أفسده، لزمه أن يأتي بحج. أما إن كان قد أتى به بعد أن أفسده وهو صبي، أجزأ ذلك وكفى. يعني بعد البلوغ لا يطالب بحج بدل ذاك. لا نتكلم عن حجة الإسلام). ولو أحرم بالحج عشر مرات وأفسد الجميع بما ذكر لم يلزمه إلا قضاء واحد عن الأول لكن تلزمه عشر كفارات (يعني لو أفسد حجه أول سنة بالجماع، ثم في السنة القابلة ذهب ليقضي فأفسد حجه بالجماع، صار في ذمته كفارتان، ثم في السنة الثالثة إذا ذهب ليقضي فأفسد حجه بالجماع، صار في ذمته ثلاث كفارات، وهكذا، فلو تكرر هذا منه عشر مرات، كان عليه عشر كفارات وقضاء واحد)، والكفارة هي بدنة أي ذبح إبل فبقرة فسبع شياه (جذعة الضأن) مما يصح للأضحية فإطعام بقيمة البدنة (أي بقيمة الجمل) أي توزيع الطعام مما هو غالب قوت أهل الحرم (وهو الرز الآن) فالصيام بعدد الأمداد فإن انكسر مد أكمله بصوم يوم، هذه الكفارة تلزمه لكل واحد من العشرة (أي لكل إفساد). فإن كان (حج) قارنا وأفسد نسكه (أي قرانه) بالجماع أحرم بالعمرة عقب النفر من منى (أي مغادرة منى بعد رمي الجمرات) فإنه يجب عليه الفور في قضائها (أي للعمرة، وأما الحج فيقضيه في السنة القابلة).
وبعد أن أنهى المؤلف رحمه الله رحمة واسعة الكلام على محرمات الإحرام شرع في الكلام على واجبات الحج ونعني بالواجب في باب الحج ما يجبر بدم ولا يفسد الحج بتركه فقال رحمه الله (ويجب) في الحج والعمرة (أن يحرم من الميقات والميقات هو الموضع الذي عينه رسول الله ﷺ ليحرم) مريد النسك (منه) وهو لغير أهل مكة خمسة أماكن وذلك (كالأرض التي تسمى ذا الحليفة) وهي المعروفة اليوم بآبار علي أو بأبيار علي فهي الميقات (لأهل المدينة) المنورة (ومن يمر بطريقهم) من غير أهلها.
الشرح هذا شروع في الواجبات وهي في باب الحج ما يجبر بدم ولا يفسد النسك بتركه وأما الركن فهو ما لا يصح الحج بدونه. واعلم أنه لا فرق بين الفرض والواجب في غير باب الحج عند الشافعية وغيرهم إلا الحنفية (عند الشافعية الركن والواجب مترادفان إلا في هذا الباب فقط، فالفرض ما لا توجد ماهية الحج إلا به، والواجب ما يجبر تركه بدم ولا يتوقف وجود الحج على فعله). وهي أي واجبات الحج أمور منها الإحرام من الميقات (ومعنى أن يحرم من الميقات أن لا يتجاوز الميقات أي المكان الذي عينه رسول الله ﷺ وهو يريد النسك للإحرام، ويجوز الإحرام قبل الوصول إلى الميقات فلو أحرم من بيته يجوز، لكن السنة أن يحرم من الميقات. فلو أحرم الشامي من الشام، يصح ذلك، لكن إن أحرم من الميقات الذي عينه رسول الله ﷺ يكون أحسن) فميقات من لم يكن بمكة خمسة أماكن (لأن من كان مقيما بمكة فميقاته مكة) ميقات أهل المدينة (أي ميقات المتوجه من المدينة المنورة) ومن يمر بطريقهم إلى مكة وهو ذو الحليفة (مكان قريب من المدينة، واليوم يسمونه “أبيار علي”) وبها اليوم مسجد كبير (وليس صحيحا أنها سميت “أبيار علي” لأن عليا قاتل الجن فيها، فهذا كذب)، وميقات أهل الشام (لبنان وسوريا والأردن وفلسطين) ومصر والمغرب (أي المتوجه من الشام ومصر والمغرب) ومن يمر بطريقهم وهو الجحفة (اسمها اليوم “رابغ”، وكل من يأتي من البحر فميقاته “رابغ”، وهي قرية كبيرة بين مكة والمدينة)، وميقات أهل نجد الحجاز ونجد اليمن (أي المتوجه من نجد الحجاز ونجد اليمن ميقاته مكان) وهو قرن الثعالب (ويقال له “قرن المنازل”) وهو على مرحلة من مكة، وميقات أهل تهامة اليمن ومن يمر بطريقهم وهو يلملم ويقال له ألملم، وميقات أهل العراق ومن يمر بطريقهم وهو ذات عرق (لقول عائشة رضي الله عنها “أن النبي ﷺ وقت لأهل العراق ذات عرق”، رواه أبو داود والنسائي). ولا يجوز مجاوزتها (أي مجاوزة هذه المواقيت) بلا إحرام (أي لمن أراد النسك). ولو مر من ميقات غير بلده لا يجوز له تأخير إحرامه إلى أن يأتي إلى ميقات بلده (بل يحرم من الميقات الذي يمر به). ومن جاوز أحد المواقيت إلى جهة مكة مريدا النسك ولو في العام القابل بلا إحرام (ثم يحرم بالنسك) وليس في نيته العود إليه قبل التلبس بالنسك عصى ووجب عليه الدم فإن عاد قبل التلبس بنسك كطواف القدوم سقط عنه الدم (يعني إذا أراد أن يتجاوز الميقات وليس في نيته الدخول في النسك الآن، فلا إثم عليه إن فعل. ثم حين أراد أن يدخل في النسك الذي كان يقصده من البداية، ولكن ليس في ذلك الوقت، فرجع إلى الميقات فأحرم منه، فما عليه إثم ولا فدية). أما من جاوز الميقات وهو غير مريد للنسك (أي ليس في نيته أن يفعل النسك كأن دخل بنية العمل أو الزيارة) ثم (بعدما تجاوز الميقات) بدا له أن يعمل النسك فميقاته محله (معناه يحرم من مكانه) كأن جاء من مصر أو الشام إلى جدة بنية زيارة قريب أو صديق أو نحو ذلك (كمن جاء للتجارة) ثم حصلت له نية النسك فميقاته جدة.
وميقات المكي (والمكي هنا من كان في مكة، سواء كان من أهلها أو واردا إليها من الخارج، ودخل وقت الحج وأراد الحج وهو في مكة، فميقاته مكانه، أي يحرم من مكانه، لأنه صار كالمكي الذي هو من أهل مكة. فإذا ميقات المكي) للحج مكة أي يحرم منها للحج وأما للعمرة فميقاته ما كان خارج حدود الحرم (يعني أقرب مكان من الحرم) من أي جهة كان (كأن يحرم من التنعيم وهو موقع يقع خارج حدود الحرم من جهة الشمال الغربي لمكة المكرمة، ويعرف حاليا بـمسجد السيدة عائشة رضي الله عنها) فلا يجوز للمكي أن يحرم للعمرة من مكة بل يخرج إلى أدنى الحل (أما من ليس مقيما في مكة، إذا أراد أن يحرم بالعمرة، فميقاته هو نفس الميقات الذي يحرم منه للحج).
وهذه المواقيت تسمى الميقات المكاني. أما الميقات الزماني فهو للحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كما تقدم (فإذا طلع فجر العيد، فاته الإحرام بالحج)، قال الله تعالى ﴿الحج أشهر معلومات﴾ (أي له وقت زمني معلوم، ومعناه أن الإحرام للحج يكون في هذه الأشهر، ويبدأ من اليوم الأول من شوال، فإذا أحرم بالحج من أول شوال، يبقى في الإحرام حتى ينتهي من أعمال الحج) والقدر الذي هو ميقات زماني من شهر ذي الحجة هو من أوله إلى فجر ليلة العيد (ويقال لها ليلة النحر) فبانتهاء ليلة العيد يفوت الميقات الزماني للحج (أي لم يعد يمكنه أن يحج هذا العام)، وأما العمرة فميقاتها الزماني الأبد (يعني متى ما شاء يستطيع أن يحرم بالعمرة، إن لم يكن في حج. أي كل الزمن، ولكن الحاج لا يصح أن يحرم بعمرة قبل أن يرجع من منى، فإذا نفر من منى، يجوز أن يحرم بالعمرة).
قال المؤلف رحمه الله: (و) يجب (في الحج) دون العمرة (مبيت) الحاج في أرض (مزدلفة) ونعني بالمبيت هنا مروره في شىء من أرضها بعد نصف ليلة النحر ولو لحظة، هذا (على قول) عند الإمام الشافعي وعلى قول هو سنة لا إثم بتركه ولا دم. ويجوز العمل به
الشرح من واجبات الحج فقط دون العمرة مبيت الحاج أي مروره في شىء من أرض مزدلفة بعد نصف ليلة النحر (أي بعد منتصف ليلة العيد) ولو لحظة ونائما. (في الأصل، إذا قيل المبيت، فالمراد البقاء أكثر الليل، أما هنا فقد فسر المبيت بـالمكث ولو لحظة. ومزدلفة هي أرض بين عرفات ومنى) وللإمام الشافعي قول بأن المبيت بمزدلفة سنة ليس واجبا فعلى هذا القول تاركه ليس عليه إثم ولا دم (أي ليس عليه معصية ولا فدية)، ويجوز العمل به.
والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين
لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/t9FJSqpY1Vc
للاستماع إلى الدرس: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-26