#26 تجهيز الميت وصلاة الجنازة
الحمدُ لله خالقِ الأرضِ والسماء والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمد خيرِ الأنبياء وعلى ءاله وأصحابِه إلى يوم الجزاء. أما بعد غَسْلُ الْمَيّتِ وتكفِينُهُ والصلاةُ عليه ودفنُهُ فرضُ كفايةٍ إذا كان مسلمًا وُلِدَ حيًا.
فيجبُ للمسلمِ الذى وُلِدَ حيًا-ولو عاش لحظة واحدة فقط-إذا مات غَسْلٌ وتَكفينٌ وصلاةٌ عليه ودَفنٌ. وهذا الواجبُ فَرضُ كفاية فإذا قامَ به البعض سَقَطَ الحرج عن الباقين. أما لو أنَّ مُسلمًا مات فأهمَلَ مسلمو البلد هذه الأمور بالنسبةِ له أَثِمَ كلُّ مَنْ عرَفَ به منهم ثم أَهْمَلَ.
وَوَجَبَ لِذِمِىٍّ تكفينٌ ودفنٌ. يعني أنّ الذمىَّ إذا لم يترك مالًا يُكَفَّنُ منه ويُدفَن ولا تَوَلَّى ذلك أهلُ ملَّتِهِ يُفْعَلُ ذلك من بيتِ مالِ المسلمين، يُنْفَقُ على ذلك من بيتِ المال، لكن لا يُدْفَنُ فِى مقابرِ المسلمين، ولا يُصَلَّى عليه.
و الميـّتُ إذا كان سِقْطًا مَيْتًا وجبَ له غَسْلٌ وتكفينٌ ودفنٌ من غيرِ صلاةٍ عليه أى لا يُصَلَّى عليه. هذا إذا كان ظَهَرَ فيه خِلْقَةُ ءَادَمِىّ، أما إن لم تكن ظهرَت فيه خِلْقَةُ ءادمِىّ فإنَّه يُسَنُّ لَفُّه بِخِرقَةٍ ودفْنُهُ، ولا يَجِبُ ذلك.
أما الذِى يموتُ فى قتالِ الكفار بسببِ القتال ولو قَتَلَهُ المسلمونَ خطئًا فى القتال فإنه يُعدُّ شهيدَ معركة. والشهيدُ يُكَفَّنُ فِى ثيابِه التِى قُتِلَ فيها إبقاءً لأثرِ الشهادةِ عليه. فإن لم تكفِهِ يُزادُ عليها بقدرِ الكفاية، ولا يُغَسَّلُ، لأنَّ الله تعالى طَهَّرَهُ بالشهادة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “السيفُ مَحَّاءُ الخطايا”، يعنى إذا مات الإنسان شهيدًا مُحِيَت عنه كُلُّ ذنوبِهِ أى طُهّـِرَ من ذنوبِهِ كُلّـِهَا. ولا يُصَلَّى عليهِ لأنَّ الله تولاهُ برحمتِهِ فأغناهُ عن دعاءِ المصلينَ له. ويجبُ دفنُهُ أي يجب دفن شهيد المعركة.
أما غَسلُ الميت فأقله: إزالَةُ النجاسةِ وتعميمُ جميعِ بَشَرِهِ وَشَعَرِهِ وإن كَثُفَ مَرَّةً واحدة بالماءِ الْمُطَهّرِ. أي أنه لصحةِ الغُسْلِ لا بد من إزالةِ النجاسةِ ثم غَسْلِ الموضع الذى كان مُتَنَجّـِسًا بعد ذلك، ويكفِى لإجزاءِ الغُسْلِ أن يعمَّمَ البَدَنُ والشَعَرُ مرةً واحدةً بالماءِ المطهّـِر. ولا يُشتَرَطُ لهذا الغُسْلِ نيّة، لذلك لو فَعَلَهُ الكافر صَحَّ. ولا يجوزُ أن يَكْشِفَ الغاسِل عورةَ الميّت عِنْدَ غَسْلِهِ، ولا أنْ يُبَاشِرَهَا بيدِهِ مِن غيرِ حائل، ولا أن يُقَلّـِبَ الْمَيّتَ بطريقةٍ مُهِينَةٍ كأن يَكُبَّهُ على وجْهِهِ عندَ غَسْلِهِ.
أما أقلُّ الكَفَنِ: ساتِرُ جميعِ البدَنِ وثلاثُ لفَائِفَ لِمَنْ تَرَكَ تَرِكَةً زائِدَةً على دَيْنِهِ وَلَمْ يُوصِ بِتَركِهَا. يعني أنّ أقلَّ ما يُجْزِئُ فى الكفن هو ما يَسْتُرُ كلَّ البدن. فيُكَفَّنُ كُلُّ البدن بشىءٍ كان يجوزُ للميّت لُبْسُهُ حَـيًا، إلا إذا كان يُزْرِى بالميت أى إلا إذا كان فيه إشعارٌ بإهانةِ الميت فلا يجوز تكفينُهُ به عند ذلك. فإن تَرَكَ الميت تَرِكَةً زائدةً على ديونِهِ لا بد من تكفينه بثلاثِ لفائِف، إلا إذا كان الميتُ أوصَى أن لا يُكَفَّنَ بالثلاث، فيُكْتَفَى عند ذلك بلِفَافَةٍ واحدة، وهذا كلُّ ما يرافقُه مِنْ مَالِه إلى قبرِه. أما الرَّجُلُ التَّقِىُّ فإنَّ عَمَلَهُ الصالِحَ يأتِى إلى قبرِهِ على هيئَةِ رجلٍ حَسَن المنظر يؤنِسُهُ فيه.
وليعلم يا أحبابنا أنّ صلاة الجِنازة لها أقل ولها أكمل. فالأقل الذى يَتَأَدَّى به الفرض الذى فَرَضَهُ الله على المسلمين فى ذلك هو أن ينوِىَ النيَّةَ الصحيحةَ، أى أنْ ينوىَ بقلبِهِ فعلَ الصلاةِ على المـيّت، وينوِىَ الفرضيةَ، ويقومَ إِنْ قَدَرَ، ويقولَ: الله أكبر مع استحضار النيّة فى خلال هذا التكبير، ثم يقرأُ بعدَ ذلك الفاتحةَ. ويجوزُ تأخيرُ قراءَةِ الفاتحةِ إلى ما بعدَ التكبيرةِ الثانيةِ أو الثالثةِ أو الرابعةِ لكن لا بد أن يقرأَهَا قبل السلام، والأفضل أن تكونَ بعد تكبيرة الإحرام.
ثم يكبّر تكبيرةً ثانية ثم يصلّى بعدها على النبى صلى الله عليه وسلم ولا بد أن تكون الصلاةُ على النبىّ بعد هذه التكبيرة الثانية.
ثم بعد ذلك يُكَبّـِرُ تكبيرةً ثالثةً ثم يدعو للميتِ بعدَها. ولا بد أن يدعو للميتِ بخصوصِهِ، وأن يكونَ الدعاءُ مُتَعَلّـِقًا بأمرٍ أُخْرَوِىّ، كأن يدعو له بالمغفرة.
ثم بعدَ الدعاءِ للميت يكبرُ تكبيرةً رابعة ثم يُسَلّـِم. والأكملُ أن يَرْجِعَ للدعاءِ للميت ولو أطالَ فى ذلك، ثم يُسَلّـِم بعدَ ذلكَ.
و لا بد فى صلاة الجنازة من مراعاةِ سائر شروطِ الصلاةِ كاستقبالِ القِبْلَةِ والطهارَةِ عنِ النجاسةِ ونحوِ ذلك. ولا بد فيها أيضًا من تَجَنُّبِ مبطلاتِ الصلاة ككلامِ الناس والفعل الكثير المتوالى وما شابه ذلك.
وأقلُّ الدفنِ: حفرةٌ تكتُمُ رائحتَهُ وتَحْرُسُه مِنَ السباعِ. ويُسَنُّ أن يُعَمَّقَ قَدْرَ قَامةٍ وَبَسْطَةٍ وَيُوسَّعَ. ويجبُ توجِيهُهُ إلى القِبْلَةِ. ولا يَجُوزُ دَفْنُ المسلم فِى الفِسْقِيَّةِ.
شرح ذلك أنَّ الدفنَ الذى هو فرضٌ على الكفايةِ حُفرةٌ تكتُمُ رائحتَهُ بعدَ طَمّـِهِ وتمنعُ السِباعَ من نبشِ القبرِ وإخراجِ الجثة. وهذا هو الأقل. أما الأكملُ فهو أن يُوَسَّعَ القبرُ ويُعَمَّق قَدْرَ قامَةٍ وَبَسْطَةٍ. ويجبُ عندَ دفنِ الميّتِ المسلم توجيهُهُ إلى القِبْلَةِ، أى يجبُ توجيهُ صدرِهِ إلى القِبْلَة. ولا يجوز أن يُدْفَنَ فِى فِسْقِيَّةٍ (الكلام عن المسلم)، لأنَّ هذا فيه إهانةً له. ولا يجوزَ أنْ يُدْفَنَ اثنانِ فِى قبرٍ -يعنى قبل أن يَبْلَى جسدُ الأوَّل- إلا لحاجة. ولا يجوز فتحُ قبرِ المسلم لغيرِ ضرورة إذا لم يبلَ جسَدُهُ أيضًا. ويُسَنُّ وَضْعُ لَبِنَةٍ تحت رأسِ الميتِ وإفْضَاءُ خَدّهِ إليها أى أنْ يوضَع خدُّه على تلك اللَّبِنة أو أن يُفْضَى بِخَدّهِ إلى الأرض.
ولا يُكَبُّ الترابُ مباشرةً على جَسَدِ الميت، بل لا بد أن يكون هناك عازِلٌ كَلَوحٍ بين جسدِ الميت وبين الترابِ الذى يُكَبُّ فوقه. وفي الختام نسأل الله تعالى أن يلطف بنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض والله تعالى ربي أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.