(247) مَا حُكْمُ مَنْ أَنْكَرَ الْقَدَرَ.
اعْلَمْ أَنَّ الْقَدَرَ صِفَةٌ لِلَّهِ وَمَعْنَى الْقَدَرِ تَدْبِيرُ الأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهٍ مُطَابِقٍ لِعِلْمِ اللَّهِ الأَزَلِىِّ وَمَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَّةِ فَيُوجِدُهَا فِى الْوَقْتِ الَّذِى عَلِمَ أَنَّهَا تَكُونُ فِيهِ أَىْ إِيجَادُ اللَّهِ الأَشْيَاءَ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَيْنِ وَيُقَالُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْقَدَرُ هُوَ جَعْلُ كُلِّ شَىْءٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ مَعْنَى التَّدْبِيرِ التَّفْكِيرَ لِأَنَّ التَّفْكِيرَ صِفَةٌ حَادِثَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ فَلا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ التَّفْكِيرُ إِنَّمَا الَّذِى يُوصَفُ بِهِ هُوَ التَّدْبِيرُ أَىِ التَّقْدِيرُ. فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِى الْوُجُودِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَهُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ الأَزَلِىِّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ الْقَدَرَ فَهُوَ كَافِرٌ بِالإِجْمَاعِ كَالْقَدَرِيَّةِ أَىِ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْ حُصُولَ الْمَعَاصِىَ وَالشُّرُورَ وَمُحَمَّد رَاتِب النَّابُلُسِى الْقَائِلِ بِأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. وَكَلامُهُ هَذَا تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بقَدَرٍ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كُلُّ شَىْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِى الْفِقْهِ الأَكْبَرِ وَالطَّاعَةُ كُلُّهَا مَا كَانَتْ وَاجِبَةً بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ وَبِرِضَائِهِ وَعِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَضَائِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَالْمَعَاصِى كُلُّهَا بِعِلْمِهِ وَقَضَائِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ لا بِمَحَبَّتِهِ وَلا بِرِضَائِهِ وَلا بِأَمْرِهِ. فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ قَوْلُ اللَّهُ لا يُقَدِّرُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَلا يُقَالُ لا قَدَّرَ اللَّهُ. وَيَجِبُ الْحَذَرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ شَاءَ الْقَدَرُ أَوْ شَاءَتِ الأَقْدَارُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَدَرَ لا يُوصَفُ بِالْمَشِيئَةِ إِنَّمَا الَّذِى يُوصَفُ بِالْمَشِيئَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَجِبُ الْحَذَرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ نَحْنُ نَصْنَعُ قَدَرَنَا بِأَيْدِينَا كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ أَبِى الْقَاسِمِ الشَّابِّىّ إِذَا الشَّعْبُ يَوْمًا أَرَادَ الْحَيَاةَ ¤¤¤¤ فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَدَرُ فَإِنَّهُ مُعَارِضٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَابِعَةً لِمَشِيئَةِ الْعِبَادِ قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَلاثِمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ هِجْرِيَّةً غَلَبَتْ مَشِيئَتُهُ الْمَشِيئَاتِ كُلَّهَا لا مَشِيئَةَ لِلْعِبَادِ إِلَّا مَا شَاءَ لَهُمْ.