#24 فرائض الصلاة
الحمدُ لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه. أركانُ الصلاةِ أو-بتعبِيرٍ ءاخر-فرائضُ الصلاةِ أى أجزاءُ الصلاةِ التى لا تصحُ الصلاةُ إن تُرِكَ واحدٌ منها هى سبعةَ عَشرَ رُكْـنًا أى إذا عُدَّت الطّمأنينةُ فى كل محلٍ من مَحَالّـِهَا رُكنًا مستقلًا.
الركنُ الأول مِنْ أركان الصلاة النية، ومحلُّهَا القلبُ. فلا يكفِى التلفُّظُ بها باللسان قبلَ الدخولِ فِى الصلاة إن لم يستحضرْها الشخصُ بقلبهِ فِى ابتداءِ صلاتِهِ. ووقتُ النية هو تكبيرةُ الإحرام، يعني لا بد أن يَستحضر فى قلبه النيةَ بينما هو يقولُ بلسانِهِ الله أكبر. ولا بد فى النيةِ منْ أن يَقْصِدَ بقلبه فعلَ الصلاة. ثم إن كانت الصلاةُ فرضًا لا بدَّ أن ينوِىَ الفرضيةَ، وإنْ كان لَهَا وقتٌ مُعَيَّنٌ لا بد أن يُعَيّنَهَا. فالظهر مثلًا لها وقت مُعَـيَّن فلا بد أن يستحضرَ فى قلبه عند النيةِ أنه يُؤَدّى صلاةَ الظهرِ بخصُوصِهَا، لأنّ لها وقتًا معينًا. وإن كان للصلاةِ سبب مُعَيَّنٌ لا بد أن يُعَيّنَهَا أيضًا، كصلاةِ الكسوف أى كسوف الشمس، فلا بد أن يعين فى النيةِ أنه يصلى صلاةَ الكسوفِ، لأنّ لها سببًا معينًا. فإذا أراد أن يصلِىَ فرضَ الصبح مثلًا فالنيةُ المجزِئَةُ عندئذٍ تكون أن يقولَ بقلبه أُصلِى فرضَ الصبح أو أُصَلّى الصبحَ المفروضةَ أو نحو ذلك، وإذا كان يريد أن يُصَلّـِىَ صلاةَ العيد وهي صلاة ذات سبب يقول أُصلِى صلاةَ العيد، وإذا أراد أن يصلّىَ نَفْلًا مُطْلقًا ليس مُخْتَصًا بسببٍ معيّن ولا بوقت معين يَكفِى أن يقولَ بقلبه أُصَلّـِى.
و الركنُ الثانِى من أركان الصلاة هو تكبيرةُ الإحرام أى التكبيرة التى يُحْرِم بها بالصلاة أى بها يدخل فى الصلاة وهى أولى تكبيراتها. ولا بد فى هذه التكبيرة من أن يُسمِعَ نفسَهُ. وهذا -يعنى أن يُسْمِعَ نفسه- لا بد منه أيضًا فى كُلِّ ركن قولىّ.
والركنُ الثالث من أركان الصلاة هو القيامُ فى الفرضِ إن كان قادرًا على القيام، وذلك بأن يَعْتَمِدَ على قدميه ناصبًا لِفَقَارِ ظهْرِهِ. فإن عَجَزَ عن القيام صلَّى قاعدًا، فإن عَجَزَ عن الجلوس صلَّى مضطجعًا على جَنْبِهِ الأيمن أو الأيسر وصدرُهُ إلى القبلة، لكن الاضطجاع على جنبه الأيمن أفضل. فإن عجز عن ذلك صلَّى مُستلقيًا على ظهرِه مَادًا قدَمَيهِ إلى القبلة، مع وضعِ شىءٍ تحتَ رأسِهِ ليكونَ وجهُهُ إلى القبلة (لا إلى السماء) إنْ قَدَر.
والركنُ الرابعُ من أركان الصلاة هو قراءَةُ الفاتِحَةِ بالبَسْمَلَةِ والتشدِيداتِ، ويُشترطُ مُوالاتُهَا، وترتيبُهَا، وإخراجُ الحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا. فيُعلم من ذلك أنه لا بد أن يأتى المصلى بالتشديدات التى فى الفاتحة، وأن يوالىَ بين ءاياتها يعنى أن يقرأ الآية بعد الأخرى من غير فاصل بينهما. ولا بد من ترتيبِ الآيات بحيثُ لا يُقَدّمُ ءايةً على التى قبلَها. ولا بد أيضا-أى لصحة الصلاة-من أن يُخْرِجَ الحروفَ من مخارِجِهَا صحيحةً، ويكفى فى ذلك أن يُخْرِجَ أصولَ الحروفِ صحيحةً ولو لَمْ يأتِ بكمالِ لفظِ الحرف. أما إن أَهْمَلَ ذلك فلا تَصِحُّ قراءَتُهُ للفاتحة، كالذين يَقْرَءُون الفاتحة فيلفظُون الطاء تاءً، أو الذال زايًا، فهؤلاء لا تصحُ قراءَتُهُم، وبالتالى لا تصحُ صلاتُهُم. وحرامٌ أن يَلْحَنَ الإنسانُ فى قراءةِ الفاتحة ولو كان بسببِ تقصِيرِهِ فى التعلُّم فإنّ هذا ليس عذرًا. فإن لَحَنَ لَحْنًا يُخِلُّ بالمعنى أي غلط غلطًا يُخلّ بالمعنى مثلَ ضَمِّ تاءِ أنعمتَ تبطل صلاته لأنه يغير المعنى فتبطُلُ صلاتُه ولو كان يَجْهَل أَنَّ الصوابَ هو غيرُ ما قَرَأَهُ، إلا إن خَرَجَت منه الكلمةُ سَبْقَ لِسَان فيُعِيدُهَا على الصواب. أما اللحنُ أي الخطأ الذى لا يخلُ بالمعنى مثل ما لو قال: “الحمد للهُ” بضم الهاء من لفظ الجلالة فإنه إذا كان يظن أنَّ هذا هو الصوابُ لا تَفْسُدُ صلاتُه. أما إذا كان يَعْرِف أنّ الصوابَ هو غيرُ ما يقول ونَطَقَ بالكلمةِ عمدًا على الوجه الغَلَطِ فتفسُدُ صلاتُهُ لِتَلاعُبِهِ.
أما الركن الخامس من أركان الصلاة أن ينحنِىَ إلى حد أنه لو أرادَ أن يضع الراحتان على الركبتين يستطيع -أى من غير انخناس- ولا يُشتَرَط وضع الراحتين على الركبتين، لكنه سُّنَّةٌ. وكذلك ليس شرطًا أن يقول سبحان ربّـِىَ العظيم لكنه سُنَّةٌ.
و الركن السادسُ من أركانِ الصلاةِ الطُمأنينةُ، أى أن تَسْكُنَ كلّ أعضائِهِ دفعةً واحدة بقدرِ سبحان الله وهذا على الأقل.
والركنُ السابع الاعتدالُ بأنْ يَنْتَصِبَ بعدَ الرُّكُوعِ قَائِمًا. و معنى الاعتدال أن يَرْجِعَ الراكِعُ إلى ما كان عليه قبلَ الرُّكوع. ولا يُشتَرَطُ فى هذا الاعتدالِ أن يقولَ “سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَه ربَّنَا وَلَكَ الحمد”، لكنه سُنَّة. ولا بد أن يَطْمَئِنَّ فِى الاعتدالِ بقدرِ سبحانَ اللهِ أيضًا، وهذا ثامِنُ الأركان أما الركن التاسع من أركانِ الصلاة السجود، وهو مرتانِ فى كُلِّ رَكعة. ولصحةِ السجود لا بد من أن تُبَاشِرَ الجبهَةُ المُصَلَّى-أى مكانَ السجود-من غير حائل بينَهُمَا، فلو كان الشَعَرُ يَحُولُ بين الجبهةِ وبين الْمُصَلَّى لَمْ يصحَّ السجودُ. ولا بد أن يكون الشخصُ متثاقلًا برأسِه عند السجود أى تاركًا ثِقَلَ رأسِهِ يَقَعُ على الْمُصَلَّى. ولا بد أن يكون مُنَكّـِسًا أى أن تكونَ أسافِلُهُ أَعْلَى مِنْ أعاليه. وقال بعضُ الشافعيةِ يصحُ لو استوت الأسافلُ والأعَالِى. ولا بد أن يَضَعَ شيئًا من رُكبتيه وشيئًا من باطن كَفَّيهِ وشيئًا من باطِنِ أصابِعِ قدميه على مصلاه.
والركن العاشرُ الطمأنينةُ فيه. وأما الركن الحادِى عَشَر الجلوسُ بين السجدتينِ. فمن ترك الجلوسَ بين السجدتين عَمدًا لم تصحَّ صلاتُهُ، ولا بد أن يَطْمَئِنَّ فى هذا الجلوسِ بقدْرِ سبحانَ الله، وهذا الركن الثاني عشر.
أما الركن الثالث عَشَرَ فهو الجلوسُ للتشهُّدِ الأخيرِ وما بعدَهُ مِنَ الصلاةِ على النبىّ والسّلامِ. وليعلم أنّ التشهدَ الأخير لا يُجْزِئُ إلا إذا قاله الشخص وهو جالس. إذًا مِنْ أركان الصلاة أن يجلِسَ لِيَتَشَهَّد التشهد الأخير. وكذلك أَمْرُ الصلاةِ على النبىّ بعد التشهُّد والسلامِ.
والركن الرابع عَشَر قراءة التشهد الأخير في الجلوس الأخير فيقولُ: التحياتُ المباركاتُ الصلواتُ الطيباتُ للهِ، السلامُ عليكَ أيُّها النبىُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ السلامُ علينا وعَلَى عبادِ اللهِ الصالحينَ. أشهدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وأَشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، أو أَقَلَّه وهُوَ: التحيّاتُ للهِ، سَلامٌ عليكَ أيُّهَا النبىُّ ورحمةُ الله وبركاتُهُ، سَلامٌ علينا وعلى عبادِ الله الصالحينَ، أشهدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله .
والركن الخامس عشر هو الصلاةُ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وأَقَلُّهَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد. شرح ذلك أنّ الصلاةَ على النبىِّ بعد التشهدِ ركنٌ من أركانِ الصلاةِ فى مذهبِ الإمام الشافعىّ رضى الله عنه. والعبارةُ التى ذكرناها أى اللَّهمَّ صلّ على محمد هى مِثَالٌ عن الصلاةِ الْمُجْزِئَةِ. فلو قال صلَّى الله على محمّد أجزأ، أو قال صلَّى اللهُ على رسولِ الله، أو قال صلَّى اللهُ على النبىّ أجزأ ذلك. أما إذا قال صلَّى الله على أحمد فلا يُجْزِئ.
والركن السادِس عشر السلام وأَقَلُّه: السلامُ عليكم. و لا بد أن ينتبهَ الإنسانُ إلى الإتيانِ بـ (أَل) فى السلام فلا يقول مثلًا سَلامُ عليكم بل لا بد أن يقول “السّلام عليكم”. والفرضُ هو التسليمةُ الأولى، أما الثانيةُ فسُنَّة. ولا يُشتَرَطُ أن يقولَ: ورحمةُ الله، لكن لو قَالَهَا يكونُ أحسن.
والركن السابِع عشر الترتيبُ. فلا بد أن يأتِىَ بأركان الصلاة على الترتيبِ المذكورِ فى تَعْدَادِهَا. يقفُ قائمًا إن قَدَرَ ويُكَبّر وهو قائِم وفى خلال التكبير ينوى ثم يقرأُ الفاتحة ثم يَركع ويطمئنُ فى الركوع ثم يعتدل مع الطمأنينة ثم يسجُدُ مرتين مع الطمأنينة ويَجْلِسُ بين السجدتينِ مع الطمأنينة كذلك، ثم فى الركعةِ الأخيرة بعد السجدةِ الثانية يقعُدُ، ثم يقرأ فى ذلك الجلوسِ التشهدَ ثم يُصَلّـِى على النبىّ ثم يُسَلّـِمُ.
فإذا تعمد الشخصُ تركَ الترتيب كأن قَدَّمَ السلامَ على محلّـِهِ عمدًا، أو قدَّمَ ركنًا فعليًا على ركنٍ فعلىٍّ قبْلَهُ فسَجَدَ قبلَ أن يركَع مثلًا وهو عامد لذلك تفسُدُ صلاتُهُ لأنه مُتلاعب. وفي الختام نسأل الله تعالى لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وعملا صالحا مقبولا والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا