(236) مَا حُكْمُ مَنْ يَنْسُبُ إِلَى اللَّهِ الظُّلْمَ.
اعْلَمْ أَنَّ الظُّلْمَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ شَرْعًا وَعَقْلًا لِأَنَّ الظُّلْمَ مُخَالَفَةُ أَمْرِ وَنَهْىِ مَنْ لَهُ الأَمْرُ وَالنَّهْىُ وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ءَامِرٌ وَلا نَاهٍ فَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِى مِلْكِهِ كَمَا يَشَاءُ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ الْحَقِيقِىُّ لِكُلِّ شَىْءٍ فَلا يَجُوزُ عَلَيْهِ الظُّلْمُ لا يَكُونُ ظَالِمًا إِنِ انْتَقَمَ مِنْ عِبَادِهِ الظَّالِمِينَ بِمَا شَاءَ قَالَ تَعَالَى ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ فُصِّلَتْ ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾. وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِى مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِى صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِىِّ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ أُبَىَّ بنَ كَعْبٍ (وَهُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ) فَقُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّهُ حَدَثَ فِى نَفْسِى شَىْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ (أَىْ خَطَرَ لِى خَاطِرٌ خَبِيثٌ يَتَعَلَّقُ بِالْقَدَرِ) فَحَدِّثْنِى لَعَلَّ اللَّهَ يَنْفَعُنِى (أَىْ بِكَلامِكَ) قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ أَرْضِهِ وَسَمَوَاتِهِ (أَىْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ فِى الأَزَلِ أَنْ يُعَذِّبَ كُلَّ عِبَادِهِ مِن إِنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلائِكَةٍ) لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ. أَمَّا مَنْ يَقُولُ اللَّهُ يَظْلِمُكَ فَقَدِ اسْتَخَفَّ بِاللَّهِ وَكَذَّبَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ اللَّهُ يَظْلِمُكَ كَمَا ظَلَمْتَنِى إِلَّا إِذَا كَانَ يَفْهَمُ أَىْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَعْنَى يَظْلِمُكَ يَنْتَقِمُ مِنْكَ فَلا نُكَفِّرُهُ بَلْ نَنْهَاهُ وُجُوبًا. وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ فِى حَالِ مَرَضِهِ لَوْ ءَاخَذَنِى اللَّهُ بِتَرْكِ الصَّلاةِ أَىْ لَوْ عَاقَبَنِى عَلَى تَرْكِهَا مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمَرَضِ ظَلَمَنِى لِأَنَّهُ نَسَبَ الظُّلْمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَيَكْفُرُ مَنْ يَعْتَرِضُ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّ فِيهِ نِسْبَةَ الظُّلْمِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.