السبت ديسمبر 21, 2024

#26 سيدنا محمد رسول الله ﷺ

اعلم رحمك الله أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أنّ هناك واجباتٍ هى من واجبات القلب، كما أنّ هناك معاصِىَ هى من معاصِى القلب. والقلبُ سريعُ التَّقَلُّبِ، فينبغِى على الشخص أن يراقبَ قلبَهُ فى تقلبَاتِهِ حتَى يستمرَ قلبُهُ على الحالِ التِى تُرضِى اللهَ تبارك وتعالى. فإنّ الأمر هو كما قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ فى البدنِ مُضغةً إذا صَلَحَت صلَحَ الجسَدُ كُلُّه وإذا فَسَدَت فَسدَ الجسدُ كلُّه أَلا  وهِىَ القلب” والحديث رواه مسلم. فمن واجباتِ القلبِ الإيمانُ بالله وبالرسولِ عليه الصلاة والسلام، بل هذا أصلُ الواجبات، أى الاعتقادُ الجازم من غيِر شكٍ بوجودِ الله تبارك وتعالى وَوَحْدَانِيَتِهِ، وأنّه عزّ وجلّ موجودٌ لا يُشبِهُ الموجودات، موجودٌ بلا كميّة وبلا كيفيّة وبلا مكان. والاعتقادُ الجازمُ بأنَّ محمّدًا عليه الصلاة والسلام مُرسَلٌ من ربّه إلى كلِّ الإنسِ والجن ليبلّـِغَهُم عن الله عزّ وجلّ. وهذا يستلزمُ الإيمانَ بكلِّ ما جاء عن الله وبكلِ ما جاء عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أى بالقرءان وبما بلّغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ربّـِه. ومن أعمالِ القلوبِ الواجبةِ الإخلاصُ لله تبارك وتعالى فى العمل. ومعنى ذلك أن لا يقصدَ بعملِه محمَدَةَ الناس. ليس معنى ذلك أن لا يَشْعُرَ قلبُه بالسرور فيما لو مدحَهُ الناس على عَمَلٍ حَسَن، لأنّ الإنسان مَجْبُولٌ على الفَرَح فيما لو مُدِحَ. إنما الخطر أن يعملَ العمَل وقَصْدُه من ذلك أن يمدَحَهُ الناس وينظروا إليه بعينِ الإجلال، فإنّه فى هذه الحال واقع فى ذنبٍ من الذنوبِ الكبيرةِ. ومِن عُظْمِ هذا الذنب شبَّهَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بالشرك. وقد قال عزّ وجلّ: {فَمَنْ كان يَرْجُو لقاءَ ربّـِه فليعملْ عملًا صالحًا ولا يُشْرِك بعبادَةِ ربّـِه أحدًا} فمعنى: {ولا يشركْ بعبادة ربّه أحدًا} أى أن لا يُرائِى أى أن لا يقصد بعبادتِه محمَدَة الناس. فليس المقصودُ بهذه الآية الشركَ الأكبر، إنما المقصود الرياء، لأن الذى يقصِدُ بفعلِ الطاعةِ رضا إنسان من البشر يكون فعلُه شبيهًا بالذى يعبُدُ غيرَ الله، ولذلك شَبَّهَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث ابن حبان بالشرك بقوله “اتقوا الرياء فإنه الشرك الأصغر” ولم يقصد أنّه كفر. ومن الواجبات القلبية التوبةُ من المعاصِى إن كانت كبيرةً وإن كانت صغيرةً. والركنُ الأعظمُ من أركانِ التوبة هو الندم، لذلك جاء فى الحديثِ: “النَّدَمُ تَوبَة”. وليس معناه أنّ الندمَ وحدَه كافٍ لحصولِ التوبة، إنما معناه الركنُ الأعظم فى التوبةِ هو الندم على المعصية. والحديث رواه الترمذىّ.  ويجب أن يكون الندمُ لأنه عصى الله ليس لأجلِ الفضيحةِ بين الناس مثلًا.  ومن الواجبات القلبية التوكُّلُ على اللهِ. وليعلم أنّ التوكُّلَ على اللهِ معناهُ الاعتمادُ على الله، يعنى ثقة القلبِ بالله أنّه لا ضارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلا الله، لا أحد يَضُرُّكَ بشىءٍ لم يُرِدْهُ الله ولا أحد ينفعُكَ بشىء لم يَكْتُبْهُ اللهُ لك، فيكونُ اعتمادُ الشخصِ فى قلبه على الله فى أمورِ الرزق والسلامةِ من الآفَاتِ وما شابه ذلك. و مِنْ واجباتِ القلبِ المراقبةُ للهِ، يعنى أن يَستَدِيمَ الشخصُ فى قلبِهِ خوفَ اللهِ عزّ وجلّ على نحوٍ يمنَعُهُ من إهمالِ الواجب أو إتيانِ الحرام. ومما يساعد على هذا أن يستحضِرَ الشخصُ فى مختلف أحواله أنَّ الله يراه وأنَّ اللهَ عالِمٌ به.  واعلموا رحمكم الله أنّه يجب على المكلفِ أن يرضَى عن الله أى أن لا يعترض على الله لا باطنًا ولا ظاهرًا. فيرضى عن الله عزّ وجلّ فى تقديره سبحانه للخير والشر. وفى تقديره سبحانه وتعالى للحُلوِ والمر والسَّهْلِ والحَزَن وللراحة والألم، فلا يعترضُ على الله فى أىّ شأنٍ من ذلك. والذى يجب أن يَرضَى به العبدُ هو تقديرُ الله. أما المقْدُورُ أى ما يحصُلُ بتقديرِ الله من الشرور فلا يجبُ أن يرضى به بل ينكِرُهُ. و مِنْ واجباتِ القلبِ تَعظيمُ شعائِرِ اللهِ. فيجبُ أن يُعظّـِمَ الإنسانُ أعلامَ الدين. وأعلام الدين هى شعائرُ الدين فالأمور المشهورة بأنها من الدين يجبُ تعظيمُهَا، مثل الأذان والحج والوقوف بعرفة وما شابَه ذلك. فيحرُمُ عليه أن يَستَهِينَ بشىءٍ منهَا. و من أعمال القلوب الواجبة الشُكْرُ على نِعَمِ اللهِ بمعنَى عَدَمِ استعمالِهَا فِى مَعْصِيَةٍ. وليعلم أنّ الشكرَ قسمان شُكرٌ واجبٌ وشكرٌ مندوبٌ. أمّا الواجب فهو بأنْ لا يستعمِلَ نعمةَ الله فى معصيةِ الله. ليس الشكرُ الواجبُ مُجَرَّدَ أنْ يقولَ الإنسانُ بلسانه الشكرُ لله  أو الحمدُ لله. فلو قال بلسانه عشرة ءالاف مرة فى اليوم الشكر لله الشكر لله ثم هو يستعمل يدَه فى معصيةِ الله ورجلَهُ فى معصية الله ولسانَه فى معصية الله، هذا لا يكون شاكرًا لله عزّ وجلّ الشكرَ الواجب. إنما الشكرُ الواجبُ أن لا يستعملَ الإنسانُ نعمةَ الله فى معصيته.  ومن أعمال القلوب الواجبة الصبرُ على أَدَاءِ ما أَمَرَ اللهُ تعالى، والصبُر عمّا حَرَّمَ اللهُ، وعلى ما ابتلاكَ اللهُ بِهِ، فيتلخصُ من ذلك أنّ الصبرَ ثلاثةُ أنواع: النوعُ الأول صبرٌ على أداءِ الواجب، لأنّ الإنسانَ يَشُقُّ عليه فى بعضِ الأحيان أداءُ الواجب فيحتاجُ إلى الصبر حتى يَتَحَمَّلَ هذه المشقة. كما لما يتوضأُ الإنسان بالماء البارد فى الصبيحةِ الباردة ليُصلىَ الصبح، فإنه يحتاجُ إلى الصبر فى هذه الحال. والنوعُ الثانى الصبرُ عن المعصية أى أن يَكُفَّ نفسَهُ عن معصيةِ الله مع أنّ نفسَه تدعوه إلى ذلك. فى هذه الحال يحتاجُ أيضًا إلى الصبر. كأن كان فى ضِيقِ عَيش وحالِ فَقر وعَرَفَ أنه يستطيعُ أن يحصّل مالًا كثيرًا من طريقٍ حرام فدعته نفسه إلى ذلك فامتنعَ لله تعالى مُؤْثِرًا شدةَ الفَقرِ على أكلِ ما حرَّم الله. فإنّ هذا يحتاج إلى صبرٍ بلا شك. والنوعُ الثالثُ هو الصبرُ على البلاء، فلا يَجُرُّهُ البلاءُ إلى معصيةِ اللهِ. مثالُ ذلك أن يتعرَّضَ من مسلمٍ ءاخَرَ للإيذاء وللإهانةِ كُلَّ يوم وهو يعرف أنّه لو قَتَلَ ذلك الشخص يرتاحُ من هذه الإهانات المتكررة. هنا يحتاجُ أن يصبرَ على هذا البلاء حتى لا يقعَ فيما حرَّم الله عزّ وجلّ. بعضُ الناس إذا ابتُـلُوا لا يَصبرون حتى إنهم قد يكفرون. لما يَظْهَر الدّجال يحصُلُ ضيقٌ شديدٌ للمسلمين، يحصلُ بين المسلمين مجاعة، أمّا مَنْ تَبِعَ الدجّال فإن أَرْضَهُم تُنْبِت والسماءَ تُمطِرُ عليهم، فإذا لم يُعَوّد الإنسان نفسَه ويُوَطِنْها على الصبر على البلاء قد يكفر إذا صار فى مثلِ تلك الحال. فنسأل الله تبارك وتعالى أن يحفَظَنَا. ومن أعمال القلوب الواجبة بغضُ الشيطان. فإنّه يجب على المكلفينَ بغضُ الشيطان لأنّ الله تبارك وتعالى قال: {فاتّخِذُوهُ عَدُوًّا}. والشيطانُ هو الكافرُ من الجن، وجَدُّهُم الأعلى ورئيسُهُم هو إبليس. ومن أعمال القلوب الواجبة بغضُ المعاصِى سواءٌ صدرت منَ الشخصِ أو من غيرِه فى حضرَتِهِ أو فى غَيبَتِهِ. يعني إذا عَلِمَ بمعصيةٍ من المعاصى لا بدّ أن يَكْرَهَهَا بقلبِهِ. واعلموا رحمكم الله بتوفيقه أنّه يجب على المكلفِ مَحَبةُ اللهِ عزّ وجلّ، يعنِى محبة التعظيمِ التى تليقُ بالله عزّ وجلّ. وكذلك يجب محبةُ كلامِ الله عزّ وجلّ أى القرءان، أى بتعظيمِهِ التعظيمَ اللائقَ به. ويجبُ محبةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، أى تعظيمُ الرسولِ على ما يليقُ به عليه الصلاة والسلام، بالإيمانِ به واعتقادِ أنَّه عليه الصلاة والسلام أفضلُ رُسُلِ اللهِ عزّ وجلّ، من غيرِ الغُلُوّ فى ذلك ومجاوزَةِ الحدّ المطلوبِ شرعًا يعني من غيرِ وصفِه عليه الصلاة والسلام بما لا يجوز أن يوصَفَ به كما فعل بعضُ الناس فإنهم بالغوا فى تعظيمِ النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى قالوا بأنّه يَعْلَمُ كلَّ ما يعلمُهُ اللهُ عزّ وجلّ وهذا كفر والعياذ بالله. وكذلك يجبُ محبةُ كلامِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام لأنّ هذا تابعٌ لتعظيمِ النبىّ صلى الله عليه وسلم . كذلك يجب محبةُ الصحابة. والصحابىُّ هو مَن لَقِىَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم على سبيلِ العادةِ مُصَدِّقًا بهِ ثم مات على ذلك. فالأنبياءُ الذين صَلَّوْا خلفَ النبىّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الإسراءِ لا يُعَدُّونَ من صحابتِهِ لأنّ لُقياهُم لهُ ما كان على الطريق المعتاد بل كان بطريق خَرقِ العادة. فيجبُ محبةُ الصحابةِ لأنهم أنصارُ دينِ الله عزّ وجلّ، لا سيّما السابقونَ الأولونَ منهم من المهاجرين والأنصار. كذلك يجبُ محبةُ ءالِ النبىّ صلى الله عليه وسلم. والآلُ يُطْلَقُ بأكثرَ من معنًى. إن أُرِيدَ بالآلِ الأتباعُ الأتقياء فتجبُ محبتُهُم لأنّنا مأمورونَ بمحبةِ الصالحينَ، و قولُنا فى الصلاة: (السلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين) إشارةٌ إلى تعظيمهم ووجوبِ محبَّتِهِم. وإن أُرِيدَ بالآلِ أَقْرِبَاءُ الرسول عليه الصلاة والسلام فهؤلاء أيضًا تجبُ محبتُهُم. أزواجُه وأقرباؤُه المؤمنون تجبُ محبتُهم لِمَا خُصُّوا به من الفضلِ. واعلم رحمك الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الناس عن المعاصي ومنها معاصي القلب. ومعاصي القلب كثيرة ومنها ما هو من الكبائر كالرياء بأعمال البرّ. فلو قَصَدَ الشخصُ محمدةَ الناسِ بأعمالِ البرّ كالصلاةِ والصيامِ والحجِ والزكاةِ وقراءةِ القرءانِ والإحسانِ إلى الناسِ وتعليمِ الناس، أو قصدَ بذلكَ الثوابَ مِنَ اللهِ ومحمدةَ الناسِ كِلَيهِمَا فلا أجرَ له. فإن زاد على ذلك قصْدَ أن يَظُنَّ فيه الناسُ التقوى ليبَرُّوهُ بعطاياهم وهداياهُم فإنّه يكون ازدادَ فى الشرِ، وَأَكْلُهُ لمثل ذلك المال حرامٌ. ومن معاصي القلبِ الشكُّ فى الله وهو كفر ولو لم يَستمرَّ هذا الشكُّ طويلًا. لكن هذا لا يعنى أنّ مجرد الخاطر الذى يَخْطُرُ على قلبِ الإنسان بغيرِ إرادةٍ منهُ ويكرَهُهُ الإنسانُ ويردُهُ ويطرُدُه يكون كفرًا، لا. لأنّ هذا الخاطر لم يؤَثّر فى قلبِهِ شكًا ولا ترددًا، إنما هو مجرد وَسوسةٍ وخاطر خبيث رده هو وطرده فلا يكفر بذلك ولا إثم عليه بل له ثوابٌ عندَ الله بطرده لذاكَ الخاطر الخبيث.  ومن معاصي القلب الأمنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ يعنى أن يسترسلَ الإنسانُ فى المعصية مُعتمدًا على رحمةِ الله، فيقول: الله لا يُعذبُنِى بل يرحمُنِى ويعفو عنى فيسترسل فى المعاصِى لذلك فهذا حرام. ومن ناحية ثانية القنوطُ من رحمة الله ذنبٌ عظيمٌ أيضًا. ومعنى القنوط من رحمة الله أن يعتقد الشخصُ أنّ الله عزّ وجلّ لا يغفرُ له ولا يسامحُهُ لكثرةِ ذنوبِه التى لم يتب منها. كِلاَ الأمرَينِ ذنبٌ. والسلامةُ أن يكونَ الإنسانُ فيما بينهما، يعنى أنْ يخافَ عقابَ اللهِ وأنْ يرجُوَ رحمةَ الله تعالى. هذان الأمران للمؤمن كالجناحين للطائر، لا يطيرُ الطائرُ إلا بجناحيه وسبيلُ النجاةِ للمؤمن بأن يَجمَعَ بين هذينِ الأمرين الخوفِ من عذابِ الله والرجاءِ لرحمة الله. ومن معاصي القلب التكبُّرُ على عبادِهِ، وهو رَدُّ الحقِ على قائِلِهِ واستِحقارُ الناس. فالكِبرُ نوعان كما ثبتَ فى حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: “الكِبْرُ ردُّ الحقِ وغَمطُ النَّاس” رواه الترمذى. النوعُ الأول وهو ردّ الحق، يعنى أن يعرف أنّ ما يقولُه الآخر حقٌ ومع ذلك يردُه ويرفُضُهُ لعنادٍ أو لكونِ الآخر أقلَّ جاهًا أو أقلَّ مالًا أو نحوَ هذا. والنوعُ الثانى وهو غمط الناس يعنى أن ينظر إلى نفسه بعين التعظيم وإلى غيرِهِ بعين الاحتِقار، بسببِ ما رَزَقَهُ الله من مالٍ أو قوةٍ أو غيرِ ذلك من نعم الله. والكبرُ ذنب عظيم. وقد ثَبَتَ فى الحديث أنّ المتكبرين يُحشرون يوم القيامة على صورِ بَنِى ءادم لكن أحجامُهُم كأحجام النمل الصغير يطأُهُم الناسُ بأقدامِهم فَيُعاقَبون يوم القيامة عقابًا مُتناسبًا مع الذنب الذى فعلوه فى الدنيا. أجارنا الله تعالى من ذلك. ومن معاصِى القلبِ الحِقدَ. والحقد هو إضمار العداوة للمسلم فى القلب بحيث يحمِلُهُ ذلك على السعىِ لإيذاءِ المسلم باللسان أو بالجوارح. يعنى إذا لم يكرَه هذا الأمرَ فى قلبه إنما عَمِلَ بمقتضاهُ فسعَى ليَضُرَّ أخاهُ المسلم فإنّه يكونُ ءاثمًا. ومن معاصِى القلبِ أن يَحسدَ المسلمُ أخاه، يعنى أن يستثقل فى قلبه أنّ أخاه المسلم مُتَّصف بنعمةٍ من النّعَم أو حائز على نعمةٍ من النّعم إلى حدِّ أن يحمِلَهُ ذلك على العمل حتى يُسْلَبَ ذلك المسلمُ تلك النعمة وتنتقِلَ إليه. فلو أنّ شخصًا من المسلمين أنعم اللهُ عليه بمالٍ فحَسَدَهُ شخصٌ ءاخرُ وسَعَى حتى يخسرَ المسلمُ مالَه وينتقلَ إليه هذا المال يكونُ وقع فى ذنبِ الحسد. أما مجرد أن يُحِبَّ الشخصُ أن يكون عنده مثلُ ما عند ذلك المسلم من غير أن يتمنّى زوال تلك النعمة عن ذلك المسلم و من غير أن يسعَى فى ذلك، فهذا ليسَ محرمًا. كما أنّ مجردَ أن يخطُرَ ببالِ الشخصِ استثقالُ النعمةِ لأخيه المسلم من غير أن يَسعَى لأجلِ سَلْبِهَا منه، إنما خطرَ له هذا الخاطر فردَّه فهذا لا إثم فيه أيضًا. لكن لو عَزَمَ بقلبه على إتيانِ المعصيةِ كُتِبَ ذلك ذنبًا عليه، وأمّا ما دونَ العَزْم فليسَ عليه فيه ذنبٌ. وهذا ينطبق على أغلبِ المعاصى يعني لو تردد الشخصُ فى فعل السرقة أو الكذب من غير أن يجزِمَ بقلبِه أى من غير أن يعزِمَ بقلبه أنه يفعل تلك المعصية لم تُكْتَب عليه، فإن عزم كُتبت سيئةٌ واحدة. وإنما قلنا أغلب المعاصى لأنّ هذا لا ينطبقُ مثلًا على أمرِ التردُّد فى الإيمان بالله فإنّ مجرد التردد أو الشَّكِّ في ذلك كُفرٌ يُكتَبُ على الإنسان. و من معاصى القلبِ أن يُعَدّدَ شخصٌ لإنسانٍ ءاخر ما أَحْسَنَ به إليه ونيتُه أن يَكْسِرَ قلبَه بذلك. هذا يقالُ له المنُّ بالصدقَةِ. وذلكَ كأن يقولَ له أمامَ الناس حتى يكسِرَ قلبَه: “تَذكُر لما أعطيتُك كذا وكذا، تذكر لَمّا لم تكن مُستطيعًا أن تشترىَ طعامًا لأهل بيتك فجئتَنى ورجوتَنى حتى أُعطِيَك مالًا ففعلتُ؟”. وأما لو قال له إنسان هو كان أحسن إليه: “أنت ما أحسنت إلىّ قط” فأجابه: “أليس فى يوم كذا فعلتُ لك كذا وكذا” لِيُذَكّـِرَهُ لا ليكسرَ قلبه فهذا لا يكونُ حرامًا. ثم هذا المنُّ يُبطِلُ الثواب أى يَخْسَرُ به الإنسانُ ثوابَ ذلك العمل لأنّ الله تبارك وتعالى قال: {يا أيّها الذين ءامنوا لا تُبطِلُوا صدقاتِكُم بالمنِّ والأَذَى}، فمَن مَنَّ بالصدقةِ بطَلَ ثوابُ صدقتِه تلك. ومن معاصى القلبِ أن يُسِىءَ إنسانٌ الظنَّ بالمسلمين بواحدٍ أو أكثر من غيرِ قرينةٍ مُعْتَبَرَة. وذلك كأن يُسْرَقَ له مالٌ فيقول بقلبِه لا بد أنّ فلانًا هو الذى سرَقَهُ لِى من غير أن يكون هناك أيةُ قرينة تدُلُّ على ذلك. وأما لو اعتمد على قرينة معتبرة كأن كان هذا الشخص معروفًا بالسرقة وَوُجِدَ على حال مُرِيبةٍ فى المكان الذى حَصَلَت السرقُة فيه فقال فى قلبه كأنَّ فلانًا هو الذى أخذ المال فلا إثمَ عليه. وكثيرٌ من الناس يقعون فى إساءة الظن، وذلك لأنّ كثيرًا من الناس إذا كرهوا إنسانًا يصيرُ سهلًا على قلوبهم أن يَنْسِبُوا إليه المعَايبَ من غيرِ تحقق. فإذا رأوا منه تصرفًا يحتملُ وجهًا حسنًا ويحتملُ وجهًا سيئًا يحملونَه على الوجه السىء من غير أيةِ قرينةٍ معتبرةٍ، إنما بسبب ما فى قلوبهم من الكراهة له فيقعونَ فى إساءة الظن عافانا الله منها.  وليعلم أنّ الفرَحَ بالمعصيةِ معصيةٌ سواءٌ صدرت من الشخصِ أو من غيرِه فى حضرتِهِ أو فى غَيْبَتِهِ. فإذا علم بها فَفَرِحَ لصدورِهَا فهو ءاثم.  ومن معاصي القلب الغدرُ ولو بكافرٍ كأن يؤمّـِنَهُ ثم يقتُلَهُ، فإنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حرّمَ الغدرَ حتى بالكافرِ. فلو أمّنَ شخصٌ إنسانًا مثلًا ثم غدرَ به فقتلَه فهذا حرامٌ. ولو كان هذا المؤمَّنُ فى الأصلِ كافرًا حربيًا ثم قال له مسلم “تعالَ إلينا أنت ءامنٌ” فجاء بسببِ ذلك الأمان فَغَدَرَ ذلك  المسلم فقتله فهو ءاثم. فكيف إذا كان الغدرُ بمسلم؟ وهذا الغدرُ يَشْمَلُ فيما لو عاملَ إنسانًا بمعاملةٍ من بيع وشراءٍ ونحوِ ذلك فغشَّه ولو كان كافرًا. ومن معاصي القلب المكرُ، وهو والخديعةُ بمعنى واحد، ومعناه إيصالُ الضرر إلى المسلم بطريقةٍ خفيّة. وقد ذَمّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم هذا الأمرَ بقوله: “الْمَكْرُ والخِدَاعُ فى النار” رواه الترمذىُ. ومن معاصي القلب البُخْلُ بما أوجَبَ اللهُ أي عدمُ دفعِ الحق الذى فى المال، وذلك كنفقةِ الأولادِ الواجبةِ ونفقةِ الزوجةِ والزكاةِ وما شابه ذلك.